عظة في عيد القدِّيسَين الرسولَين بطرس وبولس
الأرشمندريت جاورجيوس كابسانيس، الرئيس السابق لدير غريغوريو في جبل آثوس
نقلها إلى العربيَّة الشماس مكسيموس سلُّوم
(أُلقيَت في العام 1988)
نشكر اللهَ القدُّوس الذي جعلنا مستحقِّين أَن نعيِّد اليوم لذكرى الرسولَيْن القدِّيسَين، المجيدَيْن، المُمجَّدَيْن، بطرس وبولس، عَمودَي كنيسة الله العظيمَين.
كلَّما اقترب الإنسان في الكنيسة من هذَيْن رسولَي المسيح القدِّيسَين، هذَيْن الشخصيَّتَيْن المُشرقتَيْن، كلَّما ازداد اندهاشًا وإعجابًا. فإنَّ عملهما كإنسانَين لا يُمكِن تفسيره. إنَّما محبَّتهما العظيمة لله وللمسيح المُتجسِّد هي وحدها تُبرِّر تضحياتهما ومشقَّاتهما والآلام التي احتملاها بفرحٍ، وفي النهاية الموت الذي واجهاه.
ما ساعدهما في البلوغ إلى هذه المراتب، وليكونا لا كَعمودَين وقاعدتَين لكنيسة المسيح فقط، بل كعمودَين نورٍ إلى السَّماء يُضيئان دائمًا فَلَك الكنيسة والبشريَّة، هو تمحورهما حول المسيح، واتِّحادهما العميق وغير القابل للانفصال به. فهذا هو ما جعلهما يميِّزان أنفسهما.
لقد عرفا المسيح بطرقٍ مختلفة: فَبطرس كان تلميذًا مباشِرًا، أَمَّا بولس فعرفه من خلال الرؤيا وهو في طريقه إِلى دمشق. ولكن لم يُقصِّر كليهما أن يُقدِّما نفسَيهما بالكلِّيَّة لِلمسيح، ولم يعيشا لذاتهما بل للمسيح وحده. وهذه الحياة المحوريَّة في المسيح، مع تعليمهما المحوريّ عن المسيح، أَصبحا عملَين وخطابَين رسوليَّين. فقد كان لديهما المسيح، وعاشا من أجله، وكانا مسيحيِّين بالكامل. ولذلك، لم يستطيعا إلاَّ أن يُبَشِّرا بالمسيح للأمم، وأن يَكرِزا، ويشهدا، ويُعلنا، ويُظهِرا.
تتذكَّرون عندما ذهب بطرس الرسول إلى هيكل سليمان بعد فترة وجيزة من صعود الربّ، بعد عيد العنصرة. طلب رجل مشلول المساعدة، فقال له القديس بطرس: "ليس لي فضة ولا ذهب، ولكن الذي لي فإياه أعطيك: باسم يسوع المسيح الناصري قُم وامشِ" (أعمال الرسل6: 3). هذا ما كان لديهما، وهذا ما أعطاياه. هذا ما امتلكاه، وهذا ما بشَّرا به: يسوع المسيح.
فالواحد، أي بطرس، أصبح الصخرة وأساسًا للإيمان بالمسيح. والآخر أصبح فم المسيح. لكن كليهما أصبحا المسيح، أحدهما صخرة الإيمان والآخر فم المسيح. ولهذا السبب تكرِّمهما الكنيسة هكذا، ولهذا السبب تضعهما الكنيسة دائمًا في وسطها، كقائدَين للقاءاتها ومباركَين لشعبها.
نحن اليوم نشكر رسوليّ المسيح على قيودهما وأحزانهما، على حوادث الغرق والمخاطر التي واجهوها. كانت حياتهما كلَّها محفوفة بالخطر. و"في البرية وفي المدينة" (عبرانيين11: 38) كانا دائمًا في خطر ومعاناة مستمرة.
هذا كلُّه نعترف به نحن، أولادهما الروحيين وتلاميذهما، ونشكرهما ونمجِّدهما عليه. ولكنَّنا نطلب منهما أيضًا أن يساعدانا نحن الضعفاء على أن نرتبط بالمسيح كما ارتبطا هما به. وليكن المسيح كلُّ شيء لنا: في أذهاننا، وقلوبنا، ومشيئتنا، ومرشد حياتنا، ونور أعيننا، وقوة حياتنا، وغاية حياتنا ومقصدها. وإذا سرنا على هذا النهج، فنحن تلاميذهما الحقيقيين.
ففي النهاية هذا معنى صلاتنا: "ربِّي يسوع المسيح، ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ." إنَّها طريقة فعَّالة جدًّا لنبلغ، بالصبر والتواضع ومن خلال الجهاد، تلك الحياة التي تتمحور حول المسيح، وتلك الشهادة التي تتمحود حول المسيح كما عاشها الرسل القديسون.
ما عاشه وبشَّر به الرسولان القدِّيسان، وما صُلبا وضحَّيا من أجله، هو ما نسعى نحن أيضًا لتحقيقه بقولنا: "يا ربِّي يسوع المسيح، ابن الله، ارحمني أنا الخاطئ." وأيُّ راهب يجاهد حسنًا في هذا الجهاد، ومن خلال الصلاة المباركة والحياة الكنسيَّة بأكملها يتَّحد بيسوع المسيح، يكون قد بلغ الكمال وحقَّق هدف الحياة، ونال روح ومضمون حياة الرسولَين بطرس وبولس.
فلنقتدِ، إذًا، أيُّها الإخوة، بمثال اليوم ونتشجَّع ونستلهم بالرسولَين القدِّيسَين، بطرس وبولس العظيمَين، فمَيّ المسيحِ وأساسَيّ الكنيسة ولنثق، كما وثقا، أنَّ جهادهما لم يكن باطلاً، "ولا يسعَ باطلاً" (فيلبي2: 16)، بحسب بولس الرسول، ولا "كمن يركض على غير يقين" (1كورنثوس9: 26)، بل "نحو الغرض، أجل جعالة دعوة الله العُليا" (فيلبي3: 14). وهكذا أيضًا يكون جهادنا المتواضع.
على الرغم من أنَّه يبدو، بحسب المنظور البشريّ، أنَّ جهادنا لا نتيجة أو تبرير أو اعتراف به، فإنَّ المسيح الإله، الذي هو مُجازي المجاهدين، سيقوِّي ويكمِّل بلا شكّ كلَّ مجاهد من أجل التقوى، وكلَّ مجاهد في الصلاة، وسيجعلهم مستحقِّين أن يردِّدوا - إن هم جاهدوا جهادًا حسنًا - ما قاله الرسول الإلهيّ بولس:
"قد جاهدتُ الجهاد الحسن، أكملتُ السعي، حفظتُ الإيمان. وأخيرًا وُضع لي إكليلُ البرّ، الذي يهبه لي في ذلك اليوم الربُّ الديّان العادل، وليس لي فقط، بل لجميع الذين يحبّون ظهوره أيضًا" (2 تيموثاوس 4: 7-8).
ونحن أيضًا نحبُّ ظهور المسيح، ونطلب أن نُوجد مستحقِّين لكلٍّ من الجهاد الحسن والنهاية المغبوطة لجهادنا.
لتمنحنا نعمةُ الله القوة، ولتجعلنا نثابر مثل الرسولَين الإلهيَّين بقوَّة أخرى، أي الروح القدس، لكي نصير مستحقِّين أن نكون مُقتدين بجهادهما وتعبهما.
https://www.johnsanidopoulos.com/2021/06/homily-for-holy-apostles-peter-and-paul.html