محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة (3/7)

الجزء الثّالث: اِهتداءُ خمسينيٍّ في الجبل المقدّس

 محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة.

الجزء الثّالث: اِهتداءُ خمسينيٍّ في الجبل المقدّس

الأرشمندريت جورج كابسانيس.

نقلها إلى العربيّة فريق القدّيس غريغوريوس بالاماس.

 

جاءَ شابٌّ، إلى الجبل المقدَّس، قد تخرَّج في كليَّة الهندسة، وكان خمسينيًّا سابِقًا. قال لي: «أنا من أتباع الخمسينيَّة، وابنة عمِّي نبيَّةٌ هناك». كانت هذه، المرّة الأولى الّتي أسمعُ فيها عن وجود نساءٍ متنبِّئات، مع أنَّ بولس الرَّسول قد قال إنَّه لا يُسمح للمرأة بأن تَعِظَ في الكنيسة. وأخبرني أيضًا: «في اجتماعاتنا، تحديدًا في أثناء الأَلسُن -حين يتلفَّظون بصَيحاتٍ غير مفهومةٍ - يبدأ بعضُهم يتنبّؤون، مثل قريبتي؛ أمَّا أنا فأشعُرُ باضطرابٍ داخليٍّ، وأدرك أنَّ هذا ليس بروح الله. أودُّ العَودة إلى الكنيسة. فيا حبَّذا لو تستمع لاعترافي، ثُمَّ تناولني»!

بالتّأكيد، يُنكِرُ الخمسينيُّونَ معموديَّة الكنيسة، ولا يقبلون أيَّ عضوٍ جديدٍ، إلّا بعدَ أن ينالَ معموديّتهم الشّيطانيّة. فقلت له: «ما دُمتَ يا بنيّ، قد اعترفت بالطّائفة الخمسينيّة، وقبلتَ بما يُدعى معموديَّة الرُّوحِ القُدسِ عندهم، فلا يُمكنُني أن أناولَكَ إن لم تَنلُ أوَّلًا سرَّ المَسحة بالمَيرونِ المُقدَّسِ (وهو خَتمُ مواهِبِ الرُّوحِ القُدس). ليِتمَّ كلُّ هذا، يجب أوَّلاً أن تعتَرِفَ، وثانيًا أن تُقِرَّ خطّيًّا بالإيمان. هل أنت مُستعِدٌ لكتابة إقرارٍ بأنَّك تُنكِرُ ضلالَ الخمسينيَّة وتَلعَنُه، وبأنَّك تَعودُ بتَوبَةٍ إلى الكنيسة الأرثوذكسيّة المقدَّسة، كنيسةِ المسيح، وبأنَّك تلتمسُ أن تُصبِحَ مُجدَّدًا عُضوًا مُستحقًّا، في كنيستنا المقدَّسة؟» فقال: «لا أَقوى على هذا كلَّه». أَي أنَّه أراد الاعتراف والمناولة، من دون أن يدين ضلال الخمسينيّة. لماذا؟ لأنّ الرُّوحَ الشِّرير، كان متسلِّطًا عليه، فلم يسمح له باتِّخاذِ الخطوةِ الحاسمةِ والمصيريَّة، للعودة إلى حضن الكنيسة. كنتَ تراهُ مضطربًا، ويتعذَّب داخليًّا، رُغم أنَّه كانَ شابًّا ذا 25 سنةً. بدأنا جميعًا - الرّهبان في الأخويّة - الصلواتِ من أجله. تلكَ الأيام، كنَّا نستضيفُ شيخًا ناسكًا، كان رَجُلَ صلاةٍ، وله قامةٌ روحيَّةٌ رفيعةٌ. طلبتُ منه أن يصلِّيَ للشّابّ بالمسبحةِ قدر الإمكان. وصلَّى له النَّاسكُ بحرارة. بدأتُ قراءَةَ صلاةِ الاستقسامِ (صلوات القدِّيس باسيليوس الكبير لطردِ الرُّوحِ النَّجِس) وكان ذلك السّبت عصرًا، كلَّما كنتُ أقرأ الأفاشين، كان الشَّابُّ يزدادُ اضطرابًا أكثر فأكثر. عذَّبَهُ الشّيطان كثيرًا، ومَضت ليلةُ السَّبت من دون أن يتمكَّنَ من كِتابة الإقرار، والاعتراف بالإيمان الأرثوذكسي. قال لي مرارًا وتكرارًا: «دَعني أَتناوَل، إنّي أحتاج إلى المناولة». أمَّا أنا، فكنت أقولُ له: «لا يمكنني أن أناولك، إن لم تدحَض الضَّلال». انتَصرَت أخيرًا الصَّلوات، وبنعمة الله، في صباحِ الأحدِ، عندَ انتهاءِ القُدَّاسِ الإلهيّ، جاءَ الشابُّ وقال لي: «إنِّي مُوافِقٌ على تَوقِيع الاعتراف بالإيمان، ومستعدٌّ لقراءته على مَسامِع جميعِ الآباءِ. فيه ألعَنُ هرطَقَةَ الخمسينيَّة، أمامَ الأخويّة كلِّها والكنيسة». حرَّرنا الصَّكَ، وقُرِعَت الأجراسُ، فاجتمع الإخوة كلّهم. قرأناه ووَقَّع عليه، فمَسحتُهُ بالمَيرون المُقدَّس، ثمّ ناولتُه.

جاء لاحِقًا لزيارَةِ دَيرنا، وقال لي: «أيُّها الشَّيخ، حالما أشرعُ بتَردادِ صلاةِ يسوع، ربّي يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ، تأتيني الأَلسُن من الدَّاخل لتَخنقَني حتَّى لا أقولَ الصَّلاة. فأجدُ نفسي مُضطَّرًا لأتفوَّهَ بتلكَ الصَّيحات غير المفهومة، كَي تَمنَعَني مِن تَردادِ صلاة يسوع، ربّي يسوع المسيح، ارحمني أنا الخاطئ». كان يلزمه جهادٌ طويلٌ، وصلواتٌ كثيرةٌ كي ينعَتِقَ؛ أمَّا الآنَ، فأعتقدُ أنَّهُ قد هدأ.

أخبرني أيضًا: «حينَ أخرَجَ الآباءُ، الرُّهبانُ الآثوسيّون، إيقونةَ السيِّدة العذراء، بواجب الاستئهال، ليزورَها المؤمنونَ، في مدينة تسالونيكي، انعتقت امرأةٌ من الرُّوحِ النَّجِسِ حالَ سجودِها للسّيِّدة، ونُشِرَ الحَدَثُ في الجرائد. بحثتُ عَنها، لأنّها قد شُفِيَت تَمامًا وتحدَّثنا. حينَ سألتُها عن أعراض الرُّوحِ النَّجِس، أدركتُ أنَّها هي الأعراضُ ذاتُها الَّتي تَحلُّ بالخمسينيِّين.

كم نحنُ بخطرٍ، جرّاء بدعةِ الخمسينيّين، كهنةً وشعبًا. حذارِ! فإنَّ كاهِنًا اسمُه إفسابيوس قد انجرفَ وراءَ هذه الهرطقة، ثُمَّ ذهبَ لزيارة جماعةٍ من المؤمنين كَي يرشدهم إلى ضلاله. قال:

ولكنَّ الشُّبَّانَ الوَرِعينَ قالوا له:

فرماه بيدهِ بعيدًا، وقال:

هَل ترَون شدّة الغرور؟ رفَض صلواتِ الكنيسة، واستبدل الصّلواتِ الخاصّةَ بها. وبدأ يردِّد صلواتِ الخمسينيّين. أمَّا الشّبَّان فكانوا يُمسِكونَ مسابِحهم في أيديهم، ويصلُّون. ليكن معروفًا، أنَّ للمسبَحة قُوَّةً كُبرى على طَردِ الشّيطان وإبقائه بعيدًا. كُلُّ مَسيحيٍّ يُمسِكُ بِيدِه المَسبَحَة، أينَما ذهبَ وأينَما كان، ويُردِّد صلاةَ يسوع بإيمانٍ، لَن يَمَسَّهُ السِّحِر، ولا التَّنجيم، ولا استحضار الأرواح، ولا أذى الخمسينيّة أو غيرها.

هكذا شرع الشبَّانُ يصلُّون، مردِّدين صلاة يسوع: «ربّي يسوع المسيح، ارحمنا». وهو ظلَّ يحاوِل أن يقولَ صلواتِه. ولكنَّه أخفق ولم يحقِّق أيَّ نتيجة. في لحظةٍ ما، قال:

بعد ذلكَ تَوقَّف، ولَم يستطع أن يُتابِع. أخبَرني الشّبَّانٌ لاحقًا:

تصارع الشّيطانُ والمسيح. هم في صفِّ المسيحِ، أمَّا ذاكَ الضَّالّ ففي صفِّ الشّيطان، واشتعل الصّراع. جهاد الشّبَّان كان مرًّا، لمواجهتهم صعوبةً في ترداد صلاةِ يسوع. لكن في النِّهاية، انتصرَت صلاة يسوع، ولم يقدِر الخمسينيُّ على عمل السّوء بشعوذَته.

يستطيعُ الشّيطان أن يظهَرَ بهيئة ملاكِ نورٍ؛ لذا يجب علينا، المسيحيّين، أن ننتبه جيّدًا لموضوعِ الخِبرات. يقول القدِّيس يوحنَّا الرَّسول: «أيُّها الأحبَّاء، لا تُصدِّقوا كُلَّ روحٍ» ... (1 يوحنّا 4 :1) لَيست كُلُّ الأرواحِ مِنَ الله. لهذا، قال بولس الرَّسول إنَّ أعظَم موهبةٍ هيَ تمييزُ الأرواحِ (1كور 12: 10)، أن يقدِرَ الإنسانُ أن يَحكُمَ إن كانَ الرُّوحُ مِنَ اللهِ أَم مِنَ الشِّرِّير. نجد هذه المَوهِبة لَدى الآباء الرُّوحيِّين في كنيستنا. لهذا، عندما نواجِه مُشكلةً من هذا النَّوع، علينا إطلاعُ الأبِ الرُّوحيّ عليها، وهو سيميِّزها سواءٌ أَمِن اللهِ كانت أَم من الشّيطان.