التكنولوجيا والنبي الكذّاب
تفسير رؤيا 13:13
الشيخ أثناسيوس ميتيليناوس
يقول البروفسور الجامعيّ بانايوتيس براتسيوتيس، وهو الوحيد الذي فسّر سفر الرؤيا في اليونان في عصرنا هذا: «المعجزات التي يصنعها النبيّ الكذّاب يمكن أن ترتبط عبر العصور (بعد المسيح) بمعجزات العلم والتكنولوجيا، التي بلغت حدّ تأليه بعض الأفراد إمّا بسبب فكرهم المدنيّ أو منطقهم البشريّ».
حقًّا، لقد تمّ تأليه المعرفة العلميّة والتكنولوجيّة إلى حدّ ما. في هذه الأيّام، يتمّ الترويج للعلوم والتكنولوجيا في مراكزنا الثقافيّة المدنيّة. احذروا ممّا تعرضه هذه المراكز الثقافيّة المدنيّة من معارض علميّة، وابتكارات تكنولوجيّة حديثة، وأجهزة تفوق التصوّر، وملحقات الحاسوب الشخصيّ، هذه كلّها تبهر الشعوب. هذه الأمور كلّها تأخذ بلبّ الشعوب لدرجة أنّهم يبدأون من دون دراية يعظّمون ثقتهم بهذه الابتكارات. عندما يتمّ باستمرار ضخّ أنماط جديدة في أذهان الناس حول المعرفة العلميّة والتكنولوجيّة، وإنجازات في مجالات العلم، ينمو لديهم حسّ ترقّب المزيد، إلى أن يبلغوا حدّ القول إنّهم ما عادوا بحاجة إلى الله. هذا الاتّجاه، طبعًا، كان موجودًا على مرّ العصور، لا سيّما في القرنين التاسع عشر والعشرين. على سبيل المثال، عندما يرى بعض الناس التقدّم في العلوم الطبّيّة، كجراحة الليزر، وما إلى هنالك، يزعمون قائلين: «ما عدنا بحاجة إلى الله. لدينا العلم الطبّيّ. ما هو الهدف من أن أبحث عن ملجأ في الله أو في الكنيسة؟ ولقد حقّقنا نقلة نوعيّة في الطبّ». علاوة على ذلك، لقد ألّه عدد من هؤلاء الناس العلم في وجدانهم. أو أنّهم يؤلّهون التكنولوجيا كيفما اتّفق. بحسب هؤلاء الناس، نحن ما عدنا بحاجة إلى الله. «نحن لسنا بحاجة إلى الله ليرسل إلينا المطر أو الثلج. ما الهدف من أن نتلو الطلبة السلاميّة ونسأل الله أن يرسل إلينا المطر؟ لدينا الخبرة في أن نسيطر على الأحوال الجوّيّة». أمّا مدى النجاح الذي أحرزناه والذي سنحرزه عبر هذه الإنجازات، فهذا طبعًا له بحث آخر...
نستمرّ في السيطرة على كلّ شيء كي نتمكّن من أن نستغني عن الله. نحن ما عدنا بحاجة إلى الله. هذا هو المقصود بتأليه التكنولوجيا والعلم. بعبارات آخر، وراء هذا كلّه هو تأليه العقل البشريّ، المنطق البشريّ، والفكريّ. وبهذا، نرفض الكلمة الإلهيّة، ابن الله، الذي صار إنسانًا، الربّ يسوع المسيح، ونعلن أنّ العقل البشريّ هو الإله الجديد. بكلامٍ آخر، نحن نؤلّه المنطق البشريّ الذي من المفترض أن ينجز كلّ شيء لنا. وهكذا سيتمتّع العقل البشريّ بقدرة غير محدودة في وسط عالمنا، في ذهن البشر.
إذا اعتبرنا، سريعًا، أنّ العلم يخلق معجزات، فلن يكون الأمر مختلفًا عن معجزات النبيّ الكذّاب. والأكثر من ذلك هو أنّنا في عجلة من أمرنا لإثبات أنّنا قادرون على النجاح في استنساخ إنسان وتصنيعه في النهاية في مختبرٍ. وما أن نظهر أنّه يمكننا القيام بذلك، حينئذ ستفرغ فكرة الله الخالق المبدع، وفكرة الروح وغيرها من الأمور من معناها. هذا هو المنطق عينه الكامن وراء نظريّة التطوّر، التي كنّا متلهّفين جدًّا لترويجها كحقيقة علميّة منذ عقود، رغم أنّنا نعرف جيّدًا أنّها ليست سوى نظريّة واهية تقول بأنّ الإنسان يتحدّر من القردة ويتطوّر عبر الزمن! إذا كان تطوّر في المرحلة الأخيرة (بعد أن تطوّر من القرد)، فهو لن يكون مسؤولًا عن أفعاله. لا يمكنه أن يكون مسؤولًا أمام أحدٍ، لا أمام الله، ولا تجاه أخيه الإنسان. كيف يمكن محاسبته بما أنّه حيوان متطوّر؟ فهو يعيش بشكل غريزيّ، وهو تاليًا غير مسؤول عن أفعاله.
يبدو أنّنا نسعى جاهدين إلى نزع فكرة المسؤوليّة والشعور بالإثم. لماذا الشعور بالذنب؟ لقد تطوّر الإنسان من تلقاء نفسه. فهو السليل البعيد للحيوانات. هذا المثال هو تعليم النبيّ الكذّاب عبر العصور. فليفهم مؤيّدو هذا الخطّ الفكريّ، ودعونا لا نتبنّى هذه النظريّات الخاطئة في محاولة لإعفاء أنفسنا من المسؤوليّة أمام الله والإنسان، أو لإعفاء أفكارنا من حقيقة قيامة الموتى، ومن حقيقة أنّنا صورة الله، وأنّنا سنحاكم وسنحيا إلى الأبد. دعونا لا نتبنّى نظريّات خاطئة لمجرد أنّ الآخرين، كالنبيّ الكذّاب، يختلقون قصصًا نجدها حلوة ومرضية. هذه الأساطير والأحلام الحلوة كلّها هي ثمار النبيّ الكذّاب.
من كتاب "سفر الرؤيا: الأبواق السبعة والمسيح الدجّال"، العظة الخامسة والخمسون، الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس، تعريب رولا ريمون الحاج، منشورات القديس غريغوريوس بالاماس.