رسالةٌ من أبٍ روحيٍّ إلى كاهنٍ بعد سيامته
الأب سمعان سمعان
(مدير المركز الرعائيّ الأرثوذكسيّ- طرابلس)
نقلًا عن نشرة الكرمة عدد 47، الأحد 22 بعد العنصرة، 24 تشرين الثاني 2024
هذه الرسالة هي اقتباسٌ من رسالةٍ وُجِّهَت من أبٍ روحيٍّ إلى كاهن بعد سيامته. هي رسالة مُوَّجهة إلى كلِّ كاهنٍ يريد إتمام خدمته بأمانة واستقامة. تَغرِفُ النصائح الواردة في هذه الرسالة من تقليد كنيستنا الأرثوذكسيّة، فتكون خارطة طريق لكلّ كاهن، أكان جديدًا في خدمته أم عتيقًا. كما أنّها تشكّل دليلاً لكلّ إنسانٍ مؤمن يخدم في الكنيسة المقدَّسة.
«إنّي مسرورٌ جدًّا لمعرفتي بسيامتكَ الكهنوتيّة. أنا متأكٌّد من أنّكَ ستكون مستحقًّا لها، وأنّكَ ستجعل هذه الموهبة الممنوحة لك تؤتي ثمارها، عبر جَعْلِ حضور المسيح المخلّص وتعزيته يشعّ من حولكَ. هذه، في الواقع، هي دعوة الكاهن الأساسيّة: أن يجعل المسيح حاضرًا في العالم ويشهد لقيامته.
جميع الأنشطة الأخرى التي يمكنه القيام بها ثانويّة. فالحياة المسيحيّة اليوم للأسف تتلخّص بعادات إجتماعيّة، كشهادة فولكلوريّة للهويّة الثقافيّة، وقد تغلغلت الى الكنيسة بشكلٍ كبير.
لذلك، لكي يكون الكاهن قادرًا على الشهادة بمصداقيّة ، يجب أن يجتهد في الإمِّحاء كفردٍ، ليجعل النعمة الإلهيّة تتألّق من خلاله. إذا مدَّ يدَه وصوتَه للمسيح الكاهن الأعظم أثناء القداس الإلهيّ، كما يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم، فإنّه بكلامه وبكلّ سلوكه أيضًا سيكون «شاهِدًا أمينًا»، أي أيقونة حيَّة للمسيح.
عالمنا اليوم متجّه لتعويم الإيمان الحقّ، لذلك اِجتهدْ أن تعلّم الإيمان المستقيم لأنّه أساس خلاص المؤمنين. أساس كنيستنا الأرثوذكسيّة هو إيمانها المستقيم الذي تسلّمناه من الرّسل والآباء القدّيسين، وليتورجيّتنا تعبّر عن هذا الإيمان. فحافِظْ على الإيمان والليتورجيّة وعَلِّمْها للرعية.
كلّ ما تخطّط له لتنشيط الرعية ممتاز، لكن عليك أن تتوقّع مقاومة وجمودًا من بعض أبناء الرعية. هذا هو نصيب جميع الكهنة: ليس عليهم فقط مواجهة الخطيئة، ولكن قبل كلّ شيء مواجهة اللامبالاة وفتور «المسيحيّين الصالحين» الذين لا يشكّلون مشكلة بحدّ ذاتهم ولكنّهم يكتفون بمساعدة باهتة. عظاتٌ ناريّة تبثّ الغيرة، التي تُظهر فيها حماسَكَ وجمال الحياة في المسيح، يمكن أن تساعد في إيقاظهم. وهذا بحاجة إلى صبر. إنّ خدمة الراعي تتطلّب صبرًا كبيرًا جدًّا، وتصحيح العادات السيئة يجب أن يتمّ إعداده من خلال تعليم مسيحيّ مستقيم طويل.
لقد علَّم أحد الكهنة الشيوخ المستنيرون، خلال العظات في لقاءات الكهنة، أنَّ الكاهن، مثل كلّ أولئك الذين دورهم مخاطبة الناس، يجب أن يكون مستعدًّا للفشل! نعم، للفشل على المستوى البشريّ، ولكنّه سيكون مكسبًا على المستوى الروحيّ. ألم يكن المسيح نفسه، بطريقة ما، قد فشل خلال حياته على الأرض؟ لكنّه فتح للبشر بُعداً آخر: الحياة الأبديّة والملكوت. هذه إحدى مفارقات الحياة الروحيّة التي يجب أن تعيشها، ولكن لا ينبغي أن تمنعكَ من القيام بكلِّ ما في وسعك للتبشير بالخلاص الذي تقدّمه لنا الكنيسة المقدّسة الأرثوذكسيّة.
كما أنّ مطالعة الكتاب المقدّس وآباء الكنيسة مفيد جدًّا، ولا بدَّ من الإنكباب عليها يوميًّا. ولا تهمل صلاتكَ الشخصيّة، وتحضيركَ لكلّ قداس إلهيّ.
لا تقلق، فعلى الرغم من العبء الذي يبدو مُرهِقًا ويتجاوز قوّتَك، يجب أن تعلم أنّ النعمة الإلهيّة ستكون معكَ وسترشدكَ لإيجاد التوازن في كلّ هذا العمل، ممّا سيجعلك هادئًا وواثقًا. كن مقتنعًا بأنّ سلامكَ الداخليّ وثقتكَ بالله هو الذي سيعطي القوّة الإلهيّة لكلمتكَ ولكلّ ما تفعله. سيشعر المؤمنون أنّ المسيح هو الذي يعيش فيكَ، وأنّكَ تعيش في المسيح ومن أجل المسيح فقط».