عظة في نقل رفات القديس مكسيموس المعترف
الميتروبوليت إيروثاوس فلاخوس
نقلها إلى العربيَّة الشماس مكسيموس سلُّوم
تحتفل كنيستنا اليوم بنقل رُفات القديس مكسيموس المعترف، مع أنَّنا نعيِّد لذكرى رقاده في 21 كانون الثاني.
القديس مكسيموس المعترف هو أب عظيم لكنيستنا. وُلد في أواخر القرن السادس في القسطنطينيَّة، وجاهد حتى منتصف القرن السابع. أتى من عائلة مَرموقة، وتميَّز بموهبة ذكائه الكبير والاستثنائيّ، واحتلَّ مركزًا متميزًا في القصر، بعد أن عيَّنه الإمبراطور هرقل أمينًا عامًا. لكنه سرعان ما استقال من منصبه وأصبح بدايةً راهبًا في ديرٍ على الشاطئ الشرقي لمضيق البوسفور، ثم انتقل لاحقًا إلى أديرة مقدَّسة أخرى بسبب هجمات الأعداء.
كانت حياة القديس مكسيموس المعترف مليئة بالمخاطر، لأنه دافع عن حقيقة الكنيسة في ما يتعلَّق بالمشيئتَين في المسيح. ظهرت في زمانه هرطقةٌ تُعرف بالمونوثيليَّة1 والمونوإينيرجيَّة2، وكانت امتداد لهرطقة المونوفيزيَّة3، التي تزعم أنَّ المسيح، بعد اتِّحاد الطبيعتَين، له مشيئة واحدة فقط وهي الإلهيَّة. رأى القديس مكسيموس خطورة ذلك على الكنيسة الأرثوذكسيَّة، ولهذا السبب أيَّد التعليم الأرثوذكسيّ الذي يقول: كما أنَّ للمسيح طبيعتَين، إلهيَّة وبشريَّة، كذلك له مشيئتان طبيعيَّتان، إلهيَّة وبشريَّة، لأن المشيئة والقوّة هما من خصائص الطبيعة.
من المهم أن نفهم سبب انتشار هرطقة المشيئة الواحدة. عندما حرَّر الإمبراطور هرقل الأراضي، التي كان يعيش فيها أصحاب الطبيعة الواحدة، من العرب، سعى إلى إدخالهم إلى الكنيسة الأرثوذكسيَّة من خلال تنفيذ تسوية سياسيَّة. بموجب هذه الخطّة، يقبل أصحاب الطبيعة الواحدة أنَّ في المسيح طبيعتَين بعد اتِّحاد الطبيعتَين الإلهيَّة والبشريَّة، ويقبل الأرثوذكسيُّون أنَّ في المسيح مشيئة وقوَّة واحدة بعد اتِّحاد الطبيعتَين.
لكن القديس مكسيموس أبى أن يقبل بالتنازل عن الإيمان، حتَّى لأسباب ومنفعة سياسيَّة، لذلك كتب نصوصًا كثيرة وخاض العديد من الجهادات للحفاظ على الحقيقة. لقد تعرَّض لجِراح وعذابات كثيرة، لكنَّه لم يستسلم. لم تكن هذه المسألة لاهوتيَّة وخريستولوجيَّة فحسب، بل أنثروبولوجيَّة أيضًا، فَلو كان للمسيح مشيئة وقوة واحدة فقط، أي المشيئة والقوة الإلهيَّة، فهو ليس شخصًا حقيقيًّا، ولن يستطيع تحقيق خلاص الإنسان.
قرّر المجمع المسكوني السادس ما يلي: بما أنَّ في المسيح طبيعتَين، الإلهيَّة والبشريَّة، فإنَّ هناك أيضًا مشيئتَين وقوَّتَين طبيعيَّتَين، الإلهيَّة والبشريَّة، تعملان "من دون انقسام، أو تغيير، أو انفصال، أو اختلاط"، ومن دون أن تُهيمِن الواحدة على الأخرى. وكما يقول القديس يوحنا الدمشقي إنَّ المشيئة البشريَّة لا تتحرّك بِمَيلِها الخاص، بل تخضع للمشيئة الإلهيَّة، لأقنوم الكلمة، وتتألَّم من تلقاء نفسها بشكل طبيعي عندما تسمح المشيئة الإلهيَّة بذلك. وبهذه الطريقة، أسلم المسيح نفسه طوعًا للموت كإله، بل كإنسان أيضًا.
وبالطبع يجادل البعض أنَّ هذه أمور فلسفيَّة لا تخصّ المسيحيِّين ولا يمكن فهمها. هذا خطأ، لأنَّ هذه أمور لاهوتيَّة، والتغيير في تعليم المسيح هو تغيير لتعليم خلاص الإنسان. كما أنَّ القديس مكسيموس المعترف وآباء الكنيسة، عندما تحدَّثوا عن المسيح، لم يمارسوا الفلسفة، بل حاولوا أن يعبِّروا بالكلمات ما عرفوه عبر الخبرة الشخصيَّة. عندما رأوا المسيح في نور مجده، ثمَّ رأوا طبيعة المسيح الإلهيَّة-البشريَّة4، وأدركوا أيضًا أنَّهم لم يفقدوا إرادتهم وحريتهم الشخصيّة.
يجب أن نفهم أنه في الاختلافات بين الشرق والغرب، من بين أمور أخرى، هناك حقيقة أنَّ نظريَّة القدريَّة، التي تلغي حريَّة الإنسان، قد سادت في الغرب، بِطُرُقٍ مختلفة، عبر المغبوط أوغسطينوس، بينما طغى تعليم القديس مكسيموس المعترف، الذي يحفظ حريَّة الإنسان، في الشرق.
هناك سبب آخر وراء مناقشة هذه المسألة اليوم. كما رأينا سابقًا، كانت المونوثيليَّة نتيجة لتصرّفات القوى السياسيَّة لتوحيد الأرثوذكسيِّين مع المونوفيزيِّين، لكنها فشلت في النهاية. ولهذا السبب ينبغي أن يكون مفهومًا أنَّه ليس من الممكن استخدام القضايا اللاهوتيَّة والكنسيَّة لأغراض سياسيَّة ودبلوماسيَّة.
لقد أظهر لنا القديس مكسيموس المعترف بتعاليمه وجهاداته، أننا يجب أن نعيش الحقيقةَ كأرثوذكسيِّين حقيقيِّين، ونعترف بها بكل قوى نفسنا.
https://www.johnsanidopoulos.com/2013/08/homily-for-translation-of-relics-of-st.html
1هرطقة المشيئة الواحدة (المترجم).
2هرطقة القوة الواحدة (المترجم).
3هرطقة الطبيعة الواحدة (المترجم).
4ليس المقصود هنا بالطبيعة الواحد المركَّبة كما يزعم أصحاب الطبيعة الواحدة بل طبيعة المسيح البشريَّة المتألِّهة (المترجِم).