تجنَّبوا قراءة الكُتب الّتي تحتوي على تعاليم خاطئةٍ
تجنَّبوا قراءة الكُتب الّتي تحتوي على تعاليم خاطئةٍ.
القدّيس إغناطيوس بريانتشانينوف.
نقله إلى العربيّة: إلياس الأشقر.
مرّةً أُخرى، أُخاطبِكَ أيّها الابنُ الأمينُ للكنيسة الشّرقيّة، بكلامٍ حسنٍ وصادق. ليس كلامي هذا من ذاتي، بل هو كلامُ الآباء القدّيسين. أقوالي جميعُها، هي من نصائحِهم، ومَشورتِهم.
اِحفَظْ ذهنكَ وقلبكَ، من التّعاليمِ الخاطئة. لا تحاولِ التّكلُّم البتّةَ عن المسيحيّة، مع أشخاصٍ تأثّروا بتلك التّعاليم، كما لا تُطالِعْ كُتُبًا عن المسيحيّة، كُتبَت بأيدي الهراطقة.
إنَّ الحقيقة الكاملة، هي من الرُّوح القدس. هو روحُ الحقّ. على خلاف ذلك، فالأكاذيب، والأضاليل، هي من عمل الشّيطان: إنّه كَذّابٌ، وأبو الكَذِبِ.
إنَّ كلّ من يقرأ كُتبَ الهراطقة، يشترك مباشرةً مع روحٍ شرّيرٍ؛ روحٍ مُظلمٍ باطل. هذا لا يجب أن يبدوَ غريبًا، أو مستغربًا لك؛ لأنّ هذا هو رأيُ الآباء القدّيسين أجمعين1.
إنْ كان عقلُكَ وقلبُكَ، لا يزالان لوحَين فارغَين، فاجتهدْ أن تَدَعَ الحقيقة والرُّوحَ، تَحفُران فيهما وصايا الله، وتعاليمَه الرّوحيّة. إنْ سمحتَ لآراءٍ مختلفةٍ، وانطباعاتٍ أخرى بأن تحفرَ على ألواح روحكَ - من دون حكمةٍ، ومن دون أن تميِّز بِدِقَّةٍ مَن الّذي كَتَبَها، وماذا كان يَقصدُ من كتاباته - فامْسَح هذه البِدَع جميعَها، وطهِّر نفسَك من السُّموم، من خلال التّوبة، ورفضِ كلِّ ما هو ضدّ لله. لِيكنِ اللهُ، هو الكاتبَ الوحيدَ بأصابعه على هذه الألواح.
هَيِّئ عقلَكَ وقلبَكَ، ليَستقبِلا هذا الكاتب، بروح الوداعة، والطّهارة، والعفَّة. بعدئذٍ، ومن خلال صلواتكَ المتواترة، وقراءاتِكَ الرّوحيّة، تُصبح ألواحُ نفسكَ متطابقةً مع تعاليم الرُّوح، بشكلٍ خفيٍّ سرّيّ. إنَّ الكتب الرّوحيّة المقبولة، أي الصّالحةَ للقراءة، هي تلك الصّادرة عن آباء الكنيسة الأرثوذكسيّين القدّيسين فقط. هذا ما توعِزُ فيه الكنيسةُ الأرثوذكسيّة إلى أبنائها كلّهم2. إذا كنتَ تَعتقد بغير ذلك، أو ترى أنّ رأيَك ورأيَ الّذين معك، أكثرُ أهميّةً من وصيّةَ الكنيسة هذه، تُصبحُ حينئذٍ خارجَ الكنيسة، ولا تُعَدُّ إذ ذاك ابنًا لها؛ بل عَيّابًا لها.
هل تدعُوني متطرِّفًا، أو صارمًا، أو جاهلًا؟ دَعْني وشَأني بكلِّ تطرُّفِي، ونَواقِصي الّتي تنعَتُني بها. فالأفضل لي أن أكونَ ناقصًا، وطفلًا جاهلًا الكنيسةَ الأرثوذكسيّة، من أن أكونَ إنسانًا كاملًا بالظّاهر، يتَجَرَّأ على إملاء التّوجيهات على الكنيسة، ويسمح لنفسه بأن يَعصيَها، وينفصلَ عنها. ستكون كلماتي هذه، مُبهِجةً لأبناء الكنيسة الأرثوذكسيّين الحقيقيّين. هؤلاء الأبناء الحقيقيّون، يُعَلِّمون أنّ من يبتغي الحكمة الإلهيّة، يتوجَّبُ عليه أن يَرذُلَ حكمتَه الدّنيويّة، مهما عَلا شأنُها، ويدركَ أنّ طبيعتَها الحقيقيّة، هي اعتداءٌ على وصايا الله3.
إنّ الحكمة الدّنيويّة، هي حربٌ ضِدَّ الله؛ إنَّها لا تخضع لشريعة الله، وليس بإمكانها أصلاً أن تخضع لشريعة الله4. هذه هي الحال منذ البدء، وسوف تستمرّ إلى منتهى الدهر، حينما «تَحْتَرِقُ ٱلْأَرْضُ وَٱلْمَصْنُوعَاتُ ٱلَّتِي فِيهَا»5 بما في ذلك الحكمة الدّنيويّة الجسدانيّة.
إنّ الكنيسة المقدَّسة، تسمح لمن شُفِيَت قلوبُهم وأفكارُهم، وأَمسَت مستنيرةً بِفِعل وحلول الرّوح القدس فقط، بأن يقرأوا كُتُبًا هرطوقيّةً؛ لأنّ لمِثل هؤلاء، المقدِرةَ على تَمييز الحقيقة من الضّلالة، الّتي تبدو حسنةً بالظّاهر، ولكنّها تلبس قناع الصَّلاح، وهي مزيّفةٌ بالحقيقة.
إنّ أبرار الله العُظماء، الّذين أدركوا سُقْم الطّبيعة البشريّة، أبدَوا خشيةً من جحيم التّعاليم الخاطئة والمُضَلِّلة، وبكلِّ يقظةٍ، تفادَوا المناقشات مع مَن تأثّروا بها، وتحاشَوا قراءة الكتب الهرطوقيّة6. إنّ الآباء قد رأَوا، نُصْبَ أعيُنِهم، سقوطَ أبرز الرِّجالِ المُثَقَّفين في الهرطقة، أمثالِ أوريجانوس، آريوس (عاشق المجادلات)، والبليغ العظيم نسطوريوس، وآخرين من الحُكَماء الدنيويّين – الّذين تبدَّدوا بسبب ثقتهم العمياء بالنّفس، وكثرة غُرورهم. هؤلاء الآباء، سَعَوا إلى الخلاص، وذلك بإقصاء التّعاليم المُضَلِّلة، وتأدِية الطَّاعة المُطلَقة للكنيسة.
إنّ الآباءَ المُتَوَشِّحين باللّه، ومُعَلِّمي الكنيسة، قد قرأوا كُتُبَ الهراطقة المجدِّفين؛ لأنّهم أُجبِروا على ذلك، من أجل حاجة العالم المسيحيّ أجمَع. وبكلمتِهم العزيزة، المملوءةِ من الرّوح القدس، شَجَبوا ضلالاتِ الهراطقة المُتَنَكِّرةَ، برداء القداسة والتّقوى، وأَظهروا، لأبناء الكنيسة، الخطورةَ الكامِنةَ في هذه التّعاليم. لكن علينا جميعًا، أن نَحفظ أنفسَنا بعيدًا ممّا كتبه المعلِّمون الكَذَبة. كلُّ مَن لا ينتمي إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة المقدَّسة، ويتجرّأ على الكتابة عن المسيح والإيمان المسيحيِّ، والأخلاقيّات - هو معلّمٌ كاذبٌ. كيف يمكنُكَ أن تسمحَ لنفسك، بقراءة أيّ كتابٍ، في حين أنّ الكتابَ الّذي تقرأه يأخذك حيث يشاء، ويُرغِمُكَ أن تتوافق مع كلّ ما يُريده، وأن ترفضَ كلَّ ما يُريدُك أن ترفضَه؟
تُبرهِنُ الخبرةُ، مدى خطورةِ مُتَتَبِّعات القراءة الفاقدةِ للتّمييز. فهناك آراءٌ مختلفةٌ، ضمن أبناء الكنيسة الأرثوذكسيّة، من بينها ما هو غير متوافقٍ، وخاطئٍ، وما هو مُخالفٌ لتعاليم الكنيسة، لا بل معارضٌ للّتعليم المقدّس بالكُليَّة. كلُّ هذا، هو نتيجةٌ لمطالعة الكتب الهرطوقيّة.
يا صديقي، لا تمتعِضْ من إنذاري هذا، المُنبعِث من رغبةٍ عميقةٍ لمنفعَتك. ألن يحذّرَ أيُّ أبٍ، أو أمٍّ، أو معلَّمٍ صالحين، طفلًا بريئًا وعَديمَ الخِبرة، من التَّجوّلِ في منزلٍ ينتشر فيه طعامٌ مسمَّمٌ؟
الموتُ الرُّوحيُّ، هو أسوأ بكثيرٍ من الموت الجسديّ؛ فالجسد المَيْتُ سوف يُبعَثُ من جديدٍ، وغالبًا ما يكون الموتُ الجسديُّ، سببًا لحياة الرُّوح. على العكس تمامًا، فالرُّوح الّتي يقتُلها الشرُّ هي ضحيَّةٌ للموت الأبديّ. إنّ فكرًا تجديفيًّا واحدًا، بإمكانه أن يُهلِكَ الرُّوح، حتّى لو كان فكرًا صَعبَ التّمييز، ولم ينتبه له الإنسانُ الجاهل.
لقد أَنذَر الرّسولُ بولسُ قائلاً: «لِأَنَّهُ سَيَكُونُ وَقْتٌ لَا يَحْتَمِلُونَ فِيهِ ٱلتَّعْلِيمَ ٱلصَّحِيحَ، بَلْ حَسَبَ شَهَوَاتِهِمُ ٱلْخَاصَّةِ يَجْمَعُونَ لَهُمْ مُعَلِّمِينَ مُسْتَحِكَّةً مَسَامِعُهُمْ، فَيَصْرِفُونَ مَسَامِعَهُمْ عَنِ ٱلْحَقِّ، وَيَنْحَرِفُونَ إِلَى ٱلْخُرَافَاتِ»7.
لا تَنخَدِعْ بعنوانٍ مُبَهْرَجٍ لكتابٍ، يَعِدُ بالكمال المسيحيّ، لشخصٍ لا يزال في بدايات مراحل نُمُوِّه الرّوحيّ. ولا تَنخَدِعْ أيضًا بالغِلافات الفخمة، وبالصّور الزّاهية المعروضة، وبفصاحة اللُّغة، أو بقداسة الكاتب المزعومة، غيرِ المُثبَّتةِ إلّا ببعض العجائب، الّتي هُلِّلَ لها في زمان حياته. لا تُقِرُّ التّعاليمُ الباطلةُ بالكَذب أو بالخَيال؛ لكي تُضْفيَ على خُرافاتِها جوًّا من المصداقيّة المغلوطة، فتُصبحَ أكثرَ فعاليّةً في بَثِّ السُّموم في النّفوس.
بالحقيقة، إنّ الّتعاليمَ الباطلةَ ليست سوى أكاذيب بجوهرها. فالكاتب مخدوعٌ، قبلَ أن ينخدع القارئ بِأضاليلِه8. الكتابُ الحقيقيّ، أي الّذي يُغذّي النّفس وينيرها، هو المَكتوبُ من قِبَل كاتبٍ قدّيسٍ في الكنيسة الأرثوذكسيّة، والمَقبولُ، والمُتَوافَقُ عليه في الكنيسة المقدّسة فقط. آمين!
THE FIELD cultivating salvation (The Collected Works of St Ignatius (Brianchaninov) – Volume Ⅰ, By BISHOP IGNATIUS (BRIANCHANINOV), Translated from the Russian by Nicholas Kotar, HOLY TRINITY PUBLICATIONS, The Printshop of St Job of Pochaev, Holy Trinity Monastery, Jordanville, New York 2016
1. «لا يقرأنَّ أحدٌ كتابات الّذين لا يخدمون الله. إن قرأ أحدٌ كتبًا كهذه جهلاً، فليُزِلْها بسرعةٍ من ذاكرته من خلال قراءة الكتاب المقدّس، خاصّةً الفصول الّتي تساعده كي يجد الخلاص في الحالة الروحيّة الّتي توصّل لها… أمّا الكتب الّتي تناقض هذا، فلا يجب قراءتها أبدًا. ما الصّلاح من قُبول روح الظّلمة في القلب، عوضًا عن الرّوح القدس؟ كلّ مَن يقرأ كتاباتٍ كهذه، يتبنّى صِفات ما يقرأ، حتّى إن لم تكن هذه الصّفات جَليّةً لقليلي الخبرة، مقارنةً بذوي الخبرة». (القدّيس بطرس الدّمشقيّ، في التّمييز، الفيلوكاليا، الجزء الثّالث).
2. حسب الأفخولوجي، على الكاهن أن يسأل المُعتَرِف إذا كان يقرأ الكتب الهرطوقيّة.
3. 1 كورنثوس 19:3
4. رومية 7:8
5. 2 بطرس 10:3
6. راجع (مثال على ذلك)، سيرة القدّيس باخوميوس الكبير
7. 2 تيموثاوس 3:4-4
8. 2 تيموثاوس 13:3
آخر المواضيع
خوذة الخلاص
الفئة : رعائيّات
حديثٌ عَن سِرِّ التَّوبَةِ والاعتِرافِ (2/2)
الفئة : رعائيّات
حديثٌ عَن سِرِّ التَّوبَةِ والاعتِرافِ (1/2)
الفئة : رعائيّات
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني