الغاية من وجود الإنسان
من الشخصية الاجتماعية المعاصرة إلى الشخص
عند القدّيس غريغوريوس بالاماس
للشيخ أفرام الفاتوبيذي
تعريب رولا الحاج
تنقيح راهبات دير سيدة كفتون
إنّ لاهوت الشخص، كما تمّ كشفه في التقليد النسكيّ الهدوئيّ، هو أهمّ برهان يناقض الفرديّة ونسبيّة القيَم في المجتمع المعاصر. ليست الطريقة النسكيّة الّتي تعتمد الدخول في الذات والهدوئيّة (hesychia) طَرحًا نفسيًّا ، بل هي الطريقة الأصيلة والوحيدة لتحويل "القناع المقيت" إلى شخص.
لا بدّ من الإشارة إلى أنّ لاهوت القرن الحادي والعشرين سوف يتميّز باهتمامات أنثروبولوجيّة[1]. فإن كنّا مقصّرين في استخدام الحقائق الأنثروبولوجيّة في مجال اللاهوت اليوم، ماذا نقول عن ميادين الفلسفة، والفكر والعلوم الإجتماعيّة والإنسانيّة.
إنّ أعضاء المجتمع المعاصر اليوم يجهلون ما هو الشخص. ما يعيشونه ويبرزونه هو قناع الشخصيّة الاجتماعيّة persona . ما هو القناع؟ إنّه وجه مستعار استخدمه الممثّلون في حضارة الإغريق ليتمكّنوا من أداء أدوارٍ عدّة - شخصيّات- على المسرح. إذًا، ليس هذا القناع حقيقيًّا بل مصطنعًا، إنّه حقيقة وهميّة إن أردنا استخدام مصطلح تقنيّ حديث. علينا أن ننزع هذا القناع الزائف ونستبدله بالوجه الحقيقيّ الذي هو في هذه الحالة الشخص person.
لم يُعطِ آباء الكنيسة تعريفًا للشخص. ولكنّهم استخدموا هذا المصطلح للإشارة إلى عظمة الإنسان وقيمته الكبيرة. يكتب باسيليوس الكبير أنّ الأشخاص هم الحيوانات الوحيدة الّتي من صنع الله[2]. ويقول القدّيس غريغوريوس اللاهوتيّ إنّ الله صنع مخلوقًا- الإنسان- هو مزيجٌ من الطبيعة المنظورة وغير المنظورة، والذي هو كونٌ آخَر، «عالم عظيم مصغّر»[3]. ويشدّد القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم على أنّ «الشخص هو أفضل ما أتقن الله من المخلوقات الحيّة»[4].
إنّ البشر هم ذروة الخليقة، والتوق نحو الكمال هو فطريّ لديهم. يمكن ملاحظة هذا الأمر خلال القيام بأيّ نشاط أكاديميّ، أو فنّ، أو مهنة. يحاول الناس، بقدر ما يستطيعون، أن يبلغوا الكمال حتّى في أنشطتهم اليوميّة. وهذا الأمر دليل على القدرة التي منحنا إيّاها الله من أجل كمالنا الشخصيّ واكتمال كياننا النفسيّ الجسديّ
في العالم المخلوق، ليس أسمى منّا نحن البشر. «فأدنى مراتب المخلوقات، رغم بعض الملَكات العقليّة لديها، لا تملك هدفًا مستقلاًّ بل إنّ الغاية منها التمهيد المادّيّ لوجود الجنس البشريّ. أمّا البشر فيتوقون إلى حقيقة شخصيّة غير محدودة (الله) تسمو عليهم ويمكنها أن تغذّيهم إلى ما لا نهاية. إنّها حقيقة لا يمكنهم امتلاكها، لأنّ قدرتهم محدودة، ولكنّهم لن يذوبوا فيها»[5]. إن هذا الإله الشخصيّ هو الذي يمنح وجودنا معنًى وهدفًا. وتستطيع طبيعتنا البشريّة، بأقانيمها (أشخاصها) التي لا تعدّ ولا تحصى، التواصل وأشخاص الثالوث القدوس المتمايزة والمتبادلة داخليًّا من خلال القوى الإلهيّة.
بالتوافق والآباء القدّيسين لا يعطينا الشيخ الراحل صوفروني تعريفًا للشخص. والأهمّ في لاهوته النسكيّ هو تأكيده أنّ الشخص موجود، ممّا يقوده إلى وصف قدراته. لا يمكن تعريف الشخص، ولكن يمكن تحديد ميزاته، حيويًّا ووجوديًّا، عبر إظهار قواه[6]. يظهر الشخص الجاثم في «إِنْسَانَ الْقَلْبِ الْخَفِيَّ»[7] عندما يكتشف هذا الكائن، بنعمة الله، ميدان القلب، أي جوهر كياننا.
إنّ للقدّيس غريغوريوس بالاماس كلام مهمٌّ وهو زبدة هذا المقال: عندما يبتعد الذهن، أي العقل الأعلى، عن كلّ الأمور المرئيّة من خلال ممارسة النسك الأرثوذكسيّ، ويرتفع فوق الإضطرابات الناجمة عن الإهتمام بالأمور الماديّة، ويراقب عوضًا عن ذلك الكيان الداخليّ، سيرى «القناع المقيت»، وهو القناع البشع الشنيع الناتج عن التعلّق بالشؤون الدنيويّة بدافع الأهواء، والمغتذي والمتضخّم بالخطيئة. إذًا، يسارع الذهن إلى تنقيّة هذا القناع بالنوح والتوبة، ساعيًا إلى إزالة النقاب القبيح بالنسك وحفظ وصايا الله. ويتابع القدّيس غريغوريوس قائلاً إنّ الروح لا تعود تتشتت بفعل تنوّع الخطيئة، فتكتشف سلام قواها النفسيّة وتناغم العقل والهدوء الداخليّ الحقيقيّ، وبالتالي تتمكّن من معرفة الله ومعرفة ذاتها أكثر[8]. ثمّ يتحوّل «القناع البغيض» إلى وجهٍ، والشخصيّة الإجتماعيّة إلى شخص، على صورة شخص المسيح، المتأنس، الحقيقيّ والأزليّ ووجهه.
الإنسان المعاصر وشخصيّته الإجتماعيّة
مهما تتغيّر الأزمنة سياسيًّا وثقافيًّا واجتماعيًّا، يبقى الناس في الجوهر على حالهم، وتبقى صورة الله فيهم متعذّر محوها وقد غلب عليها القتام. بعد سقوط آدم وحوّاء، أمسَت الخطيئة والأهواء الشرّيرة قيد المحاربة أو مسيطرة على الانسان، وفقًا لحالة الناس بين متيقّظٍ محارب أو خاضع لغوايتها مسرع إلى إرضائها مشجّع لها، وأعني بهذه الأهواء حبّ اللذة، والمجون، والغرور، والكبرياء، والكراهية، والحقد، والغضب، والإنفعال، والإدانة، والطمع، والجشع، والشراهة، والنفاق. ومع ذلك، لا نلقى في أيّ وقت من الأوقات قبولاً اجتماعيًّا وتشريعًا للخطيئة كما هو الحال في أيّامنا هذه.
لعلّ أهمّ إنعكاس للظروف الماضية هو ظهور الفرد. ولعلّها المرّة الأولى في التاريخ، قد اكتسب الأفراد قيمتهم الخاصّة، وحقّهم الخاصّ بالوجود واستقلالهم الخاصّ. وللمرّة الأولى، بلغوا هذا القدر من الأهميّة والشأن بحيث تفوّقوا على الجماعة، وعلى المجموع العامّ من المؤسّسات الوراثيّة والقيم الجماعيّة الثقافيّة، وبالطبع على الكنيسة[9]. كثيرون يدّعون أننا نعيش في مجتمع معاصر يتميّز بالتهشّم والامتلاء ونسبيّة القيَم وغياب التعقّل والميل إلى الابتعاد عن المجتمع والرغبة المتشائمة في انتهاء التاريخ والعالم، بصرف النظر عن استقلاليّة الفرد الموروثة من روح الحداثة. كان الشعار الأساسيّ للحداثة جملة نيتشه المعروفة «الله مات». ومع أنّنا قد نشهد «عودة إلى الله» في الحقبة المعاصرة، كما نشهد تجيدًا للعواطف الدينيّة وإحياءً لها، إلاّ أنّ شعارات مثل «عليك أن تتمتّع» و«كلّ شيء مسموح» هي التي تهيمن وتسود. ويظهر من خلال الأنظمة التوفيقيّة في الفلسفة والسياسة اوعلم الاجتماع والدين في أيّامنا أنّ الناس مجرّد وحدات بيولوجيّة لا أكثر. ففي هذه الحقبة وهذا والمجتمع المعاصر، يقتدي الناس بالنجم الإعلاميّ والممثّل، بينما كان العالم هو القدوة في العصر الحديث، والقدّيس في العصور التراثيّ. كانت الروح محور جاذبيّة الإنسان في العصور التراثيّة، والعقل في العصر الحديث، والجسد في أيّامنا هذه. اليوم، يريد الإنسان المعاصر أن يكتسب المعلومات، بينما طلبَ الإنسان الحديث المعرفة، والإنسان التراثيّ الحكمة.
إنّ أخلاقيّات علم الأحياء الخاضعة للعولمة في أيّامنا والمعبّرة عن تنوّع غير أخلاقيّ معاصر هي من عمل أشخاص يعطون الصلاحيّات لأنفسهم، وهم فارغون، منغلقون في غرورهم بإحكام، عاشقون للمتعة ومتشائمون. ورغم دهائهم، فهم لا يعرفون ما هو الشخص، فلا استغلّوا إمكاناتهم الحقيقيّة التي تتجاوز إلى حدّ بعيد حدود الحياة على الأرض، ولا اكتشفوا الأبعاد الأبديّة التي تخصّنا وجوديًّا نحن البشر. لذا نلحظ من خلال هذه المقارنات الموجزة أنّ الناس اليوم في تخلُّف، وقد استخفّوا بقيمة حياتهم ومعناها. بكلام آخر، لقد اكتسب الناس اليوم قناعًا وصورة شخصيّة اجتماعيّة معاديين بعمق. وإنّما التخلّص من هذا القناع وتحويله إلى وجه بشريّ يتطلّب جهادًا مريرًا.
وعلى الرغم من أنّ المسيحيّين الأرثوذكسيّين هم «غُرَبَاءَ وَنُزَلاَءَ»[10] في هذا العالم، حتّى ولو أنّ «سِيرَتَهُم هِيَ فِي السَّمَاوَاتِ»[11]، فما زالوا يحبّون في العالم على مرّ التاريخ. لا يمكنهم أن يسخروا ممّا يحصل في المجالات السياسيّة والإجتماعيّة والثقافيّة، على النطاق العالميّ، لأنّ كلّ هذه الأمور تؤثّر على حياتهم. من وجهة نظرنا، أنّ الناس المستعبدين للأهواء والمشوّشين ازاء معنى الحياة في هذه الأيّام بحاجة أمسّ من قبل إلى التّحرّر من هذه الحالة الشاذّة والمقزّزة والهائجة.
التشديد على الشخص في التقليد الهدوئيّ النسكيّ
إنّ العلاج الموصوف من أجل استتباب حالتنا الطبيعيّة، حيث نستعيد ذلك «الجمال الأوّل والبعيد المنال»[12]، يكمن في«الخبرة الهدوئيّة» التي يشير إليها القدّيس غريغوريوس بالاماس كـ«فنّ الفنون»[13]. وتُدعى طريقة العيش بهدوء هذه «هدوئيّة»، (hesychasm) في مصطلح الآباء. ليست الهدوئيّة نزعة لاهوتيّة ظهرت في القرن الرابع عشر متّخذة القدّيس غريغوريوس بالاماس نصيرها الأساسيّ، بل الطريق التقليديّ للتّأله والقداسة[14]. تُحسَب الهدوئيّة جوهر التقليد الأرثوذكسيّ، وهو التقليد الذي يصون خبرة الروح القدس واستمراريّة العنصرة. فهذه الأخيرة تتوسّع تحت إشراف التقليد ولكن تعيقها الشكليّات والمبادئ المحافظة عند مَن لا يعرفها.
ليس الرهبان والّذين ابتعدوا عن العالم هم وحدهم من يعيشون الهدوئيّة. فالهدوئيّة هي حالة داخليّة، إنّها «سكنى متواصلة في الله ونقاوة الذهن». الهدوئيّة هي الطريقة لظهور عالم القلب، أي مركز وجودنا الذي يمكن تسميته شخصَنا. إنّها الطريقة الوحيدة التي يتمكّن الناس من خلالها أن يولدوا روحيًّا من جديد ويبرزوا أقنومهم الشخصيّ. فمن دون هذا التدريب الهدوئيّ، لا معنى لعيش أسرار الكنيسة، لأنّه يمكن أن يقود إلى الهلاك بمقدار ما يؤول إلى الخلاص.
على الناس أن يتخلّصوا من الشخصيّة الإجتماعيّة اللابسة قناع الأهواء، ويصبحوا أشخاصًا ذات وجهٍ بشريّ. ويجب أن تصبح تنقية القلب من الأهواء أولويّتهم في الحياة. في هذا الجهاد، يجب ألاّ يحاولوا التزام مناقب خارجيّة، بل عليهم خوض الصراع بطريقة تتمحور حول المسيح، مركّزين أفكارهم عليه. فإذ يتطعّمون في جسد المسيح، أي الكنيسة، لا سيّما من خلال أسرار المعموديّة والإعتراف والإفخاريستيّا، يصبحون أقنومًا كنسيًّا[15] - عمليًّا لم يصيروا أشخاصًا بعد - ويخوضون عمل التوبة بكلّ ما فيهم من إرادة. يشير القدّيس غريغوريوس بالاماس إلى أنّ التهيئة للتوبة والبدء بها هو اللوم الذاتيّ والإعتراف وتجنب الشّر[16]. ولتكتمل التوبة، يجب أن تجتمع هذه العناصر الثلاثة. إذا صلّى الناس بانسحاق ولوم ذاتيّ أمام الله ووعدوا بالإمتناع عن الخطيئة، من غير أن يمارسوا سرّ الإعتراف، فتوبتهم وجهادهم باطلان. يشير القدّيس غريغوريوس إلى أنّ: «الّذين يخطئون أمام الله، مهما يمتنعوا بعد ذلك عن الخطيئة، ويوازونها بأعمال توبة، لا يشعرون بالمغفرة في نفوسهم إلاّ إذا قصدوا أحد الّذين أعطاهم الله سلطة لمغفرة الخطايا ونالوا منه الغفران»[17]. بهذه الطريقة، يخوضون «جهادًا شرعيًّا» وينتبهون إلى عدم تعزيز الأهواء عبر الخطايا الإراديّة أو الاستسلام للأفكار الشرّيرة، لأنّ الأهواء حركة غير طبيعيّة من حركات الروح. وعندما لا تعمل طاقات الروح، أي الرغبة والعاطفة والعقل، بشكل طبيعيّ بل بخلاف الطبيعة، تنمو الأهواء الموافقة لها. وتتمّ التنقية من هذه الأهواء بواسطة التمرّس على الفضائل المناسبة، ووفقًا لبالاماس، يبدأ الشفاء من الرغبة[18]. إذًا نضع حدودًا للرغبات بدلاً من الإستسلام للملذّات والجشع، ونطبّق المحبّة على مشاعرنا بدلاً من الخبث والغضب، واليقظة والصلاة على العقل بدلاً من قلّة الإنتباه والجهل[19].
تنقية الأهواء من خلال الصلاة القلبيّة
يغذّي المؤمنون طاقتهم العقليّة بصلاة يسوع: «أيّها الربّ يسوع المسيح، إرحمني». عندما يتعاقب اسم المسيح في ذهن المؤمن، يزوّدهم باستنارة إلهيّة فيميّزون الأفكار التي تحرّض على الخطيئة الطوعيّة ويكونون قادرين على قتلها منذ الولادة[20]، أي قبل أن تتخذ شكل صورٍ محرّضة. ذلك أنّ الأهواء، ما لم يتمّ تفعيلها، تموت تدريجيًّا بمؤازرة النعمة الإلهيّة، أو تتحوّل كما شرح بالاماس. عندما تبدأ عمليّة إماتة الأهواء أو تحوّلها، يؤول المؤمنون إلى حالة التأمّل، وهناك، عند «عرش النعمة، أي القلب»[21]، يكتشفون قوّة أخرى كامنة فيهم، قوّة المعرفة المباشرة[22]. ثمّ يحدث اتّحاد العقل بالقلب. ولعلّ الذهن هو الموضوع الرئيس في الأنثروبولوجيا النسكيّة، كما أنّ تمييزه هو الأصعب بالنسبة لغير الروحانيّين، أي الدنيويّن[23]. كثيرون من الآباء يحيطون الذهن بالوصف، ويحسبونه عمومًا قوّة الروح أو عينها. إلاّ أنّ القدّيس بالاماس يعرّف عن الذهن وعن وظائفه بطريقة فريدة دقيقة تكشف المكنونات، حيث إنّه يُعِدُّ الذهنَ مادّة مكتفئة ذاتيًّا وناشطة جدًّا[24]. والذهن يقصّر في وظيفته الأساسيّة ويخسر قيمته عندما ينحدّ بالإدراك، الذي تفعّله روح دنيويّة متمركزة في الدماغ[25]. إنّ ذهننا له مادّة وطاقة. إنّ طاقة المعرفة المباشرة، وهي مشتّتة نحو الخارج من خلال العواطف، ومخلوطة في الدّاخل بالمنطق، فيجب أن تعود إلى مادّة الذهن المتمركزة في القلب، أي إلى العضو الجسديّ الأوّل[26]. وتتأثّر هذه العودة بالصلاة. عندما يواظب المسيحيّون من خلال التوبة في هذه الحالة من الصلاة، يرسل لهم الله موهبة الصلاة القلبيّة. وعندما يجد العقلُ القلبَ ويسكن فيه كما لو أنه موضع صلاة مريح، يمكننا أن نقول إنّ الإنسان يصلّي مباشرةً، من القلب، بنقاءٍ- والمصطلحات متشابهة. عندما تنشط الصلاة في القلب من خلال قوّة الإدراك المباشر، يصبح المرء في حالة الصلاة غير المنقطعة، وبالتالي نطبّق وصيّة القدّيس بولس أن «نصلّي بلا انقطاع»[27]. فالّذين نالوا موهبة الصلاة غير المنقطعة يستطيعون تلاوة صلاة القلب، أي ذكر الربّ يسوع في القلب، أثناء القيام بأعمالهم مع الآخرين، أو العمل أو الدرس، وفي المبدأ يتابعون حياةً عاديّة وطبيعيّة. كما يمكن أيضًا أن يتمّ هذا الأمر في «العالم». ويدلّ اكتشاف قوّة المعرفة المباشرة هذه على خبرة التواصل مع الله. فهذه القوّة هي الحبل السريّ الذي يصل المؤمن بالنعمة ويغذّيه روحيًّا.
ومع القوّة الملموسة للصلاة القلبيّة، يختبر الناس الهدوء الصفاء، ويبدأون يعيشون تحريرهم من الأهواء الشريرة، وهذه هي الحريّة الحقيقيّة. وتعزّز ذكرى الله الشوق الإلهيّ ومحبّة الإنسان لقريبه وتزيدهما. فكما يشدّد بالاماس في عظاته، محبّة الآخرين هي نتيجة محبّة الله، وإنّ فحص الذات الحقيقيّ يؤول إلى علاقات اجتماعيّة ملأى بالاتضاع والمودّة ويشجّعها. وفي حالة الإستنارة الدائمة والكاملة بعد فترة طويلة من الإنسحاب أو التواري وفقًا لتدبير الله في تدريبنا[28]- وهي أعظم استيعاب ممكن لموهبة النعمة الإلهيّة، تكتسب كلّ قُوانا الروحيّة والجسديّة وظيفتها الطبيعيّة، كما رسمها الله.
يختبر أشخاص كهؤلاء النعمة كالنور، كشعلة ناعمة في قلوبهم. ويسود السلام الرائع والعذوبة في أرواحهم وأجسادهم. إنّ الموقفان الأساسيّان في تعليم القدّيس غريغوريوس بالاماس، الذي رفض الأنثروبولوجيا والنظريّة الأفلاطونيّة الجديدة، كما عبّر عنها برلعام هما أنّ «الجسد تبنّى بطريقة ما النعمة الإلهيّة الناشطة في عقلنا»[29] وأنّ «قوى الروح والجسد مشتركة»[30]. ويمنحهم النور غير المخلوق، الذي لم يشاهدوه بعد، معرفة مذهلة[31]، أكيدة ولا يمكن دحضها، وغالبًا ما يكون فكرهم رهينة «الرؤى» الرائعة مثل الكشف عن أسرار الله الفائقة[32]. وليس استنارة العقل نتيجة دراسة أو تعليمات، بل مشاركة شخصيّة في معرفة الله غير المخلوقة.
إنّ الّذين يجاهدون، ويستمرّون في توبتهم، ويعتمدون على صلاة يسوع النقيّة، يهيّئون قلوبهم ليتمكّنوا من تلقّي رؤيا النور غير المخلوق، و«قوّة الروح الإلهيّ... إلى حدّ توقّف كلّ نشاط ذهنيّ»[33]، حيث «يتأمّلون مجد طبيعتهم المقدّسة، متى وجدهم الله أهلاً لقبول الأسرار الروحيّة»[34]، كما حسب تعبير القدّيس بالاماس، وليس عندما يرغبون هم بها. ومع مشاهدة النور غير المخلوق، يختبر المسيحيّون حقيقة التألّه، أي مشاهدة الله المباشرة[35]، إلاّ أنّ هذه المشاهدة لا تنتهي، بل هي في تقدّم مستمرّ. لهذا السبب «مشاهدة الوميض شيء، فيما مشاهدة النور أمر آخر»[36]. وفقًا للقدّيس غريغوريوس بالاماس، إنّ التألّه أو تمجيد الإنسان أمر يتخطّى العقل البشريّ، ولا يمكن شرحه بطريقة منطقيّة، ولا يمكن وصفه حتّى من الّذين يختبرونه[37]. وليس جوهر الله الخالص وحده يتخطّى الفهم، بل أيضًا القوى غير المخلوقة، حتّى ولو شارك فيها الناس بطريقة ما.
ضرورة الجهاد النسكيّ للّذين يعيشون في العالم
يجدر بنا أن نذكر هنا بعض إرشادات هذه المنارة الأرثوذكسيّة، وهي مأخوذة من عظتين لمناسبة عيد تجلّي المسيح. «علينا أن نؤمن، كما علّمنا أولئك الّذين أنارهم الله واختبروا هذه المسائل... بناءً على تعاليمهم، هيّا نمضي قدمًا نحو بريق ذلك النور»[38]. يتضح هنا أنّه يطلب منّا التقدّم نحو ذلك النور، يعني رؤيا النور غير المخلوق، «البهاء الذي من خلاله يتواصل الله والّذين يستحقّونه»[39]. هذه الرؤيا، التي هي خبرة النعمة الإلهيّة، ليست من الكماليّات في حياتنا، بل هي هدف وجودنا. إن استنفدنا قوانا على المستويات المتدنّية من الحياة الروحيّة ، حيث نبلغ علاقة مع الله لا تتعدّى العقل، نبقى في الأمور الخُلُقيّة والفكريّة. ويتابع بالاماس قائلاً: «عندما نحبّ جمال المجد الذي لا تشوبه شائبة، نطهّر بذلك بصيرة أرواحنا من الأفكار الدنيويّة، طاردين كلّ ما هو متعة وجمال غير دائمَين»[40]. «سوف ننزع أرديتنا الجلديّة، التي هي طريقة تفكيرنا الأرضيّة والدنيويّة، وسنقف على الأرض المقدّسة، أي الجهاد من أجل الطهارة وتوجيه نظرنا نحو الله. عندما نحصل على ضمانة كهذه، يأتي نور الله إلينا ونستنير ونصبح خالدين في مجد شمس الإله الثالوث وضيائه[41]. ومن جهة أخرى، إذا تابعنا نحو الطريق الرحبة، فمهما تبدو في البدء عذبة وجذّابة، إلاّ أنها تسبّب الألم الأبديّ لأنها تكسو الروح بأردية الخطيئة القبيحة»[42]. وإن لم نلبس أردية المجد الإلهيّ، لن نتمكّن من حضور «العرس السماويّ»، بل سوف نُساق إلى «النار والظلمة الخارجيّة»[43].
ما يهمّ ذكرُه هو أنّ القدّيس غريغوريوس لم يلقِ بهذه المواعظ، الدّاعية إلى إزالة الأفكار الدنيويّة وتطهير القلب وتسديد خطواتنا نحو الله، لمجموعة من الرهبان، بل لأهل تسالونيكي، المتزوّجين وغير المتزوّجين، ليشير إلى أنّ هذه هي الطريق التي يجب أن نسلكها جميعًا لنبلغ «بالإحساس وبما يتجاوز الإحساس، النورَ الإلهيّ الفائق الوصف، غير المدرك، غير المادّيّ، وغير المخلوق، والمؤلِّه، والسرمديّ، ذا الطبيعة الإلهيّة، ومجد الألوهيّة، وروعة الملكوت السماويّ»[44].
في حياة القدّيس غريغوريوس بالاماس أيضًا حادثة تتعلّق بما سبق وذكرناه مسبقًا. عندما كان في إسقيط فيريا Veria، دار حديث مشوّق بينه وبين ناسكٍ فاضل يُدعى أيّوب، في ما يخصّ ممارسة الصلاة القلبيّة للعائشين في العالم. وفيما حثَّ القدّيس المسيحيّين على تلاوة الصلاة بينما كان لأّيوب رأي آخر، إلى أن ظهر له ملاك الرّبّ وأكّد أنّ تعاليم غريغوريوس من وحي الله، وهي ضروريّة من أجل لاهوت الكنيسة الرعويّ[45].
التألّه، هدف الوجود البشريّ
وفقًا للآباء، فإنّ التأله أو التمجيد ليس حدثًا روحيًّا، بل حالة وجوديّة. فالطبيعة الإنسانيّة المخلوقة متحّدة، و"معجونة"، بالله الثالوث، من خلال القوى غير المخلوقة ولكن ليس في الجوهر[46]. «كان التألّه، منذ البداية، رغبة الوجود البشريّ الباطنية. وعندما حاول آدم أن يختلسه عبر انتهاك وصيّة الله، فشل ووجد الإنحلال والموت بدلاً من طموحه. إلاّ أنّ محبّة الله، من خلال تجسّد ابنه، أعطتنا القدرة على التأله مجدّدًا»[47].
الأشخاص الّذين لا يُسلّمون بتعليم القدّيس غريغوريوس بالاماس الهدوئيّ، في تعبيره عن التجربة الروحيّة الحقيقيّة الكامنة في الأرثوذكسيّة، أي الطريق لإيجاد الشخص في الإنسان، لا يُظهِرون وجهة نظر أرثوذكسيّة للكنيسة. فالهدوئيّة فعلٌ وليست جمود[48]. إنّها حالة روحيّة داخليّة. في البدء، تتطلّب صراعًا مضنيًا مع الأهواء، ولكن يعقبه حياة روحيّة حقيقيّة واتّحاد بالمسيح في عالم القلب، حيث يبرز الإنسان، أي الأقنوم. عندئذ يقتني الناس صلاةً أقنوميّة، صلاة من أجل خلاص العالم بكامله، ويعيشون باتّحاد وحبّ بعضهم لبعض ولله، وذلك عبر «طمأنينة حقيقيّة» يصفها بالاماس بأنّها «الكمال ما بعد الكمال»[49]. وفي المرحلة الأخيرة من التألّه، الّذي «يتجاوز تعبير الكلام»، يتمتّعون ويشاركون في الغبطة الإلهيّة، براحة وسكون.
يعيش الناس اليوم حياتهم بحيث ليس من وقت للصلاة «ليكونوا هادئين ويعرفوا الله»[50]. فمع وسائل التواصل والتنقّل الحديث، يمكننا أن نكون في اتّصال مباشر مع كثيرين من الناس، وفي وقت أقلّ من قبل بكثير. نعرف كثيرين من الناس ونتواصل وإيّاهم، ولكننا في النهاية لا نعرف أنفسنا. وتعزى خيبة الأمل هذه، وهذا الفراغ الوجوديّ، وهذه الوحدة التي يشعر بها الأشخاص اليوم، بشكل كبير إلى الواقع أنّنا لا نعرف كيف نصلّي، ولا نكرّس وقتًا للصلاة في النهار أو الليل. فوجودنا ينمو من خلال الصلاة، ونحتضن العالم بأسره. الصلاة مفقودة من العالم، ولهذا السبب هو الآن في حالة مثيرة للشفقة.
قيمة الإنسان
رغم أنّ الناس مخلوقون ومحدودون، يمكنهم أن يتواصلوا مع الله غير المخلوق وغير المحدود من خلال الصلاة. يتمكّن الناس المخلوقون، من خلال قوى الله غير المخلوقة، أن يحصلوا على غير المخلوق، على الحياة الإلهيّة، ليصبحوا مثل الله بالنعمة، ولكن ليس تمامًا في الجوهر. ويمكن لكلّ إنسان تحقيق هذا الإتّحاد، هذه العلاقة الشخصيّة مع الله، لأنه في شخص المسيح، اتّحدت الطبيعة الإلهيّة الكاملة بالطبيعة البشريّة الكاملة وغير القابلة للتجزئة وغير المختلطة أقنوميًّا. ونرى أنه كما قال الشيخ صوفروني المغبوط، فإنّ الله لا يعامل شعبه كأجسام أو عبيد، بل كأشخاص حقيقيّين[51]، لأنّه بين الله وبيننا تماثل[52]. يمكننا أن نصبح أشخاصًا، لأننا خُلقنا على صورة الكلمة الإلهيّة، أي المسيح، وهو شخصٌ. ولا يمكننا أن نصبح أشخاصًا وننزع «أقنعتنا الشنيعة» إلاّ عندما نتّحد عمليًّا بالله الثالوث. فالكنيسة، في حالتها المواهبيّة، هي شركة أشخاص حقيقيّين أزليّين.
إنّ اللاهوت الإختباريّ يشير إلى الطريق التي يجب أن نتبعها لنجد الشخص الحقيقيّ ويصونها، وهو ما لا يمكن للاّهوت الأكاديميّ القيام به. يتكلّم كثيرون من الناس اليوم عن الشخص، ولكن بطريقة مثقّفة وفلسفيّة دينيّة وأكاديميّة[53]، ممّا يقود إلى أفضل النتائج لتعديل «القناع المقيت» بحيث يصبح «قناعًا عقلانيًّا» أو «شخصنة» للإنسان المعاصر بحيث نُلبسُه رداء اللاهوت الأرثوذكسيّ من الخارج، ولكن بالتأكيد لا يصير شخصًا. فمن دون الجهاد النسكيّ، أي من خلال النظريّة الإختباريّة وحدها، لا تتحقّق الحياة الروحيّة الأرثوذكسيّة ولا يمكن للشخص أن يبرز. كما قال القدّيس بولس: «لأَنْ لَيْسَ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ النَّامُوسَ هُمْ أَبْرَارٌ عِنْدَ اللهِ، بَلِ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ بِالنَّامُوسِ هُمْ يُبَرَّرُونَ»[54]. يشدّد الآباء على الواقع أنّ التأمّل الحقيقيّ يأتي كمكافأة على الممارسة الحقيقيّة، «ممارسة التأمّل هي المدخل»، وليس العكس. هذا ما اعتاد الشيخ المغبوط أفرام الكاتوناكي أن يقوله: تنبع الصلاة من الطاعة، واللاهوت ينبع من الصلاة. والشيوخ المباركون الموهبون المعاصرون، مثل الشيخ صوفروني، والشيخ بايسيوس، والشيخ بورفيريوس، والشيخ أفرام الكاتوناكي، والشيخ يعقوب تساليكيس، والشيخ سمعان أرفانيتيس، والشيخ أمفروسيوس، هم أكثر الأمثلة الملموسة لأشخاص حقيقيّين وأزليّين.
إنّ الروح الدهريّة التي تهدّد الكنيسة، religification وصبغ الأرثوذكسيّة بأشكال خارجيّة ومناقبيّة وتقشّفيّة زائدة من جهة، بإزاء إخضاعها لنماذج عقلانيّة وأنظمة فكريّة محضة وغير سليمة من جهة أخرى، هي ظواهر إجتماعيّة لهذا العصر وللمسيحيّة بعد المسيح وفقًا لكثيرين. وهذه لا يمكن مكافحتها إلاّ من خلال اللاهوت الإختباريّ، والشركة الحقيقيّة مع «غير المخلوق»، واكتشاف الشخص الحقيقيّ في الإنسان. فاللاهوت والتعليم عن الشخص يشكّلان ظاهرة فريدة وحصريّة لا يمكن اختبارها إلاّ عبر التقليد الأرثوذكسيّ، وليس عبر الفلسفة وعلم النفس ولا أيّ عقائد مسيحيّة أخرى.
[1] See Metropolitan Kallistos of Diokleia, Orthodox Theology in the 21st Century. Athens, Indiktos Publications, 2005.
[2] Basil the Great, On Fasting, Discourse 2, PG 31, 212B.
[3] See Saint Gregory the Theologian, On Theophany, Discourse 38, PG 36, 321D-324A.
[4] Saint John Chrysostom, On Dives and Lazarus, PG 48, 1029
[5] Protopresbyter Dum. Staniloae, Ο Θεός ο κόσμος και ο άνθρωπος, Athens 1990, pp. 30-31 and 35.
[6] See Fr. Nicholas Sakharov, I Love, Therefore I Am: The Theological Legacy of Archimandrite Sophrony, St Vladimir’s Seminary Press, Jan 1, 2003.
{C}[7]{C} 1 بطرس 3، 4.
[8] See Saint Gregory Palamas, On the Life of Saint Peter the Athonite.
[9] See Pandelis Kalaïtzidis, Ορθοδοξία και νεωτερικότητα. Προλεγόμενα, Athens 2007, p. 47.
{C}[10]{C} 1 بطرس 2: 11
{C}[11]{C} أنظر فيلبس 3: 20
[12] Saint Gregory Palamas, Rebuttal of Akindynos
[13] See On those Living the Hesychast Life in Sanctity.
[14] Kallistos and Ignatios Xanthopoulos, Exact Method and Rule, Philokalia.
{C}[15]{C} بالنسبة إلى عبارات "أقنوم الوجود البيولوجيّ"، و"أقنوم الوجود الكنسيّ" و"سرّ الأقنوم القربانيّ"، راجع Ioannis Zizioulas, «Από το προσωπείον εις το πρόσωπον», Χαριστήρια εις τιμήν του μητροπολίτου Γέροντος Χαλκηδόνος Μελίτωνος, Thessaloniki 1977, pp. 308-314 and 317.
[16] See Saint Gregory Palamas, Homily 47, 8.
[17] Idem, Homily 61, 5.
[18] See To the Nun Xeni.
[19] See Maximos the Confessor, Chapters on Love 4, 80, PG 90, 1068 CD.
[20] See Ps. 100, 8.
[21] On those Living the Hesychast Life in Sanctity.
{C}[22]{C} المرجع نفسه.
[23] للفرق بين الأشخاص الدنيوّيين والروحيّين، راجع الرسالة الأولى إلى أهل كورنثوس 2، 10-16.
[24] «[Νους] αυτοτελής εστιν ουσία και καθ᾽ εαυτήν ούσα ενεργητική», Homily 55, 36.
{C}[25]{C} المرجع نفسه.
[26] لمعرفة الأهميّة العُظمى التي يعيرها بالاماس لقوّة الذهن المحدّدة والعظيمة، وتفريقها عن قوّة المنطق، راجع كتابنا،«Η χρήση της λογικής και της νοεράς ενεργείας του ανθρώπου κατά τον άγιο Γρηγόριο Παλαμά», Acts of the International Conferences of Athens and Limassol, Ο άγιος Γρηγόριος ο Παλαμάς στην ιστορία και το παρόν, pub. By the Holy and Great Monastery of Vatopaidi, Holy Mountain 2000, pp. 769-780.
{C}[27]{C} 1 تسالونيكي 5 – 17.
[28] في هذه المرحلة المهمّة جدًّا والحادّة في التجربة، راجع Γέροντος Ιωσήφ Βατοπαιδινού, Ο Γέροντας Ιωσήφ ο Ησυχαστής, pub. By the Holy and Great Monastery of Vatopaidi, 2001, pp. 280-291, 379-389; Archim. Sophrony, We Shall See Him As He Is, Essex 1996, pp. 193-220, 344-5..
[29] On those Living the Hesychast Life in Sanctity, 1, 3, 31.
[30] Ibid., 2, 2, 12.
[31] «Νοερόν τουτί το φως και γνώσεως παρεκτικόν». Ibid., 1, 3, 50.
[32] «Τοιούτον γαρ τι εστι και η εξαιρέτως αληθής υπό των Πατέρων ονομαζομένη θεωρία και η της ευχής εγκάρδιος ενέργεια και η εξ αυτής πνευματική θέρμη τε και ηδονή και το εκ της Χάριτος θυμήρες δάκρυον. Τα γαρ τούτων αίτια νοερά κυρίως καταλαμβάνει αισθήσει». Ibid.,1, 3, 31. Also Homily 53, 40, Ομιλίαι ΚΒ , Οικονόμου, p. 178: «έργοις εδίδαξας ημάς ότι το θεωρείν ουκ αισθήσει μόνον η και λογισμώ τοις όντως προσγίνεται ανθρώποις (μικρώ γαρ αν είεν των αλόγων κρείττους), αλλά πολλώ μάλλον τη του νοός καθάρσει και τη της θείας Χάριτος μεθέξει, καθ’ ην ου λογισμοίς αλλ’ επαφαίς αύλοις τοις θεοειδέσιν εντρυφώμεν κάλλεσιν».
[33] Ibid., 1, 3, 17.
[34] Ibid., 2, 3, 15.
[35] Ibid., 2, 3, 29.
[36] Ibid., 2, 3, 35.
[37] Ibid., 3, 1, 32. See also Rebuttal of Akindynos, 2, 75.
[38]Ομιλίαι ΜΑ, Jerusalem, 1857, Homily 34, p. 194.
[39] Προς Αθανάσιον Κυζίκου 14.
[40] Ομιλίαι ΜΑ, Homily 34, p. 194.
[41] Ibid., Homily 35, pp. 199-200.
[42] Ibid., Homily 34, p. 194.
[43] Ibid., Homily 34, p. 194.
[44] On those Living the Hesychast Life in Sanctity, 3, 1, 22.
[45] Ομιλίαι ΜΑ, Patriarch Filotheos, Λόγος εγκωμιαστικός εις τον Θεσσαλονίκης Γρηγόριον τον Παλαμάν, pp. 18-19.
[46] See Saint Maximos the Confessor, Epistle 1, PG 91, 376B. Cf. Jn. 17, 21-24.
[47] See George Mantzaridis, Παλαμικά, pub. Pournaras, Thessaloniki, 1998, p. 153.
[48] أولئك الذّين يصرّون على العقل أو الأخلاق هم خاملون. ولهذا السبب دعا غريغوريوس بالاماس برلعام "أستاذ الكسل". راجع أيضًا G. Mantzaridis, op. cit., p. 15..
[49] Εις τον βίον του οσίου Πέτρου του εν Άθω 20, p. 173.
[50] See Ps. 45, 11.
[51] See Archim. Sophrony, We Shall See Him As He Is, p. 176.
[52] See Fr. Nicholas Sakharov, I Love, Therefore I Am.
[53] See Archim. Ierotheos Vlachos, Το πρόσωπο στην Ορθόδοξη Παράδοση, The Holy Monastery of the Birth of the Mother of God, Levadeia 1994, p. 87.
{C}[54]{C} روميّة 2: 13
آخر المواضيع
العدالة الإلهيّة حسب القديس ديونيسيوس الأريوباغي
الفئة : لاهوت
عظة في نقل رفات القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت
اِعتراف الإيمان الأرثوذكسي كمِعيار إكلزيولوجيّ أساسيّ، بحسب القديس مكسيموس المعترف
الفئة : لاهوت
النشرات الإخبارية
اشترك الآن للحصول على كل المواد الجديدة الى بريدك الالكتروني