أن نموت مع المسيح
عظة السبت المقدَّس
ألقدّيس سيرافيم سوبوليف
تعريب: شادي مخّول
«فَإِنْ كُنَّا قَدْ مُتْنَا مَعَ الْمَسِيحِ، نُؤْمِنُ أَنَّنَا سَنَحْيَا أَيْضًا مَعَهُ.» (رو 6: 8)
هذه كلمات بولس الرّسول التي سَمِعناها اليوم في القدّاس الإلهيّ عند قراءة الرّسالة، يا أحبّائي، إخوتي وأخواتي في المسيح. إنّه لخلاصٌ لنا، أوّلًا قبل كلّ شيء، أن نعلم ماذا يعني أن نموت مع المسيح.
بالطبع، يتّضِحُ أنّ الموت هنا ليس جسديًّا، فالرَّسول استخدم كلمة "مُتنا" فيما يتعلّق بالأحياء، لكنّ الموت عن العالم يعني الموت عن الشّهوات. يتحدَّث الرّسول نفسه عن هذا في رسالته إلى أهل غلاطية: «وَلكِنَّ الَّذِينَ هُمْ لِلْمَسِيحِ قَدْ صَلَبُوا الْجَسَدَ مَعَ الأَهْوَاءِ وَالشَّهَوَاتِ.» (غلا 5: 24). يتّضح هنا أنّنا نموت مع المسيح فقط عندما نُميتُ أهواءَ الشَّراهة والزّنى والطَّمَع والغَضب والحزن واليأس والتكبّر والبَذخ. إماتة الأهواء هو عملٌ نُسكيّ يُمكن أن يُدعى بالاستشهاد الطَّوعيّ. هكذا يعلّم القدّيس ثيوذوروس الستوديتي بقوله: إنّ الرّهبان يموتون يوميًّا عبرَ قطع إرادتهم الشهوانيّة الخاطئة. بالتّالي، إنّهم يَرِثون أكاليل الشّهادة كسائر الشهداء.
صحيحٌ أنّ هذه الكلمات الآبائيّة قد قيلَت للرهبان، لكنّ جهاد الشّهادة ضدّ الأهواء في فكر بولس الرّسول، لا مَفَرّ منه لمن أراد أن يكون على مثال المسيح. بالفعل، كيف يمكن أن يكون الأمر خلافًا لذلك، عندما أوصى الرَّب كلّ الذين تَبِعوه على الطَّريق الضّيق والشائك، قائلًا: «وَمَنْ لاَ يَأْخُذُ صَلِيبَهُ وَيَتْبَعُني فَلاَ يَسْتَحِقُّنِي.» (مت 10: 38). بالتّالي من أجل أن نحيا مع المسيح علينا أن نموت معه، أي أن نُميت الشّهوات.
ماذا يعني أن نحيا مع المسيح؟ أن نحيا مع المسيح أي أن نكون بوحدة معه؛ ووحدتُنا مع المسيح ليست سوى محبّتنا له، رغبة قلوبنا في تأمّله دائمًا، وفي التحدّث معه دائمًا بالصلاة، وأن نعمل فقط ما يُرضيه. محبّة المسيح كما يعلّمنا الرَّب نفسه، هي في الجوهر، أن نحفظ وصاياه الإلهيّة: «إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي فَاحْفَظُوا وَصَايَايَ» (يو 14: 15). بالتالي لنطيع وصاياه.
سنحيا مع المسيح إن أظهَرَت حياتُنا ثمر طاعتِنا لكلّ وصاياه، هذا هو الفرح الإلهيّ للمسيح، ألذي يتكلَّم عنه: «إِنْ حَفِظْتُمْ وَصَايَايَ تَثْبُتُونَ فِي مَحَبَّتِي، كَمَا أَنِّي أَنَا قَدْ حَفِظْتُ وَصَايَا أَبِي وَأَثْبُتُ فِي مَحَبَّتِهِ. كَلَّمْتُكُمْ بِهذَا لِكَيْ يَثْبُتَ فَرَحِي فِيكُمْ وَيُكْمَلَ فَرَحُكُمْ.» (يو 15: 10-11).
يتمّ مَنْحُ فرح المسيح، بشكلٍ خاص، لكلّ أتباعه الحقيقيّين في سرّ الإفخارستيّا. هذا السرّ يجعلنا واحدًا مع الله بالنّعمة، ويُعطينا، ما دُمنا في حياتنا الأرضيّة، نعمةً سماويّة وفردوسيّة. وإن لم نختبر هذه النعمة التي شعر بها قدّيسو الله، في الإفخارستيّا، يكون فقط بسبب تأمّلنا الضعيف في الوصايا المخلِّصة، وعدم رغبتنا بانقطاعنا عن الأهواء وإماتتها فينا.
بالتالي، يا أبنائي المحبوبين بالمسيح، فليكن عندنا إصرار ثابت في المعركة مع الأهواء حتّى إستئصالها، وليكن هذا الإصرار عنايتَنا الرّئيسيّة. عندها سنحيا مع المسيح، أي سنطبّق كلّ وصاياه بدون تَرَدُّد، وسنقتني ثَمَرها بينما لا نزال على الأرض، أي الفرح الإلهيّ المستَمَدّ من المصادر العديدة المبارَكة لكنيستنا الأرثوذكسيّة، خصوصًا من سرّ الإفخارستيّا.
سنختبر ملء هذا الفرح عبر إماتة أهوائنا وإتمام الوصايا الإلهيّة في الحياة الآتية، عندما سنتّحد أبديًّا مع الرَّب الذي مات وقام من أجلنا، من أجل نعمةٍ لا نهاية لها في ملكوته السّماوي، ألا تعطَّفَ الله علينا بها برحمته لنا نحن الخطأة. آمين.
المصدر:
آخر المواضيع
بَرَكَة صليبنا
الفئة : زمن التريودي المقدّس
في السلام بيننا
الفئة : زمن التريودي المقدّس
عظة في أحد الأرثوذكسيّة
الفئة : زمن التريودي المقدّس
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني