«...وامتلأوا جميعاً من الروح القدس»
القديس بورفيريوس الكافسوكاليفي
ترجمة: ماهر سلوم
فاضَتْ نعمة الله يوم العنصرة، ليس على الرسل فحسب، بل على جميع الناس الذين كانوا حَوْلَهُم. أثّرَتْ على المؤمنين وغير المؤمنين. إسمعوا ما يقول الرسول في أعمال الرسل: “وَلَمَّا حَضَرَ يَوْمُ ٱلْخَمْسِينَ كَانَ ٱلْجَمِيعُ مَعًا بِنَفْسٍ وَاحِدَةٍ، وَصَارَ بَغْتَةً مِنَ ٱلسَّمَاءِ صَوْتٌ كَمَا مِنْ هُبُوبِ رِيحٍ عَاصِفَةٍ وَمَلَأَ كُلَّ ٱلْبَيْتِ حَيْثُ كَانُوا جَالِسِينَ، وَظَهَرَتْ لَهُمْ أَلْسِنَةٌ مُنْقَسِمَةٌ كَأَنَّهَا مِنْ نَارٍ وَٱسْتَقَرَّتْ عَلَى كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ. وَٱمْتَلَأَ ٱلْجَمِيعُ مِنَ ٱلرُّوحِ ٱلْقُدُسِ، وَٱبْتَدَأُوا يَتَكَلَّمُونَ بِأَلْسِنَةٍ أُخْرَى كَمَا أَعْطَاهُمُ ٱلرُّوحُ أَنْ يَنْطِقُوا. وَكَانَ يَهُودٌ رِجَالٌ أَتْقِيَاءُ مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ تَحْتَ ٱلسَّمَاءِ سَاكِنِينَ فِي أُورُشَلِيمَ. فَلَمَّا صَارَ هَذَا ٱلصَّوْتُ، ٱجْتَمَعَ ٱلْجُمْهُورُ وَتَحَيَّرُوا، لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ كَانَ يَسْمَعُهُمْ يَتَكَلَّمُونَ بِلُغَتِهِ.” (أعمال 1:2-6).
فيما كان بطرس يتكلّم بَلُغَتِه، كانت اللغة تتحوّل للوقت في ذهن السامعين. جَعَلَهُم الروح القدس يفهمون كلماتِه بِلُغَتِهم بطريقة عجيبة، سِرّية، غير مُدْرَكَة. تحصل عجائب كهذه بفعل الروح القدس. على سبيل المثال، كلمة "بيت” يسمعها ناطقٌ باللغة الفرنسية "maison”. لقد كان ذلك نوعٌ من موهبة الذهن الصافي؛ لقد سمعوا لُغَتَهُم الأم. وصل صوت الكلمات لآذانهم، لكن في ذهنهم، ومن خلال استنارة إلهيّة، سُمِعَت الكلمات بِلُغَتِهِم الأم. لا يُظهِر آباء الكنيسة هذا التفسير عن العنصرة بوضوح، يتخوّفون من تَحْوير السر. الأمر ذاته ينطبق على رؤيا القديس يوحنا. لا يمكن لعديمي الخبرة أن يفهموا معنى أسرار الله.
نقرأ بعد هذا بقليل "وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ.” (أعمال 43:2). هذا ’الخوف’ ليس خوفاً تماماً كما نفهم. هو شيء آخر، شيء غريب، شيء غير مُدْرَك، شيء… شيء لا يمكننا وَصْفُه. لقد كان رَهْبَةً، شعوراً بالإمتلاء، كان نعمةً. كان شيئاً مملوءاً بالنعمة الإلهيّة. وَجَدَ الناس أنفسهم في العنصرة في حال كهذه من استيعاب الله حتى غَلَبَهم التشوّش. فحين ظلّلتهم النعمة الإلهية، جَعَلَتْهُم مجانين – بمعنى إيجابي – لقد حَمَّسَتْهُم ومَلَأَتْهُم بالله. لقد أثّر هذا عَلَيَّ شخصيّاً. كان هذا ما أُسَمّيه أحياناً ’حالة’. لقد كان حَماساً، حالة جنون روحيّ.
“وَإِذْ هُمْ يَكْسِرُونَ ٱلْخُبْزَ فِي ٱلْبُيُوتِ، كَانُوا يَتَنَاوَلُونَ ٱلطَّعَامَ بِٱبْتِهَاجٍ وَبَسَاطَةِ قَلْبٍ، مُسَبِّحِينَ ٱللهَ، وَلَهُمْ نِعْمَةٌ لَدَى جَمِيعِ ٱلشَّعْبِ. وَكَانَ ٱلرَّبُّ كُلَّ يَوْمٍ يَضُمُّ إِلَى ٱلْكَنِيسَةِ ٱلَّذِينَ يَخْلُصُونَ. ” (أعمال 46:2-47)
كان "كسر الخبز” هو المناولة الإلهية. وتَزايَدَ عدد المُخَلَّصين باستمرار، إذ شاهد الشعب جميع المسيحيّين في حالة ’فرح عظيم وبساطة قلب’ و’مسبِّحين الله’. إن ’الفرح العظيم وبساطة القلب’ هو مثل الآية ’وَصَارَ خَوْفٌ فِي كُلِّ نَفْسٍ’. هو حماس وأيضاً جنون. عندما أختبرُ هذا، أشعرُ به وأبكي. أذهبُ إلى الحدث، أختبرُهُ، أشعرُ به وأمتلئ بالحماس وأبكي. هذه نعمة إلهيّة. هذا حبٌّ للمسيح أيضاً.
ما اختبره الرسل في ما بينهم عندما شعروا بهذا الفرح العظيم حصل لجميع الذين كانوا تحت غرفة العُلْيا. أَحَبّوا بعضَهم بعضاً، فرحوا ببعضِهم البعض: إتّحد الواحد بالآخر. هذه الخبرة تشعّ للخارج فيختبرها الآخرون.
“وَكَانَ لِجُمْهُورِ ٱلَّذِينَ آمَنُوا قَلْبٌ وَاحِدٌ وَنَفْسٌ وَاحِدَةٌ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يَقُولُ إِنَّ شَيْئًا مِنْ أَمْوَالِهِ لَهُ، بَلْ كَانَ عِنْدَهُمْ كُلُّ شَيْءٍ مُشْتَرَكًا. ” (أعمال 32:4). يتكلّم أعمال الرسل عن حياة شركة. هنا يكمن سر المسيح. هذه هي الكنيسة. أفضل كلام عن الكنيسة الأولى موجود هنا.
المرجع:
“Wounded by Love, The Life and Wisdom of Saint Porphyrios”, Translated from Greek by Fr. John Raffan, Published by Denise Harvey, Limni, Evia, Greece, (2008) pages 92-93.
آخر المواضيع
عظة في نقل رفات القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت
اِعتراف الإيمان الأرثوذكسي كمِعيار إكلزيولوجيّ أساسيّ، بحسب القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت
الخدم الإلهيّة الأرثوذكسيّة
الفئة : لاهوت
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني