ديانة المسيح الدَّجّال

الفئة:مسكونيات

ديانة المسيح الدَّجّال.

الأب سبيريدون بايلي.

نقله إلى العربيّة: فريق «القدّيس غريغوريوس بالاماس».

 

«لا تقلقوا كثيرًا، بشأن فَقرِكُم الرّوحيّ؛ فالله يرى ذلك. لكن المطلوب منكم، هو أن تثقوا بالله، وأن تصلّوا له بحرارةٍ، وألّا تسقطوا في اليأس أبدًا، وأن تجاهدوا حسب قدرتكم». الأب المغبوط، سيرافيم روز.

نقرأ في الكتب المقدّسة، وفي كتابات الآباء، أنّه في آخر الأيّام، سوف يشهد العالم ارتدادًا شاملًا، وخِداعًا ماكِرًا يملأ الأرض، حتّى أنّ المختارين قد ينخدعون؛ ففيما العالم يتطلّع إلى مجيء المسيح، علينا في الواقع أن نترقّب أوّلاً، مجيء ضدّ المسيح (المسيح الدَّجّال). سوف يأتي ضدُّ المسيح، ويؤسّس شكلًا جديدًا للمسيحيّة؛ سوف تكون مسيحيّةً فارغةً من النّعمة، وإيمانًا مُزَيَّفًا؛ مسيحيّةً خاليةً من الجهاد، ومن التّوبة، والإيمان الحقيقيّ. ضدُّ المسيح، كما أُخْبِرنا، سوف يتظاهر بأنّه مسيحيّ. لقد تمكّن الأب سيرافيم روز - الّذي تعمّق في الكتب المقدَّسة وكتابات الآباء، وعاش حياةَ صلاةٍ ونُسكٍ – بفضل روح التّمييز، من إدراك أنّ ضدّ المسيح سوف يتظاهر بأنّ نهجَه يرتكز على المسيح، وبأنّه رجل سلامٍ سوف يحلّ العديد من مشاكل العالم، ويوحّد جماعاتٍ دينيّةً كثيرةً، تبدو بِظاهِرِها منفصلة، وسوف يتخطّى الاختلافات العقائديّة، تحت شعار السّلام العالميّ. بالطّبع، سوف يصنع في النّهاية الآياتِ والعجائبَ، الّتي سوف تخدع الكثيرين من العالم، حتّى بعض أعضاء الكنيسة، فيعلن ذاته حاكمًا على الأرض، من هيكل أورشليم الّذي سَوف يُعاد بناؤه. ديانةُ ضدّ المسيح الآتية، سوف تبدو مسيحيّةً حقّةً، كلامًا وترتيلًا؛ ولكنّها بجوهرِها إيمانٌ مُزَيَّف.

في الماضي، في أيّام الرّومان، حين كان عبدةُ الأوثان يقتلون المسيحيّين، وفي عصر الاتّحاد السّوفياتي، عندما كان اليهود المُلحِدون يطاردون ملايين المسيحيّين ويقتلونهم، كان من السّهل كشفُ هويّة القاتلين السّفّاحين. لن تكون الحال كتلك، في زمن ضدّ المسيح؛ في زمن ضدّ المسيح، سوف يكون المسيحيّون الحقيقيّون منبوذين من العالم، على أّنهم أشرار؛ سوف يُدعى الصَّلاحُ شرًّا، والشرُّ صَلاحًا؛ ديانة ضدّ المسيح، سوف تبدو مسيحيّةً ظاهريًّا، ولكنّها ستجرف الكثيرين بعيدًا من الخلاص. لقد بدأنا نرى تهيئة العالم، وجهوزيتّه، لهذه الدّيانة المَنحولة الكاذبة. منذ زمنٍ، والعالم مُتَأهِّبٌ لِمَن هم ليسوا جزءًا من الكنيسة. إنّنا نرى علاماتها، خاصّةً في عالمنا اليوم، عند جماعاتٍ مثل «الكاريزماتيك»، المُتكلّمين بالألسنة.

وصلَت بدعة التكلُّمُ بالألسنة إلى أمريكا، عام 1900، مع شارلز بارام (Charles Parahm) في ولاية كانساس، وجماعاتٍ صغيرةٍ من أصحاب البِدَع، الّذين كانوا يختبرون بعض الممارسات الدّينية، ساعين لِبُلوغ شعورٍ بالنّشوة الرّوحيّة، فبدأوا بالتكلُّم بالألسنة، وكانوا هم أوّلَ من ابتدع «معموديّة الرّوح القدس». وهكذا، نشأت الحركة «الكاريزماتيّة» (المواهبيّة)، وانتشرت بين الجماعات البروتستانتيّة الهرطوقيّة، في أمريكا، وكذلك بين الكاثوليك في الستّينات. فالكثير من المطارنة والكهنة الكاثوليك، قَبِلوا الحركة هذه على أنّها حقيقيّة. كما غَزَت، الكثيرَ من الرّعايا اللّيبراليّة في الجماعات الكاثوليكيّة، وانجرف الشّبابُ وراءَها، وانخرطوا فيها.

إنّ سيكولوجيّة هذه الجماعات الكاريزماتيّة، وديناميكيّتها، تخلقان خوفًا شديدًا، عند الشّباب، من أنّهم يرتكبون خطيئة التَّجديف على الرّوح القدس، عندما يعاينون مظاهرَ هذه الحركة وعلاماتِها، وإذا ما تساءلوا ما الرّوح الّتي تدخل في «الكاريزماتيّين»، الّذين يزعُمون إنّها روحُ الله. هناك الآلاف، من الجماعات البروتستانتيّة الكاريزماتيّة المختلفة، الّذين يزعُمون إنّهم مُلهَمون من الرّوح القدس. ونرى جَمْهَرةً لا تُحصى، من المعتقدات والتّعاليم المختلفة. هل يُعقَل، أن يجلب الرّوح القدس هذه المعتقدات والتّعاليم المختلفة كلَّها؟ إنّها فوضى روحيّةٌ عارِمة. لماذا قد يُحدِث الرّوح القدس، مثل هذه الفوضى لشعبه؟ الجوابُ الأكيد، هو أنّه لم يفعل ذلك قَطّ، ولن يفعلَه أبدًا.

ليستِ الرّوح العامِلة في هذه الجماعات، روحَ الله. يتّضح لنا هذا، عندما نرى أشخاصًا يقلّدون السُّكارى، أو يقهقهون، مثل جماعة «بَرَكة تورنتو» (Toronto blessing) أو يقلّدون نباح الكلاب، أو يزعُمون إنّ لديهم خبراتٍ روحيّةً، تتخطّى درجة الطّهارة اللّازمة. روحُ الله، تبكّتنا على خطيئتنا. الرّوح القدس، يواجه الشرَّ في داخلنا. لا يمكن للرّوح القدس، أن تَلِجَ القلب من دون مواجهة الشّرّ الكامِن فيه، ومن دون الدّعوة للتّوبة: هذا هو، تأثير الرّوح القدس، في شعب الله، الّذي لا علاقة له بتلك الآيات والعلامات الخارجيّة الغريبة. الرّوح القدس، غير عامِلٍ في الجماعات الكاريزماتيّة. ليس ما نشاهده نعمةَ الله؛ بل تهيئةٌ لمجيء ضدّ المسيح، وسَعيٌ وراء مشاعر وأحاسيس دنيويّةٍ جسديّةٍ، لترفيعِها إلى مستوى المعتقد الدّينيّ.

لم نقرأْ عن التّكلّم بألسنةِ الرّوح، إلّا في سفر أعمال الرّسل. يَدينُ القدّيس بولس الرّسول، في رسالته، الّذين يثيرون التَّشويش والاضطراب، في الكنائس. وفي كتاب أعمال الرّسل، تكلّم الرّسلُ بألسنة الجُموع الحاضِرة، ولم يكن كلامُهم هَذَرًا؛ فقد سمعهم، كلُّ واحدٍ من الجمع، يتكلّمون بلغته.

في التّسعينات، عاش القدّيس بورفيريوس في جبل آثوس. يُخبر تلاميذُه، عن زيارات النّاس له. لم يكن ذا درجاتٍ عاليةٍ من التّعليم. كان يتكلّم اللّغة اليونانيّة فقط. وعلى الرّغم من ذلك، عندما كان يأتي الزّائرون إليه، على اختلاف جنسيّاتهم، ويعترفون بخطاياهم، ويخرجون فَرِحين، كان النّاس يسألونهم: بأيّ لغةٍ، تكلّم معكم الأب بورفيريوس؟ كانوا يجيبون: بلغتنا الخاصّة (الألمانيّة، والفرنسيّة...). وعندما سُئِل عن ذلك، قال القدّيس بورفيريوس: «عندما أسمع اعترافهم، أجيبهم بِلُغَتي اليونانيّة». ولكنّهم كانوا يسمعونه يتكلّم بلغتهم. كم كان مبارَكًا! كم كان مملوءًا من الرّوح القدس!

إنّ آباء الصّحراء، الرّجالَ القدّيسين، المملوئين من الرّوح القدس، قد أقاموا الموتى، وشفوا المرضى، وتنبّئوا، ولكنّهم لم يتكلّموا بالألسنة (glossolalia) قطّ، أمثال بعض الدّيانات الوثنيّة. من عوارض علاج الممسوس، بالأرواح الشّريرة، هي التكلّم بالألسنة. لنكن على يَقينٍ، أنّ بلوغ حالةٍ روحيّةٍ معيّنةٍ لا يتحقّق باستخدام الحِيَل، والأساليب النّفسيّة؛ إنّما المطلوبُ، هو الجهادُ، والتّوبة، وتطهير النّفس وتنقيتُها، والابتعاد من الخطيئة.

في الأرثوذكسيّة، تعبيرٌ هو "prelest" معناه الخِداع الرّوحيّ. هو وصفٌ لحالة الإنسان، الّذي يرمي إلى اكتساب مستوىً متقدّمٍ من الخِبرة الرّوحيّة، تفوق حدَّ نقاوتَه. هو ما يزال مملوءًا بالأهواء، ولكنّه يسعى دائمًا إلى مشاعرَ، وتعزياتٍ، وخبراتٍ روحيّةٍ، فيدخل في الخِداع، ويجعل ذاتَه ألعوبةً في يد الشّيطان. يجب علينا أن نحترس لذواتنا، من مثل هذه الممارسات. يمنح الشّيطانُ النّاس رؤى، ومشاعرَ روحيّةً عارِمةً، وراحة. عندما يمارس النّاس اليوغا والتّأمّل، يتكلّمون أحيانًا عن الشّعور بالرّفاهية، لكنّه ليس الشّعور الّذي يجب أن نسعى إليه. ليست المسيحيّةُ وسيلةً للرّفاهية. نحن لا نحاول أن نرضيَ ذواتنا، أو أن نحظى بشعورٍ أفضل. هذا تعليم العالم. الطّريق إلى المسيح مليءٌ بالأشواك، تتمّ بِحِمل الصّليب؛ طريق المسيح، طريقٌ ضيّقةٌ وصعبة.

أن نتبع المسيح، هو خَيارٌ صعب. لكنّ العالم والإيمان المزيّفَينِ، يخبرانا العكس. يتوجّب على الأرثوذكسيّين، أن يتمسّكوا بما أعطاهم الله. تمسّكوا بالنّعمة والإيمان؛ تمسّكوا بالأرثوذكسيّة. علينا رفضُ تأثيرات العالم، أي العَصرَنة والمسكونيّة، وكلِّ ما يجعل المسيحيّةَ مُستَساغةً لها؛ ليستِ التأثيراتُ هذه من الله، وليس هذا إيمانَ الرّسل، ولا الإيمان الأرثوذكسيّ القويم. لنرفض، كلَّ ما هو تَمييعٌ لإيماننا، وكلَّ ما يجعله مقبولاً لِمَن هم خارج الكنيسة، والهرطقاتِ كلِّها تخبر، إنّ المسيحيّة تقدّس العالم، وتزعُم بناء مدينةٍ عالميّةٍ فاضلة لتقديس العالم.

هذا العالم لن يتقدّس بل سوف يُدان؛ سوف يُطلَق العِنانُ لِشَرٍّ عظيمٍ، في هذا العالم. والخداع، هو الإشارة إلى بداية هذا الشّرّ. إنّنا نرى الخطيئة، ونرى أشخاصًا يرتدّون عن الله؛ نرى رفض الحقيقة، الّتي هي المسيح نفسه. هذا هو العالم الذي يحيط بنا. لا يجوز خلطُ هذه المظاهر، مع ما هو إلهيٌّ، وطاهرٌ، ومقدّس. نحن أيضًا، نضع أنفسنا بخطرٍ، خارج الحقيقة، عندما نطارد هذه الأوهام، لكن إذا احتفظنا بنقاوة الأرثوذكسيّة، نستطيع أن نقاوم هذا الخداع؛ الخداعَ الّذي يهيّئ العالمَ لضدّ المسيح؛ إذا كنّا نعيش إيماننا يوميًّا، تائبين، ومُجاهِدين، ومُصَلّين، ومحاولين أن نكون مُطيعين لله، فسنحافظ على حقيقة الإيمان المسيحيّ، وسنبقى أعضاءً في الكنيسة.

وعندما يأتي ضدّ المسيح، ويصنع آياتٍ وعجائبَ خادِعةً، تبدو إلهيّةً، لدرجةِ أنّ العالم سوف يصفّق له، فسوف تمدحه CNN وBBC.

احترزوا لأنفسكم، من الخداع الآتي. يوجد إيمانٌ واحدٌ، ومعموديّةٌ واحدةٌ، وكنيسةٌ واحدةٌ، هي الأرثوذكسيّة المقدَّسة. واجبٌ علينا، ان نكون مطيعينَ لتعليم الرّوح القدس، كما أُعطِيَ للكنيسة. سِيروا في الطّريق الضّيّقة، واثبتوا في الإيمان، ولا تتعدَّوا حدوده. لا يجب أن نسمح لأنفسنا، ولا حتّى للحظةٍ، وبأيّ طريقةٍ كانت، بأن نسيرَ خارج حدودِ هذه الطّريق، لأجل خلاصنا.

إنّ نسخة الشّعور الجيّد السّهلة للمسيحيّة، لا علاقة لها بالله. نحن نعلم، أنّ الخداع سوف يزداد، وأنّ الشّرّ سوف يصبح أقوى، في هذا العالم، لكن علينا ألّا نخاف، وأن نركّز نَظَرَنا دائمًا على ما سوف يأتي؛ لأنّنا على يقينٍ، أنّ المسيح هو الغالب. عندما يأتي ضدّ المسيح، ويمدحه العالم؛ عندما نكون مرذولين من العالم؛ عندما لا نستطيع الشّراء أو البيع، أو الاختلاط بالآخرين، فلا نخافَنَّ؛ لأنّنا نعلم، أنّ ضدّ المسيح سوف يسقط، وأنّ الغَلَبة هي للمسيح. يومٌ عظيمٌ، لمجد الله سوف يأتي. لنحافظ على أذهاننا، وعلى قلوبنا، وعلى نظرنا، مُثَبَّتةً على هذا، لكن لنتذكّر دائمًا، ما قاله الأب سيرافيم روز: «الوقت متأخّرٌ، أكثر مِمّا تعتقدون».

 

https://www.youtube.com/watch?v=MTTFwZb3o68&t=3s



آخر المواضيع

هدف المسكونيّين هو تضليل المؤمنين
الفئة : مسكونيات

2024-09-10

رسالة مفتوحة للمطارنة البلغار
الفئة : مسكونيات

المطران لوقا، ميتروبوليت زابوروجي وميليتوبول 2024-07-01

بدعة كهنوت المرأة (3/3)
الفئة : مسكونيات

روني سعيد 2024-06-13

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا