دخول الرب المقدس إلى أورشليم
أحد الشعانين
تعريب : جولي سعد
إحدى أبرز تفاصيل حياة مخلّصنا يسوع المسيح قد تنبّأ بها النّبي زكريا قبل زمن غابِر ووصفها على الشكل التالي: «اِبْتَهِجِي جِدًّا يَا ٱبْنَةَ صِهْيَوْنَ، ٱهْتِفِي يَا بِنْتَ أُورُشَلِيمَ. هُوَذَا مَلِكُكِ يَأْتِي إِلَيْكِ. هُوَ عَادِلٌ وَمَنْصُورٌ وَدِيعٌ، وَرَاكِبٌ عَلَى حِمَارٍ وَعَلَى جَحْشٍ ٱبْنِ أَتَانٍ» (زكريا 9:9).
يصف الرسول لوقا، وهو شاهد عيان، هذا الحدث:
وَلَمَّا قَالَ هَذَا تَقَدَّمَ صَاعِدًا إِلَى أُورُشَلِيمَ. وَإِذْ قَرُبَ مِنْ بَيْتِ فَاجِي وَبَيْتِ عَنْيَا، عِنْدَ ٱلْجَبَلِ ٱلَّذِي يُدْعَى جَبَلَ ٱلزَّيْتُونِ، أَرْسَلَ ٱثْنَيْنِ مِنْ تَلَامِيذِهِ قَائِلًا: «اِذْهَبَا إِلَى ٱلْقَرْيَةِ ٱلَّتِي أَمَامَكُمَا، وَحِينَ تَدْخُلَانِهَا تَجِدَانِ جَحْشًا مَرْبُوطًا لَمْ يَجْلِسْ عَلَيْهِ أَحَدٌ مِنَ ٱلنَّاسِ قَطُّ. فَحُلَّاهُ وَأْتِيَا بِهِ. وَإِنْ سَأَلَكُمَا أَحَدٌ: لِمَاذَا تَحُلَّانِهِ؟ فَقُولَا لَهُ هَكَذَا: إِنَّ ٱلرَّبَّ مُحْتَاجٌ إِلَيْه».
فَمَضَى المُرْسَلَانِ وَوَجَدَا كَمَا قَالَ لَهُمَا. وَفِيمَا هُمَا يَحُلَّانِ ٱلْجَحْشَ قَالَ لَهُمَا أَصْحَابُهُ: «لِمَاذَا تَحُلَّانِ ٱلْجَحْشَ؟». فَقَالَا: «ٱلرَّبُّ مُحْتَاجٌ إِلَيْهِ». وَأَتَيَا بِهِ إِلَى يَسُوعَ، وَطَرَحَا ثِيَابَهُمَا عَلَى ٱلْجَحْشِ، وَأَرْكَبَا يَسُوعَ. وَفِيمَا هُوَ سَائِرٌ فَرَشُوا ثِيَابَهُمْ فِي ٱلطَّرِيقِ. وَلَمَّا قَرُبَ عِنْدَ مُنْحَدَرِ جَبَلِ ٱلزَّيْتُونِ، ٱبْتَدَأَ كُلُّ جُمْهُورِ ٱلتَّلَامِيذِ يَفْرَحُونَ وَيُسَبِّحُونَ ٱللهَ بِصَوْتٍ عَظِيمٍ، لِأَجْلِ جَمِيعِ ٱلْقُوَّاتِ ٱلَّتِي نَظَرُوا، قَائِلِينَ: «مُبَارَكٌ ٱلْمَلِكُ ٱلْآتِي بِٱسْمِ ٱلرَّبِّ! سَلَامٌ فِي ٱلسَّمَاءِ وَمَجْدٌ فِي ٱلْأَعَالِي!». وَأَمَّا بَعْضُ ٱلْفَرِّيسِيِّينَ مِنَ ٱلْجَمْعِ فَقَالُوا لَهُ: «يَا مُعَلِّمُ، ٱنْتَهِرْ تَلَامِيذَكَ!». فَأَجَابَ وَقَالَ لَهُمْ: «أَقُولُ لَكُمْ: إِنَّهُ إِنْ سَكَتَ هَؤُلَاءِ فَٱلْحِجَارَةُ تَصْرُخُ!».
وَفِيمَا هُوَ يَقْتَرِبُ نَظَرَ إِلَى ٱلْمَدِينَةِ وَبَكَى عَلَيْهَا قَائِلًا: «إِنَّكِ لَوْ عَلِمْتِ أَنْتِ أَيْضًا، حَتَّى فِي يَوْمِكِ هَذَا، مَا هُوَ لِسَلَامِكِ! وَلَكِنِ ٱلْآنَ قَدْ أُخْفِيَ عَنْ عَيْنَيْكِ. فَإِنَّهُ سَتَأْتِي أَيَّامٌ وَيُحِيطُ بِكِ أَعْدَاؤُكِ بِمِتْرَسَةٍ، وَيُحْدِقُونَ بِكِ وَيُحَاصِرُونَكِم مِنْ كُلِّ جِهَةٍ، وَيَهْدِمُونَكِ وَبَنِيكِ فِيكِ، وَلَا يَتْرُكُونَ فِيكِ حَجَرًا عَلَى حَجَرٍ، لِأَنَّكِ لَمْ تَعْرِفِي زَمَانَ ٱفْتِقَادِكِ».
وَلَمَّا دَخَلَ ٱلْهَيْكَلَ ٱبْتَدَأَ يُخْرِجُ ٱلَّذِينَ كَانُوا يَبِيعُونَ وَيَشْتَرُونَ فِيهِ قَائِلًا لَهُمْ: «مَكْتُوبٌ: إِنَّ بَيْتِي بَيْتُ ٱلصَّلَاةِ. وَأَنْتُمْ جَعَلْتُمُوهُ مَغَارَةَ لُصُوصٍ!».
وَكَانَ يُعَلِّمُ كُلَّ يَوْمٍ فِي ٱلْهَيْكَلِ، وَكَانَ رُؤَسَاءُ ٱلْكَهَنَةِ وَٱلْكَتَبَةُ مَعَ وُجُوهِ ٱلشَّعْبِ يَطْلُبُونَ أَنْ يُهْلِكُوهُ، وَلَمْ يَجِدُوا مَا يَفْعَلُونَ، لِأَنَّ ٱلشَّعْبَ كُلَّهُ كَانَ مُتَعَلِّقًا بِهِ يَسْمَعُ منه (لوقا 48-19:28).
هذا وصفٌ لحدث تاريخيّ جرى منذ عشرين قرنًا كما رواه شهود عَيان. ولكن هذا الحدث له أكثر من أهمية تاريخية؛ فله أيضًا معنى روحي ومعنى أخلاقي أيضًا لكل إنسان مسيحي معاصر. بحسب المعنى الروحيّ، إنّ أورشليم تعني نفس الإنسان، ودخول السيّد إلى أورشليم يعني دخول الرّب إلى هذه النفس.
إن الجمع الغفير من الناس المزدحمين والمُتَدافعين والمنتظرين لقاء المسيح بفرح، يرمز إلى المشاعر النّبيلة والأفكار السامية لكل شخصٍ يستقبل الله مُخَلِّصَه ومنقذه بفرح. أما قادة الجمع الذين يبغضون الرّب ويريدون قتله، يجسّدون الرغبات الدنيّوية والأفكار الأرضية، التي تسيطر على طبيعة الإنسان الكريمة وتستضعفه. فإن طبيعة الإنسان الساقطة تتمرّد على دخول السيّد إلى النفس، لأنه عندما يتتوّج الله في هذه النفس فإن الطبيعة الساقطة سَتُدَمَّر.
يرمز الهيكل في أورشليم إلى قدس أقداس النفس البشرية- ذلك المكان المقدس حيث يوجد مَلاذٌ صغيرٌ للروح القدس حتى في أعظم الخاطئين. لكن الشهوات الدنيّوية تتغلغل هناك أيضًا وطبيعة الإنسان الساقطة تستخدم هذه الشهوات لتحقيق أهدافها الأساسية.
يشفي المسيح نفوسَ أولئك المرضى الذين يُقبِلون إليه بإيمانٍ، وهذا يعني أن بعض دوافع النّفس، بالرغم من مَرَضِها، مُتَعَطِّشة إلى الوحدة مع الله وتبحث عنه، الطبيب الحقيقي الوحيد في العالم. إنّ نبوءة المسيح عن دمارِ أورشليم ترمزُ إلى هلاك أيّ نفس يَشجُبُها الله، فيلفُظُها بعيدًا عنه.
لا يفرح أحد في هذا العالم إلا إذا فتح أبواب أورشليمه الروحيّة أي نَفسَه، وقَبِل الله في داخله. الإنسان البعيد عن الله يشعر بوحدةٍ حتى اليأس. إجتماعيّاته مع الآخرين لا تحرّره من وحدته، بل تزيدها. أما الذي قَبِل الله في نَفسه لن يشعر بالوحدة حتى لو كان في الصحراء لوحده. لا يموت أحدٌ موتًا أبديًّا إلاّ الذي مات فيه الله.
المرجع:
https://orthochristian.com/61122.html
آخر المواضيع
بَرَكَة صليبنا
الفئة : زمن التريودي المقدّس
في السلام بيننا
الفئة : زمن التريودي المقدّس
عظة في أحد الأرثوذكسيّة
الفئة : زمن التريودي المقدّس
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني