حولَ الخَجَلِ والخَوفِ قبلَ الاعترافِ

حولَ الخَجَلِ والخَوفِ قبلَ الاعترافِ

الشَّيخ صوفيان بوغو

نَقَلَتْهُ إلى العربيّة: دونا جرجس

 

هذا جزءٌ صغيرٌ من عظةٍ عن الاعترافِ بقلم الشّيخ صوفيان بوغو من دير أنتيم – رومانيا، يوم الجمعة من الأسبوع الأوّل من الصّوم الكبير – من كتاب «التّوبة والقيامة – عظات في زمن التريودي والبندكستاريون».

عَدُوَّانِ يظهرَانِ في حياةِ النَّاس عندَما يحاسَبُونَ على أعمالِهم الشِّرِّيرةِ: الخَجَل والخَوْف؛ الخجلُ من أن يُزدَرَى بِهِم والخوفُ من أن يُفتَضَحَ أمرُهم ويُعاقَبُوا. هذَانِ العَدُوَّانِ وُجِدَا في ضميرِ الإنسانِ الأوَّلِ، وهما حاضِرَانِ في ضمائرِنا عندَمَا نفكّرُ في الاقترابِ من سرِّ الاعترافِ؛ سرِّ مغفرةِ الخَطَايَا. معَ أنَّنا نُخطئُ ونحمِّلُ أنفسَنا يوميًّا خطَايَا كثيرةً سواءٌ أَاقترفناها بالقولِ أم بالفعلِ أو بالفكرِ، إذ إنّنا نسمحُ بمرورِ الوقتِ وبالتَّالِي بمرورِ سنواتٍ عديدَةٍ. فبالنِّسبةِ إلى الكثيرينَ، تمضِي حياتُهم بأكملِها من غَيرِ التَّحرُّرِ من حملِ خطَايَاهُم وغسلِ السَّوادِ عن سربالِ القداسةِ الطَّاهرِ الّذي نالُوه في سرِّ المعموديّةِ. تُغلِقُ هذِه القَذارةُ مَسامَّ حِسِّنا الدّاخليِّ وتُعيقُنا من تنفّسِ الهواءِ «الرّوحيِّ»، وبالتّالِي نصبحُ كأرضٍ قاحلةٍ ويابسةٍ. فكمَا يقولُ النّبيُّ داوودُ أنَّهُ لا يُمكِنُ أن تنبتَ أيَّ فكرةٍ مقدّسةٍ أو غَيْرةٍ إلهيَّةٍ أو ثَمَرةٍ سماويَّةٍ: «يَا اَللّهُ، إِلهِي. إِلَيْكَ أُبَكِّرُ. عَطِشَت إليكَ نفسِي، يَشتاقُ إليكَ جسدِي في أرضٍ ناشِفةٍ ويابسةٍ بلا ماءٍ» (مزمور 63: 1). لم نعدْ قادرِينَ على الإيمانِ باللّهِ، ولم نعدْ قادرينَ أن نحبَّ اللهَ والنّاسَ حقًّا. فالخطَايَا المخفيَّةُ وغيرُ المُعترَفِ بها هي مثلُ الفئرانِ الَّتي تأكلُ جذورَ أعمالِنَا الصَّالحَةِ الَّتي لربَّما قد نَفعلُها؛ فتَنبتُ مكانَها الأفعالُ الشِّرِّيرَة وتنمُو في داخلِنا مَعَ كُلِّ عواقِبِها الوخيمَةِ المُؤَثِّرةِ على حياتِنا هنَا وعلى حياتِنَا الأبديَّةِ. فهُنا في هذِهِ الحياةِ، تلكَ الأفعالُ الشِّرِّيرَةُ تُسخِطُنا وتُبعِدُنا عنِ اللهِ، وأمّا بعدَ الموتِ فسوف تتّهِمُنا في يومِ الدينونَةِ كشياطينَ رهيبةٍ. فلنْ نَتَمَكَّنَ من الهروبِ منها، وكما يقولُ القدّيسُ أفرامُ السّريانيُّ1 إنّ أعمالَنَا الصَّالِحَةَ تكونُ مثلَ الملائكةِ الصَّالحِينَ، أمّا أعمالُنا السّيّئَةُ فتكونُ مثلَ الملائكةِ السَّاقِطِينَ. تتشَبَّثُ بنَا هذه الأفعالُ الرّديئَةُ بصرامَةٍ صارخةً: «نحنُ كلُّنا لك؛ أنْتَ مَن صَنعتَنا!» وإنْ حصَلَ وكانت أعمالُنا الشِّرِّيرةُ هي الغالبةُ، فسَوفَ نضيعُ. أمّا إنْ تواجَدَ ملائكةُ أكثرُ وأعمالٌ حسنةٌ أكثرُ فاللَّهُ هو الّذي يُعِينُنَا، وبحسَبِ ميزانِ برِّهِ ومحبّتِهِ نَنجُو منَ العقابِ والدّينونَةِ الَّتي لطَالما يُحَذِّرُنا منهَا الكتابُ المقدّسُ.

إنَّ طبيعتَنا الخاطئةَ تحثُّنا على إخفاءِ خطايَانَا، والشّيطَانُ يُسهِمُ في ذلكَ على طريقتِهِ الخاصَّةِ. يقولُ القدّيسُ يوحنَّا الذّهبيُّ الفمِ إنَّ الشّيطانَ يُخفي عَوْرَة النَّاسِ عندَمَا يريدُون أن يخطِئُوا، ولكن بعدَ أن يرتكِبُوا الخطيئةَ يذكّرُهم بضرورَةِ الخَجَلِ ممّا اقتَرَفُوه كي لا ينفَضِحُوا أمامَ آبائِهم الرُّوحيِّينَ الَّذينَ يجبُ أن يظهرُوا أمامَهُم صالِحِينَ وصادِقِينَ. يُعتَبرُ هذا التّفكيرُ خطأً كبيرًا بل هو ضَلالٌ كبيرٌ يا إخوتِي وأخوَاتِي في المسيح، لأنّهُ حَسنٌ أن نَخجلَ أمامَ الآخرِينَ وأنْ نخَافَ اللهَ عندَ أو قبلَ اقترافِنا خطيئةً ما، لكن ليسَ بعد ارتكابِها. فلِمَ الخجلُ إِنْ رَغبْتَ أنْ تتحرَّرَ منْ مرضٍ ما وأن نُظهرَ أنفسَنا للطبيبِ كما نَحنُ، راغبِينَ في الشِّفَاءِ؟ وأيّ عارٍ في أن تَرغبَ في أن تغسلَ النَّجَاسَاتِ من نفسِكَ، وأن تَتَوَقَّفَ عن خدمَةِ الشَّيطانِ وتبدأَ في خدمَةِ اللهِ؟ فهل خسرَ داوودُ النّبيُّ كرامتَهُ عندمَا اعترفَ علانيّةً بخطيئتِهِ في المزمور 50، ومِثْلُهُ فعلَ: الرَّسولُ بولسُ أوِ القدِّيسونَ:مريمُ المجدليَّةُ أو المغبُوط أوغسطينوسُ أو مريمُ المصريَّةُ أو غيرُهُم من الخَطَأَةِ العظماءِ الَّذينَ أعلنُوا جِهارًا أنَّهم أكبرُ الخطأةِ باعترافِهم بخطَايَاهُم؟ بلْ علَى العكسِ، همْ عظماءُ بنظَرِ العالَمِ كلِّهِ وقدّيسُون أمامَ اللهِ بسببِ شجاعتِهم وصِدقِهم في اعترافِهم بأخطائِهم ومعاصِيهم.
 

https://romelders.substack.com/p/st-sofian-of-antim-on-the-shame-and
 

1 راجع: القدّيس أفرام السّرياني، أناشيد وعظات إسخاتولوجيّة (مطبعة SAGOM 2019).