البرلعاميَّة في اللاهوت المعاصر (الجزء الأول)
المطران ايروثاوس فلاخوس
تعريب: نديم سلّوم
البرلعاميَّة هي حركة سبقت برلعام[1] واستمرَّت من بعده. في الواقع هي نظريَّة وممارسة للسكولاستكيَّة (العقلانيَّة) التي تمَّ تطويرها في القرن الحادي عشر في الغرب وثَبُتَ أنَّها التعبير الأساسي للاهوت اللاتينيّ. عرف الشرق الأرثوذكسيّ هذه الحركة لأول مرَّة من خلال شخص برلعام. تعاملت الأغلبيَّة في الشرق، مع القديس غريغوريوس بالاماس كمدافعٍ، مع هذه الحركة بنجاحٍ، ولكن البعض الآخر تأثَّر بهذه الأفكار العقلانيَّة.
لأنني لا أريد أن أظلم ثقافاتٍ أو أشخاصًا مُعَيَّنين، سأحاول إجراء تحليل مُوَسَّع حول آراء برلعام التي أثَّرت وما زالت تؤثِّر على بعض اللاهوتيين المتفلسفين المعاصرين الذين يمكن وصفهم بالبرلعاميين. استعمل القديس غريغوريوس بالاماس مصطلح "برلعاميَّة" لأول مرَّة لوصف أتباع برلعام من بينهم غريغوريوس أكنذينوس.
1) البُنية اللاهوتيَّة لبرلعام
بحسب البروفيسور بانايوتيس خريستو الذي اختصَّ في هذا المجال، حمل برلعام تأثير عصر النهضة الذي بدأ بالتصاعد في ذلك الزمن واعتبر أنَّ وحي الله ثابت ومُقتصِر على زمان الكتاب المقدس وأنكر وجودَه في حياة الكنيسة الحاليَّة خاصةً في خبرات الرهبان. في الوقت نفسه سعى نحو مرجعيَّة شرعيَّة جديدة خارج المسيحيَّة تمثَّلت بفلاسفة العصور القديمة العظماء.
هكذا فسَّر وحي الله بالاستناد على الفلسفة اليونانيَّة وليس على أساس التقليد الهدوئي الذي بقيَ حيًّا في الإمبراطوريَّة الرومانيَّة الشرقيَّة المسيحيَّة خاصةً جبل آثوس. هذا هو سبب معارضة برلعام للرهبنة الآثوسيَّة التي عبَّر عنها القديس غريغوريوس بالاماس.
اعتبر برلعام بحسب "معاييره المعرفيَّة" المُشابِهة لأرسطو أنَّ ما يمكن معرفته فقط هو ما يتم تَلَقّيه من خلال الحواس. بالنسبة إلى "معاييره اللاهوتيَّة" ووفقًا للمِقياسَيْن الأفلاطونيّ والدّيونيسيّ[2]، اعتبر أنَّ الله خارج حدود العلوم وبالتالي هو أبعد من أي عقل أو معرفة. لهذا يقول إنَّه لا يمكننا الكلام عن التمييز بين جوهر الله وقواه وإلاَّ سنمتلك معرفة بجوهر الله. بما أنَّه اعتبر النفس سجينة الجسد، لهذا السبب نحن غير قادِرين على معرفة جوهر الله المتعالي والمطلَق بينما خصائص الله هي "إبداعات الخيال أو الأصنام" ولهذا السبب يستعمل لاهوت المنطق الجَدَلي وليس الظاهري الذي يقوم على الخبرة الشخصيَّة.
إنَّ الذهنيَّة الأهَمّ خلف البرلعاميَّة هي أنَّ تفسير الكتاب المقدس يرتكز على المنطق الفلسفيّ والجَدَليّ والتحليل المدروس وليس على الخبرة الهدوئيَّة الحيَّة. كما أنَّ اللاهوت أي معرفة الله هو الخبرة المُجَرَّدة للحواس والخيال والطُّرُق المنطقيَّة، وليس ثمرة الخبرة الشخصيَّة التي اختبرها الرهبان الهدوئيون. بهذه الطريقة، عندما يُستخَف بالهدوئيَّة التي بها نكتسب المشاركة في قوى الله غير المخلوقة، وعندما يُستخَف بالعمل والثاوريا كذلك النسك، ويختبئ اللاهوتيون خلف أسرار الكنيسة، هذه هي البرلعاميَّة، أو حتَّى البرلعاميَّة الجديدة.
بالتأكيد لم يقدِّم برلعام نفسه على أنَّه فيلسوف سكولاستيكيّ (عقلانيّ) في القسطنطينيَّة أو تسالونيكي، ولا كراهب إتِّحاديّ (مثل الروم الكاثوليك)، كما كان فعلاً كذلك، بل كراهبٍ أرثوذكسيٍّ، وقد ترك في البداية انطباعًا كبيرًا لدى لاهوتيّين مُتَفلسِفين ومسيحيين آخرين. مع ذلك فإنَّ القديس غريغوريوس بالاماس الذي عرف أرسطو واختبر المعاينة الإلهيَّة فَهِم جيدًا الازدواجيَّة اللاهوتيَّة لبرلعام ونظامه اللاهوتيّ المجرَّد من التقليد الآبائي و"سُمِّه الروحي" الكامن وراء التحليلات الفلسفيَّة الجميلة، ولهذا السبب كشفها كلَّها. لهذا أُجبِرَ برلعام على مغادرة الأراضي الأرثوذكسيَّة وانتهى به المطاف في التقليد اللاتينيّ البابويّ الذي جاء منه وعبَّر عنه.
[1] برلعام الكالابري هو هرطوقي ظهر في القرن الرابع عشر وقد دحض القديس غريغوريوس بالاماس تعاليمَه وأدانه مجمع القسطنطينيَّة الهدوئي سنة 1341. (المُعَرِّب)
[2] نسبةً للقديس ديونيسيوس الأريوباغي (المُعَرِّب)
آخر المواضيع
العدالة الإلهيّة حسب القديس ديونيسيوس الأريوباغي
الفئة : لاهوت
عظة في نقل رفات القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت
اِعتراف الإيمان الأرثوذكسي كمِعيار إكلزيولوجيّ أساسيّ، بحسب القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني