(5/2) السّرطان الحقيقيّ: الحركة المَسكونيّة - الجزء الثاني

الحركة المسكونيّة والقوانين الكنسيّة والآباء القدّيسون

الفئة:مسكونيات

السّرطان الحقيقيّ: الحركة المَسكونيّة - الجزء الثاني (5/2)

الحركة المسكونيّة والقوانين الكنسيّة والآباء القدّيسون

إعداد وتعريب: إدي بطرس

 

يُقدِّم لنا القدّيس فِنكنتيوس اللارنسيّ، بِبَيانٍ موجَزٍ وقاطعٍ بآنٍ، تفسيرًا أوَّليًّا لموقِف الآباء القدّيسين الصّارم فيما يَتعَلَّقُ بموضوع الشَّرِكَة مع أولئك الذين ليسوا أرثوذكسيّينَ في مُعتقداتِهم. ما هي رسالة القدّيس فِنكنتيوس؟ «إنَّ التَّبشيرَ بأيِّ تعليمٍ بِخلافِ ما قد تمَّ تَسليمه، لم يَكُن أبدًا قانونيًّا في الماضي، وليس قانونيًّا في الحاضِر، ولن يكون أبدًا قانونيًّا في المستَقبَل»1.2

«لقد أدخلَت مُبادَرات البطريرك أثيناغوراس الكنيسة الأرثوذكسيَّة في الحركة المسكونيَّة بِطُرُقٍ تُحَظِّرُها بِشكلٍ واضحٍ قوانين كنيستنا. لقد نزع دفَّة القِيادَة (البيذاليون) مِن السَّفينة الأرثوذكسيَّة تارِكًا إيّاها تتحَطَّمُ هنا وهناك برِياحِ الجَماعاتِ غير الأرثوذكسيَّة وبخاصَّةٍ الكنيسة الكاثوليكيَّة. وهكذا، فإنَّنا نُشاهِدُ صلوات مُشتركة – وتُسمَّى صلوات مَسكونيَّة – مع غير الأرثوذكسيّين، بما في ذلك البابا نفسه، يُشارِكُ فيها قادةُ الكنيسةِ الأرثوذكسيَّة ومِن بينهم بطريرك القسطنطينيَّة»3.

فيما يتعَلَّقُ بِالقوانين المقدَّسَة التي تجاهَلَها المسكونيّون الأرثوذكسيّون في ذلك الوقت وحتّى يومنا هذا، دعونا نَقتبِسُ القانونَيْن الرَّسوليَّيْن الخامِس والأربعين والخامِس والسّتّين. يقول القانون الخامس والأربعون: «أيّ اسقف أو قسّ أو شمّاس صلّى مع المبتدعين فليُقطَع مِن الشَّرِكة، أمّا إذا سَمحَ لَهم بِأنْ يُقيموا أيّة خِدمةٍ في أيِّ رُتبَةٍ كَنَسيّة فليَسقُط»4. يقول القانون الخامس والسّتّون: «أيّ اكليريكيّ أو عاميّ يَدخُلُ الى مجمعِ اليَهود أو الهراطقة لِيُصلّي فليَسقُط الأوّل و ليُقطَع الثّاني مِن الشَّرِكة»5.

«أنَّ الهدفَ مِن هذه القوانين هو حِماية العَقيدة الأرثوذكسيَّة مِن أيِّ نَوعٍ مِن الفَهمِ النِّسبيِّ الخاطىء. عِندما نُصَلّي مع آخرينَ، يجب أساسًا أنْ يكون لِهَؤلاءِ إيمانَنا ذاته – المعتقَدات ذاتها المتَعَلِّقة بِطَبيعة الله وطبيعةِ الإنسان ومَصيره، وطُرق ووَسائل تحقيقِ الخَلاص. عِندما نُصَلّي مع أشخاصٍ يَختلِفُ إيمانُهم عنّا، فَهذا يَعني أنَّنا نَستَهِين بايمانِنا، ولا نَعتبِرُه ذا أهميَّة حقيقيَّة، وأنَّ نَظْرتنا لِلحَقيقَة هي نِسبِيَّة، نَظرة غريبة عن الكنيسةِ الأرثوذكسيَّة. لم تُصَغ وتوضع القَوانين بِدافِع الكَراهِيَّة لِلمسيحيَّينَ غير الأرثوذكسيّين أو لِليهود. إنَّ الأرثوذكسيّين الحقيقيّين، كأتباعٍ حقيقيَّينَ لِلمسيح، يُحِبّون جميعَ النّاسِ ولا يَكْرهونَ أحَداً. إنهم مُتَحرِّرون مِن رَذيلةِ التَّعصُّب الدّينيّ واللامبالاة بِإيمانِهم، بإيمانهم الحقّ»6.

«إنَّ الحركةَ المسكونِيَّة ليست مُجرَّدَ مُخالفةٍ قانونيَّةٍ غير اعتياديَّة، ولكنَّها تؤثّر بِشكلٍ مُباشَرٍ على الأُسُس الكَنسِيَّة لِلكنيسة الأرثوذكسيَّة المقدَّسَة»7. فَما هي المبادئ الأساسِيَّة لِلإكليزيولوجيَّة الأرثوذكسيَّة؟ هي التّاليَة:

المبدأ الأوَّل: توجدُ كنيسةٌ واحِدةٌ ووحيدَةٌ حقيقيَّة مُتَطابِقَة وجوديًّا مع الكنيسة الأرثوذكسيَّة. كلُّ جماعة مسيحيَّة أخرى، غير مُتطابقة أو ليست في وِحدةٍ إيمانيَّة مع الأرثوذكسيَّة، هي هرطوقيَّة وخارِجَ نِطاقِ الحَقيقَةِ والكَنيسة. في هذا الصَّدَد، القدّيس فوتيوس الكبير واضح جدًا:

«تُوجَدُ كنيسةٌ واحدَةٌ جامِعَة رَسوليَّة لِلمسيح، وليس عِدَّة كَنائس، ولا حتَّى اثنتان؛ أمَّا الجَماعات الأُخرى فَهِي مُعابِدٌ لِلأشرار وحَشْدٌ لِلمُنشَقّين. هكذا نَعتَقِدُ نَحن المسيحيّين الحقيقيّين، هكذا نؤمِن وهكذا نُعلِن»8.

المبدأ الثاني: فقط داخِلَ الكَنيسةِ الواحِدَة والوحيدة، أي الكَنيسَة الأرثوذكسيَّة، يُمنَح الخلاص غير المنقَطِع بالمسيح، لأنَّها (الكنيسة) هي وَحدَها جَسد المسيح، ووحدهُم أولئك الذين هُم أعضاءٌ في جَسَدِه يُمكِنُهم أنْ يَكونوا في شَرِكَةٍ مع رأسِها الذي هو المسيح. إنَّ القدّيس يوحنّا الذَّهبِيّ الفَمّ حاسِمٌ في هذا الموضوع:

«لأنَّه إذا كُنّا جَسدَ المسيحِ وأعضاء فيه، وبِهذه الطَّريقة يكون هو رأسُنا، فلا يُمكِنُه أنْ يكونَ رأسَ أولئكَ الذين ليسوا في الجَسدِ، وغير المحسُوبين بين الأعضاء»9»10.

في مُحاولتِهم لِتَحديدِ الطَّبيعَةِ الكَنسِيَّة لِلشَّراكاتِ غيرِ الأرثوذكسيَّة بِدقَّةٍ، صاغَ المسكونيّون رِزمةً مِن المفاهيمِ اللاهوتيَّة، حَيثُ يقبلون «كَنَسِيَّةَ» الجَماعات المسيحيَّة المختَلِفة، أي أنَّهم يَعتَرِفونَ بِأنَّ غير الأرثوذكسيّين هم داخل »حُدودِ« الكَنيسة11. مِن أهَمّ المفاهيمِ نَذكُرُ ما يَلي12:

  1. لاهوت المعموديَّة، الذي يؤكِّدُ أنَّ المعمودِيَّة - الأرثوذكسيَّة وغير الأرثوذكسيَّة - تُحدِّدُ فَرَضِيًّا حُدودَ الكَنيسة، مؤسِّسَةً ما يُسَمّى بِحُدود سرّ المعموديَّة الكَنَسِيّ، وبهذه الطريقة، تَضُمُّ الأرثوذكسيّين وغير الأرثوذكسيّين، الذين تَجمعُهم «وِحدَة سرّ المعموديَّة» الكَنَسِيَّة13.
    لِنَعرض بَعضَ الآراءِ النَّموذجِيَّة:
    أثناء زيارته للفاتيكان عام 1995، وقَّع البطريرك برثلماوس على «نِداءٍ وبَيانٍ مُشتَركٍ» مع البابا، أعلنا فيه مِن بين أمورٍ أخرى:
    «نحثّ مؤمِنينا، الكاثوليك والأرثوذكسيّين، على تَقوِيَة روح الأُخُوَّة التي تَنبثِقُ مِن مَعمودِيَّةٍ واحدَةٍ ومِن المشاركَةِ في الحياة الأسراريَّة. لقد شمَلَ البطريرك والبابا في صلواتهما كل أولئك الذين اتَّحدوا في المسيحِ على أساسِ مَعمودِيَّتهم
    14».

    في عام 1987، أعلن أحد البطاركة في اجتماعٍ مَسكُونيٍّ ما يلي رسميًّا وعَلَنِيًّا:
    «إنَّنا جميعًا (أي أرثوذكسيّين وغير أرثوذكسيّين) أعضاءٌ في المسيح، جسدًا واحدًا ووحيدًا، ’خليقةً جديدةً‘ واحدةً ووحيدةً، بما أنَّ مَعمودِيَّتنا المشتركَة قد حرَّرتنا مِن الموت»
    15.

  2. لاهوت «الكَنائس الشَّقيقة»، الذي يَفترِضُ أنَّ الأرثوذكسيّين والبابويّين هم «كنائس شقيقة» بملىء معنى هذا المصطَلح على الرُّغم مِن الاختلافات العَقائدِيَّة القائمة؛ وبالفِعل، فإنَّ المسكونيّين الأرثوذكسيّين قد بدأوا أساسًا يُوَسِّعون احتواء مُصطَلح «الكَنائس الشَّقيقة» لِيَشمُل الجَماعات غير الأرثوذكسيَّة الأخرى أيضًا16.

مِن الواضِح أنَّ أعمالَ المسكونيّينَ تَتعارَضُ مع التَّقليدِ الأرثوذكسِيِّ الرَّسوليّ والآبائيّ والمجمعِيّ، الذي يأمُر بِصوتٍ عالٍ وبكلِّ وضوحٍ، ليس فقط مِن خِلالِ كَلِماتِ القدّيس باسيليوس الكبير، «أنْ نَتجنَّبَ الشَّرِكَة مع غير الأرثوذكسيّين»17، ولكن مِن خِلالِ القدّيس مكسيموس المعتَرِف أيضًا، الذي يُرشِدُنا على هذا النَّحو: «إنَّ رغبتي هي أنْ تَرفُضوا بِكُلِّ قُدرتِكُم كلَّ أولئك الذين لا يَقبَلون عَقائد الكنيسة الإلهيَّة والخَلاصِيَّة»18. «فليتجنَّب [الضَّعيف بإيمانه] الهراطقة، يوصي القدّيس يوحنّا الذَّهبيّ الفمّ، فليبتعد عن تجمُّعاتهم، لئلّا تُصبحَ الصَّداقة معهُم سببًا ينتج عنه خسارتَهُ لإيمانِه»19. في مكانٍ آخرٍ، يُشدِّدُ القدّيس مرَّةً أخرى: «لِنَرفُض تجمُّعات الهراطِقة، ولنَتشبَّث بِلا انقِطاعٍ بالإيمان المستقيم، ولنُظهِرُ حياةً وسلوكًا مُستَقيمَيْن يَليقانِ بِما نُعَلِّمُه»20. في الواقِع، كان اهتمامُ الآباء القدّيسين وشكُّهم بِشأن مَسائل العَلاقات مع الهراطقة عظيمًا لِدرجَةِ أنَّ القدّيس ثيودوروس السّتوديتي يُعلِنُ: «إنَّ التَّهديدات التي أطلقها القدّيسون ضِدَّ أولئك الذين يتَنازَلون لِلهَرطَقةِ عظيمةٌ جدًا إلى حدِّ الامتِناعِ عن تَناوُلِ الطَّعام مَعهُم؛ حتّى لو كان [أيْ مَن يبدو أنَّه أرثوذكسيٌّ] يتكَيَّفُ مع الهراطِقةِ في الطَّعام والشَّراب والصَّداقة، فهو مُذنِبٌ؛ هذا هو حُكم الذَّهبيّ الفمّ وبِالتّالي حُكم كُلّ قِدّيس»21.

أثارت المبادرات المسكونيَّة لِلبَطريرك أثيناغوراس ردودَ فِعلٍ سَريعَةٍ وقويَّة ضِدَّها، وسُرعانَ ما قسمت الأرثوذكسيّين إلى مُعسكَريْن مُتعارِضَيْن: المسكونيّين والمناهِضين لَهُم. فيما يتَعلَّقُ بهذا الانشِقاق، كَتب المعتَرِفُ الكبير بالإيمان الأرثوذكسيّ، فوتيوس كونتوغلو، في رِسالةٍ إلى يعقوبَ مِطران ديركون - وهو عضوٌ بارِزٌ في المجمع القِسطَنطينيّ - أنَّ مُحاولةَ أثيناغوراس لِلتَّقارُبِ مِن الفاتيكان كانت بِمَثابَةِ إشارةٍ لِفَصل الخِراف عن الجِداء (متى 25: 33)، المؤمنون عن غير المؤمنين، ذوي الإيمان الضَّعيف أو الأفراد الذين يتظاهَرون بِأنَّهم مؤمِنون22.

إنَّ المسكونيّين لا يَعلَمون وليس لديهم أدنى فِكرةٍ أنَّهُم يَشنّون حَربًا ضدَّ الله والآباء، فكما يقول القدّيس ثيودوروس السّتوديتي: «نحن لا نَفهمُ كَلِماتِ القدّيسين، ونتيجةً لِذلك نوجَد في حالةِ حَربٍ ضِدَّ الآباء أو بالأحرى ضِدَّ الله»23.24

نوجِّه بِحُزنٍ سؤالًا نابِعًا مِن مَحبَّةٍ أخويَّة إلى المسكونيّين الأرثوذكسيّين بيننا: إلى أين أنتُم ذاهبون أيُّها المسكونيّون الأرثوذكسيّون؟25


 

1 St. Vincent of Lérins, First Commonitory for the Antiquity and Universality of the Catholic Faith, ch. 23.

2 Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, The Dramatic Crisis in the Ecumenical Movement and the Awakening of Orthodox Anti-Ecumenism, p. 21.

3 Constantine Cavarnos, Ecumenism Examined, p. 34.

4 St. Nicodemus of the Holy Mountain, The Rudder (English), p. 67, Apostolic Canon XLV.

5 Ibid., p. 113, Apostolic Canon LXV.

6 Constantine Cavarnos, Ecumenism Examined, p. 35.

7 Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, Orthodoxy and the Ecumenical Movement, p. 17.

8 St. Photios the Great, Epistle 284, “Against the Heresy of the Theopaschites”, in Epistulae et Amphilochia, Vol. III, ed. B. Laourdas and L. G. Westerink (Leipzig: B. G. Teubner, 1985), p. 14, l. 375.

9 St. John Chrysostomos, Patrologia Græca, Vol. LXI, col. 214 (on I Corinthians, Homily 26, §2).

10 Bishop Angelos of Avlona, Ecumenism: A Movement for Union or a Syncretistic Heresy? pp. 15-16.

11 Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, Orthodoxy and the Ecumenical Movement, p. 17.

12 Ibid., pp. 17-19.

13 Ibid., p. 18.

14 Episkepsis, No. 520 (July 31, 1995), p. 20 [in Greek].

15 Episkepsis, No. 370 (January 15, 1987), pp. 8-13 [in Greek].

16 Patriarch Bartholomew, for example, stated in 1993 that Orthodoxy and Anglicanism are “Sister Churches” and have a common responsibility “in the universal Church” (see Episkepsis, No. 499 [December 31, 1993], p. 6 [in Greek]: “The Oecumenical Patriarch Visits the Archbishop of Canterbury and the Synod of Anglican Bishops” [This visit took place on November 10, 1993]).

17 St. Basil the Great, Patrologia Græca, Vol. XXXII, cols. 1096-1097 (Short Rules, Question 20).

18 St. Maximos the Confessor, Patrologia Græca, Vol. XCI, col. 497D (Epistle 12: “To John the Chamberlain”).

19 St. John Chrysostomos, Patrologia Græca, Vol. XLVIII, col. 718 (To the Anomaeans, On the Incomprehensible Nature of God, Oration 2, §7).

20 St. John Chrysostomos, Patrologia Græca, Vol. LVI, col. 256 (In the Great Church, [the Bishop] having Spoken a Few Words on the Gospel, “The Son never doeth anything of Himself, but what He seeth the Father do”, §7).

21 St. Theodore the Studite, Patrologia Græca, Vol. XCIX, col. 1048CD (Epistle 1.39: “To Theophilos the Abbot”).

22 Constantine Cavarnos, Ecumenism Examined, p. 39.

23 St. Theodore the Studite, Patrologia Græca, Vol. XCIX, col. 1484D (Epistle II.155: “To Theophilos of Ephesus”).

24 Archimandrite Cyprian Agiokyprianites, Orthodoxy and the Ecumenical Movement, p. 41.

25 Ibid., p. 109.



آخر المواضيع

هدف المسكونيّين هو تضليل المؤمنين
الفئة : مسكونيات

2024-09-10

رسالة مفتوحة للمطارنة البلغار
الفئة : مسكونيات

المطران لوقا، ميتروبوليت زابوروجي وميليتوبول 2024-07-01

بدعة كهنوت المرأة (3/3)
الفئة : مسكونيات

روني سعيد 2024-06-13

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا