محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة (6/7)
الجزء السّادس: الذّخائر والماء المقدّسة
محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة.
الجزء السّادس: الذّخائر والماء المقدّسة.
الأرشمندريت جورج كابسانيس.
نقلها إلى العربيّة فريق القدّيس غريغوريوس بالاماس.
عاشَ القدِّيس سيرافيم ساروف، النَّاسِكُ الرُّوسيُّ، في القرنِ التّاسع عشر. وقد استوحى من سيرته أدباءُ كبارٌ، أمثال دوستويفسكي وتولستوي الشّهير. كان مُمتلئًا من نِعمة الرّوح القدس. أَمضى في غابات سِيبيريا أربعينَ سنةً، في نُسكٍ صارمٍ جدًّا، وصلاةٍ وصومٍ وسهر. كان يطلُب نعمةَ الرُّوحِ القدس باستمرار، وبفضل توقِه الشَّديد وصلاتِه اليوميَّة، لكي يحظى بهذهِ النّعمة من الله، استحقّ نعمة الرّوح القدس من الله حتَّى أنّ الدّببة البريَّة أطاعته، والذّئاب خدمته من دون أن تؤذيَه مطلقًا، كما كانت الوحوش تجتمع عنده وهو يطعمها ويُلاطِفها. سأله تلميذه موتوفيلوف مرَّةً:
- ما هدف الحياةِ المسيحيّة؟
- أن ننال نعمةَ الرُّوح القدس.
- لا أفهم. ما معنى ذلك؟
ويقول التّلميذ: «حينئذٍ تغيَّرت هيئة الأب سيرافيم، ولمع كلُّه كالشَّمس. كان وجهُه مُشِعًّا أحرقَ عينيّ، مِثل ما يحدثُ لمَن ينظر إلى قرص الشّمس في الظَّهيرة مباشرةً. عندها سألني:
-يا بنيَّ، ماذا ترى؟
-لا أقدر أن أنظر إليك، إنّ عينيَّ تؤلماني. أنتَ كالشّمس، لا أقدر أن أنظر إلى وجهك.
-لا تخف، يا بنيّ، اُنظر إليَّ. أنت كذلك الآنَ، في النِّعمة والنُّور نفسهما. أتفهم مَعنى أن نقتني نعمة الرُّوح القدس؟ لقد توسلَّتُ إلى الله لكي يكشفَه لك. ماذا تحسُّ، يا بنيّ؟
- أشعر بفرحٍ وبهجةٍ وسلامٍ، في النّفس والجسد. لم أعهد هذا الشّعور في حياتي قطّ.
بينَما كانا في هذا النُّور البهيِّ، وَعَظهُ القدِّيس سيرافيم، وفحوى هذه العِظةِ الجميلةِ، الَّتي سجَّلها لاحقًا تلميذه، هو أنّ غايَةَ حياةِ المسيحيِّ، ليسَت الأعمال الصّالحة وحسب، لأنّ الأعمالَ ما هي إلاَّ وسيلةٌ تساعدُنا لنتنقَّى من أهوائنا، كي ننال موهِبة الرّوح القدس. الغاية الجوهريَّة من الحياة، هي أن ننالَ نعمةَ الرّوحِ القدس ومواهبَه، أي أن نتَّحد بالله. ما الأعمال الصَّالحة إلّا وسيلةٌ لهذه الغاية. أنصحكم بقراءة هذا الكتاب الجميل (سيرة القدِّيس سيرافيم ساروف). لقد حازَ على نعمة الرّوح القدس، فكان ممتلئًا فرحًا، ومنحَ هذا الفرح لكلِّ من كان يزوره، بتحيّته المعهودة (يا فرحي المسيح قام!) في أيِّ وقتٍ كان. هكذا كان يحيِّي جميع النّاس، وينقل إليهم هذا الفرح.
لدينا يا اخوتي، بركةٌ إلهيَّةٌ في كنيستنا المقدَّسة، وهي نعمةُ الله وإمكانيَّة الاتِّحاد به. إنّ الكنيسة الأرثوذكسيَّة، طريقُ الخلاصِ المجرَّبُ والآمنُ، وعُمرها ألفَي سنة. هي كنيسة الأنبياء، والرُّسل، والآباءِ، والنسَّاك، والمعترفين، والشّهداء، حتَّى آخر القدِّيسين، القدّيس نكتاريوس العجائبيّ. هي الكنيسة الَّتي حافظت، لألفَي سنةٍ، على تعليم الإنجيل بلا تحريفٍ أو تحويرٍ، رُغم ظهور هراطقةٍ مرعبين حاربوها، على مرِّ القرون كما تذكرون. كم وكم من الهرطقات حاربتها! برز مهرطِقون لا كالخمسينيّين، بل قُوى عالميَّةٌ عُظمى وأباطرةٌ بجيوشٍ عَرَمْرَمٍ. هل تمكَّنوا من هَدمِ الأرثوذكسيَّة؟ دامَت حربُ الأيقونات مئةَ سنةٍ، لكن هل تمكَّنت من هدم الأرثوذكسيَّة؟ كلاّ. مع أنّنا قدّمنا آلاف الشّهداء، لكن لم نُغلَب. كلَّما حوربت كنيستنا، ازدادت لمعانًا. إنّ حضورَ الرّوحِ القُدس في الكنيسة، حيٌّ وملموس. ما زالت أجسادُ قدّيسينا محفوظةً بالنّعمة، من دون فسادٍ أو انحلالٍ، ومنها أجسادُ قدّيسين معاصِرين كالقدّيس نكتاريوس العجائبيّ، وهي تُفيضُ طيبًا، ورائحتها كالعبير، وتصنع العجائب. هل يحصُلُ هذا خارج الكنيسة الأرثوذكسيّة؟ عند أيِّ طائفةٍ أو هرطقةٍ، ترَون عظامًا تفوحُ طيبًا عند إخراجها من القبر؟ عادةً، رائحة الميت نتنة. في الجبلِ المقدَّس، حين تعبر المقابر أو صناديق البقايا، ستشمّ رائحةً زكيَّةً كُلَّ مرَّة. أقول هذا من خبرتي الخاصّة. كلُّ من يزور منكم الجبل المقدَّس، سيتحقَّق من هذا بنفسه. يأتيك الطّيبُ على دفعاتٍ كأنَّها أمواجُ عبيرٍ؛ السّبب أنّ ثمَّةَ متقدِّسون ما بين الرُّهبان الرّاقدين. ها هو حضور الرُّوح القدُس. ما أعظمه!
الماءُ المقدَّس الأرثوذكسيُّ أيضًا، يُحفظ بلا تعفُّنٍ مع الزَّمن. أمَّا عند اللّاتين، فيُضطرّون لوضع الملح في مائهم لحفظه من الفساد. الماء المقدَّس بيد الكاهِن الأرثوذكسيِّ فقط، يبقى بلا فساد. أين تلمسون هذه النِّعمة في كنائس أخرى؟ يبقى الماء المقدَّس على حاله، مئة سنةٍ ومئتي سنةٍ، برائحته العذبة، وهذا تعرفونه من بيوتكم.
في الكنيسة الأرثوذكسيَّة وحدَها، توجد الأيقونات العجائبيّة، الَّتي تُفيض الطّيب وتصنع العجائب. سأخبركم كي تتعزَّوا، عن عجيبةٍ حصلت حديثًا. أخبرني الرَّاهب - ممثِّل ديرنا في كارييس، عاصمة الجبل، في سهرانيَّة عيد الظُّهور الإلهيِّ – إنّ وجه العذراء قد تندَّى في أيقونتِها (بواجب الاستئهال)، وكانت القطرات تلك طيبًا مقدَّسًا، مسحهُ الآباء بقطعٍ من القطن للتّبريك. هذا هو إيماننا الحيُّ الحقيقيُّ المستقيم، إيمان المسيح.
لأيَّ سببٍ نترك إيمانًا كهذا، لنتَّبعَ بدعًا دينيّةً أمريكيَّةً، خلقَها بعضُ رجال الأعمال "مُخلَّصون جُدُد" حديثو الطَّلعَة؟ هذه البدع الّتي تؤمن بأنّ الكنيسة تبدأ بها، وأنّها وجدَت الطَّريق الحقيقيّ وحدَها. يا لمنتهى التَّعالي الشّيطانيّ! لألفَي سنةٍ، كانت الكنيسة تائهةً في ضلالٍ، إلى أن وجد أتباعُ البِدَعِ الحقيقةَ، من شهودِ يهوى إلى الخمسينيّين والمتجدّدين وسائر الهراطقة.
آخر المواضيع
كيف تتعامل مع شخصٍ لا تحتملُ التَّعاملَ معه
الفئة : قصص روحية
محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة (7/7)
الفئة : قصص روحية
محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة (6/7)
الفئة : قصص روحية
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني