تفسير ضربة الجراد الواردة في سفر الرؤيا

العظة التاسعة والثلاثون: رؤيا 9: 1- 12

البوق الخامس

الشيخ أثناسيوس ميتيليناوس

في 24 كانون الثاني 1982

 

«ثمّ بوّق الملاك الخامس، فرأيت كوكبًا قد سقط من السماء إلى الأرض، وأعطي مفتاح بئر الهاوية. ففتح بئر الهاوية، فصعد دخان من البئر كدخان أتونٍ عظيمٍ، فأظلمت الشمس والجوّ من دخان البئر. ومن الدخان خرج جراد على الأرض، فأُعطي سلطانًا كما لعقارب الأرض سلطان. وقيل له ألّا يضرّ عشب الأرض، ولا شيئًا أخضر ولا شجرةً ما، إلّا الناس فقط الذين ليس لهم ختم الله على جباههم. وأُعطي ألا يقتلهم بل أن يتعذّبوا خمسة أشهرٍ. وعذابه كعذاب عقربٍ إذا لدغ إنسانًا. وفي تلك الأيّام سيطلب الناس الموت ولا يجدونه، ويرغبون في أن يموتوا فيهرب الموت منهم. وشكل الجراد شبه خيل مهيّأةٍ للحرب، وعلى رؤوسها كأكاليل شبه الذهب، ووجوهها كوجوه الناس. وكان لها شعر كشعر النساء، وكانت أسنانها كأسنان الأسود، وكان لها دروع كدروعٍ من حديدٍ، وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرةٍ تجري إلى قتال. ولها أذناب شبه العقارب، وكانت في أذنابها حُمات، وسلطانها أن تؤذي الناس خمسة أشهرٍ. ولها ملاك الهاوية ملكًا عليها، اسمه بالعبرانيّة «أبَدُّونُ»، وله باليونانيّة اسم «أبُولّيون». الويل الواحد مضى هوذا يأتي ويلان أيضًا بعد هذا».

أُعطي لهذا الجراد سلطان أن يلدغ الناس، تمامًا كما تلدغ العقارب الناس بإبرةٍ ذيلها. عندما يلدغ العقرب، يحقن سمّه في الإنسان، وينجم عن ذلك ألم لا يحتمل. فكم سيكون مبرّحًا ألم هذا الجراد الغريب! سيدوم ذلك خمسة أشهر. وفي تلك الأيّام، سيطلب الناس الموت، ويتمنّونه، ولكنّهم لن يقدروا، لن يلقاهم الموت.

هذه الضربة الرهيبة، بنتائجها المرعبة، تذكّرنا بالضربة المصريّة في سفر الخروج. تشير الضربة الثامنة ضدّ الفرعون إلى الجراد. إليكم مقتطفًا صغيرًا من هذه الضربة القديمة: «فمدّ موسى عصاه على أرض مصر، فجلب الربّ على الأرض ريحًا شرقيّةً كلّ ذلك النهار وكلّ الليل. ولمّا كان الصباح، حملت الريح الشرقيّة الجراد، فصعد الجراد على كلّ أرض مصر، وحلّ في جميع تخوم مصر. شيء ثقيل جدًّا لم يكن قبله جراد هكذا مثله، ولا يكون بعده كذلك، وغطّى وجه كلّ الأرض حتّى أظلمت الأرض. وأكل جميع عشب الأرض وجميع ثمر الشجر الذي تركه البرَد، حتّى لم يبق شيء أخضر في الشجر ولا في عشب الحقل في كلّ أرض مصر»، (خروج 10: 13-15).

يبدو أنّ هناك عنصرًا مشتركًا بين الضربة ضدّ الفرعون والبوق الخامس الرؤيويّ، ألا وهو الجراد. الجراد موجود في سفر الرؤيا كما في مصر في العهد القديم. إلّا أنّنا نجد بعض الفروقات الأساسيّة. أوّلًا، الضرر هنا يصيب الناس على وجه التحديد وليس البيئة، كالمملكة النباتيّة مثلًا. أُعطيت لهذا الجراد السلطة على أن يلحق الضرر بالناس وحدهم، وليس بالمملكة النباتيّة. ثانيًا، يشبه هذا الجراد العقارب اللادغة، التي تعذّب الناس، في حين أنّ الجراد الطبيعيّ لا يلدغ الناس. ثالثًا، هذا الضرر خاصّ بالذين ليس على جبينهم ختم الله. رابعًا، لا يتطابق شكل هذا الجراد والجراد الطبيعيّ، كما سنرى. يتميّز هذا الجراد بشكله الغريب الخارج عن المألوف. ويبدو أنّه لا علاقة له بتاتًا بالجراد الذي ينتمي إلى فصيلة الحشرات في المملكة الحيوانيّة، بل هو مجرّد استعارة.

فبعد أن استنتجنا عدم ارتباط هذا الجراد بالجراد العاديّ، فلننظر عن كثب إلى هذا الجراد الغريب في سفر الرؤيا. من المهمّ أن نفهم أنّ الضربة الموازية له ضدّ الفرعون هي كنموذج عن الضربة الرؤيويّة الأخرويّة. يقول القدّيس يوحنّا الإنجيليّ «وشكل الجراد شبه خيل مهيّأةٍ للحرب، وعلى رؤوسها كأكاليل شبه الذهب، ووجوهها كوجوه الناس. وكان لها شعر كشعر النساء، وكانت أسنانها كأسنان الأسود، وكان لها دروع كدروعٍ من حديدٍ، وصوت أجنحتها كصوت مركبات خيل كثيرةٍ تجري إلى قتال» (رؤيا 9: 7-10). فهو ليس جرادًا عاديًّا يأكل عشبًا ونباتًا، بل جراد مهيّأ للحرب، ولا يؤذي سوى الناس. منذ ألفي سنة، كان وصف حلبة المعركة ينحصر في وصف صوت مركبات الخيل والفرسان المتلاحمين. لم يكن لدى الإنجيليّ أيّ وسيلة أخرى ليعبّر عن صوت هذه الأجسام الطائرة الغامضة «ولها أذناب شبه العقارب، وكانت في أذنابها حمات، وسلطانها أن تؤذي الناس خمسة أشهرٍ» (رؤيا 9: 10). لهذا الجراد سلطان أن يؤذي الناس خمسة أشهر بأذنابه التي تشبه إبرة اللدغ عند العقارب والدبابير. وكما تصوّر جداريّة أخرى في دير ذيونيسيو، يمكنه أن يلدغ الناس. تهاجم كلّ جرادةٍ إنسانًا، كما يظهر في الرسم بوضوح، وتلدغه فيسقط. وتلدغ أخرى إنسانًا آخر فيسقط، وهكذا دواليك لمدّة خمسة أشهر. بناءً على ما يصفه الإنجيليّ القدّيس، يظهر جليًّا أنّ ما تصوّره آيات الكتاب هذه ليست حشرات عاديّة، بل هي آلات شيطانيّة قادرة على إحداث دمار شامل وهائل.

يصف الإنجيليّ شيئًا لا يسمّيه جرادًا بل له شكل الجراد. هذه دلالات مهمّة على أنّ هذا الجراد آلة طيران حديثة تسبّب الضرر والدمار. وبحسب هذا الوصف، يصعب على المرء ألّا يرى الشبه بين هذا الجراد والطائرات. فلو تأمّلتم الطائرة، لرأيتم أنّها تشبه الجراد الذي وصفه القدّيس يوحنّا إلى حدّ كبير، لا سيّما بصوت أجنحتها. علاوة على ذلك، عندما تكون هذه الطائرات فوق صوتيّة (supersonic)، تدوّي دويًّا شيطانيًّا، يذكّرنا بإشارة القدّيس يوحنّا إلى حشد المركبات المتصارعة في المعركة.

تحلّق الطائرات فوق مدينتنا من قاعدة القوّات الجوّيّة المجاورة. فهي تقلع وتهبط عبر نقاطٍ معيّنة من المدينة. ونحن الآن ضمن مسارها الجوّيّ. ومع أنّني أسمع هديرها وأعرف أنّه صوت الطائرة التي تخرق جدار الصوت، ويستمرّ أزيزها بعد أن تعبر وغالبًا ما يكون حادًّا ومزعجًا لدرجة أنّه يقطع أنفاسي. إنّه أمر رهيب! هل تعلمون أنّ الأبقار وبعض الحيوانات الأخرى، لا تدرّ حليبًا عندما تتعرّض باستمرار لهذا النوع من الأزيز؟ يرتعب صغارها في المعالف. هذه كلّها وقائع. ورغم علمي بكلّ هذا الصخب، إلّا أنّني ما زلت أصاب بالصدمة والرعدة. رُبَّ من يسأل «لماذا، هل سبق أن تعرّضت لقصف طائرة؟». حدث أمر مماثل بين العامين 1944 و1945. خلال الحرب العالميّة الثانية، كانت طائرات صغيرة تسمّى «سبيتفاير» (Spitfire)1، تطلق النيران علينا، لكنّ الأمر لم يكن بهذه الأهمّيّة. إنّني أتكلّم على طائرات اليوم. هل يمكنكم أن تتصوّروا عددًا هائلًا من هذه الطائرات فوق الصوتيّة تحوم في سماء مدينتكم؟ فهي ليست بحاجة إلى إسقاط أيّ قنبلة، أزيزها وحده كافٍ ليدفعكم إلى الجنون، ويثير فيكم الذعر! في العام 1944، بقينا داخل الملاجئ لأيّام وأيّام. ترى ماذا يشعر المرء داخل الملجأ؟ هذا وكانوا يستخدمون أسلحة الحرب العالميّة الثانية التقليديّة! أجل، كانت تلك الحرب مدمّرة ورهيبة، ولكن تخيّلوا كيف ستكون الحرب العالميّة الثالثة. بماذا يمكننا مقابلتها؟ لا بدّ من أنّكم تدركون الآن كم ستكون رهيبة وفظيعة.

هل لاحظتم وصفًا لمقاييس الجراد يشبه الدروع الحديديّة؟ يصعب علينا جدًّا عدم افتراض أنّ هذا الجراد هو طائرات، لا سيّما أنّ الكتاب المقدّس يقول: «وكانت في أذنابها حُماتٌ، وسلطانها أن تؤذي الناس» (رؤيا 9: 10). منذ سنوات، كانت الطائرات الحربيّة مجهّزة بمدفع رشّاش في ذيلها. وكانت المدفعيّة الرشّاشة مركّزة في مؤخّرة بعض نماذج طائرات الحرب العالميّة الثانية، إذًا كانت القوّة في الذيل. بكلام آخر، يتّضح جليًّا أنّ هذا الجراد محمّل بالأسلحة، فلا داعي للتوغّل كثيرًا في عالم الخيال.

 

من كتاب "سفر الرؤيا: الأبواق السبعة والمسيح الدجّال"، الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس، تعريب رولا ريمون الحاج، منشورات القديس غريغوريوس بالاماس.

 

1 هي طائرة حربيّة بريطانيّة ذات مقعد واحد استخدمتها القوّة الجوّيّة الملكيّة، وكثير من دول التحالف خلال الحرب العالميّة الثانية، وأيضًا في خمسينات القرن الماضي (المعرّبة).