عظة في أحد آباء المجمع المسكونيّ السابع

الفئة:لاهوت

عظة في أحد آباء المجمع المسكونيّ السابع

(عظة أُلقِيَت في العام 1980)

المتقدِّم في الكهنة الأب جورج ميتالِّينوس

نقلها إلى العربية نديم سلُّوم

 

1. تحتفل كنيستنا اليوم بتذكار آباء المجمع المسكونيّ السابع القديسين (787). كما كان يحصل سابقًا، حين كانت تتسبَّب هرطقةٌ ما في انعقاد مجمعٍ، تسبّبت هرطقةُ محاربي الإيقونات في انعقاد هذا المجمع. بصرف النظر عن الجانب الخريستولوجيّ، في هرطقة محاربة الإيقونات، الذي لا يمكن إنكاره، كان لهذه الهرطقة خاصيَّة كنسيَّة واضحة. فقد كانت هجومًا واضحًا من الدولة، التي لم تعد تعمل "خادمة الله للصلاح" (رومية 13: 4)، ضدَّ الكنيسة. حصل صِدامٌ بين خُدّام المواطنين، بين "الكهنوت" و"المملكة"، أي بين الخدمة الكهنوتيَّة والدولة. سعت الدولة لإخضاع الكنيسة في انفجار سياسي غير مسبوق. كانت الهرطقة هي الخلفيَّة الروحيَّة للأزمة.

لذلك فالهرطقات، خاصة هرطقة محاربي الإيقونات، كانت صدمةً لكنيستنا في مسارها الأبديّ. لكن كيف حدث هذا؟ بمعنى آخر كيف كانت الهرطقة تهدّد الكنيسة وكيف تم تحييد هذا الخطر؟ هذا ما سنحاول إظهاره في ما يلي.

2. كل ما هو ضروري لخلاصنا أعلنه الله لنا "بِطُرُقٍ عديدة ومتنوّعة"، في مَجرى تدبيره الإلهي، منذ زمن العهد القديم، ولكن بشكل رئيسيّ في شخص ربِّنا يسوع المسيح. لقد أصبح ربُّنا الإله - الإنسان "مثالاً لكي نتبع خطواته" (1 بطرس 2: 21). لقد كشف لنا من هو (الطريق والحق والحياة) وسلك بما علَّمه. أي أنَّه لم يوضح لنا ما هو الحق فحسب، بل كشف لنا الحقيقة نفسها، أي شخصه الذي هو الحقيقة الوحيد وبالتالي الحقيقة الأبديّة. لقد حرَّر الإنسانَ من العمل المُضني اللازم للعثور على الحقيقة. عندما يرى الإنسانُ المسيحَ وعملَه، يجد الحقيقة أمامه، وكل ما عليه فعله هو أن يتبع المسيح، حتى يكون هو أيضاً "في الحق" (2 يوحنا 3). ومن يعيش في كنيسة المسيح لا يخاف من الضَّلال، لأنَّ الكنيسة كجسد المسيح هي "عمود الحق وقاعدته" (1 تي 3: 15).

لكن المسيح ليس فقط الكارز والكاشف، بل هو أيضًا الحقيقة المُعلَنة. وفي شخصه تتجسَّد الكرازة بالحق. ولهذا السبب كرز الرسل بالمسيح (راجع 1 كورنثوس 1: 23 وما يليها). لم يستنبطوا خطابًا فلسفيًّا غامضًا. ماذا كان يقول بولس لأهل كورنثوس؟ "لأني لم أعزم أن أعرف شيئًا بينكم إلا يسوع المسيح وإيّاه مصلوبًا" (1 كورنثوس 2: 2). لقد نالت الكنيسةُ المسيحَ. المسيح أسّس الكنيسة، والكنيسة أعلنته. واصل الرسل والمسيحيون الأوائل عمل المسيح في العالم. ومع ذلك، لكي يكون عملهم هو عمل المسيح، كان عليهم أيضًا أن يكرزوا بما بشَّر به المسيح، وأن يعيشوا كما عاش. ولو غابت هذه الاستمراريَّة والثبات، لما أصبح المسيحيون أعضاء في جسد المسيح، الكنيسة، بل جسدًا غريبًا.

3. لقد حارب الشيطان عمل المسيح منذ البداية، وذلك لأنه رأى مملكته تنهار. لقد جاء المسيح "لكي ينقض أعمال إبليس": لسحق سلطة إبليس وسلالته ومنح الحرية لمملكته (مملكة المسيح). ولهذا السبب أعلن الشيطان، الذي يعتبر نفسه الحاكم والمُقتَدِر في العالم (راجع متى 4: 9)، حربًا مفتوحة ضد مملكة المسيح. استخدم إبليس حُكّامَ إسرائيل والرومان أدواتًا له (أي جنوده)، أولئك الذين كانوا يشكّلون القوة السياسيَّة في العالم. كان هدفه منذ البداية هو النَّيل من شخص مسيحنا ذاته. ولكن عندما رأى أنَّ هجومه قد أُبطِلَ بانتصار قيامة الرب، وأن الضحيّة (أي الرب) انسلّت من بين يديه، انقلب على جسد المسيح، الكنيسة. فإذا لم يستطع أن يسحق المسيح نفسه، فإنه سيحاول أن يسحق استمراريّة المسيح، أي الكنيسة. وكانت الاضطهاداتُ أسلحتَه مرة أخرى. أثار الاضطهادات نيابة عن اليهود، ثم نيابة عن الرومان. تُعارِضُ الكنيسةُ، التي هي استمراريّة عمل المسيح، الخرافات اليهوديَّة والقوميَّة اليهوديَّة، وعبادة الأوثان والفلسفة الزائفة (مثل الغنوصيَّة). وذلك لأنها بشَّرت بالحقيقة الخلاصيّة والتوحيد الحقيقيّ والحكمة الحقَّة.

بالرغم من كلِّ الحرب التي شُنَّت عليها، تمكَّنت الكنيسة عبر المجمع الرسولي (49 م) من عدم الاستعباد للقوميَّة اليهوديَّة، لأنَّ رسالتها ليست خدمة المخطَّطات القوميَّة، أي العِرقيَّة القَبَليَّة. وبفضل وحدة إيمانها، تمكَّنت مرة أخرى من إبعاد الفلسفة الزائفة عنها. وهكذا، على الرغم من كلِّ الاضطهادات، فالكنيسة لم تتضاءل، بل نَمَت واستمرّت في وحدة الإيمان وحياة الرسل القديسين. حتى أنَّها أجبرت اليهود على وقف الحرب المفتوحة ضِدَّها، باعتبارها جسد المسيح، وأجبرت الوثنيين على قبولها والمطالبة بالتَّقارُب منها، والفلاسفة ليصبحوا مسيحيّين، والدولة للاعتراف بها. لقد سجَّلت دماءُ شهدائها انتصارَها.

4. لكن الشيطان يعيد جَمعَ صفوفه. وما لم يحقِّقه بالاضطهادات، أي من الخارج، يسعى الآن لتحقيقه من الداخل بسلاحه الهائل الجديد أي الهرطقة. في البداية، آمن أنَّه سينتصر إذا دمَّر المسيح وتلاميذه. والآن بعد أن فشل، يهاجم حقيقة المسيح. إليكم الطريقة. لقد أعطانا المسيح الإيمان والتعليم وطريقة الحياة الجديدة التي تخلِّصنا. يحاول الشيطان أن يدمِّر هذه الوحدة وأن يشوِّه الوحي الإلهي. هذا هو غرض الهرطقة. هي ليست دينًا آخرًا يمكن إدراكه بسهولة. إنَّها تدميرٌ للإيمان، إنها خبيثة ومُضَلِّلة. تَظهر مُشابِهةً للحقيقة وكتصحيح للخطأ. فالهرطقة إذن لا تؤذي الجسد بل النفس وبالتالي تهدّد قلب الكنيسة. ولو سادت لأحدثت تغييرًا في جوهر المسيحيَّة، لأنَّ التنوّع في الإيمان، كما تسعى إليه اليوم للأسف المسكونيَّة البَغيضة، يعني تدمير الإيمان. إن وحدة الإيمان هي فقط التي تجعله إيمانًا كنسيًّا.

لكن الأمر الأكثر أهمية هو أنَّ كنيسةً تُفرَض عليها الهرطقة والضلال تكون غريبة عما "اقتناه المسيح بدمه" (أعمال 20: 28). كنيسة كهذه هي ليست سوى "العالم"، فهي بعيدةً عن المسيح ونعمته.

لقد أنقذ الآباء القديسون، بنعمة المسيح واستنارته، الكنيسةَ من خطر الهرطقة المميت. كـأبناء حقيقيين للكنيسة، أصبحوا آباء روحيين ومرشدين لأبنائها. عند التئامهم في المجامع، فصلوا بسيف الروح المُزَيَّفَ من الحقيقيّ والحقَّ من الضلال والموتَ من الخلاص. عبر التحديدات العقائديَّة والقوانين المقدَّسة، سلَّمونا حقيقة المسيح الملموسة، وهي الأرثوذكسية. وهكذا وضعوا الحدودَ الروحيَّة التي تفصل بوضوح وفعاليَّة الوحيَ الإلهيّ عن الهرطقة. ولأنَّ الله لا يتوقّف في كل عصر عن إقامة آباء قديسين، فنحن نبقى دائمًا، كأعضاء في الكنيسة، على يقين أنَّنا باتِّباع طريق آبائنا القديسين، نبقى في حقيقة مسيحنا ونصبح شركاء في خلاصه.

إخوتي! تكرِّم كنيستُنا الآباء القديسين ثلاث مرات في السنة الكنسيَّة (المجامع المسكونيَّة الأول والرابع والسابع). نعيش "أحد الآباء القديسين" ثلاث مرات في السنة. بالطبع هذا ليس من باب الصدفة، لأنه لا يوجد مصادَفة أو عفويَّة في حياة الكنيسة. بهذا الاحتفال الثلاثيّ، تؤكِّد الكنيسة المساهمة الكبيرة التي قدَّمها الآباء القديسون في ترسيخ إيماننا بسر الثالوث القدوس غير المَقهور. تسلّط الكنيسة الضوء على المجامع المسكونيَّة، الأول والرابع والسابع، أي بداية ووسط ونهاية المجامع المسكونيَّة "المُعتَرف بها" حتى الآن، وهكذا تحتضن جميعَ القديسين الذين قدَّموا حياتهم ووجودهم، حتى نتمكَّن من العيش في حريَّةِ أولادِ الله. لذلك إذا كنَّا نكرِّم بِحَقٍّ أولئك الذين يمنحوننا حريتَنا الوطنيَّة، فكم يجب أن نكون مُمتَنِّين لأولئك الذين أنقذونا من أسوأ عبوديَّة موجودة أي الهرطقة. ليس هناك امتنان أعظم من أن نقتدي بجهادهم وأن نصبح بنعمة المسيح آباء الكنيسة مثلهم. لكن هذا يفترض أن نكون أولادها المخلصين أوّلاً.

https://www.johnsanidopoulos.com/2022/10/sunday-of-commemoration-of-seventh.html



آخر المواضيع

العدالة الإلهيّة حسب القديس ديونيسيوس الأريوباغي
الفئة : لاهوت

المطران ايروثاوس فلاخوس متروبوليت نافباكتوس 2024-10-17

عظة في نقل رفات القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت

الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس 2024-08-12

النشرات الإخبارية

اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني

للإتصال بنا