الشماسات بين التقليد وروح العصر
الشماس مكسيموس سلُّوم
قام المطران سيرافيم، مطران أبرشيَّة زيمبابوي، التابع لبطريركيَّة الإسكندريَّة، في يوم الخميس العظيم المقدس، برسامة السيدة أنجيليك مورين، شماسة إنجيليَّة، لخدمة إحدى الإرساليات البشاريَّة.
جاءت الرسامة، بعد موافقة البطريرك الإسكندري ثيوذوروس الثاني، ومباركة المجمع المقدس لكنيسة الإسكندريَّة لهذه الخطوة، كما يقول المطران سيرافيم، التي تأتي تنفيذًا للقرار الذي كان قد اتخذه في العام 2016، والقاضي بإعادة إحياء خدمة الشماسات في بطريركيَّة الإسكندريَّة، وذلك بهدف تفعيل رعاية المؤمنين في القارة الإفريقيَّة وتلبية الحاجات الرعائيَّة المتزايدة لهؤلاء.
أشار المطران سيرافيم، أنَّ الشماسة الجديدة، ستقوم بجميع ما يقوم به الشماس الإنجيلي في الخدم الليتورجيَّة، والأسراريَّة، والتقديسيَّة في الكنيسة الأرثوذكسيَّة، متجاوزًا بهذا العمل كل تقليد الكنيسة الذي يعطي مهامًّا محدَّدة للشماسة، كما أنَّها ستقوم ببعض الخدمات الخاصة المتعلقة بخدمة الرعايا في أبرشيَّة زيمبابوي.
يقول بولس الرسول في رسالته إلى أهل رومية عن الشماسة فيبي: "أُوصِي إِلَيْكُمْ بِأُخْتِنَا فِيبِي الَّتِي هِيَ خَادِمَةُ الْكَنِيسَةِ الَّتِي فِي كَنْخَرِيَا كَيْ تَقْبَلُوهَا فِي الرَّبِّ كَمَا يَحِقُّ لِلْقِدِّيسِينَ وَتَقُومُوا لَهَا فِي أَيِّ شَيْءٍ احْتَاجَتْهُ مِنْكُمْ لأَنَّهَا صَارَتْ مُسَاعِدَةً لِكَثِيرِينَ وَلِي أَنَا أَيْضاً." (رومية 16: 1 – 2) من دون إعطاء تفاصيل عن دورها كشماسة. ولكن يخبرنا كتاب الدسقولية، أي تعاليم الآباء الرسل، وهو غير كتاب الذيذاخي، عن دور الشماسة في القرون الأولى كزيارة وخدمة المرضى من النساء في البيوت الوثنيَّة ومساعدة الكاهن في مسح النساء المعتمدات بالميرون المقدس. وإذا لم يوجد شماسة وقت العماد كان الكاهن يمسح رأس المرأة المعتمدة فحسب. مهمة الشماسة بعد هذا كانت تتجلى في استقبال وإرشاد وتعليم المرأة المعتمدة. ويقول حرفيًّا "إنَّها لا تُعمِّد وإنَّما تساعد أو تخدم الكاهن الذي يُعمِّد النساء".
إذًا، قد كانت خدمة الشماسة في القرون الأولى اجتماعيَّةً، ولم تكُن الشماساتُ يحملنَ المكانة المقدَّسة للشماس ولم يشاركنَ في الخدم الإلهيَّة أو يلبسن ثيابًا كهنوتيَّة.
يقول القديس نيقوديموس الآثوسي، في شرحه لقوانين المجامع المسكونيَّة المتعلِّقة بالشماسات، إنَّ الشماسة لا تأخذ دور الشماس في الخدمة الليتورجيَّة في الهيكل والمنبر بل خدمتها تكون خارجهما. ويتابع أنَّه بحسب القوانين لا نسمح للنساء أن يعلِّمن في الكنيسة (لأنَّ القديس بولس يقول صراحة في رسالته الأولى إلى تيموثاوس: "لستُ آذَنُ للمرأة أن تُعلِّم" (1 تيموثاوس 2: 12)، فكيف يمكن لأحد أن يسمح لهنَّ بأن يكنَّ كاهنات؟ لذلك في البداية حصلت رسامة الشماسات لكي يساعدن الأسقف في عماد النساء بعدما يدهن رؤوسَهُنَّ بالزيت المقدس ويدهن الشماس جباهَهُنَّ، والشماسة تتولى باقي الجسد لأنَّه لا ينبغي للرجل أن يرى المرأة عارية. بالإضافة كانت تسكن نساء مع رجال غير مؤمنين فكانت تُرسَل الشماسة إلى البيوت لأنَّه لم يكن لائقًا أن يُرسَل الشماس بسبب خطر الظنون الشريرة. أيضًا، كانت تراقب أبواب الكنيسة لكي لا تَدخُلَ أيُّ امرأة غير مؤمنة، وكانت تفحص إيمان النساء اللواتي ينتقلن من مدينة إلى أخرى إن كان إيمانهنَّ مسيحيًّا أو ملوَّثًا بالهرطقة، أو متزوجات أو أرامل عبر رسائل مديح. وبعد التدقيق، توفِّر لهنَّ مكانًا مناسبًا في الكنيسة.
كانت الشماسات يُقدِّمنَ الصدقات إلى الأرامل التي كان المسيحيون يتبرَّعون بها، لكنَّ المهمة الأساسيَّة هي مساعدة الكهنة في عماد النساء من أجل الحشمة واللياقة، حيث مكتوب أنَّه "لا يجوز للشماسة أن تُبارِك أو أن تقوم بأي عمل يقوم به الكهنة والشمامسة". فالقديس إبيفانيوس يقول إنَّ الهيكلية الكنسيَّة تحتاج للمرأة فقط في الشموسيَّة حيث يجب أن تكونَ من الأرامل. ومع ذلك لم يأمر في أي مكان بأن تصبحَ كاهنةً.
لذلك، فإنَّ رتبة الشماسة موجودة في الكنيسة لا لتخدم بصفة كاهن، ولكن من أجل الحفاظ على حشمة الجنس الأنثوي سواء يتعلَّق بطقس المعموديَّة أو زيارة المرضى أو، عند الضرورة، تعرية جسد المرأة المعمَّدة لكي لا يراه سواها. من المهم أن نشير هنا أنَّ في القرون الأولى للمسيحيَّة كانت تحصل المعموديَّة في أماكن عدَّة عند فترة البلوغ وليس منذ الصغر. فكان من الضروري أن تتولى الشماسة مساعدة الأسقف في المعموديَّة من أجل الحشمة. أمَّا لاحقًا، فالمعموديَّة أصبحت في سائر الأماكن منذ الصغر ولم يعد بحاجة للشماسة.
إنَّ حجَّة أصحاب فكر العصر الجديد الداعين للمساواة بين الجنسَين وبتشريع كهنوت المرأة قائلين بأنَّ العصور القديمة كانت "متخلِّفة" وأمَّا الآن فأصبحنا "متحضِّرين"، هي باطلة لأنَّ قديمًا اليونانيين الوثنيين كانوا يرسمون كاهنات في معابد الآلهة النسائية. لكنَّ الكنيسة المُقادة من الروح القدس منذ القديم استطاعت أن تحافظ على نفسها من تيارات ذاك العصر الملحد.
إنَّ السيد سيرافيم مطران زيمبابوي لم يكترث بالقوانين الكنسيَّة وهذا ما صرَّح به معلنًا أنَّ "الشماسة" الجديدة ستقوم بما يقوم به الشماس في الليتورجيا والأسرار في الخدم الأرثوذكسيَّة.
وهكذا، فإننا لا نرى إحياءً للمكانة القديمة التي كانت تتميَّز بها الشماسة، بل نرى رسامة امرأة إلى رتبة الشموسية المقدسة، وهذه بدعة غير مقبولة ومستحيلة كما يقول الأب جورج ماكسيموف. وهذا في الواقع مقدمة لكهنوت المرأة، إذ إنَّ الشموسيَّة هي الدرجة الأولى من الكهنوت (الشمامسة، والكهنة، والأساقفة). هذا تحريف كامل للأسرار الأرثوذكسيَّة ولتقليد الكنيسة المقدس. إنه اهتزاز لأُسُس التقوى المسيحيَّة.
في زمننا هذا، هناك توجُّه قوي من تيار هذا العصر، العصر الجديد، لتمييع تقليد كنيستنا المقدَّس وتهميشه عبر تحريفه للحقائق واستخدام الفكر الإنسانويّ في الأمور اللاهوتيَّة، وكأنَّهم يقولون إنَّ الآباء القديسين لم يفهموا بالشؤون الكنسيَّة وقد أتوا هُم الآن، المستنيرون الجدد، لإصلاح أخطاء الآباء. هؤلاء اللاهوتيون الجُدد المصبوغون بالأفكار الإنسانويَّة والمنادون بالمساواة بين الرجل والمرأة، خاصة الحركات النسويَّة (feminism)، هُم أكثر من يُسيئون إلى المرأة عبر افتراءاتهم الدائمة أنَّها غير قادرة أن تصبح كاهنة، وبالتالي هي أدنى من الرجل وكأنَّهم ينتقصون من قيمتها. فالمرأة، وإن كانت مستثناة من سر الكهنوت، فهذا لا يُعتَبر انتقاصًا من قيمتها. لهذا أُعطيَ للمرأة دورٌ في كلِّ مجالات حياتها في الخدمة والتعليم والبشارة كما أُعطيَ للرجل، ما عدا الكهنوت الأسراري. لقد فهمت الكنيسةُ، منذ البداية، مكانة كل من الرجل والمرأة: دور الرجل كرأس في هذه الخليقة، كما يشدِّد بولس الرسول، وهو صورة الله ومجده وأما المرأة فهي مجد الرجل، لأنَّ الرجل ليس من المرأة بل المرأة من الرجل... (1 كورنثوس 11: 8). ما يهمّ هو قداسة الإنسان وخلاصه، ذكرًا كان أو أنثى، كما يقول بولس الرسول. الجميع واحد في المسيح يسوع أي أن الطبيعة البشريَّة متساوية، وبالتالي الرجل والمرأة يصيران واحدًا في تلقِّيهما، عبر المعموديَّة، كل ثمار عمل المسيح الخلاصيّ. الخلاص شيء والمواهب الكنسيَّة شيء آخر، ولكن بسبب السقوط في الفكر الدهري، يخلط أصحاب العصر الجديد بين الإثنين.
نأمل أخيرًا أن تبقى الكنيسة الأرثوذكسيَّة ثابتة في مواجهة التحدِّيات والمخاطر المحيطة بها وما يحاول العصر الجديد أن يفرضه عليها.