أهمية تعاليم القديس غريغوريوس بالاماس
المطران إيروثيوس فلاخوس
ترجمة نديم سلوم
تحتفل كنيستنا اليوم، الأحد الثاني من الصوم الكبير، بتذكار القديس غريغوريوس بالاماس، رئيس أساقفة تسالونيكي، الذي عاش في القرن الرابع عشر وهو شخصية آبائية رائدة، ولتعاليمه أهمية كبيرة للكنيسة الأرثوذكسيَّة.
يعطيه كاتب خدمته، بطريرك القسطنطينية والهدوئي الكبير القديس فيلوثاوس كوكِّينوس الذي كان راهبًا عنده في جبل آثوس ثم كاتب سيرته، ألقابًا جليلة، مُظهِرًا قيمته العظيمة. يكتب في إحدى الترنيمات: "إفرح يا فخر الآباء وفم التكلم باللاهوت مسكن الهدوء وبيت الحكمة زعيم المعلِّمين ولجَّة القول، إفرح يا آلة العمل وكمال الثاوريَّا".[1]
بالطبع، تقيم الكنيسة تذكار كل قديس في يوم رقاده، الذي هو يوم ولادته، وتذكار القديس غريغوريوس بالاماس هو في 14 تشرين الثاني. مع ذلك، فاليوم مقرَّر للإحتفال بتذكار القديس غريغوريوس بالاماس لأنَّ الكنيسة تعتبر يوم الأحد هذا استمراراً للأحد الماضي، وفقًا للتقويم الإكليزيولوجي، وهذا ما يُظهر الأهمية الكبيرة لتعاليم القديس غريغوريوس.
كما تعلمون، احتفلنا الأحد الماضي بالأرثوذكسيَّة مع إعادة رَفع الإيقونات المقدسة. هذا الحدث له دلالة كبيرة لأنَّه يظهر كل العقائد الخريستولوجية والخلاصية التي صاغها الآباء في إيقونة شخص المسيح وأصدقائه أي القديسين.
تظهر الطريقة التي يُرسم فيها المسيح في الإيقونة أنَّه إلهٌ تام وإنسانٌ تام، وليس خليقة الله، وأنَّ بشخصه اتَّحدت الطبيعة البشرية بالإلهية من دون تغييرٍ أو امتزاجٍ أو اختلاطٍ أو انقسامٍ، وأنَّ المسيح الإله – الإنسان يملك مشيئتين إلهية وبشرية، ولهذا السبب هو مخلِّص البشرية. بذلك يظهر لنا أنَّ المسيح هو نور العالم، مخلِّص البشرية. يظهر لنا أيضًا في الإيقونة المقدسة أنَّ الإنسان يمكنه أن يشارك في نعمة الله غير المخلوقة، يتَّحد بالمسيح ويبلغ التألُّه والقداسة.
تظهر عقيدة تجسُّد الأقنوم الثاني في الثالوث الأقدس وتألُّه الإنسان بوضوح في الإيقونات المقدسة المرسومة من كاتبي الإيقونات الأرثوذكس. كل الأشخاص المرتبطين بالمسيح، حتَّى الخليقة، هم في النور غير المخلوق.
وفقًا للتقويم الإكليزيولوجي، الأحد الثاني من الصوم، أي اليوم، هو استمرار للأحد الماضي، لأنَّ الكنيسة تريد أن تُظهر لنا كيف يمكننا أن نشترك في مجد المسيح، كيف يمكننا أن نصبح أصدقاء المسيح، كيف يمكننا أن نبلغ التألُّه من خلال النعمة، كيف يمكننا أن نتَّحد بالمسيح؛ بكلام آخر، كيف يمكننا أن ندخل في الإيقونة المقدسة والانضمام مع سائر الأشخاص المصوَّرين في مجد ملكوت الله. إذًا، لا يكفي أن نكرِّم ببساطة إيقونات المسيح المقدَّسة وسائر الإيقونات التي تُظهر مراحل التدبير الإلهي وإيقونات القديسين، لكن أن نتعلّم كيف نشترك في بهجة القديسين في الكنيسة الأبدية غير المخلوقة، الكنيسة البكر المنقوشة في السماوات كما توصف، بقدر الإمكان البشري، في الإيقونات الأرثوذكسيَّة.
بكلام آخر، المشكلة هي كيف يمكن لهذه العقائد أن تصبح خبرة في حياتنا. لا نمتلك الطعام لنتركه على رفوف المطبخ وحفظه في الثلاجة، لكن يجب أن نأكله فهو الغذاء والدم ويُغني حياتنا بالسعرات الحرارية والفيتامينات، لكي نبقى أحياء. الأمر ذاته مع العقيدة، التي ليست موجودة في الكتب أو موضوعة في زاوية الإيقونات أو تكريمها وتوقيرها، أو معرفتها فكريًا والإحتفال فيها، لكن لكي نجاهد لجعلها غذاءنا الروحي، لكي تدخل جسدنا الروحي واكتساب معرفة شخصية كيف المسيح هو الإله – الإنسان، أنَّ القديسين لم يكونوا فقط أشخاصاً صالحين، لكن أصدقاء المسيح المشتركين في مجده.
نستطيع هنا أن نرى قيمة تعاليم القديس غريغوريوس بالاماس، لهذا وَضَعَتْه الكنيسة اليوم في الطليعة. في كل كتاباته، لا يعلِّمنا من هو المسيح وحسب، بل كيف يرتبط به الشخص؛ ليس فقط ما هو التألُّه، بل كيف يمكن للمرء أن يختبر التألُّه في حياته الشخصيّة؛ ليس ما هي الكنيسة، بل كيف يمكن للمرء أن يصبح عضوًا حقيقيًا وممجَّدًا في الكنيسة.
هذا هو السبب أن سينوذيكون الأرثوذكسيَّة، القسم الذي قُرئ الأحد الماضي، يشير في قسمه الأول إلى لاهوت الإيقونات المقدسة والعقيدة الأرثوذكسيَّة بشكل عام، كما هو مُدوَّن في المجمع المسكوني السابع، ويشير القسم الثاني إلى تعاليم القديس غريغوريوس بالاماس وخاصةً نور الله الذي رآه الرسل على جبل ثابور، كما هو مُدوَّن في المجمع المسكوني التاسع،[2] ويشير إلى منهجية العقيدة الأرثوذكسيَّة، أي كيف تصبح العقيدة مُعاشة.
نستطيع أن نجد التعليم الكامل للقديس غريغوريوس بالاماس في عمله "الدفاع عن القديسين الهدوئيين" والمعروف بـ "الثلاثيات". هناك يمكننا القراءة أن المعرفة المعطاة من الله أسمى من المعرفة البشرية، وأن الأنبياء والرسل يتجاوزون الفلاسفة. تنير الصلاة، خاصة الصلاة القلبية، روح الإنسان وعينيّ روحه أي النوس، لكنها تُقدِّس الجسد أيضًا. غاية الإنسان هي بلوغ التألُّه، رؤية النور غير المخلوق، كما نرى في سير القديسين، لذلك هناك هالة حول رؤوسهم.
هذا التعليم ليس ببساطة تعليم القديس غريغوريوس بالاماس، لكن تعليم الكنيسة الأرثوذكسيَّة كما عبَّر الأنبياء والرسل والآباء والقديسين خلال قرون. هذا التعليم مُدَوَّن بوضوح في العهدين القديم والجديد، عند الآباء الرسوليّين في القرون الأولى، وبشكل عام عند كل الآباء. نجد هذا التعليم في سير القديسين كذلك في ترنيمات الكنيسة. نجد هذا التعليم بشكل كامل في القداس الإلهي كذلك في الصلوات الأسرارية الكنسيَّة. هذه هي الغاية الأهم للقداس الإلهي وبقية الأسرار.
كل علم لديه الثيوريا (نظرية) والبراكسيس (العمل)، التعليم النظري والتطبيق، عَرْض التعليم وإثباته. هذا يحصل أيضًا في الأرثوذكسيَّة. أُعطيت الثيوريا في الأحد الأول من الصوم الكبير في عيد الأرثوذكسيَّة وإعادة رَفْع الإيقونات المقدَّسة، واليوم تتثبَّت وتتحقَّق في عيد القديس غريغوريوس بالاماس، حيث يظهر التقليد الهدوئي كيف يمكننا تحقيق كل العقائد خلال حياتنا.
في أيامنا هذه يملك العديد من الناس، حتَّى الذين تعمَّدوا، شُكوكًا بشأن الله ووجوده، بشأن الكنيسة ورسالتها، حول القديسين وحياتهم. الناس اليوم عَمَلِيّين ويريدون التأكُّد من كل شيء تُعَلِّمه الكنيسة. لا يرغبون أن يتبعوا ببساطة تقليدًا ما وَجَدوه من خلال أجدادهم وآبائهم ويصبح شيئاً نحافظ عليه، بل يرغبون في عيشه بصميمه. هذا لأنَّ حفظ التقليد من دون عيشه، المعرفة العقلية من دون مقاربة تطبيقية، خاصة في الصميم، لا يرضي الجائعين والعطاش لمغزى حياتهم.
في عصرنا أيضًا، يتكلم الجميع عن ماهيّة المحبة، لكن المشكلة هي كيف يمكن للمرء أن يبلغ المحبة الحقيقة. الكل يتكلم عن الله ومن هو الله، لكن القليلون يتكلمون كيف يمكن أن نبلغ إلى المعرفة الشخصية لله. يشير الجميع إلى القديسين ومن هم القديسون، لكن القليلون يشيرون كيف يمكن أن نصبح قديسين. ينوِّه العديد بالفن الأرثوذكسي والإيقونات والكنائس والموسيقى والترنيمات، لكن القليلون يظهرون ما هو عمق الفن الإكليزيولوجي وكيف يمكن للمرء أن يدخل إلى الإيقونة ويختبر مجدها، كيف يمكن الدخول إلى الكنيسة غير المخلوقة، ملكوت الله، و أيضًا يمكن للمرء أن يشترك في ليتورجيا الملائكة والترتيل معهم.
يُشار إلى هذه التساؤلات في تعاليم القديس غريغوريوس بالاماس التي هي خلاصة كل تعليم الكنيسة. كما أنّها تُختبر بالنسك الذي هو حياة الصليب، صَلْب الأهواء والشهوات، الذي هو موضوع التقويم الإكليزيولوجي في الأحد القادم، أحد السجود للصليب. هكذا تقودنا الأرثوذكسيَّة، الهدوئية وحياة الصليب إلى خبرة قيامة المسيح.
يا إخوتي الأحباء، لا تتعلَّق الحياة الكنسيّة فقط بالأمور السطحيّة الخارجية، التي تُرى بالعين، والتي يُعبَّر بها في البيانات والتحليلات والفضائح لكنها تظهر خاصةً من خلال ما لا يُمكن رؤيته بالعين، ما اختبره القديسون وكتبه القديس غريغوريوس بالاماس. هذا القدّيس اختبر الله شخصيًا، مُصَليًّا صلاة "أنِرْ ظُلمَتي"، التي علَّمها في اعترافه الإيماني. بالنسبة لنا، إنَّه لشرف أن نعرفه من خلال كتاباته، إنَّها لَبَرَكة أنَّنا عرفنا وتعلَّمنا التقليد الهدوئي، وإنَّه لَتَحدٍّ لنا أن نختبره في حياتنا الشخصية لعلَّنا نرى حقيقةً من هو الله، ما هي الأرثوذكسيَّة، ما هي الإيقونة المقدَّسة، وكيف نستطيع المشاركة في مجد الكنيسة والإيقونات المقدَّسة.
يجب علينا جميعاً دراسة حياة وأعمال وتعاليم القديس غريغوريوس بالاماس، لأنَّه بهذه الطريقة سنتعلَّم كيف تكون الحياة الروحيّة وسنجد المنهجية التي بها سنعالج مشاكلنا الوجودية والروحيّة وسنصل لمعرفة الله.
المرجع:
http://www.johnsanidopoulos.com/2014/03/the-significance-of-teachings-of-saint.html
[1] قطعة الإكسابستيلاري لسحر الأحد الثاني من الصوم الكبير
[2] يُعتبر المجمع المسكوني الثامن المنعقِد سنة 879 – 880 في القسطنطينية برئاسة البطريرك القديس فوتيوس الكبير مهم جدًّا ولدلالة كبيرة لدى الأرثوذكس. أدان هذا المجمع الفيليوكفه (إنبثاق الروح القدس من الإبن)، عالجَ قضايا كنسيَّة، وبشكل أساسي رفض أولية البابا على كل الكنائس.
آخر المواضيع
بَرَكَة صليبنا
الفئة : زمن التريودي المقدّس
في السلام بيننا
الفئة : زمن التريودي المقدّس
عظة في أحد الأرثوذكسيّة
الفئة : زمن التريودي المقدّس
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني