الإنسان وحياته الحقيقية

 الإنسان وحياته الحقيقية

القديس أثناسيوس باريوس

نقله إلى العربية: فريق القديس غريغوريوس بالاماس
 

إن معرفة الله الحقيقية هي أساس السعادة، وأساس الخلود. سعادة الإنسان تَكمُن في أمرَين: أولاً، إدراك الله حق الإدراك؛ وثانيًا، في الأعمال التي ينبغي للإنسان، وهو كائن عاقل، أن يقوم بها. "معرفة نفسك هي كل البر، وإدراك قدرتك هو أساس الخلود" (حكمة ١٥: ٣).

+++

من اللائق والضروري للمسيحيين أن يؤمنوا بالكتاب المقدس وبِآراء معلّمي الكنيسة المقدسة، ذَوي الحكمة الإلهية: باسيليوس، وغريغوريوس، والذهبي الفم، وأثناسيوس، وكيرلّس، وأمبروسوس، والدمشقي - رجالٌ كانوا على نفس فكر الرسل.

+++

لم يُخلَق الإنسانُ للأرض، بل للسماء. فهو ليس جسدًا بِكُلِّيته، بل هو نفسٌ أيضًا، النفس التي لا تفسد مع الجسد بالموت، بل هي خالدة.

+++

الإنسان هو النفس أوّلاً، وهي عاقلة وغير قابلة للفناء.

+++

"خلق اللهُ الإنسانَ من تراب الأرض، ونفخ في وجهه نسمة حياة، فصار الإنسانُ نفسًا حية" (تكوين ٢: ٧).

يجب فهم هذه العبارة فهمًا صحيحًا، لِتَجَنُّب النظرة الهرطوقية القائلة بأن النفس من جوهر الله. هذا التفسير جزء من تعاليم وحدة الوجود. المقصود هو أن الله منح الجسدَ المخلوقَ من الأرض طاقةً مُحيِيةً، فأصبحت هذه الطاقة مُكَوِّنًا لجوهر النفس. بمعنى آخر، "النَّفخة" يعني تكوين النفس

يقول الكتاب المقدس إن النفس البشرية خُلقت على صورة الله. يُقال إنها صورةٌ لأنها غير ملموسة ، غير مادّية، عاقِلة، غير منظورة، تمتلك قدرة الحرية وتقرير المصير - فالله يمتلك كل هذه، وإن بدرجة أعلى. وهذا يعني أيضًا أن النفس خالدة، لأن الله خالد. هو وحده خالد بطبيعته، بينما نفس الإنسان، كصورة لله، خالدة بالنعمة، لا بالطبيعة.

+++

النفس هي أعظم الأشياء البشريّة من حيث القيمة والثمن. ومع ذلك، هناك أشخاص لا يَكُنّون لها أي عاطفة، ولا يخشون فقدانها بالكُلّية...

في العصور القديمة، عندما كانت الفضيلة تُكرّم، كان هَمُّ المسيحيّين الأول والوحيد هو نفوسهم. أولئك المسيحيون الذين لا يمكن أن يصيروا طَيَّ النّسيان، كانوا متلَهِّفين لخلاص نفوسهم، انتقلوا إلى مكان بعيد وأصبحوا رهبانًا، لَيُكَرِّسوا أنفسهم لتنمية الفضيلة. هناك سارَعوا إلى رجالٍ مُلهَمين ومُقدَّسين من الله، ليتعلَّموا منهم ما يجب فعله لِخَلاص نفوسهم.

+++

كان فيثاغورس وأفلاطون، وأتباعُهُما، مُحقِّين في اعتقادهم بأن النفس خالدة. ومع ذلك، نَظَرًا لافتقارهم إلى التعاليم الإلهية، فقد اخترعوا أساطير حول أصل النفس والحياة الآخرة، مُعلِّمين بوجودها السابق وتَقَمُّصِها .

+++

حبُّ التعلُّم هو قانونٌ طبيعي، ومقولة أرسطو: "كلُّ الناس بطبيعتهم يرغبون في المعرفة"، التي تظهر في بداية كتاباته "الميتافيزيقيا"، هي أمر بديهي.

+++

- سيبس (Cebes)، ومن قبله سقراط، قد أطلقوا إسم التّعليم الحقيقي على التعليم الذي يؤدّي إلى تنقية الروح من الأهواء غير العقلانية، وتحقيق جميع الفضائل: الشجاعة والعدالة والاعتدال والرأفة واللطف والرحمة، إلخ، والتي تشكّل موضوع الفلسفة الأخلاقية. هذه الفضائل تقود الإنسان إلى السعادة.
 

https://www.johnsanidopoulos.com/2016/06/man-and-his-true-life-st-athanasios.html