مَحبَّةُ الذّات: هوى عصرِنا الحاضر
المتروبوليت إيروثيوس أسقف نافباكتوس
نقلته إلى العربية: ڤيرنا جدعون
إنّ النقاش الدائر في أيّامنا هذه حول المِثليّين و"زواجهم" قد سلّط الضوء في الدّرجة الأولى، من بين أمور أخرى، على هوى محبّة الذات. وهذا، بطبيعة الحال، لا ينطبق فقط على المِثليّين، بل وعلى المُغايِرين جنسيًّا أيضًا، حينما يجعلون الحبَّ غير العقلانيّ والمُفرِط لجسدهم، لُبَّ حياتهم، ويَقتصِرون على الغرائز فقط، متجاهلين الإنسان ككيان كامل. هذا ما يُسَمّى في التقليد الآبائي للكنيسة، بمحبّة الذات.
إن كلمة "محبّة الذات" (filavtia - φιλαυτία) في اللغة الحديثة تُفسَّر على أنها "المحبّة المفرِطة للذات"، و"الهَوَس بالنَّفس"، وهي نقيض محبّة الآخرين (filallilia - φιλαλληλία). غير أنّه في التقليد الآبائي، لا تُصنَّف محبّة الذات على أنّها محبّة لأنفسنا، بل محبّة مُفرِطة لجسدنا، مقترِنةً بإشباع كلّ رغباته وملذّاته.
يكتب القديس مكسيموس المعترف مثلاً أنّ محبّة الذات هي "محبّة الجسد غير العقلانيّة"، وفي موضع آخر يقول إنّ محبّة الذات هي "محبّة الجسد الأهوائية وغير العقلانية". وفي موضع آخر يقول إنّ محبّة الذات هي "الشَّغَف بالجسد". وبالتالي فإن محبّة الذات هي الشغف بالجسد، والمحبّة الأهوائية وغير العقلانية للجسد، بالتالي فإنّ محبّة الذات تتعارض مع الحبّ الحقيقي ومع ضبط النفس، لهذا السبب فإنّ "من يمتلك محبّة الذات، يَكشِف أنه يمتلك سائر الأهواء".
ووفقاً للقديس مكسيموس المعترف فإنّ محبّة الذات، باعتبارها محبّة غريبة وغير عقلانية للجسد، هي أصل كلّ الأهواء، وهذا يعني أن كلَّ الأهواءِ تسبقُها محبّةُ الذات، وتتبعها "القمّة" التي هي الكبرياء. إن محبّة الذات هي "أم الأهواء"، والجذر الذي تنبع منه كلّ الأهواء، مثل "الأفكار الأهوائية" الثلاثة الأكثر عموميًّة: الشراهة، محبة المجد، والمجد الباطل، ومن هنا تتولّد كلّ "قائمة الشرور". وهكذا، "من يمتلك محبّة الذات، يَكشِف أنه يمتلك سائر الأهواء".
إن المحبّة غير العقلانيّة للجسد تتجلّى في إشباع الإنسان كل رغباته وملذاته واحتياجاته، بِغَضّ النظرعن بُنيَته كَكُلّ، وسيادة عقله وأخلاقه بالمعنى العام والخاصّ للكلمة. في هَوى محبّة الذات، يبتغي الإنسان من ناحية، إشباع كل الملذّات الجسديّة والرغبات الجنسيّة بلا حدود، ومن ناحية أخرى، إرهاق الجسد بلا حدود، لكي لا يتمكّن من تقديم التضحيات.
إن كل "النشاط الجنسي" غير المحدود، وإشباعه المستمر، والذي هو نموذج الإنسان الحديث والمجتمع الحديث، يخضع لهوى محبّة الذات. غير أنّ نُسك الكنيسة يهدف إلى مواجهة محبّة الذات بالنُسك وفقًا المسيح، والتوازن بين النَّفس والجسد حسب وصايا المسيح. ولذلك، وكما كتب القديس مكسيموس المعترف: "توقَّف عن محبّة نفسكَ وسَتُحِبُّ الله". ومَن يُحب الله فهو مُحبٌّ للآخرين أيضاً، ومن ناحيةٍ أخرى فإن مُحِبَّ الذّات هو كارِهٌ لله وللآخرين في الوقتِ عينه. أعتقد أن الهوى الأساسيّ في عصرنا هو هوى محبّة الذات، كما حدّده آباء الكنيسة.
المرجع:
https://www.gnothiseauton.org/2024/06/self-love-passion-of-our-time.html