عظة في عيد البشارة
للقديس لوقا الطبيب أسقف سيمفربول
تعريب حنا سمّوع
تحتفل كنيستنا اليوم بثلاثة أحداث تاريخيّة مهمة. الأوّل بشارة والدة الإله الذي نحتفل به اليوم بكلّ محبة وفرح ورهبة أمام جلالة هذا الحدث المدعو "رأس" خلاصنا. وبعد تسعة أشهر من البشارة، يأتي الحدث الثاني المهم ألا وهو ولادة ربّنا يسوع المسيح بالجسد.
ذروة كمال خلاصنا كانت قيامة ربّنا يسوع المسيح بعد موته الرهيب على الصليب.
لم يظهر الملائكة القدّيسون مرة واحدة فحسب، بل عدّة مرّات. أُرسل رئيس الملائكة جبرائيل إلى الكاهن زكريا خلال خدمته في الهيكل قبل بشارة والدة الإله الفائقة القداسة بستّة أشهر، ليخبره أنّ منه سوف يولد الأعظمُ بين الرجال سابقُ الربّ يوحنّا.
يحمل رئيسُ الملائكة نفسه اليوم أيضًا الرسالةَ المفرحة إلى الفائقة القداسة مريم العذراء، حيث كانت تعيش بتواضع في بيت فقير ليوسف النجار.
كان حوارُ والدة الإله مقدّسًا جدًّا ومهيبًا، حيث أنّني لا أجرؤ بوصفه بكلماتي بل سوف أردد كلمات الإنجيل:
سَلَامٌ لَكِ أَيَّتُهَا (المُنْعَمُ عَلَيْهَا) المُمْتَلِئَةُ نِعْمَةً ! الرَّبُّ مَعَكِ. مُبَارَكَةٌ أَنْتِ فِي النّسَاءِ». فَلَمَّا رَأْتْهُ اضْطَرَبَتْ مِنْ كَلَامِهِ وَفَكَّرَتْ مَا عَسَى أَنْ تَكُونَ هَذِهِ التَّحِيَّةُ! فَقَالَ لَهَا المَلَاكُ: «لَا تَخَافِي يَا مَرْيَمُ لِأَنَّكِ قَدْ وَجَدْتِ نِعْمَةً عِنْدَ اللهِ. وَهَا أَنْتِ سَتَحْبَلِينَ وَتَلِدِينَ ابْنًا وَتُسَمّينَهُ يَسُوعَ. هَذَا يَكُونُ عَظِيمًا وَابْنَ العَلِيّ يُدْعَى وَيُعْطِيهِ الرَّبُّ الإِلَهُ كُرْسِيَّ دَاوُدَ أَبِيهِ وَيَمْلِكُ عَلَى بَيْتِ يَعْقُوبَ إِلَى الأَبَدِ وَلَا يَكُونُ لِمُلْكِهِ نِهَايَةٌ».
فَقَالَتْ مَرْيَمُ لِلمَلَاكِ: «كَيْفَ يَكُونُ هَذَا وَأَنَا لَسْتُ أَعْرِفُ رَجُلًا؟» فَأَجَابَ المَلَاكُ: «الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ العَلِيّ تُظَلّلُكِ، فَلِذَلِكَ أَيْضًا القُدُّوسُ المَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ. وَهُوَذَا أَلِيصَابَاتُ نَسِيبَتُكِ هِيَ أَيْضًا حُبْلَى بِابْنٍ فِي شَيْخُوخَتِهَا، وَهَذَا هُوَ الشَّهْرُ السَّادِسُ لِتِلْكَ المَدْعُوَّةِ عَاقِرًا لِأَنَّهُ لَيْسَ شَيْءٌ غَيْرَ مُمْكِنٍ لَدَى اللهِ». فَقَالَتْ مَرْيَمُ: «هُوَذَا أَنَا أَمَةُ الرَّبّ. لِيَكُنْ لِي كَقَوْلِكَ». فَمَضَى مِنْ عِنْدِهَا المَلَاكُ (لو1: 26-38).
لقد أخبرتكم في السنوات السّابقة العديد من الأمور حول هذا الحوار الفريد في تاريخ العالم أجمع، لكن الآن سوف أتوقّف عند كلام رئيس الملائكة:
"الرُّوحُ القُدُسُ يَحِلُّ عَلَيْكِ وَقُوَّةُ العَلِيّ تُظَلّلُكِ فَلِذَلِكَ أَيْضًا القُدُّوسُ المَوْلُودُ مِنْكِ يُدْعَى ابْنَ اللهِ".
لم يولد أحدٌ أبدًا منذ خلق العالم وحتّى نهايته، أو سوف يولد، كما ولد الإله الإنسان يسوع المسيح. لم يولد أحدٌ أبدًا من دون رجل، ولم ولن يولد أحدٌ أبدًا بالروح القدس. لم يسكن الروح القدس في أحد بشكل كامل كما سكن في مريم العذراء الفائقة القداسة. لم تسكن قوّةُ العليّ أبدًا في أحد، ولا تملك إمرأةٌ الطهارةَ والنعمةَ كالفائقة القداسة مريم العذراء.
إحفظوا في قلوبكم ما سوف أخبركم به حول الاتحاد الكليّ للطبيعة الإلهيّة مع الطبيعة البشريّة في مريم. بداية، نفس الإنسان وروحه هي في روح الله. يُخبرنا الإصحاح الثاني من سفر التكوين في العهد القديم كيف خلق الله الإنسان الأوّل آدم.
"وَجَبَلَ الرَّبُّ الإِلَهُ آدَمَ تُرَابًا مِنَ الأَرْضِ، وَنَفَخَ فِي أَنْفِهِ نَسَمَةَ حَيَاةٍ. فَصَارَ آدَمُ نَفْسًا حَيَّةً " (تك: 2: 7).
يمكن لروح الإنسان فقط أن تكون في شركة مع روح الله، بما أنّها تأتي منه، تمامًا كما هو الحال في الطبيعة حيث هناك تَواصُل حقيقيّ بين الأشياء المُتَعَلِّقة ببعضها البعض.
لقد تحدّث السيّد المسيح نفسه عن إمكانية الشركة مع الله حيث قال:
"أَجَابَ يَسُوعُ وَقَالَ لَهُ: "إِنْ أَحَبَّنِي أَحَدٌ يَحْفَظْ كَلَامِي، وَيُحِبُّهُ أَبِي، وَإِلَيْهِ نَأْتِي، وَعِنْدَهُ نَصْنَعُ مَنْزِلًا" (يو14: 23).
حتّى الرسول بولس يسأل بدهشة مسيحيّي كورنثوس:
"أَمَا تَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ هَيْكَلُ اللهِ، وَرُوحُ اللهِ يَسْكُنُ فِيكُمْ؟" (1كور. 3: 16)
نعلم من حياة القدّيسين ما هي الشركة الحقيقيّة مع الله لأنّهم عاشوا هذه الشركة. نحن نعلم أنّهم كانوا يسكنون في روح الله. مع ذلك، حتّى هذه الشركة العميقة مع الله لا يمكن أن تقارن مع الغبطة التي تحظى بها والدة الإله بعد حلول الروح القدس عليها لأنّه يتخطى حتّى الملائكة ورؤساء الملاكة.
لم يستطع هذا المسكين الهرطوقيّ نسطوريوس أن يفهمَ بل لم يرد ذلك، منذ أن ادّعى أن الفائقة القداسة والدة الإله، قد ولدت رجلا عاديًّا يسوع المسيح، الذي لاحقًا اتّحد بالله. لهذا السبب سمّى الفائقةَ القداسة مريمَ والدةَ يسوع وليس والدة الإله.
ولو كان لنسطوريوس شيء بسيط من الحقّ، لما كان ربُّنا يسوع المسيح ابن الله الإله-الإنسان، بل مجرّد واحد من القدّيسين العظماء الذين هم هياكل ومَساكِن للآب والابن بسبب محبّتهم اللامتناهية لله، وتطبيقهم لوصايا المسيح في حياتهم. ققد حَرَمَ المجمعُ المسكونيّ الثالث كما ترون نسطوريوس.
عند هذه النقطة، أستطيع أن أختم كلام مَديحي لعيد بشارة والدة الإله، لكن لا أريد أن أتغافل عن كلام رئيس الملائكة جبرائيل الذي يدخل في كلّ قلب نقيّ:
"إِفْرَحِي أَيَّتُهَا المُمْتَلِئَةُ نِعْمَةً الرَّبُّ مَعَكِ"
قولوا لي جميعكم، المتّحدون معي بالروح، هل نجد فرحًا أعظم وأنقى من هذا، الذي يُعطي إحساسًا بأنّ الربّ معنا، بأنّه يحبّنا، ولأنّنا نحفظ وصاياه، سوف يأتي مع أبيه الأزليّ ليسكن معنا!
ليجعلنا ربّنا وإلهنا يسوع المسيح مستحقّين هذا الفرح والسرور العظيم، بشفاعة الفائقة القداسة والكلية الطهر العذراء مريم. آمين.
https://www.johnsanidopoulos.com/2015/03/homily-on-annunciation-by-st-luke-of.html
آخر المواضيع
عظةٌ في رقاد والدة الإله
الفئة : أعياد سيديّة
إِجلالُ والدة الإله، وإكرامُها
الفئة : أعياد سيديّة
مع اقترابِنا من ميلاد المسيح
الفئة : أعياد سيديّة
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني