روحانية فرنسيس الأسيزيّ وجروحاته (stigmata) في اللاهوت الأرثوذكسيّ
الخاتمة (الجزء الخامس)
روحانية فرنسيس الأسيزيّ وجروحاته (stigmata) في اللاهوت الأرثوذكسيّ
إعداد وتعريب: رولا الحاج
الخاتمة (الجزء الخامس، 5/5)
قد يعود السبب الرئيسيّ الذي أظلم مسار حياة فرنسيس النسكيّة إلى الشرط الجوهري في الكنيسة الكاثوليكيّة الذي تغذّى منها وتدرّب فيها. ففي ذلك الحين، وفي ظلّ ظروف الكنيسة الكاثوليكيّة ذاتها، لم يكن بالإمكان تشكيل وإظهار التواضع الحقيقيّ في وجدان الناس. ففكرة «نائب للمسيح على الأرض» بادعاءاته الروحيّة وسلطته الزمنيّة، تمثّلت بالكبرياء الروحيّ. إذ لا يمكن تصوّر كبرياء روحيّ أهمّ وأكبر من قناعة المرء بأنّه معصوم عن الخطأ1. أثّر هذا الخطأ الأساسيّ حتمًا في روحانيّة فرنسيس، بالإضافة إلى روحانيّة الكاثوليك عمومًا. على غرار البابا، إذًا، يعاني فرنسيس من الكبرياء الروحيّ. يتضّح هذا الأمر في خطابه الوداعيّ الموجّه إلى الإخوة الفرنسيسكان حين قال لهم: «الآن دعاني الله، فإنّي أسامح كلّ إخوتي الحاضرين منهم والغائبين، على زلاتهم وأخطائهم، وأغفر لهم خطاياهم بقدر ما هو في وسعي»2، وهذه هي وصيّتي لهم بثلاث كلمات لا أكثر: «ليحبّ بعضهم بعضًا لذكري أنا الذي باركتهم، وليدأبوا على احترام سيّدنا الفقر وتعزيزه، وليظلوا خاضعين لرجال أمّنا الكنيسة المقدّسة"3. بهذه الكلمات، يبدو أنّ فرنسيس وهو على فراش الموت شعر أنّه يتمتع بسلطة تكفي لغفران الخطايا على غرار البابا. من المعروف أنّ مغفرة الخطايا خارج سرّ التوبة والمناولة في الكنيسة الكاثوليكيّة هي امتياز للسلطة البابويّة4. إنّ ادّعاء فرنسيس بتمتّعه بهذا الإمتياز هو تأكّيد لقدسيته فحسب. وإذا نظرنا إلى الموضوع بحرفيّته، فهو ليس كاهنًا وليس لديه أي سلطة للقيام بذلك. كلّ هذه الإستشهادات تُشير إلى تجاهله لخطاياه وعدم استحقاقه لنعم الله وهذه كارثة روحيّة فعلاً!
في المقابل، لم يسمح نسّاك الأرثوذكس القدّيسين لأنفسهم الاستحواذ على سلطان غفران الخطايا وماتوا كلّهم وهم يعترفون بأنّهم غير كاملين على رجاء أن يغفر لهم الله برحمته خطاياهم. يكفي أن نذكر كلمات الأنبا صيصوي من القرن الخامس. فيما كان ممّددًا على فراش الموت، رآه تلاميذه الذين كانوا محيطين به يخاطب أحدهم فسألوه «مع مَن تتكلم يا أبانا؟»، أجابهم: «ها هي الملائكة أتت لتحملني وإني أرجوها أن تدعني أتوب قليلاً بعد». في حين يعلم تلاميذه أنّه كان كاملاً في الفضيلة فأجابوه قائلين: "لا حاجة إلى أن تتوب يا أبانا" فأجابهم: "في الحقيقة لست متأكدًا حتى من أنّني بدأت أتوب". إنّ حالة الأنبا صيصوي تتعارض مع ما اختبره فرنسيس، اذ تقول السيرة أنّه سمع صوتًا يقول له "سرّ اذًا وافرح! فالملكوت من نصيبكَ، وانّي لضامنه لك منذ الآن حتى لكأنّه صار في حوزتك"5. في المقابل، يُشدّد الشيخ يوسف الهدوئي في إحدى رسائله قائلاً: «على الواحد ألّا يكون مفرط الثقة بخلاصه قبل أن تخرج نفسه من بدنه. ولكن، حتّى حين يكون صاعدًا إلى السماء، عليه أن يتوقّع الإنحدار إلى الهاوية في أيّة لحظة. وأقول، أكثر من ذلك، إنّ النزول قد يحدث في تلك اللحظة بالذات. إذًا، لا يُفاجأنّ أحدٌ بالتغييرات بل يدركنّ ان الحالتين كلتيهما نصيبه»6.
أخيرًا، وكما اتضّح في الفقرات السابقة، يبدو أن مؤسّس الفرانسيسكانيّة الموَقَّر والذي يتمتّع بمنزلة عالية وأهميّة كبيرة، كان يعاني من حالة ضلال متنامية منذ أن سمع بأمر تجديد الكنيسة الكاثوليكيّة، من خلال رؤيا المسيح المصلوب الإستثنائيّة على جبل الالفرنا حتّى وقت وفاته. قد يندهش البعض، لكنّه حمل العديد من الخصائص التي تعتبر نموذجًا للمسيح الدّجال، الذي سيُنظر إليه كعفيف، طاهر، أخلاقيّ، مليء بالمحبة، والرحمة، وسيراه الناس قدوسًا (حتّى كإله)، وهم الذين سمحوا بالإستعاضة عن تقليد الكنيسة المقدّسة بالرومانسيّة الدنيويّة.
والمؤسف في الأمر هو أنّ فرنسيس كان عاجزًا عن إنشاء علاقة روحيّة حقيقيّة مع المسيح، كونه خارج كنيسة المسيح، واستحال عليه أن يتلّقى النعمة الإلهيّة، أو أي مواهب أخرى من الروح القدس وبالتالي فإنّ مواهبه نجمت من روح آخر.
حسبيَ أن يكون هذا البحث الموجز لمنفعة أبناء كنيستي، لا للإدانة بل كي لا يقعوا ضحية ضلال الرؤى والجروحات مردّدين مع آباء البرية بأنّه علينا ألا نقتل الجسد بل الشهوات وعندها أثناء الصلاة يفيض القلب الصالح بدموع الفرح7 وليس بجروحات.
المرجع:
http://orthodoxinfo.com/praxis/francis_sarov.aspx
1 Compare Dostoevsky, The Grand Inquisitor in The Brothers Karamazov.
2 Sabbatier, p 352.
3 حياة القديس فرنسيس الأسيزي، الأب جرجس المارديني، سلسلة الشهود، منشورات المكتبة البولسية، صفحة 281.
4In the 15th century, Luther protested against this prerogative as expressed in the practice of granting indulgences.
5 حياة القديس فرنسيس الأسيزي، الأب جرجس المارديني، سلسلة الشهود، منشورات المكتبة البولسية، صفحة 271.
6 سيرة ورسائل الشيخ يوسف الهدوئي الآثوسي، منشورات التراث الآبائي، الرسالة العاشرة، صفحة 126.
7 القديس اسحق السرياني، نسكيّات، المقالة السادسة والستون، صفحة 40
آخر المواضيع
هدف المسكونيّين هو تضليل المؤمنين
الفئة : مسكونيات
رسالة مفتوحة للمطارنة البلغار
الفئة : مسكونيات
بدعة كهنوت المرأة (3/3)
الفئة : مسكونيات
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني