كَيْفيَّة انضمام الكاثوليك المهتدين إلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة
قرارات مجامع القسطنطينيَّة 1484، والقسطنطينيَّة 1755، وموسكو 1667
الأب جورج دراغاس
نقلها إلى العربيَّة نديم سلُّوم (بتصرُّف)
المقدِّمة: القوانين القديمة.
تحدِّد القوانين الكنسيَّة القديمة طرائقَ قبولِ غيرِ الأرثوذكس في الكنيسة الأرثوذكسيَّة، خاصّةً قوانين الرّسل 46، و47، و50، والقانون السّابع من المجمع المسكونيّ الثّاني1، والقانون 95 من مجمع ترولو2.
حسْب هذه القوانين، هناك ثلاث طرائقَ، لقبول غير الأرثوذكس في الكنيسة:
-
إعادة المعموديَّة (في الواقع معموديَّة)، عندما يُعدّ الاحتفال بمعموديَّة غير الأرثوذكس ناقصًا، أو غير صالحٍ، إمَّا بسبب نقص الإيمان و(أو) الممارسة.
-
عبر مسحة الميرون، والتّوقيع على وثيقةٍ ينبذ فيها المهتدي هرطقتَه السّابقة.
-
التّوقيع على اعترافٍ إيمانيٍّ، يشجب من خلاله المهتدي، ضلالات غير الأرثوذكسيَّة، ويتبنَّى الإيمان الأرثوذكسيّ الكامل.
منذ الانشقاق الكبير عام 1054، كان قبول الكاثوليك في الكنيسة الأرثوذكسيَّة، يحصل وفقًا لإحدى هذه الطرائق، وكانت الممارسة تختلف وفقًا للظّروف، والأوقات. المسألة الأساسيَّة، هي الإدراك الأرثوذكسيّ للمعموديَّة الكاثوليكيَّة؛ لذلك كان يتراوح الموقف الأرثوذكسيّ، بين قبول المعمودية الكاثوليكيَّة ورفضها. إنَّ قبول بعض صحَّة المعموديَّة الكاثوليكيَّة، يعني أنَّ المهتدين الكاثوليك ينضمُّون إلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة تدبيريًّا، عبر الميرون؛ لأنّ كلّ ما ينقص في المعموديَّة الكاثوليكيَّة، يتوفَّر في نعمة الرّوح القدس. وفي حال عدم قبولها، يجب تطبيق الدّقَّة (الأكريفيَّا) وإعادة تعميد (في الواقع تعميد) المهتدين، كما تنصُّ القوانين.
كتب البطريرك القسطنطينيّ، ميخائيل كيرولاريوس، إلى البطريرك الأنطاكيّ بطرس، مُتَحَدِّثًا عن عدم شرعيَّة معموديَّة اللّاتين؛ لأنّهم يعمِّدون بغطسةٍ واحدةٍ، خلافًا للقوانين (1054). يشارك في هذا الرّأي، القانونيّ الشّهير ثاوذوروس بلسامون (بطريرك أنطاكيا لاحقًا، نحو 1193)، معتمدًا على القانون السّابع من المجمع المسكونيّ الثّاني، أنَّ اللّاتين يعمِّدون بغطسةٍ واحدةٍ، مثل الإفنوميِّين؛ لذا فهي باطلة. في القرن الثّالث عشر - خاصةً بعد الحملة الصّليبيَّة الرابعة - ازداد التّشديد على إعادة معموديَّة اللّاتين. يتحدّث البطريرك القسطنطينيّ جرمانوس الثّاني (1222) عن ثلاثة أنواعٍ من المعموديَّة الغربيَّة: المعموديَّة الرّسوليَّة الواحدة، والحقيقيَّة المقبولة عند الأرثوذكس، والمعموديَّة بغطسةٍ واحدةٍ، والمعموديَّة بالرّشّ المشكوك فيهما. في القرن الثّالث عشر، كانت إعادة المعموديَّة هي الممارسة السّائدة في روسيا. في بداية القرن الرّابع عشر، كان البطريرك كاليستوس القسطنطينيّ، يرفض معموديَّة اللّاتين المرتكزة على غطسةٍ واحدة؛ أمّا في نهاية القرن الرّابع عشر، فكان مكاريوس الأنقيريّ يقبل المعموديَّة الغربيَّة، ويطلب أن يُمسحوا بالميرون فقط، استنادًا إلى القانون السّابع من المجمع المسكونيّ الثّاني. في القرن الخامس عشر، يتحدّث القدّيس مرقس الأفسسيّ، عن أنَّ للّاتين معموديّتَين: واحدةً بثلاث غطساتٍ، وأخرى بغطسةٍ واحدة. غريغوريوس ماماس (1469) يُظهر أنَّ القدّيس مرقس يقبل بسرّ الميرون؛ أمَّا قسطنطين إيكونوموس، فيتحدّث أنَّ القدّيس مرقس يستعمل «التّدبير».
هذا يشرح لماذا تختلف الممارسة الأرثوذكسيَّة في قبول المهتدين اللّاتين: من لديهم معموديَّةٌ رسوليَّةٌ (ثلاث غطسات) يُمسحون بالميرون فقط؛ أمَّا الّذين كانوا قد تعمَّدوا بالرّشّ، فكانوا يُعمَّدون من جديد.
قرار المجمع القسطنطينيّ الكبير سنة 1484:
عُقِد هذا المجمع في القسطنطينيَّة، بحضور البطاركة الأربعة، لذلك يُعَدّ مسكونيًّا. رفض هذا المجمع مقرّرات مجمع فرارا – فلورنسا، وعقيدة الانبثاق (filioque) البابويّة، وقرّر أنَّ اللّاتين المهتدين إلى الأرثوذكسيَّة، ينالون سرّ الميرون فقط، ويوقِّعون على اعترافٍ إيمانيٍّ يتضمن إنكارًا للأخطاء اللّاتينيَّة. وقد وضع المجمع خدمةً ليتورجيَّةً للمهتدين اللّاتين إلى الأرثوذكسيَّة. الملاحَظ في هذه الصّلاة، غياب أيّ إشارةٍ إلى المعموديَّة أو إعادة المعموديَّة، وشرعيّتها من عدم شرعيّتها. ربّما هناك إشارةٌ لها: في رفض «عادات اللّاتين غير المقبولة»، «والاختراعات المدنِّسة الأخرى» لكن بطريقةٍ ما، لا تبدو هناك علاقةٌ بين المعموديَّة، وسرّ الميرون.
يظنّ بعض المفسّرين، أنَّ هذه السّياسة الجديدة هي من أجل تخفيف الاحتقان مع الغرب، وخاصّةَ بعد سقوط القسطنطينيَّة. قبلت الكنيسةُ معموديَّةَ اللّاتين تدبيريًّا، ولكنّها لم تؤيِّد طريقة المعموديَّة. ففي عام 1575، انتقد البطريرك إرميا الثّاني المعموديَّة الّتي تتمّ بغطسةٍ واحدةٍ، ولكنّه لم يرفضْها. لكن في العام 1715، صرّح دوسيثاوس الأورشليميّ، بأنَّ اللّاتين المُعمَّدين بغطسةٍ واحدةٍ (لا ثلاث) يمكن أن يُعدّوا غيرَ معمَّدين.
مع الزّمن، تغيَّر الوضع بين الشّرق والغرب. فَعِدائيَّة الغرب ضدَّ الشرق، تتطلَّب سياسةً جديدة. في العام 1722، عُقد مجمعٌ في القسطنطينيَّة، حضره البطريرك أثناسيوس الأنطاكي، والبطريرك خريسانثوس الأورشليميّ، وقرّر المجمع إعادة معموديَّة اللّاتين، كانتقامٍ للانشقاق الّذي يعمل على إحداثه المُرسَلون اللّاتين في سوريا.
قرار مجمع القسطنطينيَّة لسنة 1755:
العوامل المؤدِّية لانعقاد هذا المجمع، هي على الأغلب محاولاتُ اللّاتين إيهامَ الأرثوذكسيّين، السّاكنين في الشرق، أنَّه ليس هناك من اختلافاتٍ جوهريّةٍ بينهم وبين اليونانيّين. في العام 1750، أعاد البطريرك القسطنطينيّ، كيرلّس الخامس، معموديَّة عددٍ كبيرٍ من اللّاتين. استاء السّياسيّون الغربيُّون، السّاكنون في القسطنطينيَّة، من هذا التّصرُّف، وعملوا على عزل البطريرك. تسلّم مكانَه باييسيوسُ الثّاني، الّذي لم يكن يعيد المعموديَّة، لكن سرعان ما عَزَلَهُ الشّعبُ؛ بسبب فِكره اللّاتينيّ. أُعيد كيرلّسُ إلى العرش البطريركيّ، وعُقد المجمعُ بحضور البطريرك الإسكندري متَّى، والبطريرك الأورشليميّ برثانيوس.
يتضمّن النّصّ، الّذي أقرَّه المجمع، تعريفًا بالمعموديَّة على أنَّها المدخل إلى الأسرار الباقية، ومن دونها كلّ الأمور الأخرى غير فعَّالة. كما يقيم تشبيهًا بين موت المسيح الثّلاثيّ الأيّام، والتَّغطيسات الثّلاث في المعموديَّة (استنادًا إلى تعليم القدّيس غريغوريوس النّيصصيّ). يرفض المجمع أيَّ معموديَّةٍ خارج الكنيسة الجامعة الرّسوليَّة. لذلك، كلّ من يريد الانضمام إلى هذه الكنيسة، هو غير مُعَمَّد، ويجب أن ينال المعموديَّة. وهكذا نتَّبع وصيّةَ المسيح، الّذي أوصى تلاميذَه أن يعمِّدوا على «اسم الآب والابن والرّوح القدس» (متّى 28: 19).
من الواضح، أنَّ التّركيز على رفض معموديَّة اللّاتين، هو على الشّكل الّذي تُمارس به، أي من دون التَّغطيسات الثّلاث، واستعمال الرَّشّ. أيَّد هذا البيانُ جماعةَ الكوليفا، والكاهن العالِم قسطنطين إيكونوموس. كما استند أيضًا على هذا المجمع، المتقدِّم في الكهنة، جاورجيوس ميتالّينوس، في كتابه «أعترف بمعموديَّةٍ واحدة...» الّذي نقله دير القدّيس بولس، في جبل آثوس، إلى الإنكليزيَّة، وفيه تركيزٌ على الأكريفيا في تنفيذ القوانين الكنسيَّة.
عمل اللّاتينُ من جديدٍ على الإطاحة بكيرلّس الخامس، فاستبدلوه بكالِّينيكوس الثّالث أو الرابع، ولكنّ الشّعب رفضه؛ بسبب أفكاره القريبة من اللّاتين، واستبدلوه بسيرافيم. كتب البطريرك كالِّينيكوس كتابًا، يعرض فيه أنَّ المعايير الأساسيَّة لانضمام المهتدين إلى الأرثوذكسيَّة، هو إمَّا سرّ الميرون أو اعترافٌ إيمانيٌّ فقط. ثمّ يطرح تساؤلاً: لماذا ترفض كنيسة الشّرق الآن هذه المعايير؟
طُبِّق قرارً مجمع عام 1755، لكن كانت هناك استثناءات. نذكر منها: في العام 1760، سمح البطريرك إيوانيكيوس لحنانيا، من بريغينبوس، أن يقبل في الكنيسة الأرثوذكسيَّة أرمنيًّا باقتباله سرّ الميرون فقط. في العام 1846، اقتبل البطريركُ أنثيموسُ السّادس مكاريوسَ، الّذي من دار بكر، ومجموعةً من الكاثوليك، في الكنيسة الأرثوذكسيَّة باعترافٍ إيمانيٍّ فقط. في العام 1860، اقتبل الكرسيّ الأنطاكيّ خمسين ألفَ كاثوليكيٍّ في الكنيسة الأرثوذكسيَّة، من خلال سرّ الميرون، واعترافٍ إيمانيّ. تشير هذه الأمثلة، إلى أنَّ قرار مجمع 1755 لم يصبح قاعدةً شاملة. وفي العام 1875، أُرسل قرارٌ بطريركيٌّ إلى باقي الأساقفة، يترك لهم قرارَ قبول غير الأرثوذكس بالطّريقة الّتي يَرونَها مناسبة، لكن إعادة معموديَّة اللّاتين لم تتلاشَ؛ بل استمرّت في الأراضي المقدَّسة، وسوريا.
الرّسالة البطريركيَّة والمجمعيَّة (26 أيار 1875):
بعدما رأينا اختلافًا، على مرِّ الزمن، في موضوع معموديّة اللّاتين، بين مُتَمَسِّكٍ بإعادة معموديّتهم (كالبطريرك كيرولاريوس)، وغير المُشَدِّدين على إعادة معموديّتهم (من بينهم الأسقف مرقس الأفسسيّ الموافق على استعمال التّدبير)، نترك هذا الأمر لحكمة كلّ أسقفٍ في إعادة المعموديَّة، أو في استعمال التّدبير، أي عبر مسحة الميرون فقط، وفقًا لحكمته، والمحافظة على الكنيسة من الأخطار...
يوافق الأب جورج دراغاس (كاتب المقالة) على هذه الرّسالة، ويجدها الحلَّ الأمثل في كيفيّة التَّعاطي مع اهتداء غير الأرثوذكسيّين إلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة. فهي تقدِّم حلًّا واضحًا، من دون أن تصطدم مع الإكليزيولوجيَّة الأسراريَّة، وتُعطي شرعيَّةً لكلا الطّريقتين.3
المجامع الروسيَّة في القرن السّابع عشر: خاصّةً عامَي 1620 و1667:
كانت العادة القديمة المتَّبعة في روسيا، هي إعادة معموديَّة اللّاتين، ثمّ لاحقًا إعادة معموديَّة البروتستانت الرّاغبين بالانضمام إلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة. أكَّد مجمع موسكو عام 1620، برئاسة البطريرك فيلاريت، على إعادة معموديَّة اللّاتين، والرّوم الكاثوليك (الاتحاديّين). عُقِد مجمعٌ في العام اللّاحق، برئاسة البطريرك نفسه، وأكَّد على قرارات مجمع 1620. كما قدَّم المجمع الحُجَج التّالية: القانون 95 من مجمع ترولو، أي إعادة معموديَّة الهراطقة؛ القانونان 46 و47 من قوانين الرّسل، اللّذان ينصّان على إعادة معموديَّة الهراطقة؛ اللّاتين هم هراطقة؛ أساقفة روسيا جميعهم، اتَّبعوا إعادة المعموديَّة؛ كلّ البطاركة المسكونيّين، وافقوا على إعادة المعموديَّة.
في العام 1655 - 1656، زار البطريرك الأنطاكيّ مكاريوس روسيا، وأقنع الأساقفة بأنَّ اللّاتين ليسوا هراطقةً؛ بل مُنشَقّون، ويجب استعمال التّدبير أي قبولهم بسرّ الميرون فقط. عُقِد مجمع موسكو عام 1667، بعد انعقاد مجمعَين صغيرَين عام 1655 – 1656، رُفضت خلالهما إعادة المعموديَّة، بالإضافة إلى صدور كتاب لبطرس موغيلا عام 1646، يقبل فيه المُهتَدين إلى الأرثوذكسيَّة من خلال سرّ الميرون فقط. حضر المجمعَ البطريركُ مكاريوس الأنطاكيّ، والبطريرك باييسيوس الإسكندريّ. يمكن تلخيصه كما يلي: لا يعمِّد اللّاتين بِتَغطيسة واحدة فحسب، بل بثلاث رشَّاتٍ، واستدعاءٍ للثّالوث القدّوس؛ يقبل القانون السّابع للمجمع المسكونيّ الثّاني، والقانون 95 لمجمع ترولو، المعموديَّة لهراطقةٍ ارتكبوا أخطاءً أكبر من اللّاتين؛ القوانين الرّسوليَّة القديمة، تُطبَّق لمن لم يُعمَّد بطريقةٍ صحيحة؛ قبلت الكنيسة الشرقيَّة في العام 1484 معموديَّة اللّاتين. وعلى هذا، عليهم أن ينالوا سرّ الميرون فقط، والاعتراف بالإيمان الحقيقيّ.
بالنّسبة لقسطنطين إيكونوموس، لم تكن قرارات المجمع جيِّدةً كما تبدو. أوّلًا، لم ترغب الكنيسة بتفاقم العلاقة بين الشّرق والغرب. ثانيًا، الظّروف السّياسيَّة فرضت هذا القرار؛ لأنَّ البولنديّين كانوا على حدود روسيا، ورغب القيصر ألكسيوس ميخائيلوفيتش استعمالَ التّدبير؛ لإعادة اللّاتين إلى حضن الأرثوذكسيَّة.
ليس هناك أيّ ذِكرٍ عن وضع البروتستانت. في العام 1718، سأل القيصرُ بطرس الأكبر بطريركَ القسطنطينيَّة إرميا الثّاني، عن معموديَّة البروتستانت، فأجابه أن يقبلهم في الكنيسة من خلال سرّ الميرون، واعترافٍ إيمانيّ. لكن قبل انعقاد مجمع 1667، كانت تجري أيضًا إعادة معموديَّة البروتستانت. مثلاً: في العام 1644، أرادت إيرينا، ابنة القيصر ميخائيل فيودوروفتش، أن تتزوَّج فالديرموس، ابن ملك الدّانمارك كريستيان الرّابع. عُمِّد فالديرموس من جديدٍ؛ لأنَّ معموديَّة البروتستانت غيرُ مقبولةٍ للأسباب التّالية: كانت بالرَّش وليس بالتّغطيس، وهكذا لن تُغفر الخطايا؛ لم يقم بهذا السرّ أيّ كاهنٍ؛ لأنَّ ليس للّوثريّين كهنةٌ؛ كانت معموديَّةً على يد هراطقة؛ لم تكن المعموديَّة الصّحيحة المحدَّدة بقوانين الرّسل.
خلاصات:
تشير هذه الأحداث، والمستندات الّتي أظهرناها، إلى أنَّ قبول اللّاتين في الكنيسة الأرثوذكسيَّة، من خلال إعادة المعموديَّة، أو عبر سرّ الميرون وحدَه، كانت تختلف وفقًا للأحداث التّاريخيَّة الحاصلة. يؤمن الكاتب، بأنَّ هذا الاختلاف لا ينتقص، أو يخالف قانونيَّة الكنيسة الأرثوذكسيَّة، وتَماسُكَها. لا يتعارض التّدبير (إيكونوميا) مع الدّقَّة (أكريفيا) بل هما متناسقان؛ فالنّتيجة هي واحدة. يركِّز الميتروبوليت خريسوستوموس، مطران أفسس، على هذين المبدأين القانونيَّين، الإيكونوميا والأكريفيا، في حديثه عن الاعتراف بأسرار غير الأرثوذكس، في العلاقات الثّنائيَّة بين الأرثوذكس والكاثوليك. هاتان، هما الرّئتان القانونيَّتان للممارسة الأرثوذكسيَّة، اللّتان مارسَتْهما الكنيسة. لتوضيح ذلك، يستشهد المطران بثلاثة وجوه: البطريرك دوسيثاوس الأورشليميّ، والبطريرك كيرلّس الرّابع القسطنطينيّ، والقدّيس نيقوديموس الآثوسيّ. يكتب دوسيثاوس: «نستطيع أن نرى الشّؤون الكنسيّة بطريقتَين، الأكريفيا والإيكونوميا؛ عندما لا نستطيع أن نتعامل معها بالأكريفيا، نستخدم الإيكونوميا». يكتب كيرلّس الرّابع إلى بطريركيْ أنطاكية وأورشليم: «يمكن استعمال الإيكونوميا من وقتٍ لآخر... بطريقةٍ بديهيَّة... في كل حالةٍ تُنشئ خسارةً، أو خطرًا على النّفس». أخيرًا، يشير القدّيس نيقوديموس في كتابه «البيذاليون» (دفَّة السّفينة): «هناك نوعان من العلاج، والتّصحيح محفوظان في كنيسة المسيح، الأوّل يُدعى أكريفيا، والآخر إيكونوميا. بهاتين الطّريقتَين، تَضبط سلطة الرّوح القدس نفوسَ المؤمنين، باستعمال الأولى أحيانًا، والثّانية أحيانًا أخرى».
https://jbburnett.com/resources/dragas_baptism.pdf
1 انظر كتاب الشّرع الكنسيّ ص 279.
2 انظر كتاب الشّرع الكنسيّ ص 607.
3لا بدَّ من أن نذكر هنا، أنَّ القاعدة أو المعيار الأساسيّ لانضمام غير الأرثوذكس إلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة - هو عبر سرّ المعموديَّة. أمَّا قبول غير الأرثوذكس عبر سر مسحة الميرون فقط، هو من النّاحية التدبيريَّة. ما الحالات الّتي يُستعمل فيها التّدبير في قبول غير الأرثوذكس؟ بالعودة لكتاب البيذاليون للقدّيس نيقوديموس الآثوسيّ، نقرأ أنَّ المجمع المسكونيّ الثّاني استعمل التّدبير في قبوله لمعموديَّة الآريوسيّين، والمقدونيّين، بهدف وأمل عودتهم إلى الإيمان؛ وذلك لأنَّ عددهم كان كبيرًا، ولكي تُحفظ الكنيسة من أيّ خطرٍ ممكن أن تسبِّبه هذه الجماعات. عبر هذا التّساهل، عاد الكثيرون إلى حضن الكنيسة. من هذا المنظار، ممكن أن نفهم لماذا الكنيسة الأرثوذكسيَّة استعملت التّدبير في فتراتٍ مختلفةٍ، وخاصّةً قبل سقوط القسطنطينيَّة؛ لأنَّ البابويّين كانوا أقوياء. أمَّا إذا لم يكن هناك أيّ خطرٍ على جماعة المؤمنين الأرثوذكسيّين، فلا يُستعمل التّدبير؛ إنّمّا الدّقَّة. فكما يقول ثيوفيلاكتوس البلغاريّ: «كلّ من يقوم بأمرٍ ما، على سبيل التّدبير، لا يفعله باعتباره أمرًا جيِّدًا؛ بل كأمرٍ لازمٍ لوقتٍ معيَّنٍ». (تفسير غلاطية 5: 11). (المترجٍم)
آخر المواضيع
الألم فرصة للنمو الروحيّ
الفئة : رعائيّات
خوذة الخلاص
الفئة : رعائيّات
حديثٌ عَن سِرِّ التَّوبَةِ والاعتِرافِ (2/2)
الفئة : رعائيّات
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني