صُعُوباتُ الحياةِ مُفيدةٌ

صُعُوباتُ الحَيَاةِ بَرَكَةٌ (1/8)

الفئة:قصص روحية

صُعُوباتُ الحياةِ مُفيدةٌ (1/8)

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم

نَقَلَتْهُ إلى العربيّة: جوزفين القصيفي

 

لِكُلِّ تَجْرِبَةٍ، وَلِكُلِّ حُزْنٍ، وَلِكُلِّ هجومٍ شَيْطَانيٍّ فائدةٌ كبيرةٌ، إذا كُنَّا حَذِرِينَ وصَبورِيْنَ. يُحدِّثُنا الكِتابُ المُقَدَّسُ عنِ انقِضَاضِ العَدُوِّ غَيْرِ المَنظورِ(الشَّيطانِ) على أَيُّوْبَ بغضبٍ وَحِقْدٍ شَديْدَيْنِ، ولكْن هلِ استطاعَ أنْ يؤذيَهُ في النَّهايةِ؟ طَبْعًا، لا ؛ بل سَاعَدَهُ على أنْ ينالَ قداسَةً ومجْدًا عَظِيْمَيْنِ.

عندما نكونُ حَذِرِيْنَ ويَقِظِيْنَ، لا يَقْدِرُ الشَّيطَانُ أن يؤذيَنا. بَلْ على العَكْسِ فهُوَ يسَاعِدُنا، ومنْ دونِ قَصْدِهِ، على أَنْ نَزْدَادَ فَضِيلةً. اُنظرْ ماذا يحدُثُ للنَّارِ عندَما ينفُخُ فيها أَحَدُهُم؛ يبدو، في البدايةِ، أَنَّهُ يطفئُها، ولكنَّهُ، في الحقيقَةِ، لا يخمدُها فحَسْبُ، وإنّما يَزِيدُها اضطِرَامًا.

فَمِنْ دونِ مشَاكِلَ أَوْ خُصُوماتٍ، أو أمراضٍ، أو أَحزانٍ تعْتَرِيْ الإِنسانَ، وتَكْتَنفَهُ مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، فَإِنَّهُ، حُكمًا، سيزدادُ انغِماسًا في الملَذَّاتِ حتَّى الثُّمالَةِ، وَيَقَعُ في الخَطِيْئَةِ ناسِيًا اللهَ ووَصاياهُ المُقَدَّسَةَ. وعلى العَكسِ منْ ذلكَ، فَإِنَّ مخاوفَ الحياةِ، الشُّكوكَ، الأحزانَ، والتَّجاربَ تُبقيه يَقِظًا، لِتَكونَ درْسًا لَهُ وعِظَةً في فَلْسَفَةِ الحياةِ فَتَتَدَرَّبَ نَفْسُهُ عَلَيْها.

فَكمَا أَنَّ الصَّائغَ يَضَعُ الذَّهَبَ في الأتُّونِ ليَتَنَقَّى، كذلكَ الأمرُ، يسمحُ اللهُ لنفوسِنا أنْ تبقَى في أتُّونِ المصاعبِ لتَتَنَقَّى.

إِنِ ارتكَبْتَ جريمةَ قَتْلٍ، أو فِعْلَ زِنًى، أو خَطِيْئَةً عَظِيْمةً تَمنعُكَ مِنْ دُخُولِ ملكوتِ السَّمَاوَاتِ وَجَبَ أن تحزنَ وتبكيَ. ولكنْ، بِنِعمَةِ الرَّبّ، إن لم تَرتكِبْ خطيئةً ممّا سبقَ ذِكْرُها؛ فَلِمَ الاضطِرَابُ والتَّذَمُّرُ عند أَوِّلِ تجربةٍ؟ لم يُعطِنَا اللهُ الإِحساسَ بالحُزنِ لنَسْتَخدِمَهُ في غيرِ أوانِهِ ومن دونِ حكمةٍ، بل عندَ الضَّرُورةِ ومن أجلِ المَنْفَعَةِ.

وَجَبَ، على الإِنسانِ، أَنْ يَحْزَنَ عندَما يُؤْذِيْ الآخرينَ، لا عندَما يُؤْذِيْنا الآخرونَ، وعندما نَظْلِمُهم لا عندَما يَظْلِمُونَنا، وعندَما نُؤْلِمُهُم لا عندَما يُؤْلِمونَنَا؛ لأَنَّ هذا ما أمَرَ بِهِ خَالِقُنَا. ولكنَّنَا نفعَلُ العَكْسَ. نؤذي الآخرين مِنْ دونِ إِحساسٍ بالذَّنْبِ أو النَّدَمِ. وعندما يؤذِينَا الآخرُونَ، نحْزَنُ ونضطَرِبُ ونَغدُو مُحبَطِيْنَ، وأحيانًا نشعُرُ برغبةٍ في الانتحارِ.

يجب علينَا، نَحْنُ المسيحِيِّيْنَ، أنْ نفهمَ، على الرَّغْمِ منْ كُلِّ شَيْءٍ، وعلى نحو حاسمٍ، أنَّ للحُزْنِ سَبَبيْن: الأوّلَ: عندما نُعاديْ اللهَ وَنَتَصَرَّفُ عكسَ مشيئتِهِ المقدَّسَةِ، والثَّاني: عندَمَا يرى قَريبَهُ مُتجاهِلاً وصايَا اللهِ.

فَالمصاعبُ والتَّجارَبُ ليسَتَا سَبَبًا للحُزْنِ، وإِنَّما هُما فُرْصَتَانِ لِنَفْرَحَ ونَبْتَهِجَ. فاللهُ يُرْسِلُ لنا الأحزانَ باعتِدالٍ وحِكمةٍ. ودليلُنا أنَّ عازِفَ القِيْثارَةِ لا يَشُدُّ أَوتارَها بإفراطٍ لِئَلاَّ تَتَقَطَّعَ، ولا يُرْخِيْها كثيرًا لإنّها لنْ تُنتِجَ الصَّوتَ المَطلوبَ. وهكذا، في المُقابِلِ، لا يسمحُ اللهُ لنا أَنْ نَحْيَا حالةً مستقرَّةً منَ الرَّفاهيَةِ أو منَ الأحزانِ المُسْتَمِرَّةِ، وفي المُقابِلِ، يمنحُنَا أوقاتًا سَلاميّةً وراحةً. لكنَّهُ يمنحُنا أيضًا أوقاتَ تجاربَ وأحزانٍ (بِوَتيرةٍ سريعةٍ حينًا، وبطيئةٍ أحيَانًا). في بعضَ الأحيانِ، يأخُذُ وقتًا أَطوَلَ ليُحرِّرَنا من أحزانِنَا. لمَ؟ لِنُفكِرَ بِهِ دائِمًا ونَدْنُوَ منه بِلا انقطاعٍ؛ ونلجأَ إليه طالِبِيْنَ منه المساعَدَةَ.

لهذا السَّببِ يسمحُ الله بالأوجاعِ، والأمراضِ، والكوارثِ الطَّبيعيّةِ، والجوعِ ومَصائبَ أُخرى كثيرَةٍ. بهذه الطَّرِيقةِ نبقى قريِبيْنَ من اللهِ ونكسبُ خلاصَ نفوسِنا. وبسببِ هذه المصاعبِ الوقتيَّةِ، نرثُ الحياةَ الأبديَّةَ.

بالإِضافةِ إلى ما سَبَقَ، لا تتحكَّمُ محبَّةُ اللهِ بِدَيمومَةِ الأحزانِ وطولِها فحسبُ، وإنَّما أيضًا بقوَّتِها. إنّ المُدَرِّبِيْنَ الرِّياضيِّيْنَ لا يُدَرِّبُونَ جميعَ المُصَارِعِيْنَ بشكلٍ مُمَاثِلٍ. إنّهم يضعُون المُصارِعِيْنَ الضُّعَفاءَ مع خَصمٍ سَهْلٍ، بينما يَضَعُون المُصارِعِيْنَ الأقوياءَ والشُّجْعانَ مع منافِسِيْنَ أقوياءَ. كذلك الأمرُ، يجعل اللهُ كلَّ واحدٍ مِنَّا يواجِهُ التَّجاربَ المُماثِلَةَ بِحَسَبِ قوَّتِنَا الشَّخصيَّةِ. كما ذكرَ الرَّسُول بولسُ، يمكنُنا أن نحتمِلَ التَّجاربَ الَّتي نخوضُ: «لَمْ تُصِبْكُمْ تَجْرِبَةٌ إِلاَّ بَشَرِيَّةٌ. وَلكِنَّ اللهَ أَمِينٌ، لاَ يَدَعُكُمْ تُجَرَّبُونَ فَوْقَ مَا تُطِيْقُونَ، بَلْ يَجْعَلُ مَعَ التَّجْرِبَةِ مَخْرَجًا، لِتَسْتَطِيعُوا أَنْ تَحْتَمِلُوا» (1 كورنثوس 10 :13). وَبِهَذِهِ القُدْرَةِ على احتمالِ التَّجارِبِ يَشفِي الرَّبُّ نفوسَنا ويخلِّصُها، لذلكَ وَجَبَ حمدُهُ وشُكرُهُ دائمًا.

إذًا، أيُّها الإخوةُ، وَجَبَ أَخْذُ هذهِ الأُمورِ بِعينِ الاعتِبارِ، فلنواجِهْ،إِذًا، كلَّ الصُّعُوبَاتِ بشجاعةٍ، فاللهُ يسمحُ بتَجْرِبَةٍ مِنْ أَجلِ مَنفعَتِنَا الخاصَّةِ. لا نَضْطَرِبَنَّ عندَمَا نواجِهُ المَصَاعِبَ والمَتَاعِبَ، لا نكونَنَّ جُبناءَ، لا نَتَذَمَّرَنَّ ونَشْكُوَنَّ. بلْ، على العكسِ، علينا أن نتقبَّلَها كعَطِيَّةٍ منَ السَّمَاءِ، كَبَرَكَاتٍ إلهيَّةٍ، ولنشكُرِ الرَّبَّ ونمجِّدْهُ.

بهذِهِ الطَّرِيقةِ، نَنْعَمُ بسلامٍ ورضًى في حياتِنا الأرضيَّةِ الوقتيَّةِ، فَننْتَقِلُ لِنَنعَمَ بكلِّ الخيراتِ غيرِ الفاسدةِ في الحياةِ الأبديَّةِ، بِنعمةِ ربِّنَا يسوعَ المسيحِ ورأفتِهِ. آمينَ.

تَصفُ الكُتُبُ المُقدَّسةُ الحِجارَةَ الّتي استُخدِمَتْ في بناءِ هيكلِ سليمانَ أَنَّها نُحِتَتْ أَوَّلاً خارجَ الهيكلِ. وحينَ أصبحَتْ جاهِزةً ومحفُورةً بمنتَهى الدِّقَّةِ والعِنَايةِ، نُقِلَتْ إلى داخلِ الهيكلِ ووُضِعَتْ بَتَأَنٍّ ومنْ دونِ أن تُطرَقَ مرَّةً أخرى: «البيتُ في بنائِهِ بُنِيَ بِحِجارةٍ صحيحَةٍ مُقْتَلَعَةٍ، ولم يُسْمَعْ في البيتِ عندَ بِنائِهِ مِنْحَتٌ ولا مِعْوَلٌ ولا أداةٌ مِن حدِيدٍ» (1 ملوك 6:7).

كذلِكَ، على النَّاسِ الَّذينَ سوفَ يُرْصَفُونَ كالأحجارِ الكريمةِ في إطارِ الهيكلِ الإلهيِّ في أورشليمَ العُليا، أنْ يُطرَقُوا في هذا العَالَمِ بمِطْرقةِ التَّأديبِ والأحزانِ. ففي الهيكلِ الإلهيِّ في الأَعَالِي، كما يصفُ القدِّيسُ يوحنّا البشيرُ في كتابِ سفرِ الرُّؤيا: «سَيَمْسَحُ اللهُ كُلَّ دَمْعَةٍ مِنْ عُيُونِهِمْ، وَالْمَوْتُ لا يَكُونُ بَعْدُ مَوْتٌ، وَلاَ نَوْحٌ ولا صُراخٌ ولا وَجَعٌ لأَنَّ ما كانَ سَابِقًا قدْ مَضَى» (رؤيا 21: 4). لهذا السَّبَبِ، يسمحُ الله لأحِبَّائِهِ أن يعانُوا المشقَّاتِ، وهُمْ على قَيْدِ الحياةِ. إذًا، علينَا أنْ نفرَحَ كثيرًا عندَمَا تَظْهَرُ الشَّدائدُ: يجبُ أن نتلقَّاها كعطايَا، كَبَرَكَةٍ، كدَوَاءٍ، يرسلُهُ لَنا أبونا السَّمَاوِيَّ بمحبَّةٍ كبيرةٍ.

فالرَّبّ وَبَّخَ الرَّسُول بُطرُسَ عندَمَا حاولَ أنْ يَمْنَعَ الرَّبَّ من أَنْ يُسَلَّمَ ويُقتَلَ، قائلاً: «اجْعَلْ سَيْفَكَ فِي غِمْدِهِ! الْكَأْسَ الَّتِي أَعْطَانِي الآبُ أَلاَ أَشْرَبُهَا؟» (يوحنا 18: 11).

فإذا أشارَ الرَّبُّ إلى الهزءِ، والعذاباتِ والموتِ نفسِهِ (الَّتي كابَدَها لِخَلاصِنا) أَنَّهَا كأسٌ مُرْسَلَةٌ من أبيهِ، فَلِمَ لا نردِّدُ الكلِمَاتِ عينَهَا «ألا أشربُها؟» ونؤمنُ أنَّ كلَّ الأحزانِ والمَتَاعِبِ الَّتي نواجِهُهَا هي كأسٌ شافِيةٌ تتَضَمَّنُ دَواءً مُرْسَلاً من الطَّبيبِ السَّمَاوِيِّ بمحبَّةٍ أبويَّةٍ لخلاصِنا؟

هكذا، عزيزي القارئَ، إِنَّ الأحزانَ، سَوَاءٌ أَكانَ مصدرَها الشَّيطانُ أم النَّاسُ، أوْ مصدرٌ آخرُ، هي دواءٌ شافٍ مُرسَلٌ من أبيكَ السَّمَاوِيِّ لِيُنَقِّيَ نفسَكَ. لا تنزعجْ مِنْ طَعْمِها المُرِّ لأنَّ هذِهِ المرارَةَ سوفَ تساعدُك على استعادةِ صحَّتِكَ، تمامًا مثلَ مرارةِ الدَّواءِ الَّذي يَصِفُهُ لنا الطبيبُ للتَّخَلُّصِ من أمراضِنَا. كلُّ المَصَاعِبِ والأحزانِ الَّتي نواجهُها في هذِهِ الحياةِ هي دواءٌ روحيٌّ مُرسَلٌ لنَا من الطَّبيبِ السَّمَاوِيِّ لمنفعةِ نفُوسِنا.

يَقُولُ القدّيسُ غريغوريوسُ اللاَّهوتيُّ: «إنَّ المَرارةَ الَّتي وُضِعَتْ على عينيْ طُوبِيَّا، والَّتي من خلالِها استعادَ بَصَرَهُ» (طوبيا 11: 8-14) ترمزُ إلى حقيقَةٍ، مفادُها: أَنَّ كلَّ إنسانٍ خاطئٍ يتحرَّرُ من العَمى الرُّوحِيِّ من خلالِ الأحزانِ المُرَّةِ. حقًّا، إنَّ الأعيُنَ التي كُفَّ بَصَرُها بسببِ الخَطايا، تستنيرُ وتستعيدُ بَصَرَها من خلالِ الألمِ.

عندَمَا رمَى إخوةُ يوسفَ أخاهُم في البئرِ (وهم يبتَغُون هلاكَهُ)، لم يدرِكُوا مدَى عمقِ خطيئتِهِم. ولكن لاحقًا، عندَما سَمَحَ اللهُ أن يواجِهُوا المَصَاعِبَ، اعترفُوا مُقِرِّيْنَ أَنّهم يستحقُّونَ الشَّدائدَ بسبَبِ خطيئتِهم تجاهَ أخِيهِم. وَقَالُوا بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ: «حَقًّا إِنَّنَا مُذْنِبُونَ إلى أَخِينَا الَّذِي رَأَيْنَا ضِيقَةَ نَفْسِهِ لَمَّا اسْتَرْحَمَنَا وَلَمْ نَسْمَعْ. لِذلِكَ جَاءَتْ عَلَيْنَا هذِهِ الضِّيقَةُ». فَأَجَابَهُمْ رَأُوبَيْنُ قَائِلًا: «أَلَمْ أُكَلِّمْكُمْ قَائِلًا: لاَ تَأْثَمُوا بِالْوَلَدِ، وَأَنْتُمْ لَمْ تَسْمَعُوا؟ فَهُوَذَا دَمُهُ يُطْلَبُ». (تكوين 42: 21-22).

فَكما أنَّ الشَّدائدَ تجلُبُ مَنْفَعَةً عظيمةً؛ كذلكَ فَإِنَّ المَصَاعِبَ تُعطي نورًا للعُميانِ وحكمةً للجُهَّالِ.

لم يكنْ بطرسُ الرَّسُولُ يريدُ أنْ يسمَحَ للمسيحِ أن يغسلَ قدمَيْهِ لإنَّهُ لم يدركْ نوايَا المعلِّمِ الحكيمةَ، كما يشهدُ المسيحُ نفسُهُ. أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: «لَسْتَ تَعْلَمُ أَنْتَ الآنَ مَا أَنَا أَصْنَعُ، وَلكِنَّكَ سَتَفْهَمُ فِيمَا بَعْدُ» (يوحنا 13: 7). لكن، عندَمَا حذَّرَ يسوعُ المسيحُ بُطرُسَ أَنَّهُ لَنْ يَكونَ لَهُ نَصِيْبٌ مَعَهُ إنْ لمْ يغسِلْ قدمَيْهِ، تسمَّرَ التِّلميذُ من الخَوفِ وسَمَحَ للمسيحِ أن يغسِلَ قدمَيْهِ. كذلك الأمرُ، أنتَ لسْتَ واثقًا،الآنَ، من قَصْدِ الرَّبِّ وهو يغسِلُكَ بمياهِ الشِّدَّةِ والمَصَاعِبِ. ولكن يومًا مَا، عندمَا تشهدُ الإشراقَ والمجدَ اللَّذَيْنِ تتَزَيَّنُ بِهِما نَفْسُكَ، بعدَ أنِ انغمَسْتَ في لُجَّةِ الأحزانِ، سوفَ تشكرُ الرَّبَّ الكُلِّيَّ الحكمةِ. فلو لمْ يغسِلْك الرَّبُّ، فلن يكونَ لك نصيبٌ معَه في ملكوتِه السَّمَاوِيِّ.

عندَما امتلكَ الابنُ الضَّالُّ ميراثَ أَبيهِ وثروتَه، تفاخَرَ بالتّبذيرِ، والطَّعامِ والشَّرابِ، وقدِ ارتَكَبَ كلَّ خطيئةٍ ولمْ يُفكِّرْ قَطُّ بالتَّوْبَةِ. (لوقا 15: 11-20). ولكنْ، عندَما كَواه الطَّبيبُ الحكيمُ بِنارِ الجوعِ والفَقرِ، ترَكَ ملذَّاتِ الجسدِ ورجعَ إلى بيتِ أبيهِ، أَكثرَ حكمةً وَنُضْجًا.

ما يفعلُه حجرُ الرَّحى بالقَمحِ، ما تَفعلُه عَجَلَةُ الصَّقلِ بالفولاذِ، وما يفعلُه الأَتّونُ بالفِضَّةِ، هو بالضَّبطِ ما تفعلُهُ تجاربُ الحياةِ وأحزانُها المتنوِّعَةُ بالإنسانِ: فهي تُطَهِّرُهُ من كلِّ العيوبِ السَّيِّئَةِ وغيرِ المَنظورةِ، وتَصقُلُه حتَّى يُشرِقَ ببهاءٍ مُتَلألئٍ.

بمَا أنّ الصُّعُوبَاتِ والأحزانَ مفيدةٌ جدًّا، وهي سببٌ لمنفَعَتِنا، فلماذا نَنبُذُها بحماقةٍ؟ لماذا، بدلاً من ذلك، لا نشكرُ الطَّبيبَ السَّمَاوِيَّ البريءَ منَ الخَطَإِ، وحْدَهُ، ونُمجِّدُهُ لأَنَّهُ أَرْسَلَها إِلَيْنا منْ أجلِ صحَّةِ نفوسَنا، تمامًا كما نشكرُ الأطبَّاءَ الَّذين يشفُونَ أجسادَنَا وندفَعُ لَهُم المالَ بكلِّ سرورٍ؟ طوبى للإنسانِ الَّذي يدرِكُ أنَّ مَصَاعِبَ الحياةِ قدْ أرسلَهَا لنا الرَّبُّ لخلاصِنا فيتقبَّلُها بكلِّ سرورٍ شاكِرًا. «طُوبَى لِلرَّجُلِ الَّذِيْ يَصْبِرُ على التَّجْرِبَةِ لأَنَّهُ إِذَا زُكِّيَ يَنالُ إِكليلَ الحياةِ الَّذِيْ وَعَدَ بِهِ اللهُ الَّذِيْنَ يُحِبُّوْنَهُ» (يعقوب 1: 12).


 



آخر المواضيع

تَحَمُّلُ الصُّعُوبَات بِفَرَحٍ
الفئة : قصص روحية

الرّاهبِ أغابيوس 2025-04-02

صُعُوباتُ الحياةِ مُفيدةٌ
الفئة : قصص روحية

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم 2025-03-31

الإنسان المعاصر والحياة الروحيَّة
الفئة : قصص روحية

الشيخ أفرام الفاتوبيذي 2024-11-23

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا