(5/3) السّرطان الحقيقيّ: الحركة المَسكونيّة - الجزء الثالث

الآباء القدّيسون والمواقع المِحوريّة المُناهِضة للحركة المَسكونيّة

الفئة:مسكونيات

السّرطان الحقيقيّ: الحركة المَسكونيّة - الجزء الثالث (5/3)

الآباء القدّيسون والمواقع المِحوريّة المُناهِضة للحركة المَسكونيّة

إعداد وتعريب: إدي بطرس

 

لم يَعُد بِإمكانِنا أنْ نَتَساهَلَ مع المساومة المسكونيَّة التي بين المسيحيّين والتي بين المسيحيّين والأديان الأخرى، على الرُّغم مِن أنَّ الأقلِّيَّة الحاكِمَة مِن المسكونيّين الأرثوذكسيّين تَستَمِرُّ في عَزلِ نَفسِها كَنَسِيًّا1. أشارت العديد مِن الدُّوَل إلى مُعارَضَتِها لِهذه الحَركَة السَّرطانِيَّة ونَستَشهِدُ بِما يَلي:

  1. النُّقطة المِحْوَرِيَّة الأولى لِمُناهضَة المسكونيَّة هي صربيا. في أيّار مِن عام 1995، أثار «تقريرٌ» هام لِسِيادة الأسقف أرتاميوس في راشكا وبريزرين إلى المجمع المقدَّس لِلكَنيسة الصِّربيَّة حول موضوع الحَركَة المسكونيَّة تصعيدًا في مُناهَضَة المسكونيَّة في صربيا. هذا «التَّقرير» التاريخيّ بِحَقٍّ، بِعُنوان «الكَنيسة الأرثوذكسِيَّة الصِّربيَّة ومَجلِس الكَنائس العالميّ»،

    1. يصِفُ مَجلِس الكَنائس العالميّ بِأنَّه «مُنظَّمَة كَنَسِيَّة زائفة»،

    2. يُشيرُ إلى أنَّ أوَّل كَنيسة أرثوذكسيَّة استَسْلَمَت لِلمَسكونيَّة كانت بطريركيَّة القِسطَنطينيَّة، مِن خِلالِ رِسالَتِها عام 1920؛

    3. يؤكِّدُ أنَّ الحَركَة المسكونيَّة قد تَسلَّلَت إلى الأرثوذكسِيَّة وهي تلتَهِمُها مِن الدّاخِل مِثلَ «وَرمٍ سَرطانيّ»؛

    4. يُصَرِّحُ أنَّه مِن خِلالِ المسكونيَّة، «قد اختُرِقَت الحدود التي رسَمها آباؤنا القدّيسون بين الحقِّ والباطِل، وبين النّور والظَّلام، وبين المسيح وبليعال»؛

    5. أخيرًا، يقترح أيضًا انسِحابَ الكَنيسَة الصِّربيَّة مِن مَجلِس الكَنائس العالميّ وجميع المنَظَّمات المماثِلَة.2

في آذار 1996، أكَّد الأسقُف نفسه عَلانِيَّةً في وثيقة رسميَّة، أنَّ «البَطرِيَرك المسكونيّ برثلماوس ومَن مَعهُ قد داسوا تحت أقدامهم جميع قوانين الكَنيسَة المقَدَّسَة وتقاليدها إلى أبعدِ الحُدود، في محاولةٍ لِتَطبيقِ أفكارِهم المسكونيَّة والتَّوسُّعِيَّة»3.

في أيّار 1996، درسَ المجمع المقدّس «تقريرَ» الأسقفِ أرتاميوس بِالتَّفصيل وعَيَّنَ لَجنةً مِن أربعَةِ رؤساء كَهَنةٍ لِدراسَةِ الموضوع وتقديم التَّوصيات المتَعلِّقَة بِهذا الأمر4.

في أيّار مِن عام 1997، ناقشَت الهيئة الكَهنوتِيَّة الصِّربيَّة مَوضوع الحَركة المسكونيَّة والمشارَكَة في مَجلِس الكَنائس العالميّ في جوٍّ مُتوَتّر. اتَّخذ هذا النِّقاش بِعَينِ الاعتِبار «مُناشَدَةَ» الثَّلاثة مائة وأربعين شَخصًا مِن الإكليروس والرُّهبان الصِّربيّين المناهِضَة بِقُوَّةٍ لِلمَسكونيَّة، بالإضافة إلى النَّتائج التي تَوصَّلَت إليها لَجنة رؤساء الكَهنة، التي أيَّدَت بِوُضوحٍ وبِالتَّوثيق، انسِحابَ الكَنيسَةِ الصِّربيَّة مِن مَجلِس الكَنائس العالميّ؛ في النِّهايَة، قرَّرت الهيئة الكَهنوتِيَّة الدَّعوة إلى عَقدِ مُشاورَةٍ أرثوذكسِيَّةٍ شامِلة لِلنَّظرِ في الأمر5.

وفي العامِ ذاتِه، صَرَّحَ أُسقف بودابست الصِّربيّ، دانيال، أنَّه «مِن المستَحيلِ بِالنِّسبَةِ لنا أنْ نُتَمِّم الرِّسالَة الحقيقِيَّة لِلأرثوذكسِيَّة ما لم نَترُك هذه الحَركَة»، أيْ الحركة المسكونيَّة6.

  1. النُّقطَة المِحْوَريَّة الثّانِيَة لِمُناهَضَة المسكونيَّة هي روسيا. بِأصواتٍ عاليَةٍ، دعا الإكليروس والعِلمانِيّون وخاصَّةً الرُّهبان بِالإضافة إلى العَديدِ مِن اللاهوتيّين، بَطرِيَرك موسكو لِيَنفَصِل عن مَجلِس الكَنائس العالميّ والتَّوقُّف عن المشارَكَة في الحَركَة المسكونيَّة الهرطوقيَّة. وسْط هذا المناخ في عام 1994، اقتَرحَت اللجنة اللاهوتيَّة لِلكَنيسَة الرّوسِيَّة على المجمع المقدَّس انسحابَ كَنيسَتِها مِن مَجلِس الكَنائس العالميّ والمنظَّمات المسكونيَّة الأخرى. في كانون الأول 1994، رَفضَ المجمع المقدَّس الرّوسيّ اقتراحَها لكنَّه بدأ في إظهارِ مَوقِفٍ مِن الشَّكِّ الكبير تِجاه مَجلِس الكَنائس العالميّ والحركة المسكونيَّة7. إزدادَ عددُ المطالَبات داخِلَ الكَنيسة الروسيَّة بالانسِحابِ مِن مَجلِس الكَنائس العالميّ8، وتَعتَبِرُ غالبيَّة المؤمنين الآن أنَّ المسكونيَّة تَدلُّ على «شيءٍ خَطيرٍ وغير مَقبولٍ إطلاقًا»9. في النِّهايَةِ، أدّى ظهورُ تيارٍ قويٍّ واسعِ النِّطاق ومُناهِضٍ لِلحَركة المسكونيَّة داخل روسيا إلى إجبار بطريرك موسكو، على مِثال الكنيسة الصربيَّة، على اقتراحِ عقدِ مُشاورَةٍ أرثوذكسيَّةٍ خاصَّةٍ لِتخفيفِ التَّوتُّرات.

  2. النُّقطَة المِحْوَريَّة الثّالثة لِمُناهَضَة المسكونيَّة هي جورجيا. في نيسان وأيّار مِن عام 1997، قادت سِلسِلَةٌ مِن الأخَوِيّات الرّهبانيَّة في جورجيا التي قد قطَعَت الشَّرِكَة مع البطريركيَّة بِسَبب الحَركَة المسكونيَّة، الكنيسة الأرثوذكسيَّة في جورجيا إلى اتّخاذِ قرارٍ تاريخيٍّ بِالحقيقَة، بِإنهاء مُشارَكَتِها في الحركة المسكونيَّة ومؤسَّساتِها. على وَجهِ الخُصوص، اتَّخذ المجمع المقدَّس لِكَنيسَة جورجيا في 8 تشرين الأوَّل 1998، مِن بين أمورٍ أخرى، القَرارات التَّالِيَة10:

    1. إنَّ النُّصوصَ المشتركة لِلحِوار بين الأرثوذكس وأصحاب الطَّبيعة الواحِدة (أو غير الخَلقيدونيّين) مَرفوضة.

    2. إنَّ النَّصَّ المشترك لاجتِماع البَلمند لِلحِوار الأرثوذكسيّ الكاثوليكيّ هو مرفوض.

    3. إنَّ الاحتِفالَ بِالفِصحِ وِفقًا لِلتقويم البابويّ، الذي تَحتفِلُ به الكَنيسة الأرثوذكسيَّة في فنلندا، هو مرفوض.

    4. إنَّ التَّعليم القائل بِأنَّ الجَماعات غير الأرثوذكسِيَّة تُشَكِّلُ فُروعًا لِكَنيسَة المسيح الحقيقيَّة وتَمتَلِكُ الأسرار الإلهيَّة، هو غير أرثوذكسيّ وهرطوقيّ ومَرفوض.

    5. إنَّ الصَّلوات المشترَكَة والشَّرِكَة الأسرارِيَّة مع غير الأرثوذكس هي مَرفوضة. كما يمكنكُم أنْ تَفهموا، فإنَّ الأهميَّةَ العَظيمَةَ لِهذه القَرارات مِن قِبَل الكَنيسة الجورجيَّة واضِحَةٌ جدًّا لِدَرجة أنَّ أيّ تَعليقٍ عليها لن يَكونَ ضَرورِيًّا.

  3. النُّقطَة المِحْوَريَّة الرّابِعَة لِمُناهَضَة المسكونيَّة هي بلغاريا. في 9 نيسان 1998، قَرَّر المجمع المقدَّس لِلرئاسة البُلغاريَّة وقف مُشاركته نِهائيًّا في مَجلس الكنائس العالميّ11.

  4. سنختَتِمُ دِراستَنا لمناهَضَة المسكونيَّة مع اليونان. في كانون الأول 1994، أعرب المجمَع الدّائم لِكَنيسَة اليونان، عِندَ إبلاغِه بِنَصِّ «اتِّفاقِيَّة البلمند»، عن رَدِّ فِعلٍ رَسميٍّ قَويٍّ على انحرافاتِها الكَنَسِيَّة، مُعتبِرًا أنَّ «نصَّ البلمند المتعَلِّق بِالإتِّحادِيَّة هو مرفوضٌ مِن وجهة نظر الأرثوذكس» و «غريبة تمامًا عن التَّقليد الأرثوذكسِيّ القديم»12. مِن الجَديرِ بِالذِّكر أنَّ التَّصريحات والأعمال الهامَّة ذات الطّابع المناهِض لِلمَسكونِيَّة مِن جانب غِبطَتِه، أي خريستودولوس رئيس أساقِفَة كَنيسَة الدّولة الجَديد، والمجمع المقدَّس الدّائم تحت رئاسَتِه، قد خَلقت انطِباعًا مُرْضِيًا بِشَكلٍ خاصّ:

    1. في مُقابَلَةٍ في 24 أيّار 1998، أَدلى بِالتَّصرِيحات القاطِعَة التّالِيَة: «وِفقًا لِلتَّعريف السّائدِ لِهذا المصطَلح، فإنَّ المسكونيَّة هي بِدونِ شَكٍّ هَرطقَة لأنَّها تَستَلزِمُ بالضَّرورةِ رفضَ المِيزات الأساسِيَّة للإيمان الأرثوذكسيّ، كما هو الحالُ على سَبيلِ المِثالِ إنْ كُنّا سنَقبَلُ نَظرِيَّة الأغصان. نحن نؤمِنُ بأنَّ الأرثوذكسيَّة هي الكنيسة الواحدة الجامعة المقدَّسة الرَّسوليَّة. وهذه النُّقطة ليست في صَدَدِ المناقَشَة. بِالتّالي، فإنَّ أيَّ شخصٍ يَعتقِدُ عكسَ ذلك يُمكِن أنْ يُسمَّى مَسكونِيًّا وبِالتّالي هرطوقيّ»13.

    2. في جَلسَتِه الـ141 مِن الاجتماع المنعَقَد مؤَخَّرًا (26-27 آب 1998)، أقرَّ المجمع الدّائم المقدَّس مِن بينِ أُمورٍ أخرى، ثلاثةَ أعمالٍ مُعادِيَة لِلمَسكونيَّة مِن جانِب مُتَرأسِه، رئيس الأساقفة خريستودولوس، والتي قام بها بِصَلاحِيَّةٍ أُعطِيَت لهُ مِن المجمع14.

      1. رَفضَ دعوَة الكاردينال فرانسيسكو أرينز، «رئيس المجلِس البابويّ لِلحِوار بين الأديان لِلكنيسة الكاثوليكيَّة»، الذي دعا كَنيسَة اليونان لِتَعيينِ مَندوبين مِن أجلِ «اجتماعٍ بينَ مُختلَف الأديان» (روما، 24-29 تشرين الأوَّل، 1999): «تُعلِنُ الكَنيسَةُ اليونانيَّة أنَّها لا تَستطَيع المشارَكَة في هكذا نوعٍ مِن الاجتِماعات بينَ الأديان، عاملَةً بِالقرارات التي اتَّخذَها مَجْمَعَها المقدَّس حول هذا الموضوع»15.

      2. أرسلَ ردًّا إلى رئيسِ «مَجلِس المجتَمَعات الكاثوليكِيَّة في كنيسة إنجلترا»، أوضحَ فيهِ سَببَ قرارِ كنيسَة اليونان في تَقليصِ حِوارِها مع الأنجليكانيَّة، «بِسَببِ الانحِرافاتِ الشَّديدة» لِلأنجليكان «عن التَّقليد الكِتابيّ والآبائيّ».

      3. ورفضَ طَلبَ البَطرِيَرك الرّومانيّ ثيوكتيستوس، الذي دعا كَنيسة اليونان إلى اجتِماعٍ دُوَليّ بين الأديان، «الشُّعوب والأديان» (بوخارست، 30 آب - 1 أيلول، 1998): «لنْ تُشارِك الكَنيسَة اليونانيَّة المقدَّسَة في الاجتِماع الدُّوَليِّ المعْنِيّ، مُلتَزِمةً بِالقَراراتِ التي قد اتَّخذها المجمع المقدَّس بِعَدم المشارَكَة في الصَّلوات والاحتِفالات بين مُختلَف الأديان التي بِدَورِها تَتعارَضُ مع الإكليزيولوجيا الأرثوذكسِيَّة والنِّظام الكَنَسِيّ، وذلك تَجَنُّبًا لِلإساءَةِ إلى القَطيع»16.

بِالنَّظَرِ إلى كلِّ أعمالِ المسكونيّين، يتَّضِحُ أنَّهُم «’غير مُطيعينَ لمشيئَة الله‘ وسوف يَنفَصِلونَ كُلِّيًّا عن وِحدَة الإيمان والآباء القِدّيسين طالما هُم مُستَمِرّون في [مُغازَلَة الهراطِقة] وباقون كأعضاءٍ عُضويّين في مَجلس الكنائس العالَمِيّ ومُتغاضون عن ما لا جدَلَ فيه، حَقيقَةَ أنَّ أداةَ الحرَكَةِ المسكونيَّةِ هذه، قبْلَ الجُمود وعَدمِ تَحقيقِ أيِّ تقدُّمٍ بما يختصُّ بالوِحدة في الحقّ، قد أضفى الطابع المؤسِّسيّ على الاختلافات الإيمانيَّة وعزَّز بِحُكمِ الأمر الواقِع ’نموذَجًا‘ تَوافُقِيًّا لِلوِحدة على أساسِ الخِدمَةِ في تَنوُّع الأديان». في ظِلِّ مِثلِ هكذا ظرف، ليس لدينا خيار آخر (ولم يَكُنْ لدينا خيار آخر أساسًا) سِوى طاعَة مَشيئة الله، كما عبّر عن ذلك أبينا الجليل في القدّيسين يوحنا الدِّمَشقِيّ17: «لذلك يا إخوتي ينبغي أنْ نتشبَّث بِصخرة الإيمان وبِتَقليد الكنيسة دونما تعدٍّ للحدود التي ثبَّتها آباؤنا، ودون أنْ نُفسِح المجال لِمَن يريدون ابتكار نظامٍ جديد ودونَما تخريب لِصَرحِ كنيسة الله المُقدّسة الجامعة الرَّسوليّة. لأنّنا إذا ما سَمحنا بذلك لِمَن يشتهيه، فهو جسدُ الكنيسةِ كلّه مَن سيتقوّض عاجلًا»18.

مِن المعروفِ أنَّ الحركَةَ المسكونيَّة، التي مِن دون شَكٍّ «جُذورَها التّاريخيَّة ونقطِ انطِلاقِها مَوجودَةٌ في القَرن الماضي»19، رَفضَت مَفهومَ الهَرطَقة بِسَبب «لاهوتِها المسكونيّ» و«عولَمَتِها لِلاهوت»20، وأيضًا «مُواكبَةً لِلشَّكلِيّات المسكونيَّة ولِروحِ المسكونيَّة السّائدَة»21. كان هذا مُتوقَّعًا لأنَّ القَضِيَّة الرَّئيسِيَّة كانَت (ولا تَزالُ) التَّعبيرَ المؤسَّساتِيّ عن الوِحدَة المسيحِيَّة، المفروض مِن أعلى (مِن قِبَل التّكنوقراط والدّبلوماسيّين في جنيف)، مِن خِلال التَّفادِيات المتقَنَة لِلاختِلافات اللاهوتيَّة القائمَة، وليس «وِحدَة الإيمان المعطاة مِن الله» عبر شِفاء الفِكر الهرطوقِيّ بِالتَّوبَة واهتداء غير الأرثوذكسيّين. «على الرُّغمِ مِن ادِّعاءاتِها عَكسَ ذلك، كانت هذه الحركة دائمًا ولا تزالُ ظاهِرَةً غربيَّة بَحتَة، تَستَنِدُ إلى افتِراضاتٍ غَربيَّةٍ ويُحدِّدُها بَرنامَجٌ غَربِيٌّ على وَجهِ التَّحديد»22.23

هذا الرَّفضُ لِمَفهوم الهرطقَة مُخالِفٌ لِكَلِمات القدّيس مَكسيموس المعتَرِف الذي يقول: «إنَّنا نُسيء إلى الله عِندما نَسمحُ لِلهَراطقة بِأيِّ أسلوبٍ كانَ باستِعراضِ باطِلهم ضِمنَ جَماعاتِنا وبالتَّحريضِ ضِدَّ الإيمان الحَقيقيّ. لأنّي أعتقد أنَّه مِن البغضاء والإنحرافِ عن المحبَّة الإلهيَّة أنْ يؤيَّد الخطأ، لِدَرجةِ أنَّ أولئك الذين كانوا مأسورينَ بِه، سيخضَعوا لِفَسادٍ أكبر»24.

طالما أنَّ غير الأرثوذكس باقينَ في ضَلالاتهم، فإنَّنا نَتَجنَّبُ الشَّرِكَةَ مَعهُم خاصَّة في الصَّلاة المشترَكَة. كلُّ تلك القَوانين المقدَّسة التي تَتَناوَلُ مَسألةَ الصَّلاةِ المشتَرَكة تَتَّفِقُ ليس فقط على مَنعِ الصَّلوات الرَّسميَّة والصَّلاة المشتركة في الكنيسة، ولكن حتى الصَّلوات العاديَّة في الأماكِن الخاصَّة. إنَّ مَوقِف الكَنيسة الصَّارِم تِجاه غير الأرثوذكسيّين يَنْبَعُ مِن المحبَّة الحقيقيَّة والاهتِمام الصَّادِق بِخلاصِهِم ومِن رِعايتها ألّا يَنجَرِفَ المؤمِنونَ بِالهرطقة. إنَّ مَنْ يُحِبّ الآخَر يَكشِفُ عن الحقَّ ولا يترُكُه في الباطِل؛ وإلّا، فَإنَّ أيَّ حُبٍّ واتفاقٍ مَعَه لن يَكونَ إلّا مُزيَّفًا وكاذِبًا. يوجَدُ ما يُسمَّى حربًا جيِّدَةً وسلامًا سَيِّئًا: يقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ «إنَّ حربًا جديرةً بِالمديحِ أفضَلُ مِن السَّلام الذي يَفصِلُ عن الله»25.

ويوصي القدّيس يوحنّا الذَّهبيُّ الفَمّ: «إذا رأيت التَّقوى مُخالَفَةً، فلا تُفضِّلْ ذلك على الحقّ، بل اصمُد حتّى الموت... غير خائنٍ لِلحَقيقَةِ بِأيِّ شكلٍ مِن الأشكال». وفي مَكانٍ آخَر، يُشَدِّد: «لا تَقبَلوا أيَّ عَقيدَةٍ خاطئة باسمِ المحبَّة»26.

يَكتُبُ بَطلُ الأرثوذكسِيَّةِ العَظيم القِدّيس أثناسيوس الإسكَندَرِيِّ، الذي نُفِيَ سِتَّ مَرّاتٍ لِدِقَّتِهِ في ما يختصُّ بِالإيمان، الملاحَظات الممَيَّزة التّالِيَة غير الخاضِعَة لِأيِّ تَفسيرٍ خاطىء:

«إجتَنِبوا أولئك الذين يؤمِنون عَلانِيةً بِمَعصِيَةِ آريوس، لأنَّنا مُلزَمون بِشَكلٍ خاصّ بِتَجَنُّبِ الشَّرِكَة مع الذين نَمقتُ مُعتَقَداتِهِم؛ لكنْ احذَروا مِن الذين يِتَظاهَرون بِعَدم دعمِهِم لِآريوس لكنَّهُم في شَرِكَةٍ مع عادِمي التَّقوى؛ إذا ادَّعى أيُّ شَخصٍ أنَّ إيمانَه مُستقيمٌ، ولكِنَّهُ في شَرِكَةٍ مَعهُم [الأريوسيّين غير الأتقياء]، فحُثّوه على الامتِناع عن هكذا شَرِكَةٍ؛ أمّا إذا أصرَّ بِروحِ خُصومَةٍ فَتَبرَّأوا مِنه. لأنَّكُم إنْ استَمَرَّيْتُم على هذا النَّحُو، فَسَوفَ تُحافِظونَ على إيمانِكُم نقيًّا»27.

كان القدّيس مكسيموس المعتَرِف، الذي نُفي أيضًا بسبب دِقَّتِهِ في ما يتعلَّقُ بِالإيمان، تحت الضَّغطِ لِيكون في شَرِكَةٍ مع أصحاب المشيئة الواحِدة الهراطِقَة؛ حتّى تَدبيرِيًّا، قد رفضَ القدّيس كُلِّيًّا القِيامَ بِذلِكَ؛ ويُصَرِّحُ بِشَكلٍ قاطِعٍ أنَّ مَنْ يَقبَلُ الهَراطِقَة ويكونُ في شَرِكَةٍ مَعهُم، فهُو، جوهريًّا، يَقبَلُ الشَّيطانَ ويُعادي الله. دَعونا نَتَّبِع تَسلسُلَ أفكارِ القدّيس مكسيموس:

«لقد اختار الله وأقامَ رُسلًا وأنبياءً ومُعلِّمينَ مِن أجلِ كَمالِ المؤمِنين. لكنَّ الشَّيطان قد اختار وأقام رُسلًا وأنبياءً ومُعَلِّمينَ زائفين ضِدَّ الإيمان الحقيقيّ. إنَّني لا أعني بالرُّسل والأنبياء والمُعَلِّمين الزّائفين أحدًا آخرَ سِوى الهَراطِقَة، ذوي الأفكارِ والكَلِماتِ المُنحَرِفَة. وكما أنَّ مَن يَقبلُ رُسلًا وأنبياءً ومُعَلِّمينَ حَقيقيّينَ يَقبلُ الله، كذلك مَن يَقبلُ رُسلًا وأنبياءً ومُعَلِّمينَ زائفين يَقبلُ الشَّيطان»28.

يَحُثُّ القدّيس ثيودوروس السّتوديتي، هذا النَّذيرُ الجَليُّ الصَّوتِ «لِلمُقاوَمَة الأرثوذكسِيَّة المرْضِيَّة لله»29، الأرثوذكسيّين على تَجَنُّب الشَّرِكَة مع الهراطِقَة «كما يَتَجنَّبون سمَّ الأفعى، التي تُظلِمُ لا الجَسَدَ، كما يقول اللاهوتيُّ في مَكانٍ ما، بل أعماق الرّوح»30. في حالةٍ أخرى، يَقولُ القدّيس ثيودوروس قاطِعًا، مع غَيرِه مِن رؤساء الأديِرَة المعتَرِفين، أنَّه حتّى لَوْ نزلَ مَلاكٌ مِن السَّماءِ «مُعلِّمًا ومُبَشِّرًا» بِما يُخالِفُ «الإيمانَ الإنجيليّ والرَّسوليّ المسَلَّم مرَّةً لِلقدّيسين»، «فإنَّنا لنْ نقبَلَهُ في الشَّرِكَة لأنَّه لا يَتْبَعُ عَقيدَةَ الإيمانِ السَّليمَة»31. في مَكانٍ آخر، يُعلِنُ القدّيس أيضًا: «لقد أعلن الذَّهبيّ الفمّ الإلهيّ بِصَوتٍ عالٍ وواضِحٍ أنَّهُ ليس فقط الهراطِقَة بل أيضًا أولئك الذين في شَرِكَةٍ مع هكذا أشخاص، هم أعداءٌ لله»؛ «عانى البعضُ مِن التَّحَطُّمِ الكامِلِ لِلإيمان؛ وآخرون، مع أنَّهُم لم يَغرقوا بِفِكرهم ومُخيِّلَتِهم، إلّا أنَّهُم هَلَكوا مع الذين قَبلَهُم بِسَببِ شَرِكَتِهم مع الهَرطَقة»32.

هذا الرأي بالتَّحديد، يُعَبِّرُ عنه القدّيس باسيليوس الكبير: «أمّا بالنِّسبة إلى أولئك الذين يَتظاهَرون باعتِرافِهم بالإیمان الصَّحيح وما زالوا في شَرِكَةٍ مع غیر الأرثوذكس، وبعد إصلاحِهم لم یَتراجَعوا عن أعمالِهِم، ليس فقط یجب أنْ تَعتَبِرونَهُم مقطوعين مِن الشَّرِكَة، بل لا يجب أنْ تَدْعوهُم إخوَةً حتّى»33.

إنَّ ما يلي هو تَصريحٌ جَلِيٌّ ومُهِمٌ جدًّا لِلقدّيس جيناديوس سكولاريوس، أوَّل بطريرك وحاكِم بعد سُقوط القِسطَنطينيَّة؛ إنَّ حُكمَ هذا الرَّجُل القدّيس يُلَخِّصُ الذِّهنِيَّة التَّقِيَّة لِتَقليدِنا الأرثوذكسِيّ القديم: «إنَّ الشَّرِكَة الرّوحِيَّة لأولئك الذين لديهِم مُعتقَداتَنا ذاتها، وخُضوعِهم الكامِل لِلرُّعاة الحَقيقيّين، يُعَبَّرُ عَنها بِمَن نَذكُرُ رئاسَتَهُم. تأمرنا المجامِع وبَقيَّة الآباء بِتَجنُّبِ الشَّرِكَة مع أولئك الذين نَمقتُ مُعتقداتهم»34.


 

1 Cf. Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, The Dramatic Crisis in the Ecumenical Movement and the Awakening of Orthodox Anti-Ecumenism, p. 42.

2 ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, Nos. 17-18 (July-December 1995), pp. 55-61 (special issue).

3 See Bishop Artemije’s brilliant letter to the Holy Synod of the Serbian Church, in ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, No. 23 (January-March 1997), pp. 81-82.

4 See ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, Nos. 21-22 (July-December 1996), pp. 73-80 (special issue, with the overall title: “The Church of Serbia and the Ecumenical Movement: The Anti-Ecumenist Current is Continually Being Strengthened”).

5 See ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, No. 25 (July-September 1997), pp. 97-100 (special issue).

6 Ibid.

7 See ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, Nos. 19-20 (January-June 1996), pp. 65-69: “The Moscow Patriarch and the Ecumenical Movement – A Strong Anti-Ecumenism Current Within Russia”.

8 See ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, No. 27 (January-March 1998), pp. 105-107: “The Wave of Anti-Ecumenism is Becoming Continually Stronger”.

9 Ibid.

10 See ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, No. 32 (April-June 1999), pp. 133-134: “The Orthodox Church of Georgia Gives Still Greater Impetus to Anti-Ecumenism”.

11 See ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, No. 28 (April-June 1998), pp. 109-110: “The Orthodox Church of Bulgaria Discontinues Her Participation in the WCC”.

12 See ‘Εκκλησιαςτική ‘Αλήθεια (Athens), No. 393 (16 January 1995), pp. 1-7.

13 From an interview given to Father Constantine Strategopoulos on the program “Ράδιο-Παράγκα”, on May 24, 1998; see also Παρακαταθήκη (Thessaloniki), No. 1 (July-August 1998), p. 4; ‘Ορθόδοξος Ἐνημέρωσις, No. 30 (October-December 1998), pp. 125, 128.

14 See Έκκληδία, No. 15 (15 August-1 September 1998), p. 634B; Χριστιανική (10 October 1998), p. 8 (topics 3, 4, and 5).

15 Έκκλησιαστική Άλήθεια [1-16 April 1999], p. 14.

16 Παρακαταθήκη, No. 2 (September-October 1998), p. 8B: “Είδήσεις χαί Σχόλια” (News and Notes).

17 Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, Orthodoxy and the Ecumenical Movement, p. 86.

18 St. John of Damascus, Patrologia Graeca, Vol. 94, col. 1356CD (Against Those Who Slander the Holy Icons III.41);

القدّيس يوحنّا الدمشقيّ، الدِّفاع عن الأيقونات المُقدَّسة، ٣: ٤١، ص. ٧٤.

19 Chrestos Yannaras, The Truth and Unity of the Church [in Greek], (Athens: Gregore Publications, 1977), p. 186.

20 Basil T. Stavrides, History of the Ecumenical Movement [in Greek] (Analekta of the Vlatadon Monastery, No. 47; Thessaloniki: Patriarchal Institute for Patristic Studies, 1984), p. 33 (Introduction).

21 Ibid., p. 45 (2, Historical presuppositions).

22 See Father Alexander Schmemann, “The Ordination of Women: A Letter to an Episcopalian Friend”, reprinted from Sourozh (No. 17 [Autumn 1984], pp. 6-11) and translated by Apostolos Apostolides in Synaxe, No. 36 (October-December 1990), p. 48.

23 Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, Orthodoxy and the Ecumenical Movement, pp. 38-39.

24 St. Maximos the Confessor, Patrologia Graeca, Vol. XCI, cols 464A, 465CD (Epistle 12: “To John the Chamberlain”).

25 Apologetics on the flight to Pontus 82, ΕΠΕ 1, 176.

26 To Romans, Homily 22, 2, Patrologia Graeca, Vol. 60, col. 611. To Philippians, Homily 2.1, Patrologia Graeca, Vol. 62, col. 119.

27 St. Athanasios the Great, Patrologia Graeca, Vol. XXVI, cols. 1185D-1188C (“To Those Who Practice Solitary Life and are Established in Faith in God”).

28 St. Maximos the Confessor, Patrologia Graeca, Vol. XC, cols. 144D-145A (Second Time, Concerning the Events During His First Exile, Namely in Bizya, §1).

29 St. Theodore the Studite, Patrologia Graeca, Vol. XCIX, col. 1045D (Epistle I.39: “To Theophilos the Abbot”).

30 Ibid., col. 1129C (Epistle II.8: “To All the Brotherhoods”).

31 Ibid., col. 1120A (Epistle II.1: “To the Iconoclast Synod”); “ut qui sanam fidei doctrinam non sequatur”.

32 Ibid., col. 1049A (Epistle I.39: “To Theophilos the Abbot”), and col. 1164A (Epistle II.15: “To the Patriarch of Jerusalem”). “Et alii quidem ultimum circa fidem naufragium fecerunt; alii vero quamvis mente et cogitatione submersi non sint, ipsa, tamen haeresis communione, una perierunt”.

33 St. Basil the Great, cited by St. Mark of Ephesus, Patrologia Graeca, Vol. CLX, col. 101D.

34 St. Gennadios Scholarios, “Letter to the Dignitaries of the Church”, cited in Ό ’Όσιος Γρηγόριος [Holy Mountain], No. 21 (1996), p. 23.



آخر المواضيع

هدف المسكونيّين هو تضليل المؤمنين
الفئة : مسكونيات

2024-09-10

رسالة مفتوحة للمطارنة البلغار
الفئة : مسكونيات

المطران لوقا، ميتروبوليت زابوروجي وميليتوبول 2024-07-01

بدعة كهنوت المرأة (3/3)
الفئة : مسكونيات

روني سعيد 2024-06-13

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا