محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة (4/7)

الجزء الرّابع: البِدعُ الدّينيّةُ وأعمالُها

 محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة.

الجزء الرّابع: البِدعُ الدّينيّةُ وأعمالُها

الأرشمندريت جورج كابسانيس.

نقلها إلى العربيّة فريق القدّيس غريغوريوس بالاماس.

 

مِن الممكن، أن يضلَّ الرُّهبان كذلك. هُناك أمثِلةٌ، في الجبَل المُقدَّس، لرُهبان ضلُّوا جرَّاء معايناتٍ كهذه. مَثلاً، ظهرَ لراهبٍ ما ملاكٌ وكان في الواقع إبليس. قالَ له اتبعني إلى قمَّة آثوس لأُريَك عجائبَ كبرى. فذهب الرَّاهب معه، هُناكَ دفعَهُ عن الجرف العالي وقتله. صدَّق الملاكَ بسذاجة. ما كان عليه أن يُصدِّق؛ لأنّ الرُّهبان يعرفون جيدًا أنَّه حين يشاهدون رؤيا ما، لا يجب أن يصدِّقوها، بل أن يطلعوا الأب الرّوحيّ، وهو سيخبرهم إن كانت إلهيّةً أم لا. حيث الكبرياء، كلُّ إنسانٍ عرضةٌ لخطر الضّلال، حتَّى الرّاهب. وتكثرُ الأمثلة والقصص، لكن لن أتعبكم أكثر.

البِدَعُ الدّينيَّة، الّتي تدّعي اقتناء الخبرات الرّوحيّة، كالخمسينيّة، إنّما ليست من الله؛ لأنّها بدل أن تقود أتباعها إلى الكنيسة، تُبعدهم من الله، وتخرجهم من الكنيسة عبرَ هذه الخبرات. لو كانت خبرةً إلهيَّةً حقيقيَّةً، لقادتْهم إلى دخول الكنيسة، والاعتراف، والطَّاعة للأبِ الرُّوحيّ. بيدَ أنّ خبراتهم وأرواحهم، تدفعهم إلى هجر الكنيسة، لأنّها ضالّةٌ برأيهم، وتقودهم إلى الإعراضِ عن الاعتراف، وتجنُّب الصّوم، والانقطاع عن المناولة. إذن، هل من المعقول أن تكون هذه من الله؟ أم هي بالفعل من الشّيطان؟

من المُستفيد من إخلاء الكنيسة؟ آلمسيح أم الشّيطان؟

ناهيك عن أنَّهم منشقُّون في ما بينهم. صار البروتستانت آلاف الطَّوائف والجماعات. صار الخمسينيُّون، في أميركا وحدها، 39 طائفة. كُلُّ جماعةٍ مِنهم، تشدِّد على بَعضِ التَّعاليم أكثَر من غيرِها، وليس لها أيُّ صِلةٍ بالأخرى. سأقرأ لكم بعضًا من أسمائها: كنائس الله، وكنيسة مجيء الله، واجتماع كنيسة الله- الجبل- واجتماع كنيسة الله المتجسِّدة، والبشارة السّاهرة، وكنيسة الأمّ هورن والأمّ روبنسون (هاتان مُستنيرتان ولهما دَور الرَّئيس) يسوع والبشارة السَّاهرة، وبقيَّة كنيسة الله، وكنيسة أميركا الأقدس المعمَّدة بالنّار، وكنيسة موزيلا بوك، والاتّحاد الدّاوديّ الرّوحيّ الوطنيّ، وهيكل كنيسة المسيح، وكنيسة الإنجيل المربّع... والآن، من يفكّ لنا اللّغز؟ إن كان فيهم روح الله، لكانوا متَّحِدين وكنيسةً واحدةً فقط، لا جماعاتٍ عديدةً ومتحارِبَة. في اليونان، أتباع الكنائس هذه، لا يتبادَلون السَّلام، بالإضافة إلى دلائلَ على سلوكٍ شيطانيٍّ في اجتماعاتهم: كالارتجاف، والسُّقوط أرضًا كالموتى، والصّرخات الّتي لا معنى لها... ليس هذا من روح الله، الرُّوح السّلاميّ، بل أمورٌ شيطانيّةٌ نصادفها في الدّيانات الوثنيّة - حين يرقصون حول الأصنام، ويصرخون، ويقعون أرضًا كالموتى - وفي عمليّات استحضار الأرواح (الوسطاء medium). لو كانت خبراتهم من الله، لما خلَقَت روحَ الغرور. لدى الخمسينيّين، الاعتقاد بأنّ الكنيسة بأكملها قد ضلَّت على مدى ألفَي سنةٍ، إلى حين ظهورهم. أمَّا هم فوجدوا الحقيقة الآن، أي سنة 1900 عندما أسَّس كنيستَهم شخصٌ أمريكيٌّ، وبعده ظهَر آخر إنجليزيّ. الخمسينيّ الأوّل في اليونان، اسمه ميخائيل كوناس، وقد كتبَ: «بعدَ قُرونٍ كثيرةٍ، حدَث مُجدَّدًا في قُطرِ اليونان بداية افتقاد الله، مثل يوم العنصرة». بدأ افتقاد الله لليونان، كما في العنصرة، منذ انتمائه للخمسينيّة. يا للعجب! وعلى مرّ السّنوات الماضية، ألم يكن هناك افتقادٌ من الله؟ أترون شدّة الغرور الشّيطانيِّ والكبرياء؟

ماذا عن موهبة الأَلسُن لديهم؟

كما تعلمون، في العهد الجديد تُوجَد موهبة الألسُن، في يوم العنصرة، لمّا تَكلَّم الرُّسل القدِّيسون بلُغات الشُّعوب الحاضرة، للسّجودِ في أورشليم نَهار العنصرة، حتَّى يبشِّروهم بالإنجيل. أُعطيت هذه المَوهِبة للرُّسل مِن اللهِ لِعلَّةٍ محُدَّدةٍ، ألا وهي هِداية غير المسيحيّين إلى الإيمان المسيحيّ. لم يتكلَّم الرُّسل بهذرٍ وصَيحاتٍ مُبهَمَةِ المعنى كأنَّهم مَمسوسون، بَل بِلُغاتٍ أجنبيَّةٍ معروفةٍ، هي لُغات الحاضرين في أورشليم، ومَن لا يَعلم اللّغة العبريَّة، حتَّى يسمعوا بعظائِمِ اللهِ فيؤمنوا. وعليه، الصّياح والصّرَخاتُ لا علاقة لها بموهبة التَّكلُّم بالألسن الَّتي يدَّعي الخمسينيّون اقتناءها.

لذا، ليست الخمسينيّة كنيسة العنصرة. كنيسةُ العنصرة، هي الكنيسة المُستقيمة الرَّأي الأرثوذكسيّة. لماذا الكنيسة الأرثوذكسيّة هي كنيسة العنصرة؟ لأنَّها كنيسة تجسُّدِ المسيح وتأنُّسِه، ومَوتِه صلبًا وقيامتِه، والعنصرةِ في آنٍ معًا. حينَما أستثني، مِن عملِ المسيح الخلاصيِّ والمتكاملِ، حدثًا واحدًا وأشدِّدُ عليهِ أكثر من غيره، فسأفسِّرهُ خَطَأً كما يحلو لي، وأخلقُ هرطقةً وتفرُّدًا. الكنيسة هي الَّتي تقبَل عملَ المسيح بأكمَلِه، بما في ذلك العنصرة، لكي تستحقَّ أن تكون كنيسةَ العنصرة الحقيقيَّة.

هل من قيامةٍ من دون صليب؟ من دون أن يُصلَب الإنسانُ، عبر الصَّومِ والتّوبة والصَّلاة وبالتّواضع والنّسكِ، هل يمكنُهُ أن يرى الله؟ ما كان الرَّبُّ نفسه ليقوم إن لَم يُصلب أوَّلاً. يتقدَّم الصَّليب على كلِّ شيءٍ في حياةِ المسيحيّ، وتاليًا تأتي القيامة فالعنصرة. يريدُ هؤلاء الضالُّون جميعًا قيامةً، ومواهبَ روحيّةً، من دون أن يَصلبوا ذواتهم عَبر التَّوبة والإمساك والصَّوم والطَّاعة للكنيسة. لهذا، ليست الخمسينيّة بكنيسةٍ، بل نحن كنيسة العَنصرة الحقّة، أي الأرثوذكس المستقيمة الرّأي. لأنَّنا نعبُر إلى العنصرة عبرَ الصَّليب والقيامة.