من هم الروم الكاثوليك؟ (1724 - 2024)
الأرشمندريت غريغوريوس اسطفان
أعظم الخطايا على الاطلاق هي الهرطقة. إنّها تجديف حقيقيّ على الروح القدس وعلى كلّ ما أوحى به من أسرار الخلاص الأبديّ. إنّها تجديف على الروح القدس وعلى كلّ ما عمله ويعمله. من هذا المنطلق كانت الكنيسة تسهر على إيمانها ليبقى واحدًا، وحيدًا، لا ينحرف ولا يتغيّر، لا يتجزّأ ولا ينقسم، مُعتبرة أنّ أصغر انحراف في الإيمان هو هرطقة نهايتها الهلاك الأبديّ. والانشقاق ليس بعيدًا عن الهرطقة، إنّه علامة الكبرياء البشريّة التي تصرّ على مواقفها، وتتكّل على ذاتها لا على الله وطلب مشيئته. يقول القدّيس يوحنّا الذهبيّ الفم: "إنّ الّذي يشقّ كنيسة الله يعمل عملاً أفظع من عمل الّذي يُنكر الإيمان. لأنّ الّذي يُنكر الإيمان يُهلك نفسًا واحدة فقط، أعني نفسه، وأمّا الّذي يشقّ الكنيسة فيُهلك نفوسًا كثيرة؛ ولهذا السبب خطيئته أعظم من خطيئة الكافر".
يعلم إبليس جيّدًا أنّه لم ينجح في اضطهاد الكنيسة من الخارج بمقدار نجاحه باضطهادها من الداخل، عبر الهرطقات والانشقاقات. لهذا من البدء، كان يجد أتباعًا له يصغون له ويصنعون مشيئته. والهرطقة هي مشيئة إبليس، لأنّها تخضّ الكنيسة من الداخل وتُهلك نفوسًا كثيرة متكبّرة، على صورة كبرياء إبليس. لا يمكن لله أن يترك نفوسًا متواضعة تهلك إذا سقطت في الهرطقة، لهذا فهو يجد طرقًا كثيرة لإنقاذها. مع هذا، لا يمكن للهرطقة أن تُدمّر كنيسة المسيح، لكنّها تفصل أعضاء منها؛ وتبقى الكنيسة موجودة في أولئك المستعدّين للموت دفاعاً عن الحقيقة والإيمان الحقيقيّ المقدّس، وإن أصبحوا، كلّما تقدّم الزمن نحو النهاية، قطيعًا صغيرًا وبقيّة. لا يخلو زمن من أزمنة التاريخ لم يُحاول فيه إبليس استنباط هرطقة في محاولة لتدمير الكنيسة. الكنيسة بدأت ومعها بدأت الهرطقات، وإلى يومنا هذا لم تتوقّف. خدعة إبليس المعاصرة، بأن يوهم أبناء الإيمان أن الهرطقة ليست موجودة، الكلّ يملكون الحقيقة أو أجزاء منها، والكلّ يخلصون. هذه ليست فقط هرطقة طبيعيّة، إنّما هي هرطقة مسكونيّة تشمل كلّ الهرطقات معًا، لأنّها تُساوي الحقيقة مع الكذب، أو بالأحرى تُذيب الحقيقة في الكذب، فتظهر الحقيقة والهرطقة والكذب كلّهم واحداً. هذا تجديف شيطانيّ على كلّ ما عمله الربّ يسوع لأجل خلاصنا، وعلى الحقيقة الأزليّة.
انشقاق سنة 1724م، لم يكن سوى جزء من هذه الانشقاقات المتعدّدة والمُظلمة التي خضّت كنيسة انطاكية الأرثوذكسيّة على مرّ التاريخ. إنّه يُضاف إلى الانشقاقات العديدة التي زرعها إبليس في كنيسة المسيح ومستمرّة إلى يومنا. من النسطوريّة وأصحاب الطبيعة الواحدة في القرن الخامس، إلى الموارنة أصحاب المشيئة الواحدة في القرن السابع، وصولاً إلى انشقاق سنة 1724. الانشقاقات الكثيرة التي حدثت قبل هذا التاريخ أثرّت حتمًا على الكنيسة، لكنّها لم تخضّها من الداخل وتعرقل مسيرتها، كما خضّها انشقاق سنة 1724، ونتج عنه مَن سُمّوا لاحقًا "الروم الكاثوليك". لأنّ الحالة الداخليّة للكنيسة وقوّتها الروحيّة، زمن الانشقاقات الأولى، كانت أفضل بكثير من تلك التي كانت عليها زمن هذا الانشقاق الأخير. هذه التجربة الأخيرة فصلت أعضاء جسد المسيح الواحد عن بعضهم البعض، وجعلت إخوة الإيمان الواحد يتفرّقون، ويسقط العديدون في اعتقادات غريبة عن إيمان آبائهم. ويتصارع الواحد مع الآخر، صراعاً إستغلّه أعداء المسيحيّة لينشروا فسادًا وعثرات لا تُحصى في كنيسة المسيح. هذا كلّه أدّى إلى إضعاف الكنيسة في هذا الشرق الجريح إلى أقصى حدّ.
قبل سنة 1724 لم يكن يوجد في هذه البلاد المشرقيّة سوى "روم" واحد، "الروم الأرثوذكس"، فكيف وُجد مَن يُسمّون اليوم الروم الكاثوليك؟
سنتكلّم قليلاً عن الظروف التاريخيّة التي أدّت إلى نشوئهم.
إنّ دخول العرب إلى بلاد الشام في القرن السابع، نتج عنه تغيّرات جذريّة على صعيد الوضع الداخليّ للمنطقة، وبالطبع طال تأثيرها الكنيسة، داخليًّا وخارجيًّا. لكن بعد احتلالها من قبل العثمانيّين وحتى رحيلهم (1517-1917)، تفاقم الوضع كثيرًا. فبسبب الفوضى والفساد والرشوة التي ميّزت كلّ فترة الحكم العثمانيّ، أخذت هذه الأجواء تنتقل تدريجيّاً لتعمّ حياة الكنيسة الداخليّة بشكل كبير. فالجهل كان مسيطراً في كلّ مكان، لا تعليم، لا كتب، ولا مدارس؛ والفقر يطال معظم الناس والضغط الديني، رغم أنّه كان أغلب الأحيان غير مباشر، لكنّه كان يحاول بكلّ الوسائل، بخاصّة من خلال فرض الضرائب الباهظة، والترغيب والترهيب والتجويع، السعي لإستمالة المسيحيّين إلى الإسلام. هذا كلّه أدّى إلى تدنيّ كبير في المستوى الروحيّ للمؤمنين، ولرجال الكنيسة أنفسهم من كهنة وأساقفة.
في هذه الفترة، وتحديدًا في القرن السابع عشر سنة 1622، كانت البابويّة قد أنشأت في روما مجمع خاص لنشر الإيمان الكاثوليكيّ، هدفه الرئيسيّ كان إخضاع المنشقّين، كما أسمتهم، وأوّلهم الكنيسة الشرقيّة كلّها (الأرثوذكسيّة)، إلى سلطة بابا روما1. هذا كان حلم بابوات روما، على الأقل منذ القرن التاسع، إخضاع الشرق الأرثوذكسيّ؛ وذلك لكي تتمّ لبابا روما السيطرة الكاملة على الكنيسة كلّها. لهذا قبل انشقاق سنة 1724 بمئة سنة تقريبًا، بدأت روما بإرسال بعثات من الرهبان المرسلين المثقّفين والمدرّبين والمجهّزين بالمال والعلم والنفوذ والمطبوعات، والمدعومين من سفراء الدول الكبرى، بالتوافد على هذا الشرق الفقير والمستعبَد، وعلى بلاد الشام خاصّة. وكان هؤلاء الرهبان يحملون معهم مخطّطات كاملة لكيفيّة اقتناص الكنيسة الأرثوذكسيّة.
أتى أوّلاً الرهبان اليسوعيون سنة 1623، ثم تبعهم الكبوشيّون ورهبان الكرمل. وكان اليسوعيّون (الجزويت) قد بدأوا نشاطهم لاقتناص الأرثوذكس في القسطنطينيّة منذ سنة 1583.
إستغلّت البابويّة علاقات الدول الكبرى، كفرنسا الكاثوليكيّة، مع السلطنة العثمانيّة، لتسهيل عمل المرسلين في البلاد الخاضعة لسلطة العثمانيّين2. أهمّ المدن التي بدأ فيها المُرسَلون أعمالهم كانت حلب، أكبر مدن سوريا ولبنان آنئذ وأقربها إلى آسيا الصغرى والعراق، ومنها انطلقوا إلى دمشق وصيدا وطرابلس. في دمشق توصّل اليسوعيّون إلى استمالة أعدادًا كبيرة من الأشخاص إليهم، وإلى أن يصبح رئيسهم كاتباً للبطريرك نفسه. تتحدّث كتب التاريخ عن عملهم فتقول، أنّهم "مارسوا التطبيب مجاناً وتداخلوا مع الأساقفة والكهنة وتردّدوا إلى الكنائس الأرثوذكسيّة وإلى بيوت المسيحيّين متظاهرين بالمحبّة والوداعة ووحدة الإيمان، ناشرين بين العامّة أنّ معتقداتهم أرثوذكسيّة لا تختلف بشيء أبدًا عن معتقدات الكنيسة الشرقيّة، ما عدا بعض فروقات ليست بذات أهميّة. وكثيرون منهم كانوا يحامون ويدافعون عن أمور كثيرة في المعتقدات والطقوس الشرقيّة يحسبها الغربيّون اليوم خللاً وشوائب. وكانوا يُظهرون علناً أنّهم ينكرون أهمّ المعتقدات التي يتمسّك بها غير الأرثوذكسيّين. وهذا ما حمل البطريرك أفتيميوس الرابع الصاقزي أن يأوي البعض منهم إلى دار البطريركيّة". إضافة إلى أنّه سُمح لهم أن يعلّموا الأرثوذكسيّين ويزوروا بيوتهم ويمارسوا سرّ الإعتراف في الكنائس الأرثوذكسيّة3.
هذا كلّه لم يكن سوى من باب الرياء. فقد أنشأ الرهبان المرسلون اللاتين في هذه الفترة الكثير من الأديار والمدارس واستغلّوها لتربية الأرثوذكسيّين على مبادئهم، واستمالة من يرَونه مناسبًا وضمّه سرًّا إلى إيمانهم، مع بقائه في العلن أرثوذكسيًّا. بهذه الطريقة بدأوا يهيّئون الأشخاص المناسبين لتسلّم المراكز الأسقفيّة في حال شغورها، هذا ما حصل حين شغور أبرشيّة صور وصيدا عام 1680، وأبرشيّة حلب عام 1686. فبسبب علمهم ونفوذهم، استطاع المرسلون التقرّب من أعيان الروم، الّذين كان لهم تأثير كبير في حياة الكنيسة الأرثوذكسيّة، وفي موضوع انتخاب الأساقفة، فكان المرسلون البابويّون يحضّونهم بعد شغور الأبرشيّة على ترشيح الموالين لهم لهذه الأبرشيّة.
كما بدأ المرسلون في هذه الفترة نشر كتب للدعاية اللاتينيّة، في وقت كان الأرثوذكسيّون يفتقرون إلى أدنى مبادىء المعرفة الدينيّة، وذلك لأسباب عديدة، أهمّها: قلّة الكتب المتداولة؛ والفقر الحاصل من ضغط العثمانيّين عليهم؛ وبسبب الصراع على السلطة البطريركيّة بين الحين والآخر. وكان المرسلون أنفسهم، أغلب الأحيان، يغذّون هذا الصراع على كرسيّ البطريركيّة لخلق الإضطراب في الكنيسة وتشويش المؤمنين. وقد استفادوا كثيرًا من انقسام الشعب الأرثوذكسيّ بين المتصارعين على السلطة، فكانوا يخلقون ما أمكن من الشقاقات والخلافات بين الشعب الأرثوذكسيّ ورئاسته الروحيّة؛ وذلك لاستمالة الناقمين على هذه الأوضاع إلى جهتهم. "وهكذا فإنّه بينما كان الرؤساء الأرثوذكسيّون يتخاصمون ويشقّون الطائفة، كان هؤلاء المرسلون اللاتينيّون يعملون لتقريب العقول والقلوب من رومة وحبرها. وكان سفراء الدوّل الكاثوليكيّة وقناصلها يعضدونهم بكلّ ما أمكنهم من الوسائل لتنفيذ رغبة روما في الكثلكة"4.
المراحل الأولى للانشقاق
أول منشقّ علنيّ عن إيمان الكنيسة الأرثوذكسيّة كان المدعو أفتيميوس الصيفي الذي كان قد تشرّب المبادئ اللاتينيّة منذ الصغر، مع بقائه في الظاهر أرثوذكسيّاً. المرسلون اللاتين، بما لهم من نفوذ، هيّأوا لإنتخابه كمطران أرثوذكسيّ على صور وصيدا. لكنّه حال انتخابه سنة 1682، أعلن خروجه عن الأرثوذكسيّة وولائه لبابا روما. في أول اعتراف إيماني له بعد انتخابه، أرسله إلى البابا، فيه يعترف بأنه تربّى على أيدي المرسلين الكاثوليك ويقول: "لقد رفضت ضلال الروم وشقاقهم منذ زمان واعترفت بالإيمان الكاثوليكيّ بين أيدي الرهبان المرسلين في دمشق5. أفتيميوس هذا لم يكتفِ بانشقاقه بل جاهد لاجتذاب مطارنة الكرسي الإنطاكيّ الآخرين إلى البابويّة لكنّه لم يفلح مع أي منهم. وهذا لتكذيب الدعاية الكاثوليكيّة اليوم بأن كنيسة الروم في إنطاكية لم تكن في موضع نهائيّ مع أية جهة. أي لم تكن لا أرثوذكسيّة ولا كاثوليكيّة، أو أنّها كانت تارةً مع هذه الجهة وتارةً مع الأخرى. وقد حاول أفتيميوس المرتدّ أن يعرض على البطريرك الانطاكيّ كيرلس موضوع الاتّحاد مع روما، لكنّه فشل، بسبب تمسّك البطريرك بالعقيدة الأرثوذكسيّة. وهو نفسه في رسالة له إلى الكرادلة في روما، يقول عن البطريرك كيرلّس إنّه "رجل عادم العلم ويُبغض الكنيسة الرومانيّة"6. وكان البطريرك كيرلّس، بعد أن استتبّت له أمور البطريركيّة، بعد صراع عنيف على السلطة مع أثناسيوس، الّذي سيم بطريركًا بسعيّ المرسلين اللاتين سنة 1686، عمل "على عرقلة أعمال المرسلين وعدم تسهيل أمورهم. وامتنع عن إعطاء سلطان الاعتراف إلى الكهنة الّذين صادقوا المرسلين وعملوا بإرشاداتهم"7.
لكن ومع هذا، فقد نجح المرسلون اللاتين، في ظلّ الأوضاع المأساويّة التي كانت تعيشها الكنيسة، في التقرّب من بعض البطاركة الأرثوذكس أنفسهم، وحضّ البعض منهم، كمكاريوس ابن الزعيم ولاحقًا حفيده كيرلّس، على مراسلة بابا روما وتلقّي هدايا منه، لكن حتمًا من دون أن يصيروا كاثوليكيّين. وكان البطريرك مكاريوس قد أظهر الكثير من الودّ تجاه البابويّة، لكنّه بعد زيارته إلى روسيّا ومروره في رومانيا وأوكرانيا، حيث كان المرسلون والمنضمّون إلى روما يرتكبون أعمالاً مشينة ضدّ الأرثوذكسيّين، فهم البطريرك مكاريوس دسائسَهم ورياءَهم، وقال قولته الشهيرة: "ما أحلى اليهود أمام ما يعمله اللاتين". وكان بابا روما نفسه، قد كتب إلى البطريرك كيرلس رسالة سنة 1716، يدعوه فيها إلى الاتحاد مع روما، ولكن البطريرك أجاب البابا كليمندوس الحادي عشر (1700-1720) برسالة طويلة، وإن كان فيها الكثير من المديح والاطراء والشكر، لأجل سعيه بشأن الوحدة، لكن لا يظهر فيها أيّ كلام يُشير إلى تخلّيه عن إيمان الكنيسة الأرثوذكسيّة، بل بالعكس يُخاطب البابا كأخ، "ويؤكّد استمساك الكنيسة الأرثوذكسيّة التي يرأسها بقرارات المجامع السبعة". وأشار كيرلّس إلى دور الوسيط الّذي أراد جدّه مكاريوس أن يلعبه بين روما والبطاركة الأرثوذكسيّين، وأنّه أراد الذهاب إلى روما لأجل هذا الهدف، لكنّه خاف بأن يُفهم بأنّه صار "أفرنجي"، أي من أتباع البابا8. وفي كلامه إلى رئيس الآباء الفرنسيسكان يُشير البطريرك كيرلّس إلى أنّ ما ابتدعته روما من طقوس وأشياء أخرى كالفطير والانبثاق والمطهر وحظوى القدّيسين ليست موجودة لا في الناموس ولا في قوانين الآباء ولا في المجامع السبعة الكبرى أو السبعة الصغرى. وهذا الّذي أدّى إلى "انفساخ الكنيسة الغربيّة عن الشرقيّة". ويُشير أيضًا إلى أنّ رسالة جدّه مكاريوس إلى البابا لا يطلب فيها التثبيت، إنّما هي فقط لشكره بسبب أعمال الخير التي عملها القنصل بيكيت في سنين الغلاء في حلب9. مع هذا، وفي ظلّ كلّ الفوضى الناتجة عن الصراع على السلطة بين كيرلّس وأثناسيوس، وصعوبة ضبط أمور الأبرشيّات، كان كيرلّس يضطرّ أحيانًا عن التغاضي عن العديد من الأعمال التي كان المرسلون البابويّين يعملونها، "حتّى تفشّت دسائسهم وتأصلّ فسادهم في البلاد". وقيل أيضًا أن كيرلّس "مات مسمومًا بيد واحد من رهبان الافرنج يُقال له توما"10.
إفتيميوس المرتدّ هذا، وبواسطة الأموال التي بدأ المرسلون البابويّون يغذّونه بها، أنشأ قرب صيدا دير المخلّص ليصير مركزاً لحركة الدعاية اللاتينيّة. وأخذ ينقض القوانين الكنسيّة لإجتذات المؤمنين الأرثوذكس إلى الكثلكة، كتخفيف الأصوام الكنسيّة، والسماح بأكل السمك أيام الأربعاء والجمعة وأيام الصوم الكبير، وتحليل الزيجة الرابعة وزواج القرابة الدمويّة من الدرجة الرابعة. هكذا بدأت تتكوّن النواة الأولى لحركة الإنشقاق الكبيرة نحو الكثلكة11.
حركة الدعاية اللاتينيّة المدعومة بكلّ الوسائل الماديّة، أخذت ترسل حينذاك شبّانًا إلى روما للدراسة من بينهم كان سيرافيم طاناس، إبن أخت افتيميوس الصيفي. وكان البابا غريغوريوس الثالث عشر قد انشأ في روما سنة 1577، المعهد اليونانيّ، تحت اسم القدّيس أثناسيوس، للتنشئة اللاهوتيّة، وفيه كانوا يُهيِّئون الطلاب بروح كاثوليكيّة ويُعلّمونهم مبادئ إيمانهم. وأغلب الطلاب الّذين لم يكونوا قد تحوّلوا بعد إلى الكثلكة، كانوا يعتنقونها، ويُعاد إرسالهم إلى بلادهم لأجل خدمة الدعاية اللاتينيّة. سيرافيم طاناس هذا استطاع لاحقًا بعد عودته التأثير على جراسيموس أسقف صيدنايا (1716)، وبرثانيوس مطران ديار بكر (1717).
مواجهة الكنيسة للدعاية اللاتينيّة
أمام هذه الأوضاع الخطرة على الإيمان، وعت الكنيسة أنّ هؤلاء الرهبان المرسلين الآتين بثياب الحملان، يصحّ فيهم قول بولس الرسول، أنّهم ليسوا سوى "ذئاب خاطفة لا تشفق على الرعيّة... يتكلّمون بأمور ملتوية ليجتذبوا التلاميذ وراءهم" (أع29:20-30). فبدأت تتحرّك لتوعية المؤمنين على خطر المرسلين اللاتين على إيمانهم الأرثوذكسيّ. فنقل رهبان القبر المقدّس في أورشليم إلى العربيّة رسالة زخريا أسقف أدنه في الدفاع عن إيمان الكنيسة وإيضاح منهاج روما لاقتناص الأرثوذكس. وتمّ توزيعه في الأبرشيّات الإنطاكيّة في مستهلّ القرن الثامن عشر.
لكن الكنيسة التي كانت تسمع عن أعمال أفتيميوس وخروجه عن الإيمان الأرثوذكسيّ، تأخرّت كثيرًا حتّى أخذت قرارًا بحرمه. فانعقد مجمع في سنة 1718 في القسطنطينيّة من البطاركة الأرثوذكس وحكموا على أفتيميوس الصيفي وجرّدوه من كهنوته، ناعتين إياه "الكاذب المشوّش على كنيسة المسيح الأرثوذكسيّة"12.
وبعد موت كيرلّس سنة 1720، واستلام البطريرك أثناسيوس الثالث (دبَّاس) (1686-1694؛ 1720-1724) مكانه، قام بجهود كثيرة إلى تحسين أوضاع رعيته ومقاومة الأكاذيب التي كان المرسلون البابويّون يبثّونها بين أبناء الشعب الأرثوذكسيّ؛ وبدأ يقاوم الدعاية الكاثوليكيّة بواسطة التأليف والنشر. فقام بنقل كتاب (صخرة شكّ) لإيليا مونياني إلى العربية، الّذي يردّ فيه على التعاليم اللاتينيّة، ونشره سنة 1721 ووزعه مجانًا على الأرثوذكسيّين. وسافر بنفسه إلى القسطنطينية لعقد مجمع للنظر في ما يجب اتخاذه من احتياطات بهذا الشأن. فانعقد في سنة 1722 مجمع آخر في القسطنطينيّة، في محاولة لإيقاف نشاط هؤلاء المرسلين في المناطق الأرثوذكسيّة. وحكم المجمع على أعمال الاقتناص، وكلّ التعاليم الغريبة (البابويّة)، لا سيّما ما يتعلّق بالرئاسة البابويّة، والعصمة، والإنبثاق من الإبن، والفطير، والنار المطهريّة وسعادة القدّيسين، والمخنوق، وصوم السبت، ومنع الميرون والمناولة عن الأطفال13. وقد عبَّرت الرسالة التي أرسلها البطريرك المسكوني أرميا الثالث في نيسان 1724 (برجاء من البطريرك الانطاكيّ أثناسيوس) عن الأسف الشديد لأنّ بعض مسيحيي أقدم الكنائس الرسولية تخلّوا عن عقائد آبائهم وأجدادهم، وغيّروا القوانين والتقاليد المشتركة مع سائر الكنائس الأرثوذكسيّة الشرقيّة. وناشدت الرسالة الاكليريكيّين والعلمانيّين الثبات في أرثوذكسيّتهم والخضوع لبطريركهم أثناسيوس. هذه التدابير لمواجهة نشاط المرسلين السرّي والعلني وتوعية المؤمنين، أتت متأخرة كثيراً، فإنقاذ الكنيسة من الإنقسام أصبح صعباً جداً، لأنّ حركة الدسائس الكاثوليكيّة كانت قد تغلغلت في كلّ مكان واستمالت لها أتباع غير قليلين.
نموّ الانشقاق
بعد وفاة أفتيميوس الصيفي سنة 1723، انتخب، الذين كانوا قد تركوا الكنيسة ودخلوا الكثلكة، مطران آخر على صور وصيدا هو باسيليوس. هذا المطران رسمه لهؤلاء المنشقّين، بضغط من الأمير حيدر الشهابيّ، حاكم جبل لبنان، ثلاثة أساقفة هم: مطران بيروت الأرثوذكسيّ ومطران ماروني ومطران أرمني، في أسوء ظروف الفساد واللاشرعيّة التي يمكن تصوّرها14. بالطبع باسيليوس هذا سار على طريق سلفه في محاولة اقتناص أعضاء الكنيسة الانطاكيّة الأرثوذكسيّة.
سنة 1724 توفي البطريرك الأرثوذكسيّ أثناسيوس، الذي كان قد تربّى في البدء على أيدي المرسلين، وهم الذين سعوا لوصوله إلى السلطة. لكنّه فيما بعد أصبح غيوراً حارًّا على الإيمان الأرثوذكسيّ، وواجه بضراوة دسائس المرسلين اللاتين وعملهم15. حال موت البطريرك أثناسيوس، وقبل أن يتسنّى للمطارنة الانطاكيّين الاجتماع لانتخاب آخر، أتى باسيليوس هذا المنشقّ إلى الشام واتفق مع أسقف صيدنايا الأرثوذكسيّ نيوفيطس، الذي كان قد انحرف إلى الكثلكة، على رسامة مطران آخر. هؤلاء الثلاثة رسموا سيرافيم طاناس، إبن أخت المطران المنشقّ أفتيميوس الصيفي، بطريركًا على إنطاكية باسم كيرلّس، واستصدروا براءة سلطانيّة بذلك من الباب العالي. هؤلاء المنشقون عن جسم الكنيسة، إنتخبوا بطريرك لإنطاكية دون أن يوجد أي مطران أرثوذكسيّ في عمليّة الإنتخاب هذه، غير أسقف صيدنايا. ومن هذا البطريرك المنحول، غير الشرعيّ، المنتخب من مطارنة غير شرعيّين، أتى بطاركة ومطارنة وكهنة الروم الكاثوليك كلّهم.
هذا البطريرك المزعوم كيرلّس، حالما استوى على عرش الكاتدرائيّة، "سمع لأوّل مرّة: أؤمن أنّ الحبر الأعظم الرومانيّ هو نائب السيّد المسيح ورأس الكنيسة كلّها وأؤمن أنّ الروح القدس منبثق من الآب والإبن"16.
مواجهة الكنيسة
لكن المطارنة الأرثوذكسييّن، لما رأوا ما حصل، سارعوا في الكتابة إلى كنيسة القسطنطينيّة وأخبروها بكلّ ما حصل وطلبوا منها أن تشرطن لهم الشماس سلفسترس بطريركًا، وكان قد أوصى به البطريرك أثناسيوس قبل وفاته، وأن يرسلوه إلى دمشق مزوّدًا ببراءة من الباب العالي. سلفستروس القبرصيّ الأصل (1724-1766) كان قد خدم كشمّاس مع البطريرك أثناسيوس في بداية حياته، لكنّه تركه بعد فترة وذهب إلى اليونان ثمّ تنسّك في جبل آثوس.
وتمّ الأمر واستدعي سلفستروس من جبل آثوس وسيم بطريركًا وأتى إلى دمشق، فهرب البطريرك المزعوم كيرلس وسرق معه كلّ موجودات البطريركيّة من ملابس وتيجان وصلبان وكؤوس وصواني وسائر الأواني المقدّسة، التي أغلبها كان قد أحضرها البطاركة من روسيا ورومانيا، والتجأ إلى جبل لبنان.
سلفستروس هذا كان محبًّا للكنيسة وغيورًا على الإيمان الأرثوذكسيّ، لكن كانت تنقصه الخبرة الرعائيّة والوعظ. جال سلفستروس في أرجاء بطريركيّته وكان يُشدّد المؤمنين في إيمانهم الأرثوذكسيّ، وأن لا يقبلوا رهبان الافرنج في بيوتهم. وكان يشدّد على الحلبيّين أن يعودوا إلى حفظ القوانين المقدّسة، التي حلّلها لهم المرسلون، بخاصّة "أن يمتنعوا عن أكل السمك أيام الأربعاء والجمعة وفي الصيام الكبير؛ وأن يصوموا صيام الميلاد وصوم الرسل على ما رتّبتهما الكنيسة". لكن مع الأسف أراد استعادة الضاليّن بالضغط والقوّة، لا بالرقّة ومحاولة اجتذابهم باللين والتدبير، فتآمروا عليه17. واضطرّ سلفستروس أن يُسافر إلى بلاد الفلاخ والبغدان لجمع الصدقات، لإيفاء الديون التي تراكمت من عهد كيرلّس ونيوفيطس وأثناسيوس، خلا ما نهبه أخيرًا البطريرك المزعوم المرتدّ من مال الكنيسة والبطريركيّة، وبقي غائبًا ست سنوات عن رعيّته18. وفي هذه الفترة استغلّ المرسلون اللاتين مع أتباعهم من الأرثوذكسيّين المرتدّين، الأوضاع المتقلقلة والمتضعضعة في الكنيسة، وأخذوا ينمون ويستولون على بعض الكنائس بفضل المال الذي كانوا يرشون به الولاة19. في كلّ هذا كان سفراء فرنسا يضغطون بكلّ الوسائل التي لديهم لدى الباب العالي العثمانيّ لتقوية الإنشقاق ودعم أتباع الكثلكة.
هكذا بعد أن صار للمنشقّين إلى الكثلكة بطريرك ومطارنة، أخذوا ينتظمون في المدن، بدأً من حلب ودمشق إلى مدن لبنان، وقد تمكّنوا أن يتغلغلوا في كلّ مكان بسبب تضليل الشعب الأرثوذكسيّ، إذ حافظوا على اللباس الكهنوتيّ الأرثوذكسيّ واستمرّوا بإقامة الأسرار وسائر الخدم الكنسيّة على الطريقة الأرثوذكسيّة، يقول المؤرّخون: "وقد جلبت طريقة الغشّ هذه كثيرين من بسطاء الأرثوذكسيّين وأوسعت إنتشار الكثلكة"20.
ورقد سلفستروس سنة 1766، بعد أن ناضل نضال الشهداء لأجل الإيمان الأرثوذكسيّ المقدّس، رغم القسوة التي اتّصف بها أحياناً تجاه المرتدّين عن الإيمان. وقد استطاع أن يوقف إلى حدّ كبير حركة الارتداد والدعاية اللاتينيّة. لهذا اعتبره الكثير من الأرثوذكسيّين قدّيسًا، وتكلّم البعض عن أنّ نورًا كان يخرج من قبره. لكنّ هذه الأوضاع المتقلقلة بقيت طوال القرن الثامن عشر، وبقي هؤلاء المنشقّون إلى الكثلكة منفصلين عن الكنيسة دون اعتراف شرعي بهم من السلطة المدنيّة العثمانيّة، وبسبب عدم الاعتراف بوجودهم الشرعيّ، كانوا يُقيمون قداديسهم الخاصّة في كنائسهم وبيوتهم، إلّا أنّ أكاليلهم وعماداتهم وجنازاتهم كانت تجري في الكنائس الأرثوذكسيّة، ليأخذوا منها الأوراق القانونيّة اللازمة. بقي الوضع هكذا إلى أن حصلوا على هذا الإعتراف بوجودهم ككنيسة سنة 1837 من الباب العالي، تحت اسم "الروم الملكيّين". وهذه البراءة ترخّص لبطريركهم السلطة على أتباعهم في بطريركيات أنطاكية وأورشليم والإسكندرية. وهكذا تثبّت انشقاقهم نهائيّاً عن جسم الكنيسة الأرثوذكسيّة وبدأوا يعملون بحرّية أكبر لتقوية علاقتهم بروما التي فصلتهم عن أمّهم الكنيسة الأرثوذكسيّة.
لكنّ الكنيسة بقيت تناضل لصدّ مؤامرات المرسلين والّذين أُضلّوا من الشعب الأرثوذكسيّ؛ وقد اصدر البطريرك المسكونيّ غريغوريوس السادس سنة 1838، منشورًا (Addendum 2)، ناعتًا إياهم بأنّهم "ذئاب في ثياب الحملان"، يتّصفون بالمكر والخبث والخديعة، هدفهم تحطيم وابتلاع أولئك الّذين من أجلهم مات المسيح.
لكن في هذا الوقت، ونتيجة تنوير وتوعية المضَللَّين من الشعب الأرثوذكسيّ التي بذلها البطاركة الأرثوذكس، عاد كثيرون من المنشقّين إلى حضن الكنيسة الأرثوذكسيّة21. ففي عام 1846، في أيام البطريرك مثوذيوس الأول (1824-1850)، رجع المتروبوليت الكاثوليكي مكاريوس، مطران آمد إلى الأرثوذكسيّة هو ورعيّته. وفي أيام البطريرك ايروثيوس الأول (1850-1885) قدّم آلاف من الكاثوليك في سوريا ومصر سنة 1860، معروضاً يطلبون العودة إلى الأرثوذكسيّة، يقولون فيه: "... وإن كنّا موجودين في مثل ذلك الإنفصال عن أمّنا، فقد لبثنا متمسّكين بشدّة بعقيدتنا، وحافظين في كلّ خدماتنا الشريفة سُنّة الكنيسة الأرثوذكسيّة الشرقيّة في كلّ أسرارها الموقّرة وخدماتها الشريفة. ومنكرين كلّ ما هو غريب ومستحدث ومضرّ بحقيقة المعتقد أو القانون الكنسيّ". وكان هذا العدد الكبير من الكاثوليك في سورية ومصر قد قدّموا معروضاً إلى بطاركة الشرق الأربعة الأرثوذكسيّين، بواسطة الكاهنين يوحنّا حبيب وغفرائيل جبارة، يطلبون العودة إلى الأرثوذكسيّة، وذلك على أثر دعوة كلمندوس بطريرك الروم الكاثوليك إلى تبنّي التقويم الغربيّ. وعادا إلى حضن الكنيسة بقرار من مجمع البطاركة: القسطنطينية (يواكيم)، الإسكندرية (كالينيكس)، أنطاكية (إيروثيوس) وأورشليم (كيرلس)، مع رؤساء كهنة كثيرين. وقد أبهج هذا الحادث الكنيسة الأرثوذكسيّة وأخمد تقدم الكثلكة في سوريا ولكن لم يكن كافياً لإخفائها22. وقد قُبلت عودتهم من قبل البطاركة الأرثوذكسيّين الأربعة بمرسوم بطريركي يقول: "... نقبل أولئك الذين كان قد أضلّهم، منذ قرن ونيّف، روح شيطاني مهلك غاش وشرير"23.
وقد سام البطريرك ايروثيوس الأرشمندريت (يوحنّا حبيب) أسقفًا على أبرشية بالميراس وقد كان الأب يوحنّا حبيب كتب صكاً بتاريخ 17 حزيران سنة 1861 يقول فيها:
"أنا الحقير في الكهنة الواضع اسمي وختمي أدناه، إذ أنّني رجعت من المذهب الكاثوليكيّ الذي ولدت فيه إلى الكنيسة الشرقية الأرثوذكسيّة المقدّسة الجامعة الرسوليّة صاحبة الرأي القويم، التي خارجًا عنها لا يكون خلاص للإنسان المسيحيّ، واقتبلني غبطة سيدي ومولاي البطريرك الإنطاكيّ كيريوس كيريوس ايروثيوس، باتّفاق رأي سائر البطاركة الأقدسين بموجب مجمع حافل كبير في مدينة القسطنطينية... وأيضًا غبطة سيدي استحسن بأن يشرطنني أسقفًا على أبرشية بالميراس اللامعة. ويجعلني عضوًا غير منفكّ من جملة أعضاء كرسيه البطريركي الإنطاكيّ... أتعاهد على نفسي بأنّني أحفظ الأمانة المستقيمة وعقائدها الشريفة غير منثلمة إلى آخر نسمة من حياتي، وأناضل وأحامي عنها بكلّ قوتي واقتداري حتّى إلى سفك دمي من أجلها... وأنّني اجتهد في امتزاج المسيحيّين الداخلين فيها من طائفة الكاثوليك كهنة وأعوام مع إخوتهم المسيحييّن الروم الأرثوذكسيّين امتزاجاً كليًّا تامًّا..."24.
1 نشأ مَجمع انتشار الإيمان الكاثوليكيّ بعد الانقسامات الداخليّة التي خضّت البابويّة مع ظهور الحركة البروتستانتية. وقد أراد بابوات روما استغلال الضعف الّذي كانت تمرّ به الكنيسة الأرثوذكسيّة في الشرق، لإخضاع المسيحيين الشرقيّين. فتم تأسيس هذا المجمع سنة 1599 من قِبل البابا كليمندوس الثامن. ولم يلبث أن توقّف نشاطه بعد سنوات قليلة. أعيد تأسيسه في 22 حزيران سنة 1622، من قِبل البابا أوربانوس الثامن (1622-1644)، وكان هدف إنشاء هذا المجمع، إضافة إلى عمليّة تبشير المسيحيين في الشرق، وردّهم إلى طاعة البابا، أن ينظِّم عمل المرسلين الذين توجّهوا إلى الشرق بأعداد هائلة.
2 لقد استغلّ بابوات روما، أوّلهم البابا أوربانوس، النفوذ الّذي تمتّعت به فرنسا لدى السلطنة العثمانية. فاتّفقوا مع الحكومة الفرنسيّة على مساندة المرسلين في كيفيّة ردّ المسيحيين المنشقّين إلى طاعة البابا. وبدأت عمليّة إرسال ضخمة للمرسلين إلى الشرق، ولا سيَّما إلى سورية. مارسوا التطبيب مجانًا والخدمة وترددوا على الكنائس الأرثوذكسيّة وبيوت المسيحيّين مضلّين الناس برياء وحدة الإيمان، وكانوا ينشرون بذار معتقداتهم وتعاليمهم بشكل أساسي عن طريق ممارسة سرّ الاعتراف.
3 تاريخ البطاركة الإنطاكيّين، منار 1899، ص 278-279. أنظر أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، ص 106-107.
4 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 108.
5 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 114.
6 في الرسالة ذاتها، يعرض أفتيميوس أسماء مطارنة انطاكية الأرثوذكسيّين وينعتهم جميعًا بالهرطقة لأنّهم معاندين لروما. أنظر: أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 118-119.
7 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 116.
8 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 121-124.
9 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 120.
10 الخوري ميخائيل بريك، الحقائق الوضيّة في تاريخ الكنيسة الانطاكيّة الأرثوذكسيّة، المطبعة التجاريّة، مصر، ص 61-62.
11 في كتاب "نشاة الروم الكاثوليك"، بقلم مجهول، يقول أنّه حضر تلك الوقائع من سنة 1720، يقول في الكتاب إنّ المرسلين البابويّين "كانوا يدسّون في عقول الناس معتقدات مذهبهم ويرخّصون لهم في الشرائع من الصيامات وغيرها، وكان ذلك مستتراً عن أثناسيوس (أسقف حلب حينها) ولم يعلم به، حتّى تفشّى عند كثيرين وجروا عليه فعلاً... ورهبان الأفرنج في هذه المدّة كلّها لا يفترون عن إلقاء دسائسهم في القلوب مكراً ودهاءً، حتّى انبثّ مذهبهم في حلب وغيرها وأصبح لهم حزب كبير في البلاد". الحقائق الوضيّة في تاريخ الكنيسة الانطاكيّة الأرثوذكسيّة، المطبعة التجاريّة، مصر 1903، ص 100.
12 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، الجزء 3، ص 129.
13 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، ص 132.
N. Talberg, The Schism of the Roman-Catholic Church, Translated from Russian by Seraphim Larin.
14 مطران بيروت الأرثوذكسيّ نيوفيطس اشترك في هذه الرسامة تحت التهديد المباشر بالقتل من قِبل جند الأمير، بعد أن غرّق الأسقف المزعوم الأمير بالمال. ويُذكر أنّ مطران بيروت خلال السيامة، صبّ عليه اللعنات لا البركات. نشأة الروم الكاثوليك، ص 103.
15 يقول الكاتب "في نشاة الروم الكاثوليك": "يزعم الكاثوليكيّون أنّ (أثناسيوس) توفّي على مذهبهم، وهو قول شائع بينهم وبين أحزابهم، لما علم من عادة هؤلاء القوم من أنّه إذا توفّي واحد منهم أو منّا وكان من المعروفين بالتقى والصلاح، قالوا أنّه مات على رأيهم؛ ولو كان ذلك زوراً وافتراء، ولا اثم عندهم في ذلك ولا حرج" ص 104.
16 أسد رستم، كنيسة مدينة الله أنطاكية العظمى، ص 142.
17 نشاة الروم الكاثوليك، ص 107-108
18 نشاة الروم الكاثوليك، ص 109. في حلب، كان "رهبان الافرنج في هذه المدّة كلّها لا يفترون عن إلقاء دسائسهم في القلوب فكانوا كل يوم يجذبون منهم بموافقة جراسيموس (أسقف المدينة) لأنّه كان يُبطّن المعتقد الكاثوليكيّ، وإن تظاهر بخلافه خوفاً من الرجوع إلى المنفى" ص 109.
19 نشاة الروم الكاثوليك، ص 110
20 تاريخ كنيسة إنطاكية، خريسوستمس باباذوبولس، تعريب الأسقف استفانوس حدّاد، منشورات النور 1984، ص 823.
21 ولقد أعاد الكاثوليك اقتناص البعض ممّن عادوا إلى الأرثوذكسيّة. ويقول كاتب تاريخ نشأة الروم الكاثوليك، أنّ سوء سياسة البعض من الأساقفة الأرثوذكسيّين لم يُساعد في ثبات بعض العائدين في كنيستهم الأمّ. ص 126.
22 - بابادوبولس، المرجع السابق، ص 824-825.
23 تاريخ كنيسة إنطاكية، خريسوستمس باباذوبولس، تعريب الأسقف استفانوس حدّاد، منشورات النور 1984، ص 824-825.
24 - شلهوب، ابراهيم (الأرشمندريت)، الرد الراهن المبين على اعتراضات المنحازين إلى الغربيين، 1865، ص 16-17.
من المعروف أنّ الروم الكاثوليك قاموا على ضعف الكنيسة الأرثوذكسيّة في ظلّ اضطهاد العثمانيّين. فكانوا كلّما حصلت مشكلة بين أبناء رعيّة واحدة، يُسرع هؤلاء المنشقّون إلى محاولة اجتذاب أحد الأفرقاء إلى جماعتهم وإغرائهم بكلّ الوسائل الممكنة. في أيام البطريرك الكسندروس طحَّان (1933-1958) انشغل الكرسي الانطاكي بمشكلة إعلان الكنيسة المستقلة من قِبل المطران ابيفانيوس وذلك في 12 آب 1935، وذلك بأنّ البطريرك رفض تنفيذ القرار بتاريخ 19 أيار1935 وقام بتثبيت المطران تريفن على اللاذقية بدلاً من أبيفانيوس. وعندما ماطلت حكومة الانتداب الفرنسية بالاعتراف بالكنيسة المستقلة أخذ المطران أبيفانيوس يبحث عن مرجع يساعده للحصول على اعتراف الحكومة بكنيسته، فقدم له الكاثوليك بواسطة السفير البابوي في دمشق كدفعة أولى 500 ليرة ذهبًا، ثمّ تستكمل بعدها بمساعدات أخرى، بشرط رفعه رئاسة البابا. كما عرضوا عليه في بلدة الميناء – طرابلس ثلاثين ألف ليرة ذهبًا شرط أن يلتحق بالكنيسة الكاثوليكيّة. فشرح لهم أنّ سبب خروجه على سلطة البطريرك مع أتباعه هو خوفه على الرعية من تَرك الأرثوذكسيّة ورفض المبلغ. أنظر: نصُّور، جورج (المطران باسيليوس)، الكنيسة الأرثوذكسيّة المستقلة، رسالة ماجستير، البلمند، 1985، ص 33.