يسوع المسيح كَمُهاجِر

يسوع المسيح كَمُهاجِر

البروفيسور يوحنا كارافيذوبولوس

نقلها إلى العربية: كمال كدر
 

يصفُ الإنجيلي متى ولادةَ المسيحِ يسوع بطريقةٍ تشيرُ إلى مصير مسيّا العالم: بمجرّد أن يولد يهاجرُ إلى مصرَ متّبعًا الأمر الإلهي. إنه مهاجرٌ يبدّل البلدان هربًا من الخطر، تمامًا كما فعلَ إبراهيمُ في العهد القديم، وكذلكَ يعقوبُ وأولادهُ الذين هاجروا إلى مصرَ بأمرٍ من الله. إنَّ يسوعَ المسيح، المولودَ الجديد، وعند دخوله العالم، يواجهُ الاضطهادَ والعداءَ من قِبل الحكّام. الممثّلُ الرئيسُ لهذا العداءِ هو الملكُ هيرودوس، الذي يعرفُ مؤرِّخو عصره وحشيّتَه. يمكننا القول إنّ ولادةَ المسيحِ هي مقدمةٌ لموتِه. فَرِحلتهُ كلّها عبرَ الحياةِ في هذا العالم هي صليبُ محبّةٍ وتضحيةٍ، صليبٌ سيَهزِم عليه في النهاية قوّةَ الشّر الشيطانيّة لكي يشرق نورُ القيامة.

إننا نرى أن هنالك قوى مدمّرة كونيّة تُهَيمن على البشريّة، لكن سيطرتها ظاهرةٌ ومؤقّتة، لأن الخطّة الخلاصيّة للتدبير الإلهي تتمّ في التاريخ، ولا يمكنُ لأحدٍ أن يخرّبها أو يهزمها. إن وحشيّة هيرودوس، التي تجلّت في المذبحة غير الإنسانيّة للرضَّع في بيت لحم والمناطق المحيطة بها، لم يكن بوسعها أن تُوقِفَ عملَ المسيح المولود منذ الأزل، لأنه كان بحماية الله ورعايته. إن الإشارة إلى مذبحة أطفال بيت لحم، الذين لم تحدّد الأناجيل عددهم، هي بداية ظهور شهداءِ الإيمان. إن العدد المذكور في تقليدنا الليتورجيّ، والذي يقدّر بنحو 14000 طفل (مضاعفة العدد المقدّس سبعة مضروباً في ألف) يشير مسبقاً إلى العديد من شهداء المسيحيّة. إن هذا العدد مُبالَغٌ فيه بالنسبة لبيت لحم الصغيرة، حتى مع المناطق المحيطة بها، مِمّا يجعل الطّابع الرمزي للعدد أمراً لا بدّ من قبوله.

إن العناية الإلهية للآب تحمي الرضيع الإلهيّ من غضب الحاكم الأرضيّ، وتوجِّههُ إلى مكان آمن، وتُبلِغهُ مسبقًا بإمكانيّة العودة إلى وطنه، ما يمنحنا عنصراً من التفاؤل في مواجهة مخاطر الحياة. من المحتمَل أن يكونَ لكلٍّ منّا قصّتهُ الشخصية الخاصّة عن تجربةٍ مروّعة وأنقذتنا منها يدُ الله وحمَتْنا من موتٍ محقَّق، إمّا من خلال توجيهِ صديقٍ أو منقذٍ لمساعدتنا، أو بإلهامنا للتصرّف بشكل صحيح. إن هذه التجارب تجعلنا ندركُ هشاشة العقلانيّة أمام القوّة اللامحدودة لعناية الله وحمايته. يمكننا أن نرى عند الإنجيليّ متّى أن الله قد أوحى إلى المجوس ألّا يعودوا لهيرودس فـ «انْصَرَفُوا فِي طَرِيق أُخْرَى إِلَى كُورَتِهِمْ» (متى 2: 12)، وهذا يدلّ على أن اللهَ ينيرُ الناسَ للتصرّفِ بحكمةٍ ولتجنّب المخاطر غير الضروريّة. عندما نكون في طريقٍ مَسدود، يجب أن نتذّكر دائمًا أن هناك طريقًا آخر.

إن الرسالة التفاؤليّة المستخلصة من قراءةِ إنجيلِ يومِ الأحدِ بعد ميلادِ المسيح، هي أنه على الرغم من الانتصار الظاهر للشّر والكراهية والفظائع في تاريخ البشرية، فإن قوة المحبّة والصلاح في النهاية تنتصر. إن تجسّد ابن الله وميلادَهُ في التاريخ هو دليلٌ على محبة الله واهتمامهِ بفداءِ الإنسان من قوى الهلاك والدمار الشيطانيّة.
 

https://www.johnsanidopoulos.com/2015/12/jesus-christ-as-immigrant.html