خوذة الخلاص

دِفاع ضدّ الافتراء والتشكيك والحسد

خوذة الخلاص

دِفاع ضدّ الافتراء والتشكيك والحسد

المطران ألكسيوس ميتروبوليت سيتكا وألاسكا

نقلته إلى العربية: جوزفين القصّيفي
 

إنه من الصّالِح دائمًا، ومن المبارك دائمًا، ومن المُفيد دائمًا روحيًّا، أن نكرّم، بقدر ما نستطيع، والدة الإله العذراء، الكلّية الطهارة، والممتلئة نعمةً. ما يُسِرُّها بشكلٍ خاصّ هو عندما نُجاهد للاقتداء بها بأيّة وسيلة مُمكنة. نتشبّه بها بالتزامنا بالطّهارة، نتشبّه بها بِثَباتِنا بالصّلاة، نتشبّه بها بِتَمَثُّلِنا بابنها. هذا الاقتداء، ككلّ أفعالِنا المسيحيّة، يجب أن يتجسّد فينا، كما تجسّد إلهُنا منها. يجب أن يُتَرجَم إلى أفعال، وأعمالنا هذه تؤدّي إلى استجابة ربنا في إرسال نعمتِه الإلهيّة، التي تُشدّدنا وتَجعلُنا كاملين.

كلّ المسيحيين مدعوّون لتكريم ومحبّة أمّ ربّنا الحبيب. كلّنا نُصلّي لها. كلّنا نَدعوها مباركة. ولكن قبل كلّ شيء، يُمكن للنِّساء اللّواتي تَلِدْنَ أطفالًا مثلها أن تكرّمْنَها بطريقة خاصّة. كل امرأة مسيحيّة أرثوذكسيّة مدعوّة لتكون أيقونةً لأمّ ربّنا، فبطريقة حياتها، تجلِبُ الربَّ إلى أطفالها وعائلتها ومُجتمعها ككلّ. إحدى الطّرق المباركة بشكل خاصّ لإكرام والدة الله هي التَّفاني في فضيلة التواضُع. التواضُع بحدّ ذاته هو ثمرة من ثمار الروح القدس التي عَدَّدَها القديس بولس. التواضع هو اللّطف تجاه الأخ، هو صَلاحٌ لا يُثير الحسد ولا الشهوة، ومحبةٌ تفكّر بالآخرين أكثر من الذّات. عندما نُصلّي في الكنيسة، نحن مدعوّون بشكلٍ خاصّ إلى التواضع، الذي يُمكّننا من الاقتراب من الله بقلبٍ خاشعٍ متواضعٍ، والله لن يرذله. ربُّنا نفسه كان متواضعًا، متواضعًا في معجزاتهِ، متواضعًا في كلامه، متواضعًا في مثاله، متواضعًا في غسل أرجل تلاميذه.

إننا اليوم نبارك غطاء الرّأس في هذا الهيكل المقدّس. وبذلك، نبارك وسيلةً تُنَمّي بها المرأةُ التواضُعَ وتُكرّم أمَّ ربّنا الكلّية الطهارة منذ أكثر من ألف سنة. لا علاقة لغطاء الرّأس بِكَون المرأة خاضعة ومتذلِّلة. لا يوجد شيء قَمْعِيّ فيها. إنه وسيلة مرئية يمكن لمرأة وَرِعة أن تقول من خِلالها بأفعالها: «هوذا أنا أمة الرب، ليكن لي كَقَولِك»1.

لكن ماذا يعني غطاء الرّأس؟ حسنًا، يمكننا البدء بالنّظر إلى ما يعني تغطية أي شيء في الكنيسة. الكأس المقدَّس يكون مُغَطّى بغطاء خلال الدّورة الكبيرة، والمذبح مُغَطّى بالسِّتر. الأساقفة والكهنة والشمامسة يَتَّزِرون بثيابهم الكهنوتيّة. لماذا نغطّي الكأس ولماذا يغطّي السِّترُ المذبحَ؟ ذلك لأن الكأسَ مُقدّسةٌ، لأن المذبحَ مقدّسٌ. لذلك، نحن نغطّي ما هو ثمين، ما هو مكرَّم، وما يستحقّ الحِماية. وهذه الأغطية نفسُها مقدَّسة، لأنّها تخدم وظيفةً مقدّسةً، وتميِّزُ شيئًا ما على أنّه مُوَقَّر ومُميّز وجدير بالاحترام، مثل السِّتار الذي يفصل قدس الأقداس عن بقيّة هيكل سُليمان. إذًا، غطاء رأس المرأة يُشبه هذه الأغطية. إن مثل هذا الغطاء مقدّس. هذه هي الطريقة الوحيدة التي يُمكننا من خلالها فهم سبب قبول دير قديم في القسطنطينية هديّة غطاء رأس الامبراطورة إفدوكيا، لاستخدامها لتغطية الانجيل المقدّس. فانه لا يوجد شيء أكثر قدسيّة من الانجيل. هذا وحده يظهر قدسيّة غطاء رأس امرأة تخاف الله. إذا كان لديك غطاء رأس والدتك او جدتك، اعتزّ واحتفظ به.

غطاء الرّأس هو منديل ترتديه النّساء تقليديًا للصّلاة. اعتبره الآباء درعًا روحيًا، «خوذةَ خلاصٍ» استنادا إلى تعبير القديس بولس، دِفاعًا ضدّ الافتراء والتشكيك والحسد2. إن الرهبان الرجال أيضًا يعتَمِرون غطاء رأس (لاطيّة) يخدم الوظيفة ذاتها. تُلاحظ العديد من النساء أنه عندما تغطّين رأسهنَّ، فهذا يساهم في صَون الرَّصانة والصّلاة وحفظ اللّسان. بطريقة ما، يساعد غطاء الرأس على ضبط حواسِنا. ويساعد على حصر حَقَوَينا في الصّلاة والعِبادة. يساعدنا في التضرّع إلى الرب من أعماق قلوبنا. إن غطاء الرأس ليس مجرّد عُرْف خارجي، إنما له معنى روحي. هذا هو الحال مع كل شيء مرتبط بتقليد الكنيسة. إنّه تقليدٌ لأنه مليء بالمعاني. إن التقليد يساعد النفس في رحلتها السماويّة.

أصرّ القديس بولس، الذي أكّد أن المسيحيين ليسوا مُطالَبين باتّباع الشرائع الغذائية اليهوديّة، على أهمّية الاستمرار في اتّباع التقليد المقدّس في أن المرأة تغطّي رأسها عند الصّلاة. ناشد القديس بولس، الذي يسمّيه الآباء صوت المسيح، المؤمنين «بالاحتفاظ بالتقليد كما سلّمتُها إليكم» (1 كورنثوس 2:11). ومن ثمّ يتكلّم على تقليد أغطية الرّأس قائلاً: «كُلُّ رَجُلٍ يُصَلِّي أَوْ يَتَنَبَّأُ وَلَهُ عَلَى رَأْسِهِ شَيْءٌ، يَشِينُ رَأْسَهُ. وَأَمَّا كُلُّ ٱمْرَأَةٍ تُصَلِّي أَوْ تَتَنَبَّأُ وَرَأْسُهَا غَيْرُ مُغُطَّى، فَتَشِينُ رَأْسَهَا» (1 كورنثوس 4:11-5). وهكذا، منذ ما يُقارب الألفَي عام، تقبّلت النّساءُ كلمةَ القديس بولس البسيطة هذه وجعلتها جزءًا بهيًّا من حياتهنّ الروحيّة. لم يكن الأساقفة والكهنة والشمامسة والرهبان هم الوحيدون الذين لديهم ملابس خاصة للكنيسة. كل امرأة أرثوذكسية لديها هذا الامتياز أيضًا.

حتى الخمسينات من القرن الماضي، لم يُنظَر إلى هذا الامتياز على أنّه شكل من أشكال الاضطهاد الجنسيّ، بل على انّه تعبير دقيق عن المحبة لله ومحبة القريب. فقط بسبب الحرب العِلمانيّة التي بدأت جَدِّيًّا في الخمسينات والسّتينات من القرن الماضي، حتى بدأت النّساء في النظر إلى غطاء الرأس، لا بأعْيُن الإيمان، والقلب التقي، والتَّوقير، بل بِمِنظار عالَمٍ فاسِدٍ تُهيمن عليه الحقوقُ والحاجةُ للتعبير عن الذات، أسلوبُ حياة حيث لا ينظر إلى الحريّة على أنها حريّة حِفظ وصايا الله والتألّه، بل التَّحَرُّر من أيّ شخص وأيّ مؤسّسة تُعلِّمُنا ما يجب القيام به. بعبارة أخرى، حريّة تُفضي إلى مشيئة الإنسان، لا مشيئة الله، حريّة تُنتِجُ إلى الكبرياء، لا التواضع، وحريّة تنتهي بأغلب الأحيان بالغضب، لا بالمحبّة.

المجد لله، إن العديد من النساء في كنيستنا الارثوذكسيّة تستمر في اتّباع هذا التقليد، حيث ترتدين أغطية الرأس «بعناية واجتهاد»3. يمدح القديس يوحنا الذهبي الفم هذا التّعبير عن التقوى عندما كتب أننا كما «نغسل أيدينا عندما نُريد أن نلتقط الكتاب المقدّس... هكذا المرأة، إذا تمَّ الكشف عنها، فهي ترتدي غطاءً على الفور، وتُظهِر عربون تقواها الداخليّة، هل ترى كيف أن المظهر الخارجي يُظهر التقوى الداخليّة؟»4. بعبارة أخرى، إنه تعبير خارجي عن محبّة الله والشعور بالرَّهبة في حضرتهِ، وهو التعريف الآبائي للتقوى5. وهكذا تنضمّ النساء الواقفات في الكنيسة إلى صُفوف أيقونات النّساء القدّيسات اللواتي تزينّ كنائسنا، وترتدين غطاء الرأس، بدءًا من والدتنا وملكتنا السماويّة، مريم الممتلئة نعمةً، والتي هي بحضرة الرب دائمًا.

وسِتْر حماية والدة الإله (Pokrov) هذا هو غطاء الرّأس الوحيد الذي نرغب جميعًا أن نكون تحت وقايته، رجالاً ونساءً على حد سواء. ذات مرة عندما كنت أتحدّث عن غطاء الرأس في اليونان، قال رجل إنّه من غير العدل أن ترتدي النساءُ غطاء الرأس ونحن لا يُمكننا ذلك. لهذا أجبت: لا يوجد ما هو عادل أو غير عادل، فقط المجدُ لله الذي خَلَقنا جميعًا، المجدُ لك يا إلهنا المجدُ لك.

قد يكون هناك بعض الذين ما زالوا لا يَرغبون في تبنّي هذا التّعبير عن المحبّة التقيّة. أرجوكنَّ، لا تشعُرْنَ بالإدانة، لا تشعُرْنَ أنكنَّ مُستثنَياتٌ. هدفي هو التعليم والعطاء، لا التوبيخ أو التقليل من شأنكنَّ. كلّ ما أقوله هو لأنني أهتمّ بكنَّ وأريدكنَّ أن تعرفْنَ وتختبرْنَ فرح المسيحيّة الارثوذكسيّة بِكُلّيته. تبدأ هذه الفرحة دائمًا بالحركة في العالم، في العالم الروحي حيث كلّ شيء مقدّس، كلّ شيء هو المسيح.

ربّما يمكن للمرأة أن تحاول فقط أن تتلو صلاة النوم مع غطاءٍ للرّأس ترتديه عن قصد، بخوف الله، ومن ثمّ أن تفعل الشيء نفسه من دون غطاء، وتحدّق داخل نفسها وترى كيف تشعُر تجاه الله، من أجل الله، ومن أجل نفسها. دَعي التقوى ترشدكِ، لا المنطق، وبالتأكيد لا طُرُق هذا العالم السّاقط. التقوى هو شيء شخصيّ. إنها الطريقة التي ترسمين بها علامة الصّليب. إنّه عندما تَحنين رأسكِ. إنّها العيون الدامعة عندما تلمُس يدُ اللهِ القلبَ. إنني أمدح أولئك النساء اللواتي تبنَّيْنَ هذه الممارسة القديمة وهنَّ مستمرّاتٍ في احتضان أولئك اللواتي لا تَقُمْنَ بذلك. لكن هذه الممارسة نعمة، إنّها عَطِيّة من والدة الاله، مقدَّمة ليس فقط لنساء هذه الكنيسة، ولكن للجميع، لأنّنا جسدٌ واحدٌ. تَقْواي يؤثّر في تَقْواكِ، كما أنّ صلاتي تؤثّر في صلاتِك، وتؤثّر صلاتُك في صلاتي. هذا هو جمال الحُضور في الكنيسة وأن نكون من الكنيسة. نحن أبناء والدة الإله. ولدينا جميعًا الكثير لنكون ممتنّين لأجله. فلتُبارككم الكليّة القداسة الطاهرة، الفائقة البركات، المجيدة، سيدتنا والدة الإله، الدائمة البتوليّة مريم جميعًا الآن وكلّ أيّام حياتِكم. آمين.
 

1. لوقا 38:1

2. Tertullian De virginibus velandis 11.1 CCSL 2:1220. See Cyril of Alexandria’s In epistolam ad 1 Corinthos 11 (PG 74:880-84), at 881 where he refers to the veil as being in keeping with the natural law.

3. John Chrysostom In epistolam ad Corinthos 26.3 (PG 61:217).

4. John Chrysostom In Joannem 53.3 (PG 59.295).

5. Cassiodorus, In Psalterium Expositio 33.11 (PL 69.237b).