دولة الفاتيكان
الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس
نقلته إلى العربية رولا الحاج
لقد أتاحت وفاة البابا فرنسيس الفرصة لجميع شبكات التلفزة والصحافيّين للإشادة بسلوكه المُتَّسِم بالتواضع خلال إقامته في الفاتيكان، وطريقته في التعبير عن نفسه في مختلف القضايا المعاصرة، والتعليمات التي أوصى بها لأجل جنازته ودفنه. لكلّ شخص تَفَرُّده ومواهبُه وطريقته في التعبير عن نفسه، وهذا هو الحال أيضًا مع البابا فرنسيس. لقد أثنى عليه جَهارًا صحافيّون ومحلّلون آخرون، وكلُّ مَن عرفَه. ومع ذلك، يجب ألّا ننسى أنّ الأشخاص الذين يشغلون منصبًا رفيع المستوى يلعبون دورًا مهمًّا، هذا صحيح، لكنّهم عَمَليًّا لا يمكنهم تشكيل أو تغيير النظام المؤسساتيّ لمنظَّمةٍ استمرّت لقرون عديدة.
من المعروف أنّ الفاتيكان دولة لها سلطة كاملة، لها رئيس وزراء، ووزراء، ولها علاقاتٌ دبلوماسيّة في مختلف الدول من خلال السفراء البابويّين، وتملكُ مصرفًا - يسمّى «بنك الفاتيكان» - يُتداول فيه مبالغ طائلة من المال، ويُكتب عنها الكثير من حينٍ لآخر. الإكليروس مَقسومون ما بين كهنة ودبلوماسيّين، والرهبانيّات فقدت التقليد الهدوئيّ وأمسَت مهتمّة بالقضايا الاجتماعيّة.
والأهمّ من ذلك كلّه هو أنّ الكاثوليك مَحكومون بلاهوتٍ خاصٌٍ ميّز نفسه عن لاهوت آباء الكنيسة والمجامع المسكونيّة، بما يُسمّى بالسكولاستيكيّة، والسكولاستيكيّة المُحدَثة، وهرطقة ال"actus purus” أي "العمل البَحْت" أو تحديد الجوهر بالقوة، وهرطقة ال"Filioque" أي انبثاق الروح القدس من الآب والإبن، التي تنقض اللاهوت الآبائيّ الأرثوذكسيّ. علاوةً على ذلك، تخلّت إدارتُهم الكنسيّة عمّا يُسمّى بنظام الإدارة المجمعيّ، بينما يسود نظامُ الإدارة الإقطاعيّ عندهم، كما يُقدّمونه هم أنفسهم في النصوص التي ينشرونها من حين لآخر؛ ويضعون البابا فوق هذه المجامع المسكونيّة أيضًا.
لا يمكننا، وبخاصّة نحن الأرثوذكس، أن ننسى الحروب الصليبيّة، ولا سيّما الحملة الصليبيّة الرابعة، عام 1204، التي دمّرت الإمبراطوريّة الرومانيّة المسيحيّة، وغزت القسطنطينيّة وفرضت حكم الإفرنج على اليونان كلّها. علينا ألّا ننسى أنّنا لم نُعانِ فقط من الحكم العثماني الرّهيب بل أيضًا من حكم الإفرنج الوحشيّ. هناك العديد من الجرائم الحديثة، مثل إبادة الصرب الجماعيّة واليهود والغجر على يد ميليشيا الأوستاشا (Ustaše) في كرواتيا بأوامر من الكاردينال ستيبيناك (Stepinac) رئيس أساقفة زغرب في، الذي أعلن قداسته البابا فرنسيس.
نحن نحترم الأشخاص والمسيحيين الذين هم خارج الكنيسة الأرثوذكسيّة، والذين يستلهمون البساطة ومحبّة الفقراء والمتألّمين، لكننا لا نستطيع أن نتغاضى عن الأنظمة الإقطاعيّة القاسية واللاهوت المُدنَّس، هذه الفظاعات التي تسبّبت في معاناة كبيرة في أوروبا. من وجهة نظرٍ مسيحيّة، حتّى أوروبا المنقسمة هي نابعة من هذه الهيكليّة الإداريّة واللاهوتيّة القاسية للبابويّة. ثمّ في جنازة البابا فرنسيس، سمعنا هُتافات "المسيح قام" باللغة اليونانيّة، لكننا لا نستطيع أن نبتهج بسبب ذلك، ونحن نعلم أنّهم كانوا روم كاثوليك (الاتّحاديّين- uniates)، وهذا ثمرة تصرّفات اللاتين الاستفزازيّة، الذين تسبّبوا وما زالوا يسبّبون جروحًا عديدة في الكنائس الأرثوذكسيّة المحليّة. علاوة على ذلك، فإنّ طريقة انتخاب كلّ بابا، بطريقة أو بأخرى، تحدّدها عوامل سياسيّة ودبلوماسيّة تختلف باختلاف العصور.
ما سبق هو واقعٌ يدركه حتّى الكاثوليك أنفسهم، ولهذا السبب ينتفضون ضد عقلياتٍ كهذه. العلمانيّة تعمل بنظام مؤسسّاتيّ وليس شخصيّ.
https://www.mystagogyresourcecenter.com/2025/05/the-vatican-city-state-metropolitan.html