أحد حاملات الطِّيب
حول محبَّة المسيح

أحد حاملات الطِّيب
حول محبَّة المسيح
الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس، ٢٠٠٧
نقله إلى العربية: فريق القديس غريغوريوس بالاماس
نشكرُ السيِّد القائم مِن المَوت، لأنَّه أهَّلَنا اليَوم أن نفرَح روحيًا بالقدَّاس الإلهيِّ والخدمة الشَّريفة. فنجتمعُ الآن كإخوة هنا باسمه، مِثلما كان التَّلاميذ. هذا أمرٌ مُميَّز! فقد ظهرَ الرَّبُّ لرُسله القدِّيسين تحديدًا حين كانوا مُجتمعين معًا في علِّيَةِ صهيون، في أورشليم، رُغم خَوفهم وقلقهم، جاء الرَّبّ وجلَبَ لهُم السَّلام والفرح والنُّور. نحن كذلك، كُلَّما اجتمعنا في مكانٍ معًا، في كنيسة المسيح، يأتي الرَّبُّ القائم ويبدِّدُ الخوفَ والتَوتُّر والأحزان، ويجلِب عِوَضها فرَحهُ وسلامه. لكن تلاحظون شرطَ هذا، أن نكون مُجتمعين في مكانٍ واحد، سويَّة مُشكِّلين الكنيسة. لأنَّنا حينَ نكونُ معًا نكوِّن الكنيسة، لا أفرادًا مُنفَصلين عن بعضنا، بل أعضاء في جسدِ المسيح.
سمِعنا اليَوم عن محبَّة النِّسوة القدِّيسات حاملات الطيب، الَّتي غَلبت الجُبن والخوف. لأنَّهن أحبَبنَ كثيرًا السيِّد المصلوب والدَّفين. انطلقنَ في الصَّباح الباكر، عند بزوغِ فجر الأحَدِ، رغم أنَّ التَّهديد قد غلَّف كلَّ شيء من قِبَل اليهود المُتعصِّبين. لم يَخفَنَ من ظلامِ اللَّيل، ولا من الأشرار، أو اليهود. بَل ذهبنَ ليقدِمنَ للَّربِّ المَعشوق طُيُوبَ حبِّهنّ. واستحققنَ أن يتقبَّلن أوَّلاً بُشرى قيامة الرَّبّ. أحبَّت حاملات الطِّيبِ الرَّبّ كثيرًا، وهو كافأهُنَّ كثيرًا على هذا الحبّ.
اليوم، الأحد الثَّاني بعد الفصح، لا زلنا نعيش الزَّمن الفصحيِّ القيامي المُبارك، حيثُ امتلأ كلُّ شيءٍ بالنُّور، السَّماء والأرض وما تحت الثَّرى (الأودية الثَّالثة من قانون الفصح). نتأمَّل إذًا محبَّة حاملات الطيب، ونودّ أن نُماثلهنّ في حبِّهن للَّربّ. فلنطرح على أنفُسنا هذا السَّؤال:
"هل أحبُّ المسيحَ كما ينبغي وبالقدر اللاّزم؟
قد نكون مؤمنين ونرتاد الكنيسة، لكنَّ محبَّتنا شحيحة، غير كافِيَة مُقابِل حُبِّهِ هو نحونا. إن فكَّرنا كم أحبَّنا المسيح، وماذا فعل من أجلِنا؛ أي أنَّه من أجلنا تَجسَّدَ واحتمَلَ الصَّلبَ والموت والإهانة والدَّفن كذلك، كلُّ هذا محبَّةً بنا. كما نقول في دستور الإيمان: "لأجلنا ولأجل خلاصِنا". هو أعطانا كلَّ شيء، أعطانا ذاته حياته وعطاياه الكثيرة، وكلّ ما سوف يعطيه لنا، علاوةً على كلِّ هذا أعطانا أيضًا جسده المُقدّس ودمه الشَّريف مأكلاً نتناولهما.
سأشير إلى أحد التفاصيل، ورد في إنجيل اليوم، ربَّما لم تنتبهوا له: قرأنا أنَّ يوسفَ الرَّاميَّ المُشير الشَّريف، ذهبَ وطَلَبَ جسَد الرَّبِّ مِن بيلاطس، الَّذي وَهَبَهُ إيَّاه! تخيَّلوا! خالِق الكَون ومُبدِع الجميع صارَ هبةَ حاكمٍ رومانيّ! في ذلك الزَّمان، أثناء حُكم الرُّومان لتلك البلاد، كانت لبيلاطس السُّلطة أن يفعل ما يشاء بجسد الرَّبّ الكُلِّي الطُّهر، وأن يَمنحهُ لشخصٍ آخرٍ كتَقدِمَة أو هِبَة! جسدُ يسوعَ الَّذي هو حياةُ العالم بأكمله! وهكذا أخذَ القدِّيس يوسف ونيقوذيموس تلميذ الرَّبّ المتخفِّي، جسدَ الرَّبّ ودفناه. لهذا يُعَيَّد لهُما أيضًا اليَوم مع حاملات الطِّيب. كانت واحدة بين النِّسوة حاملات الطيب، السيِّدة والدة الإله. يقول القدِّيس غريغوريوس پالاماس إنَّ أوَّل امرأة لاقت الرَّبّ بعدَ قيامتِه كانت السيِّدة العذراء، إذ كان لابُدَّ أن تتلقَّى السيِّدة أوَّلاً بُشرى القيامة، لأنَّها هي خَدَمَت المسيحَ أكثر من أيِّ امرأةٍ أُخرى. هي من ولدته وربَّتهُ، ومَن جازَ سيف في قلبِها لدى مَوتِه على الصَّليب، وهي عانَت الحُزنَ الشَّديد لرُؤيته مصلوبًا. لهذا يقول القدِّيس إنّه كان مِن الوَاجب والحق أن تتسلَّمَ أوَّلاً البُشرى السارَّة بالقيامة المُقدَّسة.
إنَّه لأمرٌ جميلٌ أن نقدر أن نحبَّ المسيح مِن كُلِّ قلوبنا أكثَرَ مِن سواه. قد تُريحنا عدَّة أمور في الحياة، أهلنا مثلاً أو أولادنا أو شريكنا في الحياة. نحبُّهم فعلاً، ويجبُ علينا أن نحبَّهم. لكن يجب أن نحبَّ المسيحَ أكثر من أيَّ شيءٍ آخَر، أن يكون حبَّنا الأوَّل والأعظم، وأن نكون كُلُّنا عاشقيّ المسيح.
كيف نقدرُ أن نحبَّه، ولا أن نملك مجرَّد فكرَة سطحيَّة عنه، بل أن نقتني حبًّا حارًّا للمسيح؟
إنَّنا حينَ نُحبُّ شخصًا، نمنحهُ كلَّ شيء ونعيش مِن أجلِه، نفكِّر بهِ، نتحدَّث عنهُ باستمرار. إذًا حينَ نحبُّ المسيحَ كيف ينبغي أن نكون نحن المسيحيون؟
هنا نطرح السُّؤال الآتي:
كيف يُمكِننا أن نحبَّ الرَّبّ من القَلب والذهن والقدرة بأكملها، وقريبنا مثل نفسنا؟ كيف يُمكننا مِن الآن فصاعدًا أن نتدارَك الفجوات في حياتنا أو أي إخفاقات، كُنَّا قد تركناها أو أهملناها في مسألة حبِّنا للمسيح؟ بل وأن نُعوِّضها، حتَّى أنَّه كلَّما مَرَّت أيَّام حياتنا، يزداد حبُّنا للَّربِّ يسوع المسيح واتِّحادنا به، ويكون هو فرحنا وحياتنا ونورنا وغايتنا ورجاءنا وأبديَّتنا.
يقول الآباء القدّيسون: كي نُحبَّ المسيحَ، يجب أوَّلاً أن نطلُبَ ذلك منه، ونجعله مَوضوعَ صلاتِنا:
"يا ربّ، ساعدني أن أحبَّكَ بكل قوِّى نفسي. أنت أحببتَني، حتَّى أنَّك أعطيتني كلَّ شيء. أريدُ أن أحبَّكَ أنا أيضًا، لكنَّني إنسانٌ ضعيف ومتكبِّر، يُعيقني الغُرور مِن أن أحبَّكَ بكل طاقات نفسي. أرجوك، اغرس أنت فيَّ محبَّتَكَ، كي أستطيع أن أحبَّك مِثلَ الرُّسلِ القدِّيسين وحامِلات الطِّيبِ وسائر قدِّيسي إيمانِنا والشُّهداء، الَّذين نُعيِّد لهم، والنسَّاك الأبرار، والقديسين رجالاً ونساءً، في كلِّ العصور، مثل جميع محبيّ المسيح بشغف. أنتَ ساعِدني يا رب أن أحبَّك."
فلنجعل ذروة مساعي حياتِنا أن نحبَّ المسيحَ أكثَر مِن سواه. إذ نطلُبَ هذا بإيمان فسيمنحنا إيَّاه الرَّبّ. أمرٌ آخر يساعد في أن نحبّ المسيح، هو أن نحفظ وصاياه المُقدَّسة. حين نطبِّق وصايا المسيح نشعُر به قربنا في كلِّ مرّة، ونتَّحد بهِ أكثر فأكثر. يجلبُ هذا الاتّحادُ إلى القلب محبَّة الرَّبّ. يقول الرَّبّ في إنجيل يوحنَّا، مَن لدَيهِ وصاياي ويحفظها هذا يحبّني، وأنا أحبُّة وسنأتي مع الآب والرُّوح القدس ونسكن فيه. (أنظر يوحنَّا 14: 23) تخيَّلوا أيّ عيدٍ وأيَّة بهجة هي هذه! سيأتي الثَّالوثُ القدُّوس إلى القلب ويسكن فيه، إذا نفَّذنا وصايا المسيح. يوحنَّا اللاهوتي والإنجيليّ هو التِّلميذ الَّذي أحبَّ المسيحَ كثيرًا وأحبَّه الرَّبّ أيضًا. اقرأوا إنجيله لتروا كم مرَّة يَذكُر إنَّهُ بِحفظ وصايا المسيح يمتلئ الإنسان مِن الله بداخله.
يلزمنا طبعًا أن نجاهد، كما ذكرنا، لأنَّ الكبرياءَ والأنانية فينا يعيقانِ حفظنا لوصايا المسيح. لنبتدئ الجهاد في كل يوم، وجُلّ اهتمامنا ألاَّ نُخالِفَ أيَّة وصيةٍ من وصايا المسيح فلا نحزِنه.
أعرف رُهبانًا ومؤمنينَ في العالم، كان هذا لسان فكرهم: "يا مسيحي، اليومَ يحزنُكَ الكثيرون بمخالفة وصاياك، أمَّا أنا فأريدُ ألاَّ أُحزنك. أرجوك، ساعدني ألاَّ أحزنك، بل وأن أُفرحك قليلاً، بحفظ وصاياك."
إنَّها لبركة كبيرة، أن نحرص على ألاَّ نُخالِف أيّة وصيّة مِن وصايا المسيح. هذا يُساعد بأن نمضي النَّهار مُتَّحدين بالمسيح. لأنَّنا كلَّما طبَّقنا الوصايا ازددنا اتّحادًا بالمسيح، ونشعر بازدياد محبَّتِه نحونا، وكذلك تنمو محبتّنا للمسيح.
هناك وسيلة أُخرى لزيادة محبَّتنا للمسيح، وهي بمطالَعة الكتاب المقدَّس. أعرف أنَّكم جميعًا تملكون إنجيلاً في البيت. يُمكننا أن نقرأ كلَّ يومٍ إصحاحًا أو اثنين. فنرى كيف سلَكَ ربّنا، صنعَ العجائب، عمِل الرَّحمة والإحسان مع البشر ووَعظهم، عندئذٍ، تجتاحنا محبَّة قويّة نحو المسيح، كما يُصوِّرهُ لنا الكتاب المقدّس؛
إذ إنَّ الإنجيل يتحدَّث عن المسيح ويُبيِّنُ لنا محبَّته، تجري مُحاولات شتَّى اليوم، مِن أعداءِ الإيمانِ، ليزعزِعوا ثقَةَ النَّاسِ بإنجيل المسيح. يصوِّرون أفلامًا مشينة، ويتحدّثون عن أناجيلَ على أنّها منحولة، ويعرضونها على التِّلفاز وفي إعلانات الجرائد، فيُشاهدها النَّاس، ويظلِم ذِهنهم. يدَّعون أنَّ المسيح كانَ مجرَّد إنسان، ويزعمون أنّه له زوجة وأطفالاً! وأنّه إنسانٌ عاديّ وقد خطَّط لعمَل ثورةٍ ضدَّ الحُكم الرُومانيّ، لهذا خانَهُ يهوذا، ليضطرَّه أن يسرع في ثورته! تفاهة بتفاهة. أيّ إنسان يعرف ولو الشيء اليسير من حقِّ الإنجيل، سيدرك فورًا مدى سخافة هذا، وكم أنَّه تجديف شيطانيّ. وحدهُ فم الشيطان مُبغض المسيح، يتفوَّه بِمثل هذا الكُفر. رغم هذا وللأسف، ينجرُّ النّاس وراء هذه الادِّعاءات، فيتزَعزع إيمانُهم بالرَّبِّ يسوع المسيح الإله المتأنّس.
إذًا تجلب مطالعةُ الإنجيلِ الكثيرَ مِن السَّلام والفرح لنفوسنا ومحبَّة للمسيح. لكنّ الإهمال يصيبنا، ومع عِلمِنا أنَّ علينا مُطالعته يوميًّا، إلاّ أنّنا ننشغِلُ بكلِّ شيءٍ آخر، وهذا العمل نهمله قائلين: "لم يكن لديَّ متَّسعٌ مِن الوَقت اليوم! كان لديَّ العديد مِن الأشغال." الواجب والصحيح أن يكون أوَّل ما نفعل: الصَّلاة ومطالعة كلمة الله.
هناك أمر آخر، يساعدنا أن نحبَّ المسيح، مطالعة سِيَر القدِّيسين؛ إذ نتعلّم كيف أحبُّوا المسيح ووهبوه ذواتهم بالكامل وكل الأمور. لم يحبُّوه كذواتِهم وحسب بل وأكثر من ذواتهم. خاصةً الشُّهداء والنسَّاك. هُناك أيضًا قدّيسون، رجال ونساء، ممن عاشوا وسط العالَم مثلكم، كلّ الَّذين تجاهِدون في الحياة العائلية والوظائف. أعرف أشخاصًا في العالم، متزوّجين وورعين للغايَة، لديهم أولاد ووظائف، ورأيت أنَّ حياتهم قداسة بحتة. حين يزورون الجبل المقدَّس وأتحدَّث معهم أستفيدُ أنا منهم، لأنِّي أرى إيمانَهم وشدَّةَ محبَّتهم للمسيح، كذلك نزاهة سيرتهم وتَوقهم للرَّبّ.
إذًا، سنكون جميعًا بلا عذرٍ أينما كنّا، سواء رهبان أو إكليروس أو المؤمنين في العالم، إن لم نُحبّ المسيح ونقدِّم لهُ كلَّ شيء، ملءَ فؤادنا وبامتنان شديد، مثلما وهبَنا هو كلَّ شيء.
"يا بنيّ، أعطني قَلبك!" هذا ما يطلبهُ المسيح مِنّا؛ القلبُ هو كلُّ ما بداخل الإنسان. إذن، يطلب أن يكون القلب والذهن للمسيح كذلك شعورنا وإرادتنا وحرِّيتنا والكلّ للمسيح. مِثلما وَهبنا كلّ شيء، فلنُعطِهِ ذواتنا كلّها، لا جزءًا يسيرًا منّا فقط. أقول هذا أوَّلاً لنفسي، لأنَّهُ عليَّ أن أحبَّ المسيحَ أكثر، وأرجوكم أن تَختبروا ذواتِكُم وإن لاحَظَ أحدٌ مِنكُم تقصيره، فليُقرِّر مِن اليوم. لنلتَمِس بركة النِّسوة القدِّيسات حاملات الطِّيب، كي يساعِدننا في هذا. كُنَّ نسوةً لكنَّهن تجاهَلنَ كلَّ شيءٍ لأجل حبِّ المسيح. نلتمسُ كذلك شفاعات القدِّيسَين مكفِّنَي المسيح، يوسف الراميّ ونيقوذِيموس مع حاملات الطِّيب ليتشفَّعوا بِنا كَي نُجاهدَ الجهاد الحسن وننضُج روحيًّا.
أعرف أنّكم مسيحيّون صالحون جميعًا، لكن يِجب أن تُصبِحوا بعد أفضَل، وأتمنَّى في كُلِّ مرَّةٍ آتي لِزيارَتِكُم أن أتحسَّنَ أنا وأن أَجِدَكُم أنتم كذلِك أفضَل قليلاً، وأن نُرضي مسيحَنا ونمنحهُ بعض الفَرَح. يتألَّم الرَّبُّ كثيرًا بسبب خطايا البشر. تحدُثُ كلَّ يومٍ خطايا مُريعة ومُفزِعة تُحزِنه. جيّدٌ أنّ ثمّةَ مسيحيّين صالِحين ورعين يجاهدون فيُفرِحون المسيح. إن حصَل وسقطنا مرَّة، إذ نحنُ بشر، فلنطلُب المُسامَحة، لننهَض عِوض أن نبقى في سقطَتِنا، ونتوب ونتابِع جهادنا. إنَّ خاصيَّة الملائِكَة عدم السُّقوط، هذا لا ينطبق على البَشَرَ. أمَّا نحنُ فنسقُط ولكن نقوم مجُدَّدًا، نعترف ونطلب المغفرة ونتابع الجهاد، حُبًّا بالمسيح.
نعمةُ ربِّنا يسوع المسيح، الرَّبّ المصلوب والدَّفين والقائم لتَكُن معكم، بشفاعات القدِّيسات حامِلات الطِّيب والقدّيسَين يوسف ونيقوذيموس. لتكن برَكة المسيح مع عائلاتكم وأولادكم.
لا تفقِدوا همَّتكم ولا تيأسوا، سيكون النَّصر في النّهاية للمَسيح. إن رأيتُم أنَّ أولادَكم يتضايقون، لا تيأسوا من تجاربهم، فالصَّلوات ستُنجِّي الأولاد. يلزم بعض الوقت، إذ ينبغي للأولاد أن يشقوا قليلاً حتَّى يكتسبوا خبرةً بأنفسهم. بعد ذلك سيُقبِلون إلى المسيح. يكفي أن يكون لهم والدان مُصلِّيان لأجل هذا. فصلُّوا لأجل أولادكم ولا تَنسوا قصَّة القدِّيسة مُونيكا، والدة القدِّيس أوغستين. كان قبلُ شابًّا ضالاًّ، وأنجب طفلاً غير شرعيّ، وكانت أمُّه تذهب إلى أسقف تلكَ المدينة، وتبكي باستمرار حال ابنها وضلاله. أمَّا الأسقف، القدِّيس أمبروسيوس، فكان يقول لها: "يا امرأة، لا تيأسي، لا يُمكن أَن يهلِك ابنُ كلِّ هذهِ الدُّموع!" وبالفعل تابَ ولم يهلِك، بل وصار أحَدَ قدِّيسي كنيستنا. استطاع أن يصير أسقفًا، لأنَّه قَبِل المعمودية بعمر كبير كما جرت العادة، وغُفِرت جميعُ خطاياه، ثمَّ صار قدّيسًا بارًّا، أسقف إيقونية. أنصحكم بقراءة سيرته. لديَّ أمثلةٌ أُخرى كثيرة. نرى كآباء روحيين أشخاصًا يأتون للاعتراف، بعدما ضلَّلهم روح العالم قليلاً، لكنّ ذويهم أتقياء ويصلُّون باستمرار مِن أجلِ اهتداءِ أبنائِهم، تراهُم يتوبون بالفعل، ويغيِّرون حياتَهم جَذريًّا، ويعودون إلى دربِ المسيح. لهذا لا تيأسوا، فقط واظبوا على الصَّلاة. حاوِلوا بمحبَّتِكُم وتواضعِكم ألاّ تُعثِروا أبناءكم. لأنَّنا نحن الكبار نكون، بعض الأحيان، المذنبين ونسبِّب العثَرَة لهم. حين تغضَبون كثيرًا على الأولاد بسبب الفوضى الَّتي يحدثونها، اجعلوا غضَبَكُم دون هوى. مِثلما يغضب الله بلا هوى على البشر، أي دون حِقد أو كراهية، بل بهدف التَّربية. لأنَّنا أحيانًا نضطَرُّ أن نغضَب على أولادنا، إن فعلنا هذا من أجل تربيتهم وتأديبهم، وبلا هوى سيُدرِك الأولاد ذلك. يُميِّزُ الطفلُ متَى يكونُ الغضب بهوى، حينئذٍ لا يفيد العقاب بشيء. أمَّا إذا كان بمحبَّة عندها يكون نافعًا.
كان لديَّ هذا الشيء القليل لأقوله لكم.
لتكُن بركَةُ الرَّبّ مَعكُم.
آخر المواضيع
لماذا لم يأتِ الروح القدس مباشرةً بعد الصعود؟
الفئة : تفاسير كتابيّة
أحد حاملات الطِّيب
الفئة : تفاسير كتابيّة
معنى شجرة التين التي يبست الواردة في الإنجيل
الفئة : تفاسير كتابيّة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني