الكلمة صار جسدًا: سرّ الخلاص غير المُدرَك
القدّيس سمعان اللاهوتيّ الجديد
تعريب فريق القدّيس غريغوريوس بالاماس
عندما حلّ الإله، ابن الله، في حشا العذراء الفائقة القداسة وأخذ منها جسدًا، وُلد إنسانًا تامًّا وإلهًا تامًّا، من دون تَشَوُّش. متى حدث لنا أمرٌ أكثر أهميّة من هذا؟
نؤمن جميعنا بابن الله هذا وأنّه إبن والدة الإله الدائمة العُذرِيّة مريم أيضًا، لذلك نقبل بثقة هذه الحقيقة عنه وحَدَث التجسُّد هذا. إن اعترفنا به وتُبنا إليه من أعماق قلبنا، عندها تولد بداخلنا كلمة التَّقوى تجاهه كَبِذرة، بالطريقة عَينِها التي حلّ بها كلمة الآب في حشا العذراء. إعجَب من هذه الآية العظيمة والمُدهِشة وتَقَبَّلْها بكلّ يَقين وإيمان.
إذًا، نحن نَحملُ هذه الكلمة، لا بالجسد كما فعلت والدة الإله العذراء، ولكن بالروح والحقّ. ونحويهِ في قلوبنا، المسيح المولود من العذراء الطاهرة نفسه، كما قال القدّيس بولس: «لأنّ الله الذي قال أن يُشرق نورٌ من ظلمة، أشرَقَ في قلوبنا، لإنارة معرفة مجد الله في وجه يسوع المسيح» (2 كور 6:4) كمن يقول: «لقد وُلد بكليّته في داخلنا». يتّضح هذا ممّا يضيفه قائلًا: «ولنا هذا الكنز في أوانٍ خزفيّة» (2 كور 7:4)، يَقصُد ب«الكنز» الروح القدس.
في مكان آخر، يدعو الروحَ القدس «ربّ» لأنّه كما يفسّر، الروحُ القدس هو الربّ. لذلك متى تسمع بـ«ابن الله» يجب أن تفهم «الروح» أيضًا، ومتى تسمع بـ«الروح القدس» يجب أن تفهم الآب، كما يقول القدّيس يوحنا «الله هو روح» (يو 24:4)، مُعَلِّمًا أنّ الثالوث القدّوس غير منقسم ومن جوهر واحد. بكلمات أخرى، حيث يكون الإبن هناك يكون الآب؛ حيث يكون الآب، هناك يكون الروح؛ وحيث يكون الروح القدس هناك تكون الأقانيم الإلهيّة الثلاثة، إله واحد وآب، سَوِيًّا مع إبنه والروح يتشاركون جميعُهم الجوهرَ نفسه: «الذي هو مبارك إلى الأبد. آمين» (رو 25:1)
إذًا، حين نؤمن بِصِدقٍ ونَتوب بحرارة، نحمل كلمة الله في قلوبنا، مثلما حَمَلَتْهُ العذراء كما قلنا سابقًا، مقدّمين له نفوسَنا الطاهرة والعَفيفة. وكما أنّها لم تحترق بِنار الألوهة كَونَها كانت طاهرة وبدون عيب، هكذا نحن أيضًا لا نحترق حين نقدّم له قلوبنا الطّاهرة والنقيّة. بل نشعر بدلًا من ذلك بِندىً سماويٍّ في داخلنا، بينبوع ماء ودَفقٍ من الحياة الأبديّة. بالنسبة لحقيقة أنّنا نتلقّى مِلء قوّة نار الألوهة أيضًا، إسمع الربّ حين يقول: «جئتُ لألقي نارًا على الأرض» (لوقا 49:12). ماذا يمكن أن يقصد بذلك سوى الروح القدس الذي له الجوهر الإلهيّ نفسه والذي يأتي إلينا والمعروف عندنا مع الابن نفسه ومع الآب؟
بما أنّ كلمة الله تجسّد ووُلِدَ من العذراء بالجسد بحال تفوق الوصف وتتجاوز المنطق وإنّه من غير الممكن أن يَلِدَه كلّ واحد منّا بالجسد، فما هو إذًا التدبير الذي صَنَعَهُ؟ للغِذاء، أعطانا ذاك الجسد الطّاهر الذي أخذه من الفائقة القداسة والدة الإله حين وُلِد منها. إن كُنّا نشترك به عن استحقاق، فنحن نَحوي في داخلنا الإله المتجسّد كاملًا، المسيح يسوع ربّنا، الذي هو ذاتُه ابنُ الله وابنُ العذراء، الجالس عن يمين الآب والقائل: «من يأكل جسدي ويشرب دمي، هذا يثبت فيّ وأنا فيه» (يو 56:6). بالرّغم من أنّه لم يأتِ منّا، ولا وُلد بالجسد من خلالنا، إلّا أنّه لم ينفصل أبدًا عنّا. لا نشعر به جَسَديًّا، رغم أنّه في داخلنا، كطفلٍ تمامًا، لكنّه بلا جَسَد بِداخل جسد، مُتَّحدًا بطبيعتنا وجوهرنا بحال يفوق الوصف، مؤلِّهًا إيّانا، ذلك أنّنا أصبحنا بالكليّة واحدًا معه، لحمٌ من لحمه وعظمٌ من عظامه. إنه السرّ الأعظم والأكثر رهبةً فيما يَخُصّ عِنايَتَه وتَنازُلَه الفائقَي الوصف، والذي تردّدتُ بالكتابة عنه كَوني أرتعد من مُقارَبَتِه.
لكنّ الله يريد دائمًا أن يَظهر وأن يُكشَف حُبَّه لنا، كي نستطيع، في مرحلة ما، الوصول إلى فهم صَلاحِه المطلق، وأن نكون مستعدّين، إزاء إحساسنا بالخجل، أن نحبّه بدورنا. لذلك حرَّكَني الروح القدس الذي ينير قلوبنا، لأكشف لكم هذه الأسرار بالكتابة، لا لِأُبَيِّن مع ذلك أنّنا نُماثِل تلك التي وَلَدَت الرب بالجسد- لا سمح الله! إنّه لأمر مستحيل. تجسُّد كلمة الله وولادته من العذراء هو شيء وما يحدث لنا روحيًّا لهو شيء آخر. بولادتها للابن كلمة الله فَعَّلَت هنا على الأرض سرَّ إعادة خلق الجنس البشريّ وخلاص العالم أجمع الذي هو ربّنا وإلهنا يسوع المسيح الذي أتْحَدَ بنفسه ما كان مُقَسَّمًا وأزال خطيئة العالم.
https://www.johnsanidopoulos.com/2016/12/the-word-became-flesh-inexpressible.html
آخر المواضيع
عظةٌ في رقاد والدة الإله
الفئة : أعياد سيديّة
إِجلالُ والدة الإله، وإكرامُها
الفئة : أعياد سيديّة
مع اقترابِنا من ميلاد المسيح
الفئة : أعياد سيديّة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني