اقتدِ بِالقدّيس الّذي تحملُ اسمَه.
نقلتها إلى العربيّة: يولّا يعقوب.
يُعطى كلُّ شخصٍ اسمًا مسيحيّا في المعموديّةِ المقدَّسة - اسمَ ملاكٍ أو قدّيسٍ. ولِهذه الهبةِ الّتي تُمنح في المعموديّةِ معنىً عميقٌ، وأهمّيةٌ كبيرةٌ. لا يُفيد الاسمُ المسيحيُّ في التّمييزِ بين النّاسِ فحسبُ، إنّما يُقيم أيضًا علاقةً مُهمّةً مع القدّيسِ صاحبِ الاسمِ، ويضعُ التزامًا مُحدّدًا نحوه.
منذُ اللّحظةِ الّتي يُعطى فيها الشّخصُ المُعَمَّدُ اسمَه المسيحيَّ، يصبحُ القدّيسُ الّذي تَسَمّى على اسمِه، مُرشِدَه الشّخصيَّ، ومعلّمَه في الطّريقِ إلى السّماء. وهكذا يَعهدُ المسيحيُّ إلى هذا القدّيسِ بالإرشادِ والتّعليمِ، وبِالتّهيئة للحياةِ العتيدةِ. وكما يعهدُ الأبُ بِأبنائه إلى معلّمٍ صالحٍ وذي خبرةٍ، كذلك يودِع أبونا السّماويُّ المسيحيَّ لِرعايةِ شفيعِه القدّيسِ وإرشادِه.
يجدُ المسيحيُّ في شفيعِه القدّيسِ، أعزَّ وأفضلَ معلّمٍ، ومُعَزٍّ، وحارسٍ، وشفيعٍ أمام عرشِ الله. إنّ الابتهاجَ الرّوحيَّ الّذي يختبرُه المسيحيُّ، هو في الوقتِ نفسِه ابتهاجُ حامِيهِ السّماويّ، كما أنّ حُزنَه هو حُزنُ قدّيسِه الشَّفيعِ أيضًا.
مع مَن يمكننا أن نشاركَ فرحَنا، ومَن ذا الّذي يمكننا أن نَشكوَ له حُزنَنا، وأن نطلبَ منه المعونةَ، إن لم يكنِ القدّيسُ الّذي يشاركُنا في حياتِنا، والّذي يفرحُ لِفرحنا، ويحزنُ لِحزننا؟
في الواقع، لا تُقام خدمةُ ال1moleben عَبَثًا من أجل المسيحيّ التّقيِّ في "يومِ اسمِه"، أي في اليومِ الّذي تعيّدُ فيه الكنيسةُ لِشفيعه السّماويّ. إنّنا نتضرّعُ بِجَدٍّ إلى قدّيسِنا، لكيما تُغتَفر آثامُنا، والخطايا كلُّها الّتي ارتكبناها طوال السّنةِ الفائتة، ولكي لا يُقصي عنّا معونتَه، وشفاعتَه أمام اللهِ، طوال السّنةِ المُقبلة. فيبتهج شفيعُنا القدّيسُ معنا، ويصلّي معنا إلى اللهِ، ويرفع صلواتِه المُقتدِرةَ لكيما يصالحَنا مع سيّدِنا السّماويّ.
إنّ حَمْلَ اسمٍ مسيحيٍّ يفرضُ علينا التزامًا عظيمًا ومُقدَّسًا: يتوجّبُ علينا، عبر عيشِنا لِحياتِنا، أن نقتديَ بِالقدّيسِ الّذي نحملُ اسمَه كَكَنزٍ مبارَكٍ. وإلّا، فسوف نُظهِرُ أنفسَنا غيرَ مُستحقّين لِرَحَماتِ حُماتِنا السّماويّين. لقد خُلِقنا من أجلِ الحياةِ الأبديّةِ في السّماء، وأُعطينا القدّيسين كَمُرشِدين لنا في مَسيرَتِنا.
إنّها حقيقةٌ معروفةٌ بأنّ ما يقتدي به الإنسانُ هو أفضلُ مُعلِّم. تبقى كلماتُ التّعليمِ في الغالبِ، مجرّدَ كلماتٍ، إن لم تتعزّز بِالقُدوة. نرى في القدّيسين، أمثلةً رائعةً عنِ الحياةِ المقدّسةِ والبارّةِ. يتوجّبُ علينا إذن أن نقتديَ بهم في حياتِنا.
في هذا الصّددِ، يُقدِّمُ لنا القدّيسون ذواتِهم كَمِثالٍ رَفيعٍ وبَنّاءٍ، لأنّهم جاهدوا بِحماسةٍ وحَمِيّةٍ ليُظهِروا، في حياتِهم وأعمالِهم، صفاتِ السّلوكِ المسيحيِّ الحسنةَ، والّتي تَكمُنُ في سيرةِ حياةِ شُفعائِهم القدّيسين.
هُوَذا أحدُ الأمثلةِ. في 6 حزيران، نُقيم تذكارَ القدّيسِ هيلاريون الجديد2. عندما كان هذا القدّيسُ لا يزال ولدًا صغيرًا، يعيشُ في منزلِ والدَيه، كان كثيرًا ما يقرأُ سيرةَ حياةِ البارِّ هيلاريون الكبير3، شفيعِه القدّيس. وقد جاهدَ للاقتداءِ به، وفقًا لِقدراتِه كَوَلَدٍ صغيرٍ.
وبالتّالي، تولّدَتْ فيه رغبةٌ في الاقتداءِ بِحاميه السّماويّ، القدّيس هيلاريون، في التَّخَلّي عن العالمِ وأباطيلِه. وقدِ ازدادَتْ هذه الرّغبةُ مع مرور السّنين، وعندما بلغ سنَّ الثّانية عشرة، إذ بنا نجدُه بِالفعل في دير الدَّلماتون، مرتديًا اللّباس الرّهبانيّ. وبقيَ يعملُ بِجدٍّ واجتهادٍ في بستانِ الدّيرِ، بِطاعةٍ ثابتةٍ وغيرِ متزعزعةٍ، لِمدّة عشر سنوات.
ومع ذلك، وفيما كانَ هيلاريون يتمّمُ واجباتِه من دون تذمّرٍ، فإنّه لم يغفلْ عن إتمام الالتزاماتِ والواجباتِ الرّهبانيّةِ الأخرى، وكان كثيرًا ما يقرأُ سيرةَ حياةِ البارِّ هيلاريون الكبير، وقد جاهدَ للاقتداءِ به في الصّومِ، وفي الصّلاةِ، وفي سائرِ أنواع الجهاداتِ النّسكيّة. ولهذا السّببِ مُنِحَ لقبَ القدّيس هيلاريون "الجديد" (أو الأصغر).
اقترحَ رئيسُ الدّيرِ سيامتَه كاهنًا، لكنّه رفضَ هذا الشّرفَ بِداعي تواضعِه. بعد رقادِ رئيسِ الدّيرِ، اختارَ الإخوةُ انتخابَ هيلاريون لِملء شُغورِ هذا المَنصِب، بَيد أنّه امتنعَ عنه أيضًا، ولم يوافقْ إلّا بعد إصرارِ بطريركِ القسطنطينيّة4.
خلال حربِ الإيقونات، قدّمَ القدّيسُ هيلاريون نفسَه، دفاعًا عنِ الأرثوذكسيّة المُقدَّسةِ وعن تكريمِ الإيقونات. ولذلك، فقد سُلِّمَ لِتعذيباتٍ عديدةٍ، وفي نهايةِ المطافِ، أُرسِلَ للسَّجنِ في إحدى الجُزُرِ في بحرِ مَرمَرة.
خلال وصايةِ الملكةِ ثيوذورة5 على العرشِ، وهي من المُدافِعين عن تكريمِ الإيقونات، أُعيدَ القدّيسُ هيلاريون مِن سجنِه إلى ديرِ الدّلماتون، حيث أمضى الأيّامَ المتبقيّةَ مِن حياتِه.
إنّ القدّيسَ هيلاريون، الّذي قدّمنا عَرضًا موجزًا لِسيرةِ حياتِه أعلاه، هو مِثالٌ بنّاءٌ عن محاكاةِ سيرةِ القدّيسِ الّذي يحملُ الإنسانُ اسمَه. وكان كثيرًا ما يَقرأُ سيرةَ حياةِ شفيعِه القدّيس، وقد جاهدَ للاقتداءِ به في الصّومِ والصّلاةِ.
يتعيّنُ علينا نحن أيضًا أن نتعرّفَ على سِيَرِ شُفَعائنا القدّيسين، وأن نقتديَ بهم في حياتِنا. «اُذْكُرُوا مُرْشِدِيكُمُ ٱلَّذِينَ كَلَّمُوكُمْ بِكَلِمَةِ ٱللهِ. ٱنْظُرُوا إِلَى نِهَايَةِ سِيرَتِهِمْ فَتَمَثَّلُوا بِإِيمَانِهِمْ» (عبرانيّين 13 : 7). لقد أعطانا رسولُ الأممِ هذه الوصيّةَ. فَهل من المعقولِ إذن أن نتركَ العالمَ، ونعزلَ أنفسَنا في قلّايةٍ رهبانيّةٍ ضيّقةٍ، ونصبحَ «مُتبالِهين من أجلِ المسيح»، لكيما نقتديَ بِالقدّيسين؟ كلّا، هذه الأمورُ ليست مطلوبةً منّا.
تَحَلَّ بِإيمانٍ راسخٍ بٍالله، وأحبِبْهُ من كلِّ قلبِك، وعِشْ وفقًا لِقوانين الكنيسةِ المقدّسة، وأتْحِدْ نفسَك بها، وأَحِبَّ قريبَك. وبِنكرانٍ للذّاتِ، أقلِعْ عن عاداتِكَ السّيئةِ وأهوائكَ، وصلِّ إلى الله كثيرًا، وتردّدْ إلى الكنيسة، واغتَنِمِ الفُرَصَ للاعترافِ المتواترِ بِخطاياكَ، واشتركْ في المُناولةِ المقدّسةِ بِوَرَعٍ، عالِمًا كلّ العِلمِ بأنّكَ لستَ مُستحقًّا لِتناول أسرارِ المسيحِ الرّهيبة. افعلْ هذه الأشياءَ كلَّها هذا، وستكونُ، عن استحقاقٍ، مُحاكِيًا لِحياة قدّيسِكَ وجميعِ القدّيسين، لأنّهم أرضوا اللهَ بِأعمالهم، ومُنِحوا ملكوتَ السّماواتِ الّذي وُعِدوا به.
يروي القدّيسُ أثناسيوس الكبير، بطريركُ الإسكندريّة، أنّ القدّيسَ أنطونيوس الكبير، جمعَ خُبُراتِ نُسّاكِ عصرِه، وتفحّصَ الصِّفاتِ المميّزةَ عند كلّ واحدٍ منهم، وقد لاحظَ حُسنَ الضِّيافةِ عند أحَدِهم، والمُواظبةَ على الصّلاةِ عند آخَر، وانعدامَ الغضبِ عند غيرِه، ومحبّةَ الأخِ عند آخَر. وقد انذهلَ بِالصّبرِ الّذي تحلّى به البعضُ منهم، وبِالصّومِ الّذي كان يمارسُه آخَرون.
وهكذا، فقد جمعَ في شخصِه ما استَقاه مِن الآخرين، وجاهدَ لِيُجَسِّدَ سِماتِهم المميّزة كلّها. إذن، نحن مُلزَمون أيضًا بِأن نحاكيَ سِيَرَ القدّيسين الّذين نحملُ أسماءَهم. ولكيما نقتديَ بهم، يتوجّبُ علينا أن نطّلعَ على سِيَرِ حياتِهم، ونتفحصَّها بِدقّةٍ.
في الحقيقةِ، إنّها لَخطيئةٌ لا تُغتَفر ألّا يعرفَ الإنسانُ سيرةَ حياةِ شفيعِه القدّيس. مَن لا يعرفْ سيرةَ القدّيسِ الّذي يحملُ اسمَه، ولا يجاهدْ للاقتداءِ به في حياتِه، يكُن غيرَ مستحقٍّ لِحَمْل اسمِه، وغيرَ مستحقٍّ لِرحمةِ الله، لأنّ القدّيسين هم أصدقاءُ الله، حسب ما يشهدُ ناظمُ المزاميرِ قائلًا: «عَجِيبٌ هُوَ اللهُ في قِدّيسِيهِ. إِلَهُ إِسْرَائِيلَ» (مزمور 67 : 35).
نُشِرَتْ في الأصلِ في ORTHODOX LIFE
دير الثّالوث القدّوس، جوردانفيل، نيويورك.
أُعيدَ طبعُها من قِبل Eastern Orthodox Books
العنوان البريديّ: Box 302 Willits, Calif.
1.Moleben: وتسمّى أيضًا "خدمة الشّفاعة" أو "خدمة الابتهال"، وهي خدمة صلاة ابتهاليّة تُقام تكريمًا لِربِّنا يسوع المسيح، أو لِوالدةِ الإله، أو لِقدّيسٍ معيّنٍ، أو لِشهيدٍ. إنّها خدمةٌ سلافيّةٌ، ولكنّها مرتبطةٌ ارتباطًا وثيقًا بِخدمة الباراكليسي. وعادةً ما يقومُ كاهنٌ بِهذه الخدمةِ، ولكن يمكن للعلمانيّ أن يقومَ بها أيضًا مع بعض التّعديلات (المعرِّبة).
2.رَقَدَ في العام 845.
3.يُعَيَّدُ له في 21 تشرين الأوّل، ورَقَدَ في العام 371.
4.البطريرك نيكيفوروس الأوّل (806 – 815).
5.حَكَمَتْ بين عامَي 842 و855.