مقالة

قُوَّةُ الصَّبر (4/8)

القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم

نَقَلَتْهُ إلى العربيّة: إيلي عيسى

لا ننسِيَنَّ أبدًا أنّ القدِّيْسِيْنَ أَجمعِيْنَ، والأنبياءَ، والأبرارَ، والرُّسُلَ، والشُّهداءَ، والمُعتَرِفينَ لم يَنعَموا بالرَّاحةِ والرَّفاهيةَ، أو الرَّخاءِ واللَّذةِ، أو الكَرامة والمجدِ البشريِّيْنِ، بل على العكس، عانوا الفقرَ والحرمانَ، والألمَ والمعاناةَ، والسُّخريةَ والإهانةَ، والتَّعذيبَ والمَوتَ المَريرَ.

في كلّ فَترةٍ زَمَنيّةٍ، يَتَذَوّق شعبُ اللهِ، الّذين يُريدون حِفظَ وصاياه والعيشَ وفقَ إرادتِه، سِهامَ الشَّيطانِ حَسَدًا وحِقدًا.

إذا كنتم تَرغَبُونَ في اتِّبَاعِ الرَّبِّ، يجبُ أن تَضَعُوا في اعتِباركم أنَّكُم سَتُواجهُون المخاطِرَ، وسَتُعانون الاضطهادَ، وسَتَتَذَوّقُونَ السُّمَّ المَريرَ. يُحذِّرُنا الحكيمُ سيراخُ بوضوحٍ: «يا بُنيَّ، إذا أقبَلْتَ لخدمةِ الرَّبِّ الإلهِ، فاثبُتْ على البِرِّ والتَّقوى، وأعِدَّ نفسَك للتَّجربةِ» (سيراخ 2 :1). ويؤكِّدُ الرَّسُولُ بولسُ، بما لا يَدَعُ مجالًا للشَّكِّ: «وجميعُ الَّذين يُريدُون أن يعيشُوا بالتّقوى في المسيحِ يسوعَ سوفَ يُضطَهَدُون» (2 تيموثاوس 3 :12).

لهذا السّببِ، عندما تَفعلُ أَمرًا جَيِّدًا، وتُقابَلُ بِأَمرٍ سَيِّئٍ لا تَحزَنْ، بلِ افرَحْ. ولا تُصَبْ بالاحباطِ بَلِ فَلْتَزِدْ حماسَةً لِمزيدٍ منَ الأعمالِ الصّالِحةِ. بهذه الطَّرِيقةِ سَتَحصَلُ أيضًا على إكليلِ الحياةِ الأَبَديَّة الَّذي لا يَفسُدُ، كما فَعَل تلاميذُ المسيحِ الَّذينَ يُشارِكونَهُ، الآنَ، مَجدَهُ السَّمَاوِيَّ؛ بعدَ أَنْ كانُوا على الأرضِ، وعانَوا كثيرًا منَ الاضطِهادِ والأحزانِ.

يكتُبُ أحدُ الرُّسُلِ: «لأَنَّا قَدْ صِرْنَا مَشْهدًا لِلعالَمِ... وإِلى هذه السَّاعةِ نَحْنُ نَجُوعُ ونَعطَشُ ونَعْرَى وَنُلْطَمُ ولا قرارَ لنا. ونتعبُ عامِلِيْنَ. نُشْتَمُ فَنُبَارِكُ نُضْطَهَدُ فَنَتَحَمَّلُ. يُشَنَّعُ عَلَيْنا فَنَتَضَرَّعُ. قَدْ صِرْنا كأَقْذَارِ العَالَمِ وكَأَوْسَاخٍ يَسْتَخْبِثُها الجميعُ إلى الآنَ» (1 كورنثوس 4: 9-13).

هل تَعلَمُ مَن الَّذي يُقَدِّم لنَا هذا الوصفَ المَهيبَ عن مُعاناةِ الرُّسُلِ وصَبْرِهم ؟ إِنَّهُ الرَّسُولُ الَّذي عانَى أكثرَ من الجَميعِ، "أَيُّوْبُ العهدِ الجَديدِ، القدِّيسُ الملائكيُّ بولسُ". فَمنذ اليومِ الَّذيَ ظَهَر له المسيحُ وحتّى استِشهادِه، لم يَختَبِرْ شَيئًا إِلاَّ التَّجارِبَ والأحزانَ؛ وقبلَ فترةٍ وجيزةٍ من اعتِقالِهِ، وجَّهَ الكَلِمات التَّاليةَ إلى شُيوخ أَفَسُسَ: «والآنَ ها أنا أذهَبُ إلى أورشليمَ مُقَيَّدًا بالرُّوحِ، لا أعلَمُ ما يُصادِفُني هُناكَ. غيرَ أنَّ الرُّوحَ القُدُسَ يَشهَدُ في كلِّ مدينةٍ قائِلًا: إن قيودًا وشدائِد تَنتَظِرُنِيْ» (أعمال 20: 22 - 23).

يُمكنُنا أَنْ نسألَ الرَّسُولَ بولسَ: "حسنًا، بما أنَّ القُيودَ والمَتَاعبَ في انتظارِك، فلمَ تَذهَبُ إلى هُناك؟"؛ سَيُجيبُنَا على هذا السُّؤالِ:"هذا هو السَّببُ الَّذي يَجعَلُني أذهبُ إلى هناكَ. لِأُعْتَقَلَ وَأُقَيَّدَ؛ لِأُتَّهَمَ وأُسْجَنَ- لِأموتَ من أجلِ المسيحِ". "انتَظِرْ، أَيّها الرَّسُول! ألا تَشعُر بالخَجَل من التَّجَوُّل في جميعِ أنحاءِ العَالَم وأَنْتَ مُقَيَّدٌ كالمُجرمِ؟ عندما يرَاكَ النَّاسُ على هذهِ الحالةِ، ألا تَخشَى أن يَنسُبوا الضُّعفَ إلى اللهِ الَّذي تَعِظُ بِهِ وبالتَّالي لا يُؤمِنونَ؟" ها هوَ بولُسُ الرَّسُولُ يردُّ بآيةٍ من إحدى الرَّسَائِلِ الَّتي كتَبَها إلى أهلِ فيليبّي: «أُرِيْدُ أَنْ تَعْلَمُوا أَنَّ أَحوالي آلَتْ بالحَرِيِّ إلى نجاحِ الإِنجيلِ حتَّى صارَتْ قُيُودِيْ مَشْهُورَةً في المسيحِ عندَ أهلِ دارِ السّلطانِ وعندَ الباقِيْنَ أَجْمَعِيْنَ. وأكثرُ الإخوةِ في الرَّبِّ لِثِقَتِهِم بِقُيُوديْ ازدَادُوا جُرْأَةً على النُّطْقِ بالكلمةِ مِنْ غيرِ خَوفٍ» (فيليبي 1: 12-14).

هل ترَون كيف أنّ للقُيودِ قوّةً أكبرَ من قِيامةِ الأَمواتِ، إِذا جازَ التَّعبيرُ؟ لقَدْ كانَ مُقَيَّدًا ومَسْجُونًا في روما، ومعَ ذلكَ صارَ مُعظمُ سُكّانِها من أتباعِه. عندَما كانَ مُقَيَّدًا ومَسجُونًا في أورشليمَ، جعلَ الحاكِمَ فيلِكسَ يَرتَعد من الخَوفِ (أعمال 24 :25) والملكَ أغريباسَ يَقِفُ في دهشةٍ (أعمال 26 :28).

عندما كان مُقَيَّدًا بالسَّلاسِلِ على السَّفينةِ، سَيطَر على البَحرِ وهَدَّأَ العاصِفةَ العَنيفةَ، وبالتّالي أنقَذ مِئَتَين وستَّةً وسبعينَ شخصًا من الموتِ المُحَتَّمِ (أعمال 27 :1-44).

هل تَتَذَكّرُونَ ما حدثَ عندَما كان الرَّسُولُ بولسُ يزورُ أهلَ فيليبي؟ لقدْ تمَّ القبضُ علَيْه، وضُرِب بِعُنفٍ بالعِصيِّ، وأُلقي في سجنٍ مُظلمٍ، وقُيِّدَت قَدَمَاهُ في الأَغلالِ. وهوَ فِي هذِهِ الحالَةِ، حوالى مُنتَصَفِ اللّيلِ، كانَ يُرَنِّمُ ويُمجِّدُ اللهَ (أعمال 16: 16-25 ) والحُرّاسُ نائِموَنَ.

يا لَشّجاعتِهِ! يا لَصَبْرِهِ! يا لَطُولِ أناتِهِ! نحنُ لا نَتَأثّرُ كثيرًا بالعديدِ من المُعجِزاتِ المُسَجَّلةِ في الكتابِ المقدّسِ الّتي قامَ بِهَا، بقدرِ ما نَنْدَهشُ من صَبْرِهِ الَّذي أَظهَرَهُ أثناءَ مُعاناتِهِ:عندما جُلِدَ وَرُجِمَ وامتُحِنَ.

نقرأُ في أعمالِ الرُّسُلِ: «فرَجَمُوا بولسَ وجَرُّوهُ إلى خارِجِ المدينةِ، وهم يظُنُّونَ أَنَّهُ قدْ ماتَ» (أعمال 14 :19). وما حَصَلَ لَهُ أَيْضًا معَ سيلا منَ الرُّومانيِّيْنَ الَّذينَ: «أَمَروا أَنْ يُضْرَبَا بالعِصِيِّ، ولَمَّا أَثْخَنُوهُما بالجِراحِ أَلْقُوهُما في السِّجنِ، وأَوصَوا السَّجَّانَ بِأن يَحْرُسَهُما بِضَبْطٍ» (أعمال 16 :23).

كم كان القدّيسُ بولسُ راضيًا ومسرورًا ومُكَرَّمًا عندمَا ضُرِب وسُجِن من أجلِ المسيحِ! ولكن، انتَبهُوا جيِّدًا للمُعجِزةِ الَّتي تَلَتْ ذلِكَ: «فَحَدَثَتْ بَغْتَةً زَلْزَلَةٌ عظيمَةٌ حتَّى تَزَعْزَعَتْ أساسَاتُ السِّجنِ، فانفَتَحَت في الحالِ الأبوابُ كُلُّها، وانفَكَّتْ قيودُ الجَميعِ» (أعمال 16 :26).

هل تَرَونَ كيفَ أنّ قيودَ القِدِّيسِ بولسَ العجيبةَ كانَتْ قادرةً على تحريرِ الآخرينَ مِنْ قيودِهم؟ «فَلَمَّا استَيْقَظَ السَّجَّانُ وَرَأَى أَبْوابَ السِّجْنِ مَفْتُوحةً، اسْتَلَّ السَّيْفَ وَهَمَّ أَنْ يَقْتُلَ نَفْسَهُ، لِظَنِّهِ أَنَّ المحبوسِيْنَ قَدْ هَرَبُوا» (أعمال 16 :27). كيف تَصَرَّف القدّيس بولسُ في هذا المَوقِف؟ ناداهُ بِصَوتٍ عالٍ، قائِلاً لَهُ: «لا تَعْمَلْ بِنَفْسِكَ سُوءًا فَإِنَّا جَمِيْعَنا هَهُنا» (أعمال 16 :28).

يَا لَتَواضُعِهِ الرَّائِعِ، فهوَ لَمْ يَقُلْ: "هذهِ الأُمورُ حدَثَتْ بِسَبَبِيْ!" بلِ اعتبَرَ نفسَهُ سجينًا كَغَيْرِهِ منَ الأَسرى، بتأكيدِهِ "أنَّنا جميعَنا هنا". لو ظلَّ القدِّيسُ بولسُ صامِتًا، لانتَحَرَ الحارِسُ!. لقدْ أَظهرَ شَفقةً وحنانًا قلَّ نظيرُهُما، مُفضِّلاً أَنْ يبقى في القُيودِ بَدَلاً من أن يسمحَ لشخصٍ آخرَ أن يَفِقدَ حياتَه. في تلكَ اللّحظةِ تحديدًا، أظهَرَتِ القُيودُ قوَّتَهَا العجيبةَ مرّةً أخرى، فجَعَلَت السَّجَّانَ يَجثو أمامَ السَّجينِ «بِخَوفٍ ورِعدةٍ» كما وَرَدَ في أعمالِ الرُّسُلِ: «سَقَطَ عند قَدَمَي بولسَ» (أعمال 16 :29). فالَّذي كان حُرًّا (وقَيَّدَ الرَّسُولَ بولُسَ) وجدَ نفسَهُ فجأةً أمامَ قَدَمَي مَنْ كان مُقَيَّدًا فَحَرَّرَهُ بولُسُ من قيودِ الجَهلِ والخَوْفِ. فسأَلَهُ السَّجَّانُ: «ماذَا ينبَغي أن أَصْنَعَ لأَخْلُصَ؟» (أعمال 16: 30).

أخبِرْنا، أيّها الحارس: ألم تُقَيِّدْهُ؟ ألم تَرْمِهِ في السِّجنِ؟ ألم تُقَيّد قَدَمَيْهِ بِأَغلالٍ من حديدٍ؟ لمَ تَرتَعِدُ الآنَ؟ لمَ ذُعِرْتَ؟ لمَ تبكي؟ لمَ اسْتَلَلْتَ السَّيفَ لتُنهيَ حَياتَك؟ سوف يُجيبُنا، إنْ كانَ حاضرًا ههنا، "لَمْ أَكُنْ أَعلَمُ، لَمْ أَكُنْ أَعلَمُ أنَّ خُدَّامَ المسيحِ، حتّى عندمَا يكونُونَ مُقَيَّدِيْنَ، لَهُمْ قُوَّةٌ عظيمةٌ!" ماذا تقولُ، أيُّها الرَّجُلُ؟ تَلَقَّى رسولُ المسيحِ السُّلطةَ منَ الرَّبِّ ليَفتَحَ السَّماواتِ، وتَعتَقِدَ أنَّهُ لَيسَ قادِرًا على فتحِ أَبوابِ السِّجنِ؟ إنّه يُحَرِّرُ الَّذين قَيّدَهُمُ الشَّيطانُ، وتَعتَقِدُ أنَّ سِلسِلةً واحدةً ستكُونُ قادرةً على إبقائِه مُقيَّدًا؟ يُحَرِّرُ الأرواحَ الَّتي قَيّدَتْها الخطيئةُ، وتَتَصوَّرُ أنَّهُ لَيْسَ قادرًا على تحريرِ جسَدِهِ؟ لقد كانَ لهذا السَّببِ نَفْسِهِ مُقيَّدًا، قبل أنْ يفكَّ قُيودَ السُّجناءِ: لكي تَتَعَلَّمَ أنَّ خُدَّامَ المسيحِ يَمتَلِكون قُوّةً أكبرَ بكثيرٍ من الأحرارِ، حتّى عندَما يكونُون مُقَيَّدِينَ.

من يُحِبُّ المسيحَ يفهَمُ معنَى هذِهِ الكلماتِ. مَن هوَ مُشتَعِلٌ بمحبَّة الرَّبِّ يعرِفُ قوّةَ القُيودِ. لهَذَا السَّبَبِ يُفضِّل هذا الشَّخصُ أنْ يكُوَن مُقيَّدًا من أجلِ يسوعَ بدلاً من السُّكنَى في السَّماواتِ. يُفضِّل أَنْ يُرمَى في زَنزانةٍ مُظلِمَةٍ بدلاً من الجُلوسِ على عرشٍ عنْ يمينِ اللهِ. لَوْ خُيِّرْتُ بينَ السَّماءِ والسَّلاسِلِ الَّتي استُخدِمَتْ لتَقييدِ يَدَيِ الرَّسُولِ بولسَ، لَفَضَّلْتُ السَّلاسِلَ. وَلَوْ خُيِّرْتُ بينَ مُرافَقةِ مَلائِكَةِ اللهِ أو البَقاءِ معَ الرَّسُولِ بولسَ في السِّجنِ، لَفَضَّلْتُ السِّجنَ. لماذا؟ ببسَاطةٍ لأنّه لا شَيْءَ أَفضَلُ وأَعظَمُ من تَحَمُّلِ المَشقّاتِ من أجلِ المسيحِ.

إنِّي لا أمدحُ القدّيسَ بولسَ لأنَّهُ صعدَ إلى السَّماءِ الثّالثةِ والفردوسِ (2 كورنثوس 12: 2-4) بقدرِ ما أمدَحُهُ لأنّه أُلْقِيَ في السِّجنِ. لا أَحسُدُهُ لأنّه سَمِع كلماتٍ لا يُمكِن للسانٍ بشريٍّ أن يُعَبِّرَ عنها بقدرِ ما أَحسُدُه لأنَّهُ ضُرِبَ وقُيِّدَ. أُفَضِّلُ أنْ أُعانيَ من أَجلِ الإيمانِ بالمسيحِ على أن أتَمَتَّعَ بالتَّكريمِ من المسيحِ.

بهذه الطَّرِيقَةِ أُصبِحُ تلميذًا للقدِّيسِ بولسَ العظيمِ. بهذِهِ الطَّرِيقَةِ أُصْبِحُ تلميذًا للمَسيحِ نفسِهِ، الَّذي تخلّى عن مجدِ السّماءِ وجاءَ إلى الأرضِ كإنسانٍ متواضعٍ لِيَتَمَجَّدَ أكثرَ من خلالِ السّخريةِ والاستِهزاءِ والموتِ.

أكّد المسيحُ نفسُهُ هذا قبلَ فترةٍ وجيزةٍ من صَلْبِهِ عندَما طَلَبَ مِنْ أبيه: «والآنَ، مَجِّدْنِيْ يا أَبَتِ، عندَكَ، بالمَجْدِ الَّذي كانَ لِيْ عندَكَ مِنْ قَبْلِ كَوْنِ العَالَمِ» (يوحنّا 17: 5).

ماذَا تقُولُ، أَيُّها الرَّبُّ؟ قريبًا ستُعتَقَلُ. سَتُضرَبُ بالسِّيَاطِ ويُبصَقُ عَلَيْكَ. سَتُصلَبُ كمُجرمٍ بيْنَ اثْنَيْنِ منَ اللُّصُوصِ، وأنت تَتَحَدَّثُ عنِ المَجدِ؟ "نعم!" يُجيبُنا المَسيحُ روحيًّا:"هذا مَجْدٌ لي، لأنّني أَتَحَمَّلُ كُلَّ هذا العذابِ من أجلِكُمْ أَيُّها البَشَرُ الَّذِيْنَ أُحِبُّكُم ".

إذا كان ربُّنُا البريْءُ من الخَطيئةِ يَعتَقِدُ أنَّهُ يَتَمَجَّدُ أكثرَ من خلالِ المُعاناةِ والمَوتِ، لِمَحَبَّتِهِ لَنا أكثرَ من التَمَتُّعِ بنعيمِهِ السَّمَاوِيِّ بينَ الملائكةِ الَّذينَ يُسَبِّحُونَهُ بِغَيْرِ فُتُوْرٍ، كيف يَنبَغي أنْ تَكونَ نظْرَتُنا، نحنُ النَّاسَ الخاطِئِينَ والبَائِسينَ، إلى المُعانَاةِ، من أَجل حُبِّنَا لَهُ، هُوَ الَّذي أنقَذَنا مِنَ الموتِ الأبديِّ ومَنَحَنَا الخَلاصَ؟

نَقِف جميعًا بِدَهْشَةٍ وإعجَابٍ أمامَ صبرِ أَيُّوْبَ وطولِ أَنَاتِهِ، أمَامَ فضيلَتِه، أمَامَ مُواجَهَتِهِ الاستثنائيّةِ ضدَّ الشَّيطانِ، وأخيرًا أمامَ انتصارِهِ وتَبريرِهِ. نَقِفُ جميعًا باحترامٍ وتأَثُّرٍ عَميقَينِ أمَامَ صَبرِ الرَّسُولِ بولسَ وتَحَمُّلِه، أمامَ نِضالاتِهِ المُذهِلَةِ للبشارةِ بالإنجيلِ، أمامَ مَشقّاتِهِ وحِرمانِهِ، اضطِهاداتِهِ وأحزانِهِ، قُيودِهِ وعَذاباتِهِ، وأخيرًا استِشهادِهِ من أجلِ المسيحِ.

نَقِف جميعًا بِخُشوعٍ وامتِنانٍ أمامَ صبرِ ربِّنَا وطُولِ أَنَاتِهِ، أمامَ رحمَتِهِ وحُبِّهِ، أمامَ آلامِهِ الطَّاهرةِ وصَلبِهِ الطَّوعيِّ، الَّذي كابَدَهُ من أجلِ خلاصِنا. لذلك، فلنَقتَدِ بالرَّبِّ وقدِّيسيهِ، لنعيشَ مَعَهُم إلى الأبدِ في ملكوتِ السَّماءِ. آمينَ.
 

«وَبِصَبرِكُم تَقْتَنُونَ أَنفُسَكُمْ" (لوقا 21: 19)