شارِكْ ألمكَ مع الله

حديث عن الألم (3/3)

شارك ألمك مع الله

حديث عن الألم (الجزء الثالث)

للأب خرالمبوس بابادوبولوس

نقله إلى العربية: فريق القديس غريغوريوس بالاماس
 

من المهمّ أن أتّخذ قرارًا وأن أقول إنّ الألم هو الاعتزام والقوّة، الألم هو المسيح، هو الأُلفَة، والفضيلة، والهَيبة، وأنا مستعدٌّ لأن أختبر الألم من أجل ذلك. ينبغي لي أن أكتشف هذا الألم وأتقبَّله. هذا هو الصليب الذي سأحمله إلى أن تأتي القيامة.

ثانيًا، يجب أن أركّز على هذا، على أن لا أرفض الصعوبات التي ظهرت، وأن لا أرفض هذه المُواجهة فقط لأنّني لا أرغب المُواجهة، لأنّني لا أشعر أنّني مستعد للمُواجهة في هذه المرحلة من حياتي.

أخبرني أحد الشيوخ الآثوسيّين:

سوف تكون هناك لحظات في حياتكَ حيث ستحظى بِفَيضٍ من النعمة، والفرح، والبركة، والرّقة، والرغبة في الصلاة والذّهاب إلى الكنيسة، وقراءة الكتب الآبائيّة والروحيّة. وسوف تأتي لحظات أيضًا لا ترغب في أي من هذا؛ سيتغلَّب عليكَ اليأس، اللامبالاة والقَسوة؛ ولن تشعر حتّى بالرغبة في التكلّم. ولكن احرَصْ، حتّى في ذلك الوقت ألّا تلغي لقاءكَ بالله - لا تلغيه. خلال النهار، حَدِّد موعدًا للقاء مع الله، لقاءٌ من خلال قراءة الكتب الروحيّة، والصلاة بالمسبحة، وصلاة النوم، وصلاة المديح. لا أعرف كيف سيكون لقاؤكَ مع الله، ولكن اذْهب إلى الكنيسة. وحتّى عندما تشعر أنّكَ لست بخير، استمرّ في الذهاب إلى الكنيسة. واجلسْ هناك فقط، أو اسجُدْ، وقُل لله: «أشعر بأنني إنسانٌ تافِه! ليس لديّ القوة ولا الرغبة في أن أتكلّم معكَ بأي شيء!»

بالرغم من ذلك افعل هذا، وستتحوّل الكلمات التي تقولها لله إلى صلاة.

ذات يومٍ، ذهبت امرأة لرؤية الشيخ صفروني (ساخاروف)، ذلك القدّيس العظيم، فسألها: «ماذا حدث معكِ؟ لم أرَكِ في الدير لفترة طويلة».

«لم تكن لديّ أي رغبة في أن آتي إلى الدير، لأنّني أحارب الله أكثر ممّا أمجّده. لدي بعض التساؤلات الكبيرة عنه».

"لا تقلقي، تعالي وأَخبريه بذلك! أَخرِجي كلّ شيء؛ أَخبريه بما تشعرين، شاركي كلّ هذه الأمور معه؛ اصنعي منها فرصة للشركة مع الله.»

ما هو سفر المزامير؟ نصفه تسبيح وشكر، والنصف الآخر هو صراع وقتال مع الله. يقول له داوود:

«أين أنتَ؟ أنتَ لستَ هنا! أعدائي يضطهدونني؛ أنا أغرق، أنا أموت، وأنتَ لست هنا - أنتَ لا تفعل شيئًا. لقد تخلَّيتَ عنّي وأعدائي يضطهدونني، يتآمرون ويفترون عليّ».

يقول الشيخ صفروني إنّ صلاته غالبًا ما تتّخذ سمات معركة، أو خلاف مع الله. ويقول أيضًا:

«غالبًا ما أتحوّل إلى مقاتل لله. أقاتِلُه وأتصارع معه، لكن هذه هي علاقتي به. في العلاقة الحقيقيّة، يتعيّن عليّ أن أتعلم أن أقول «لا!» وأن أسمع أيضًا «لا!» من الشخص الآخر. في العلاقة الحقيقيّة، أتحدّث عن الأشياء التي تزعجني وتضايقني. أقول للشخص الآخر: «أنا لست بخير!». والعلاقات الحقيقيّة تشهد تغيّرات وتقلّبات. في العلاقة الحقيقيّة، يتغيّر الشخص، يتبدّل، يتشاجر، ويتصالح. فهل توجد علاقات طبيعيّة خالية من التوتر؟ كلّا. إلّا إذا كان الأمر يتعلّق بالألم فقط.

ذات مرة، أخبرتني امرأةٌ عن زوجها:

«أبتِ، لم أر زوجي يضحك أبدًا. طوال حياتنا معًا، نادرًا ما ضحك. نحن الآن كبار في السن. ذات يوم، بينما كنا نجلس في غرفة الجلوس، رأيته يبتسم لي، فقلت، «الحمد لله!»

لقد سُرِرت. إنّها معجزة! مرَّت نصف دقيقة، وكان لا يزال يبتسم. ثم نصف دقيقة أخرى، وظلّ زوجي يبتسم. فأدركتُ حينها أنّه أصيب بجلطة دماغيّة.

جاءت امرأةٌ أخرى وقالت لي: «لم أعد أتحمّل زوجي!»

«لماذا؟ هل هو عدوانيّ؟»

«كلّا، على الإطلاق.»

«هل يصرخ عليك؟»

«كلّا»

«هل يغادر المنزل؟ هل يعود إلى المنزل متأخِّرًا من العمل؟ هل هو مدمنٌ على القمار؟»

«كلّا، كلّا!»

«لديك زوج مثالي»

«لا أستطيع تحمّله!»

«لماذا؟»

«لأنّه يا أبتِ، إذا طلبتُ منه الجلوس، فإنّه يجلس! إذا طلبت منه الذهاب لتناول شيء ما، فإنّه يذهب لتناوله. لقد غبتُ طوال اليوم، أتجوّل في المدينة، وعندما أعود إلى المنزل، يقول لي، «مرحبًا بكِ في المنزل!» «كيف حالكِ؟» أخرج مع بعض الأصدقاء، ونذهب إلى أحد الحانات، وأعود إلى المنزل متأخّرة، وأحيانًا لا أعود قبل منتصف الليل، وأسأل نفسي، «ماذا سيقول الآن؟» فيسألني، «عزيزتي، هل قضيتِ وقتًا ممتعًا مع أصدقائك؟»

«وأنتِ ألا تحبّين ذلك؟»

«كلّا، يا أبتِ، لا أحبّ ذلك! أودّ أن يكون مختلفًا بعض الشيء، أن يغضب، أو يغار عليّ قليلاً. أريد أن أشعر بأنّني مرغوبة، أن أشعر بالحبّ. هذا ما أريده!»

وهذا عذاب. تمامًا كالعذاب حين يصرخ شخص ما في وجهك ويوبّخك، هكذا هذا أيضًا. فالكثير من الهدوء يجعلك غير مرتاح. لا يمكنك أن تتحمّل الهدوء الكثير. وإذا انتقلنا إلى البعد الروحيّ، فإنّ علاقتنا بالله يجب أن تنبض، ولا ينبغي لنا أن نخاف من ذلك؛ بل يجب أن يتحوّل كلّ شيء إلى صلاة، حتّى في هذه اللحظات الصعبة.

هناك عامل آخر سنركّز عليه لتحمّل هذا الألم، ألا وهو الأمر الذي سنكرّس أنفسنا له. هذا يعني أنّه إذا ذهبتُ إلى مدينة كاتيريني خمس أو عشر مرّات، ولكن لم أبقَ هناك سوى ليلة واحدة ثم غادرتُ، فلن أتمكن أبدًا من التعرُّف على المدينة. للتعرُّف على مدينة كاتيريني، عليكَ أن تبقى هناك، ليس ليلة واحدة لقضاء وقت ممتع ثم المغادرة، بل لفترةٍ أطول، حتّى تشعر بالبرد وتتحمّل ليالي المدينة الباردة، وتشعر باللحظات الصعبة في كاتريني بشكل عام. حينها فقط ستتعرّف عليها وستستطيع القول إنَّك تعرَّفت على مدينة كاتريني. وعلى المنوال ذاته، لكي أصل إلى هدفي، عليّ أن أكرّس نفسي لله. عليّ أن أكرّس نفسي لله، للإنسان، للحبّ، للزواج، لأي شيء آخرـ لا يمكنني أن أنتظر فقط للّحظات السعيدة مع زوجي، بل بالأجدر عليّ أن أتحمّل صمتَه والصعوبات التي يفتعلها.

عندما يذهب شخصٌ ما إلى دير سيمونوبترا راغبًا في أن يصير راهبًا، كان المغبوط الذكر الشيخ إيميليانوس، حين يرى ويقدّر حماسه وحميّته للصلاة والسجدات والخدمات الكنسيّة والصوم، كان يقول:

«حسنًا، هذا كلّه مبارك! جيّد جدًّا. لكنّني أريد أيضًا أن أرى كيف تتصرّف مع الرهبان الآخرين، وكيف تعيش هنا داخل الدير، وكيف تتعامل مع شخص لن يبتسم لك كلّ يوم. سيأتي يوم لن يكون فيه بمزاج جيّد مثلك، لأنَّك هنا في الدير مَدعوّ إلى إظهار المسيح، التواضع، الصبر».

نريد الكثير، لكننا لسنا مستعدّين لإعطاء الكثير. نقرأ كتابًا روحيًّا، ونرى خبرة القدّيسين، ونريد أن نختبرها أيضًا، لكنّنا لا نريد أن نحمل صليب النُّسك الذي حملوه. نُعجَب بحياتهم ونتحدّث عن مدى قداسة القدّيس باييسيوس - ولكن مَن يريد أن يعيش حياة القدّيس باييسيوس؟ مَن؟ نحن نريد فقط النتيجة، الثمار، لكن هذه الثمار لا تأتي بسهولة. ما مقدار القداسة التي اقتناها القدّيس بورفيريوس، وما هي مواهب النعمة التي امتلكها؟ نعم فإذا كنتَ تريد أن تمتلك مواهب النعمة التي امتلكها القدّيس بورفيريوس، خُذ إذًا «حزمته» بالكامل - أمراضه، مشاكله، وحدته، كلّ ما تحمّله في حياته. لا يمكنكَ أن تنتقي وتختار. يريد العديد من الناس أن يكون لديهم جسدٌ رائعٌ، لكنّهم لا يريدون الذهاب إلى نادي الرِّياضة.

قال لي أحد الأصدقاء:

«لقد تسجلّت في النادي»

«هذا جيّد، لكنّني أراكَ كما كنتَ».

«ماذا، هل من المفترض أن أذهب إليه أيضًا؟»

لا، ابقَ في المنزل، لا تفعل شيئًا، وستخسر الوزن!

نريد تحقيق ربح، ولكن بقليل من العمل أو بدونه. نريد التقدير، ولكننا لا نريد أي مسؤوليّات.

نريد أن تكون لنا علاقة جيّدة جدًا مع زوجتنا، أن نحيا حياةً رَغيدة، ولكننا لا نريد الباقي؛ لا نريد سماع اعتراضاتها، عندما تقول: «هذا كلّ شيء، لا يمكنني الاستماع إليك بعد الآن!»

حسنًا، انتظر، كيف سيحدث ذلك؟ لا يمكنك السخرية منها طوال اليوم، إذلالها، وضعها في المرتبة الثانية، وتريد من ثمَّ أن تعيش حياةً رغيدة معها. لا تسير الأمور بهذه الطريقة. عليكَ أن تتحمّل صمتها أيضًا. عليكَ أن تكون مستعدًّا لدخول عالمِ شخصٍ آخر، وتحمّل صعوباته.

يُجيب الزوج: «لكن يا أبتِ، هل من المفترض أن ألعب دور الطبيب النفسيّ لزوجتي؟».

نعم، ستلعب دور الطبيب النفسيّ. لا يمكنك أن ترغب في أن تأخذ من دون أن تكون مستعدًّا لإعطاء أي شيء على الإطلاق وعدم تكريس نفسك لنصفكَ الآخر على الإطلاق. طبعًا، نحن نريد نعمة الله، من دون ممارسة النّسك.

في نهاية إحدى أحاديثنا، كان هناك وقت للأسئلة. قفز رجل من الحاضرين وقال مُنتَفِضًا: «أبتِ، كان لديّ سؤال واحدٌ يعذّبني طوال الوقت الذي كنت تتكلّم فيه!»

«رائع!» قلتُ في نفسي. «لقد استفزَزْتُه. إذا كان هذا السؤال يعذّبه لفترة طويلة، فهذا يعني أنّني زرعتُ فيه بذرة جيّدة».

تابع: «أبتِ، أريد أن أسألك: بما أنّك من كريت، فما هو ثمن زيت الزيتون هناك؟»

«لقد فهمتُ...!» قلتُ في نفسي.
 

https://orthochristian.com/160796.html