محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة.
الجزء الخامِس: العنصرة الدّائمة في الأرثوذكسيّة.
الأرشمندريت جورج كابسانيس.
نقلها إلى العربيّة فريق القدّيس غريغوريوس بالاماس.
يا إخوتي، كلُّ قدّاسٍ إلهيٍّ هو عنصرةٌ. ماذا يحدث في كُلِّ قدَّاسٍ إلهيٍّ؟ ألا يحلُّ الرّوح القدس؟ كيف يتحوَّل الخُبزُ والخمرُ جسدَ المسيح ودمَه؟ ألَيس بِحلولِ الرُّوحِ القُدس عليهما. ها العنصرة إذن. كلُّ مائدةٍ مقدَّسةٍ، في كلّ كنيسةٍ أرثوذكسيَّةٍ، هي عُلِّيَة صهيون، أَي عليَّة العنصرة.
كُلُّ سيامَةٍ لتَصْيير شمّاسٍ أو كاهنٍ أو أسقُفٍ، هي عَنصرةٌ جديدة. يَحلُّ الرُّوحُ القُدس على المتقَدِّم، فيجعَله إكليريكيًّا وخادمًا لله العليّ؛ كلُّ اعترافٍ يؤدِّيهِ المؤمنُ هو عنصرةٌ، أي عندَ ركوعِه تحت بطرشيل الكاهن بتواضعٍ، وإقراره بخطاياه بتوبةٍ، فيقرأ عليه أبوه الرّوحيّ صلاةَ الحلّ، فينحدرُ الرّوح القُدُس: هذه عنصرة المؤمن الخاصَّة؛ كلُّ اجتماعٍ كنسيٍّ، وكلُّ سرٍّ مُقدَّسٍ تُقيمُهُ الكنيسة، هو عَنصرةٌ لأنَّ الرُّوحَ القدس يحلّ. تَعلمون أنّ جميع الخِدَم والأسرار تبدأ بصلاة الرُّوح القدس (أيُّها الملك السَّماويّ المُعزِّي، روحُ الحقِّ الحاضِرُ في كلِّ مكانٍ، هلُمَّ واسكن فينا وطهِّرنا مِن كُلِّ دنسٍ، وخلِّص أيُّها الصّالِحُ نفوسَنا).
نطلبُ أن يأتيَ المعزِّي، الرُّوحُ القدس، وهذا ما يحدُث. كلَّما اجتمعَت الكنيسةُ الأرثوذكسيَّة، كنيسةُ المسيحِ الحقيقيَّة، وأينما اجتمعَت، تحلُّ نعمَةُ الرّوح القدس، كما في أسرارِ الكنيسَةِ، وفي عظَةِ الكنيسة، وفي كُلِّ عَمَلٍ تقومُ به كنيستنا الحقيقيَّة الأَصيلَة؛ كلُّ قدِّيسٍ في كنيستنا عنصرةٌ (إنسان العنصرة)، لأنَّهُ إنسانٌ حاملٌ للرُّوحِ القُدس، مليءٌ بالمواهبِ الرُّوحيَّة؛ كُلُّ معموديَّةٍ لدينا هي عنصرةٌ أيضًا، لأنّ المسيحيَّ الّذي ينال المعموديّة يصيرُ، بنعمة الرّوح القدس، عضوًا في جسد المسيح.
إنَّ ما نطلبُه في الصَّلاة الرّبّيَّة (أبانا الَّذي ... ليأتِ ملكوتُك)، هو طلَبٌ لكي تأتيَ نعمة الرّوح القدس؛ لأنَّها هي ملكوتُ الله. صلاتُنا (ربّي يسوع المسيح ابن الله ارحمني، أنا الخاطئ)، يُنيرُنا الرّوح القدس لكي نردّدَها، لأنّه حسَبَ القِدِّيسِ بُولُس الرَّسول: «وليس أحدٌ يقدِرُ أن يَقولَ يَسوعُ رَبٌّ إلاَّ بالرُّوح القُدُس». (1 كور 12: 3) ها هِي الدَّلائِل على أنَّ كنيستنا، هيَ كنيسةُ العنصرةِ الحقّة.