تذكار هامتيّ الرّسُل بُطرس وبولس
الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس (٢٠٠۷ - ٢٠٠٨)
نقله إلى العربية: فريق القديس غريغوريوس بالاماس
يشكِّلُ القدِّيسان بطرس وبولس عمودَيّ الكنيسة الكبيرين، وهُما للكنيسة حجرا أساس أبديّان، وهُما المُنشآن على حجر الزَّاوية أي المسيح. وقد صارا مُتمثِّلَين بحياة الرَّبِّ المقدَّسة، بل وبمَوتِه الاستشهاديِّ كذلك. لكنَّ كوكبَي الكنيسةِ العملاقَين المُنيرَين هذين لم يَكونا مُنذ البداية لامعَين كثيرًا بالدَّرجة الَّتي بلغاها لاحِقًا، إنَّما كانت لديهما سقطة. نعرفُ أنَّ بطرسَ قد أحزن الرَّبَّ مِرارًا فعامَلَه الرَّبّ بحزم. نعلَم أنَّه وصَلَ إلى حدِّ إنكارِهِ ثلاثًا، بقَسَمٍ أمامَ جارية رئيسِ الكهنة، فيما كانَ الرَّبّ يُحاكَم. أمَّا بولس العظيم فقد كانَ في سابق عهده يضطَّهِدُ كنيسة المسيح، وهو الَّذي حرَس ثيابَ راجِمي الشَّهيد الأوَّل القدِّيس استفانوس.
إذًا، سبق لهذين الرّجلين سقطا، لكن لم يترُكهما الرَّبُّ في السقطة، بل نَظَرَ إلى حُسْن نيَّتِهما وتَوقِهما ليحبُّوا الله ويقابِلوا الإله الحيَّ الحقيقيّ. وهكذا جعلهما تلميذيه الأصيلين. سامحهُما، برَّرهما وشدَّدهما وصنعَ العجائب بوساطتهما ومجَّدهما، لا بأيّ مجدٍ، بل بمجدٍ أبديٍّ في كنيسة الله على الأرض، وكذلك في كنيسة الأبكار في السَّماء.
إنَّنا نكنُّ العرفان للقدِّيسين على كُلِّ ما قدَّما لكنيسة المسيح، وأغنياها بتعليمِهما ولاهوتِهما وبخبراتهما وسيرتهما المُقدَّسة حتّى حتفِهما الاستشهاديّ. على كلِّ هذا نشكرهما ونتوسَّل إليهما أن يُساعِدانا نحنُ المرضى روحيًّا، كيّ نَصحّ ونتعافى، وأن نتبع أثرهما، مِثلما طلب قديمًا بولس الرَّسول مِن المسيحيِّين تلاميذه قائلاً:" كونوا مُتَمَثِّلين بي، كما أنا أيضًا بالمسيح"(١كورنثوس١١:١)
ليؤهِّلنا الله أن نقلِّد -ولو قليلاً- غَيرتَهما وجهادهما وتضحياتهما ومحبَّتهما للمسيح المُخلِّص ومحبَّتهما للبَشر. بَعدما أنهينا صَوم الرُّسل، وبلَغنا الختام البهيج، فلنحتفل بعيد إيماننا الكبير، وبه فلنفرح روحيًّا وماديًّا. بركة الرُّسل القدِّيسين لتكن دومًا معنا. آمين.
في عيد هامَتيِّ الرُّسل ( ٢٠٠٨)
حقٌّ هو مديح الكنيسةِ للرَّسولين بطرس وبولس، وإكرامهما بوصفهما عموديّ الكنيسة الرّئيسيَّين المُستندين إلى حجر الأساس، الَّذي هو ربّنا يسوع المسيح. فعلاً، هما عمودا الكنيسة، فكما نرى في الإنجيل المقدَّس وأعمال ورَّسائل الرُّسل، كم تعِبا أكثر من سائر الرُّسل، واحتملا أصعب العذابات؛ جالا تقريبًا المسكونة بأسرها، أي العالَم المعروف حينذاك، ليبعثا بِشارة الإنجيل. في المقطع المَقروء من الرِّسالة اليوم، سمعنا بولس يعدِّد لأهل كورنثوس ما حلَّ به من الضِّيقات من أجل البِشارة بين الحين والآخر. (2كور 11: 23- 33)
لكنَّ رسالة كلِّ رسولٍ من الرُّسُل فريدة، فهؤلاء استحقّوا جميعًا أن يصبحوا شُهود عيان لحياة وتعليم وقداسة وضحيَّة وصليب ربِّنا وقيامته وصعوده، ونزول الروح القُدُس. لهذا، مهما وُجِدَ قدِّيسون آخرَون من بعدهم وخُدَّام مُهمُّون للكنيسة، فلَن يبلغ أولئكَ قامَة الرُّسل أبدًا؛ لأنَّ الرُسل قد عاينوا ولمسوا الرّبّ يسوع، وشهادتهم فريدة في كنيسة الله. طبعًا، لم يرَ بولس الرَّسول الرَّبَّ بالجسد، لكنّ في رؤيا دِمشق، شاهد نعمة الله والَّتي عوَّضته عمَّا عاينه الرُّسل الآخَرون بمعاشرتهم للرَّبّ.
من اللافت للانتباه، أنَّ هذين الرَّسولَين لم يكونا مُنذ البِداية قدِّيسَين. وأكثر من ذلك، قد سبق وأذنبا كلاهما كثيرًا. أمَّا بطرس فضعُفَ إيمانه في بحيرة طبريَّا وشرَع يغرق. أيضًا أنكَر ثلاثًا مع قَسَم أنَّه عرف الرَّبّ، أمام خادمةِ رئيسِ الكهنة (متَّى 14: 22-33 ومرقس 14: 66-71). لكنَّه لاحقًا تابَ، وبكى ورجع إلى حال بُنُوَّتِهِ للمسيح، ثمَّ صارَ ما صاره.
وكانَ بولس الرُّسول مضطّهدًا للكنيسة، وأثناء استشهاد القدِّيس استفانوس وَقف يحرُس ثياب راجميه (أعمال 7 : 58-60) ، لأنَّه أراد، عن حماسة، أن يساهم مُتَّخذًا دورًا ما في الحدث، لكن قد منعتهُ حداثة السِّنّ. كذلك، ذهبَ إلى دمشق حاملاً رسائل مِن رؤساء الكهنة، ليقودَ المسيحيِّين إلى السِّجن ويعاقبهم. لكن هناك، فيما كان يُطارد يسوع، طاردهُ المسيح أيضًا واصطاده عبر ظهوره، فجعله تلميذه، إناءً مختارًا ومُعلِّمَ الأُمَم. (أعمال 9: 1-22)
نتفكّر بهذا فنتعزَّى، إذ إنَّه بإمكاننا أن نتَّحد بالمسيح، مع أنَّ لكلٍّ منَّا خطاياهُ الكبيرة أو الصغيرة؛ وبإمكاننا أن نصير تلاميذه، مملوئين، كالرّسولَين القدّيسَين، حبًّا للمسيح وللبشر.
نتوسّل إليهما أن يُبارِكانا بِدالَّتِهما، وأن يتَشفَّعا لأجلنا لدى الرَّبّ، ولأجل كنيستنا، بحيث تظلّ رسوليَّة دومًا، ونظلّ نحنُ، بالتَّالي، رسوليّين، أي لنا إيمان الرُّسل الَّذي ورَّثنا إيَّاه الرُّسل، وكذلك لنا الحياة المسيحيَّة الَّتي خلًّفوها لنا. وقد تَرك لنا هؤلاء هذا الإرث الثَّمين: السِّيرة المسيحيَّة وأيضًا حُسن العبِادة - أيّ الإيمان المُستقيم الأرثوذكسيّ.
فلنتمسَّك بهذا الإرث، نحن وشعبنا، لأنَّنا نرى يوميًّا محاولات تحويل الشّعب عن المسيحيّة. وهو شعب كان في السَّابق ورعًا، وبدأ يجنح لخسارة الإيمان بالمسيح. لا قدَّر الله أن نُصاب بمثل هذا، بل أن نثبت على صخرةِ الإيمان ألا وهو المسيح.