سرّ التسبيح والترتيل

سرّ التسبيح والترتيل
الأب سمعان سمعان
نقلاً عن نشرة الكرمة، الأحد 12 كانون الثاني 2025، العدد 2، الأحد بعد عيد الظهور الإلهي
كتب القدّيس ذيونيسيوس الأريوباغي عدّة كتابات، بينها كتاب "التراتبيّة الكنسيّة hiérarchie écclésiale". وفي هذا الكتاب يشرح كيف أنّ النعمة الإلهيّة تعمل في الأسرار، وعلى المسيحيّ بحسب تعبيره "أن يتآزر synergie مع نعمة الله غير المخلوقة، عبر عمليّة تنقية ثمّ استنارة تقوده إلى الاتّحاد بالله".
من بين هذه الأسرار يشرح "سرّ الاجتماع synaxis"، ألا وهو سرّ الشكر، الإفخارستيّا. يشددّ القدّيس على أنّه "في الاحتفال الأسراريّ، الطقوس المرئيّة هي أيقونة للحقائق الروحيّة".
في سياق شرحه عن سرّ الاجتماع يتطرّق إلى الترتيل والتسابيح. وبحسب القدّيس ذيونيسيوس، إنّ غاية الترتيل في الكنيسة هي تحضير المؤمن للاشتراك في الأسرار عبر جذبهم نحو التأمّل في الإلهيّات وبأعمال الله والقدّيسين، التي هي تمامًا مواضيع التسابيح، والغاية منها الاتّحاد بالله.
بحسب القدّيس ذيونيسيوس "الترتيل الذي نسبّح به ونحتفل منشدين كلمات أعمال الله وقدّيسيه، تحضّر الذين يتمّمونه (أي المرتّلين) بشكل منتظم لكي يشتركوا في السرّ، وينقلوه إلى الآخرين". إذًا بالنسبة إلى القدّيس ذيونيسيوس، الترتيل هو سرّmystère ، وبه تتآزرsynergie طاقة المرتّل (صوته، أداؤه اللحن، وضعيّة جسده، عقله، ذهنه...) مع قوّة الله غير المخلوقة énergie non crée أي نعمته الإلهيّة المقدّسة. لذلك فالمرتّل بحاجة إلى تنقية من أهوائه، لكي يستطيع أن يستنير هو وينقل نور الله غير المخلوق إلى الشعب المصلّي. فالمرتّل يتلقّى، كما أشار القدّيس، النعمة التي تعمل فيه ويرسلها بواسطة اللحن والأداء والكلمات المرتَّلة إلى "الجماعة" synaxis المصلّية.
لذلك نفهم لماذا وضعت الكنيسة المقدّسة الأرثوذكسيّة قوانين قاسية للمرتّلين: صوم، سيرة حسنة، صوت حسن، عدم الصراخ، تواضع، صلاة، إلخ... والهدف هو تنقية المرتّل لأنّه هو أداة لنعمة الله. كلّما كان المرتّل نقيًّا، مصلّيًا، كلّما كانت النعمة التي تخرج منه فاعلة. يشهد المتروبوليت نيوفيطوس، مطران مورفو في قبرص، كيف كان يرتّل الأب المتوحّد المثلّث الرحمات اسحق عطالله، ذاكرًا كيف كان يجعل العيون تذرف الدموع خلال أدائه الترتيل وذلك من تدفّق النعمة منه إلى الحاضرين.
بالإضافة إلى عمل التنقية، يجب أن يتحلّى المرتّل بإيمان راسخٍ ومستقيم غير منحرف، وإلّا لا تعمل فيه نعمة الله غير المخلوقة. لذلك ترفض الكنيسة المقدّسة الأرثوذكسيّة الاشتراك في الصلوات والترتيل مع الهراطقة، لأنّ الهرطقة تنفي استقامة السرّ، الذي هو عمل قوّة الله غير المخلوقة في الإنسان. والكنيسة الأرثوذكسيّة هي الوحيدة التي تؤمن بذلك، كما عبّرت عنه في تقليدها وبخاصّة مع القدّيس غريغوريوس بالاماس.
بناء على ما ذكرناه، وكون الترتيل سرًّا، وهذا من فرادة إيمان الكنيسة الأرثوذكسيّة، نفهم لماذا لا تسمح الكنيسة باستعمال الآلات الموسيقيّة مترافقة مع التسبيح. فالتآزر هو بين قوّة المرتّل المخلوقة وبين قوّة الله غير المخلوقة.
وهكذا، يكون هدف الترتيل انسجام الجماعة المجتمعة حول المسيح، وهذا من عمل النعمة الإلهيّة، إيمانًا واحدًا، وصلاةً واحدة في تسبيح واحد.
يقول المرتّل الأوّل غريغوريوس ستاثيس عن الترتيل في الجبل المقدّس آثوس: "إنّ ترتيل رهبان الجبل المقدّس، إن كان الأداء بسيطًا وغير منمّق أو أداءً معقّدًا، أو أداءً فنيًّا للغاية، يأخذنا بجناحين نحو الله: الأوّل هو مخافة الله، والثاني هو الشوق إليه. من خلال الترتيل يترجّى الرهبان الاشتراك في العالم السماويّ والروحيّ، الذي يصبح قريبًا جدًّا منهم ومنّا (نحن الذين نشترك معهم)، وواقعًا حقيقيًّا في قبب كنائس آثوس المُزيّنة بالأيقونات. هذه التراتيل التي هي محور جمال العبادة الأرثوذكسيّة للثالوث القدّوس، هي كنز."
آخر المواضيع
سرّ التسبيح والترتيل
الفئة : رعائيّات
رسالةٌ من أبٍ روحيٍّ إلى كاهنٍ بعد سيامته
الفئة : رعائيّات
ماذا يعني حقًا أن تكون إنسانًا روحانيًّا؟
الفئة : رعائيّات
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني