ماذا تعني عبارة «على الأرض السلام وفي الناس المسرَّة»؟
يوحنّا سانيدوبولوس
نقلها إلى العربيَّة الشماس مكسيموس سلُّوم
في زمن الميلاد، نسمع أو نرى غالبًا عبارة «على الأرض السلام وفي الناس المسرَّة» إمَّا في أناشيد عيد الميلاد، أو البرامج التلفزيونيَّة، أو اللوحات الإعلانيَّة، أو نراها معروضةً علنًا كشكلٍ من زينة عيد الميلاد. نسمعها حتَّى في الكنيسة، لأنَّ العبارة تستند إلى إنجيل لوقا2: 14، والذي غالبًا ما يُتَرجم على النحو التالي: «المجد لله في العُلى، وعلى الأرض السلام وفي الناس المسرَّة». هذا هو الترنيم الملائكيّ الذي أنشدته مجموعة كبيرة من الملائكة في الليلة التي وُلِد فيها المسيح، بعد ظهورها لرعاة فقراء كانوا يرعَون قطعانهم في حقول بيت لحم. غالبًا ما يُعتقد أنَّ هذا الترنيم هو بركةُ سلامٍ إمَّا من الخارِج أم في داخلنا، فإمّا أن تتوقّف الحروب أو الصراعات على الأرض، أو أن نشعر بالهدوء والسكينة الداخليَّة. علاوة على ذلك، يُعتقد أنّ هذه العبارة تشجِّع على اللطافة أو حسن النيَّة بين بعضنا البعض، من أجل البلوغ إلى هذا السلام. هذا هو المفهوم الأكثر شُيوعًا للعبارة.
ولكن هذا المفهوم الشائع هو في الواقع سوء فهم كبير، فهو عاطفيّ أكثر ممّا هو لاهوتيّ. وسوء الفهم هذا يرتكز في المقام الأول على حقيقة مَفادُها أنَّ الآية في لوقا2: 14 كثيرًا ما تُرجمت بشكل خاطئ من اليونانيَّة الأصليَّة. ففي اليونانيَّة الأصليَّة تُتَرجم الآية في لوقا2: 14 على النحو التالي: «المجد لله في العُلى، وعلى الأرض السلام بين الذين يُسَرُّ بِهِم». وعندما نقرأ ما يقوله النص بالفعل، نرى أنَّ التركيز في كلمة "سلام" ينصبّ على عبارة "بين الذين يُسَرُّ بهم"، بعد تمجيد الله. فكيف يمكن لهذا أن يغيِّر فهمَنا للترنيم الملائكيّ في لوقا2: 14؟
يشرح المطران ايروثاوس ميتروبوليت نافباكتوس ما يلي:
"إنَّ ‘السلام’ (ειρήνη) الذي أنشدته الملائكة عند ميلاد المسيح هو اتِّحاد الطبيعتَين الإلهيَّة والبشريَّة في شخص المسيح. لقد اتَّخذ المسيح الطبيعة البشريَّة في شخصه وألَّهَها، وبذلك حصلت كلّ الطبيعة البشريَّة على السلام من عواقب السقوط، وهكذا أُتيحَت لكلّ شخص الفرصة للمشاركة في هذا السلام، من خلال العيش داخل الكنيسة، بحياتها الأسراريَّة والنسكيَّة. الكنيسة هي ‘المكان’ الذي يختبر فيه الإنسان محبّة الله وسلامه.
إنَّ كلمة ‘المسرَّة’ (ευδοκία)، بحسب القدّيس نيقوديموس الآثوسيّ، الذي استخدم نصوص آبائيَّة مختلفة، مثل القدّيس مكسيموس المعترف والقدّيس يوحناّ الدمشقيّ والقدّيس غريغوريوس بالاماس، تعني أنَّ اتّخاذ المسيح الطبيعة البشريَّة هو مشيئة الله الأوّلية لتأليه البشريَّة (وفقًا لمشيئة مسرَّته). لا يمكن أن يتألَّه الإنسان إذا لم يكن هناك اتِّحاد أقنوميّ بين الطبيعتَين الإلهيَّة والبشريَّة، أي غير المخلوقة والمخلوقة. ومع ذلك، فإنَّ الناموس من خلال موسى، وكلمات الأنبياء... كان غير كامل (وفقًا لمشيئة التنازل) بسبب السقوط، لكنّه اكتمل من خلال تجسُّد المسيح. هذا هو الفرق بين المشيئة ‘حسب المسرَّة’ (κατευδοκίαν) و‘حسب التنازل’ (κατά παραχώρησιν). كان تجسُّد المسيح هو التدبير السابق لله، أي مسرَّته. أمَّا ما نتج بعد سقوط آدم، فكان الصليب والموت.
والقدّيس كيرلُّس الإسكندريّ، بعد إيضاحِه أنَّ عبارة «المجد لله في العُلى» تشير إلى المسيح نفسه، الذي رغم ولادته من امرأة في تلك الليلة في بيت لحم ووَضْعِهِ في مذود، إلاَّ أنَّه في نفس الوقت بقي في العُلى على عرشه بطبيعته الإلهيَّة، يضيف القدّيس ما يلي:
«بما أنّ الملائكة ورؤساء الملائكة والعروش والسيادات، وفوقهم السارافيم، محافظون على نظامهم الثابت، فَهُم في سلام مع الله: لأنَّهم لا يتعدّون على مسرَّته بأي شكل من الأشكال، بل هم ثابتون في البِرِّ والقداسة. أمَّا نحن، الكائنات البائسة، فَبِانجرارنا إلى شهواتنا في معارضة مشيئة ربِّنا، وضعنا أنفسنا في موقف عداوة له. ولكن هذه العداوة أُزيلت بالمسيح: لأنَّه هو سلامنا؛ لأنّه وحَّدنا بنفسه مع الله الآب، بعد أن أزال سبب العداوة المتوسّط، حتَّى الخطيئة، وبرَّرنا بالإيمان، وجعلنا قدّيسين وبلا لوم، ودعا إلى قربه أولئك الذين كانوا بعيدين. وإلى جانب هذا، جعل الشعبَين [اليهود والأمم] إنسانًا واحدًا جديدًا، فصنع السلام وصالَحَ الاثنين في جسد واحد مع الآب. فقد سُرَّ الله الآب أن يُكوِّن كل الأشياء به في كيانٍ واحدٍ جديدٍ، وأن يجمع العُلويَّات بالسُّفليّات، ويجعل الذين في السماء والذين على الأرض قطيعًا واحدًا. لذلك صار المسيح لنا سلامًا ومسرَّةً.»
بالخلاصة، فإنَّ نشيد الملائكة في لوقا2: 14 هو تمجيد للمسيح، الذي كإله صار إنسانًا، وهو عمانوئيل، أي الله معنا، وبتجسُّده جلب السلام على الأرض من خلال المصالحة بين السماء والأرض في طبيعتَيه الإلهيَّة والإنسانيَّة، وبالتالي المصالحة مع الله وكلّ الناس الذين يُسِرُّونه ويسعون إلى تحقيق مشيئته من خلال حفظ وصاياه، لأنَّ كلّ هذا هو مسرَّة الله.
https://www.johnsanidopoulos.com/2015/12/what-does-peace-on-earth-good-will.html