محاضرة في جماعة الخمسينيّين وخبرة النعمة الإلهيّة.
الجزء الثّاني: الوجه الحقيقيّ للخمسينيّة
الأرشمندريت جورج كابسانيس.
نقلها إلى العربيّة فريق القدّيس غريغوريوس بالاماس.
فلنتحدّث الآن، عن بعض الخبرات الكاذبة الَّتي نصادفها خارج الكنيسة. يعتقد النَّاس أنَّهم سيجدون نعمةَ الله عبر قُواهم الخاصَّة، من دون الكنيسة، فيلجؤون إلى هرطقاتٍ وجماعاتٍ منشقَّةٍ، واجتماعاتٍ لا تَخضع للكنيسة، مُعتقدين أنَّه بوسعهم أن إيجاد مواهب الرّوح القدس فيها. يجتمعون ويختارون واحِدًا منهم، ليُؤدّيَ دَور النَّبيّ، أو الرَّئيس الجديد، ويؤمنون بأنَّهم سينالون نعمةً إلهيَّةً بهذه الطّريقة. ليس هذا الفِكرُ سوى خطأ آدم وحوّاء، مُنذ البدء، حين فكَّرا في أن يأكُلا في الفردوس، كي يصيرا إلهَين، مِن دون معونةِ الله.
في أثناء وُجودي في الولايات المتّحدة، سنة 1966، دعاني أحد معارفي مرَّةً إلى اجتماعٍ للخمسينيّين، فذهبت لحبِّ الاستطلاع. وكان اجتماعهم في قاعةٍ كأنَّها مدرسيّةٌ. بدأ الاجتماع بموسيقى هادئةٍ جدًّا، ازدادت مع الوقت صخبًا تصمُّ له الآذان، إلى أن وصلت ختامًا إلى تهييج الجمع. بعدها، تكلَّم الواعظ بالأسلوب عينه، أوّلًا بهدوءٍ شديدٍ، ومن ثمَّ صار يرفع صوتَه، وختامًا صار يصرخ، إلى أن خَلَق هو الآخر حالةً من الإثارة النّفسيّة. عندها، فيما كان الجمع واقعين تحتَ تأثيرِ هذه الحماسةِ، صاروا كُلُّهم يصرخون، رافعين أيديهم، ويتحرَّكون، هاتِفين بصيحاتٍ غير مفهومةٍ، وهم يقولون: «قد جاءَ المسيح! أشهد بالمسيح». وكانوا يتلفَّظون بكلماتٍ مُبهَمةٍ، وهم في حالة هستيريا جماعيّة. فأدركتُ عندها، أنّ هذا ليس بروح الله أبدًا، لأنّ روحَ اللهِ سلاميٌّ، وليس روح اضطرابٍ أو تهيّج. لا يأتي بأساليب مصطنعةٍ، كالموسيقى لإثارةِ النّفس، أو كالأسلوب السّيكولوجيّ في الوَعْظ لخلق جوٍّ انفعاليّ. أشفقتُ على الأطفال الحاضرين صحبةَ أهاليهم كثيرًا، وقلتُ في نفسي: «قد ضلَّ الكبار، وهم تحت وقعِ حالَةٍ عصبيّةٍ جماعيّةٍ، أمَّا المساكين الصِّغار فما ذنبهم؟ لماذا يأخذونهم معهم؟ كي يوتّروا جهازهم العصبيّ فيمرض، مثلما مرض الكبار؟ الخَمسينيّون يخلقون، بأساليب سيكولوجيّةٍ، حالةً نفسيّةً متوتِّرةً، في تجمُّعهم الدّينيّ، يعدُّها النّاسُ للأسف، حضورًا للرّوح القدس.
جاءَ شابٌّ، إلى الجبل المقدَّس، ليصيرَ راهبًا بعدما جرَّب اليوغا من قبل، وهي هَرطقةٌ هندوسيّة. اعلموا، أنَّ هُناك خمسمئة طائفةٍ هندوسيَّةٍ في اليونان. وهم يتعمَّدون أن يُضِلُّوا شبابنا تحديدًا. انجرَّ هذا الشابُّ، والتحق بإحدى هذه الجماعات (اليوغا) ولكنَّه لم يكن مُرتاحًا لهم، لأنَّه أدرك أن روحَ اللهِ لا يسكُنُ هناك. جاء مرَّةً، مدفوعًا بحبِّ الاستطلاع، إلى الجبل المُقدَّس، عندئذٍ شدَّهُ اللهُ إليهِ وقرَّبه. تحدَّثنا معًا، فأدركَ أنَّ اليوغا ضلالٌ، وقرَّر أن يصير راهبًا، وهو كذلك الآن. أخبَرني كيفَ يُحاول هؤلاء خَلق خِبرات. إن أرادوا رؤية النُّور غير المخلوق، يَفرُكون عيونهم بحركاتٍ مُعيَّنةٍ، إلى أن يرَوا أنوارًا صغيرةً كالنّجوم، فيدّعوا أنّهم رأَوا نور الله. إن أرادوا سماع أصواتًا فائقةً للعالم، يقومون بحركاتٍ داخليَّةٍ، بين الأنف والأذن، إلى أن يَصدُرَ صوتٌ ما فيعُدّونه سماويًّا. إذن، ما هذا إلاّ خداعٌ لذواتهم بأساليب سيكولوجيّة. يدَّعي أتباعُ اليوغا مشاهدةَ رؤى، أو سماع أصواتٍ، يعزونها إلى الرُّوح القدس، وما هي إلاّ سيكولوجيّةٌ بحتةٌ وكاذبةٌ، والأسوأ أنَّها شيطانيّة. يستغلُّ إبليس الَّذين يلتمسون الرُّؤى، فيجري لهم علاماتٍ مُضلَّةً، يصدِّقونها بسهولةٍ، وما هي إلّا ألاعيبُ الشّيطان، وليست من عند الله. لا يمكنهم أن يصدِّقوا أنَّهم وقعوا فريسةً للشّيطان. يخالونَ ألاعيبَهُ علامةً سماويَّةً من الرُّوحِ القُدس. يعطيهم الشَّيطان كذلك، قُدرةً على التَّنبُّؤ كما يُعطي للمبَصِّرين، فهؤلاء يتنبَّؤون ببعض الأمورِ أحيانًا. لكن هل هذا من الله؟ قطعًا لا، بل من الشّيطان. سبق ونبَّهنا الرَّبُّ في الإنجيل كما تَذكرون، إنَّه لا العجائب ولا النّبوءات دليلٌ أصيلٌ على نعمة الله، بل يُمكنها أن تكونَ أدلَّةً كاذبة. «لأنَّه سيقوم مُسحاءُ كذبةٌ وأنبياء كذبةٌ ويعطون آياتٍ عظيمةً وعجائبَ حتَّى يُضلوا لو أَمكنَ المختارينَ أيضًا». (متَّى 24: 24) لن يفعلوا أعاجيبَ إلهيّةً، بل ظواهرَ عظيمَةً ورَهيبةً، وهذا أمرٌ مخيف. حين يظهر المسيح الدّجَّال، سيعمل معجزاتٍ أيضًا. والآن، هاجس الكثيرينَ هو: «أين هو؟ ومتى يظهر؟ وهل أتى؟» الحقيقة، أنَّه مَتى جاءَ لن يقومَ بأعمالٍ شرّيرةٍ، إنّما سوف يعمَلُ إحساناتٍ للبشريَّة، وأشفيةً، وسوف يصنَع أمورًا تستحقُّ الإعجاب، بحيث يُضلُّ حتَّى المُختارين أيضًا إن أمكنه، فيصدِّقونَ أنَّه مخلِّص البَشر، ويتبعُه الكثيرون. لهذا يلزمنا الحذر، فليس كلُّ مَن يقولُ نبوءةً أو يُظهِر علامةً ما، نصدِّق أنَّه من الله. يقول الرَّبُّ: «كثيرونَ سيقولونَ لي في ذلكَ اليَومِ يا رَبُّ يا رَبُّ أليسَ باسمِكَ تنبّأنا وباسمِكَ أخرَجنا شياطينَ وباسمك صنَعنا قُوَّاتٍ كثيرةً؟ فحينئذٍ أصرِّحُ لهم أنِّي لم أعرفكم قَطُّ. اذهبوا عنِّي يا فاعلي الإثم» (متّى7: 22-23).
سأخبِرُكُم قصَّتين، حدثتا مَعي شخصِيًّا، عن أشخاصٍ قد ضلَّلهم الشّياطين، وتبعوا مِثلَ هذهِ الطَّوائف، وأخبروني عنها.
الأولى عن شابٍّ، كان ضابطًا في الجيش، ووصلَ إلى رتبةٍ متقدِّمَةٍ (ما زال يعمل في الجيش). حسب ما قال لي، إنَّه شرَعَ يهتمُّ بالأديان الشَّرقيَّة (الهندوسيَّة) وهو في الرّابعة عشرة. وبعمر 28 حازَ درجةَ رئاسَةِ الكهنوت عندهم، بعد أن ترقَّى في تعلُّمِهِ لأسرار دِينهم، وتدرَّب عليها، وصولاً إلى أسمى الدَّرجات، أي ما يسمّوه مَوهِبَة استدعاء الأرواح. كان ماهرًا في حماية نفسه من أذى الرّوح المُستَحضَر، وقادرًا على السّيطرة عليه. قال: استحضرتُ مرَّة روحًا مُرعِبًا، فاستحوذَ عليّ ظلامٌ رهيب، ولم أستطع السّيطرة عليه. كان روحَ رئيس الأبالسة، بعل زبول. حينئذٍ، مِن شِدَّة يَأسي، وللمرَّة الأولى في حياتي، صرخت: «يا مسيحي، خلِّصني». عندئذٍ، تبدّدت الظُّلمةُ الحالِكَةُ، وحلَّ نورٌ عذبٌ، وسمِعتُ وَسَطَهُ صوتًا يقولُ لي: «اذهب إلى الجبل المقدَّس، هُناكَ سيقولون لكَ ماذا عليك أن تفعَل كي تخلُص». كانت تفاصيلُ حياتِه إلى حين وصولِه إلى الجبل، مؤثِّرةً حقًّا. تابَ واعتَرفَ، وتحوَّل معهُ أربعُ مئةِ شخصٍ تقريبًا، بما فيهم زوجته. ساعَدتهم عودتُه إلى الكنيسة، لينموا روحِيًّا، عبر سرِّ الاعتراف والتّوبة الصّادقة، ويخلصوا.