خمسُ خُطُواتٍ إلى المسيح، الجزء 2/2، ثمانية ثعابين

في مواجهة الخطايا الرّئيسة

خمسُ خُطُواتٍ إلى المسيح.

الجزء الثاني: ثمانية ثعابين.

في مواجهة الخطايا الرّئيسة.

القدّيس سيرافيم (زفيزندسكي) أسقف دميتروف.

نقلها إلى العربية: الياس الأشقر

 

هذه الأطروحة الكلاسيكيّة، للقدّيس الرّوسيّ المعاصر، سيرافيم (زفيزندسكي)، تستوجب القراءة، وإعادة القراءة.

 

لكنّ الآباء القدّيسين يُعدِّدون ثمانية خطايا رئيسية، بينما الخطايا المُتبقّية ليست سوى ألسنة لهذه الثعابين الثمانية، ليست سوى أسنانها المُسمِّمة.

الثعبان الأول هو الشراهة. هذا يرتكز بشكلٍ أساسيّ على كل أنواع الاستفاضة في الطعام والشراب: التُّخمة عند تناول الطعام، السُّكْر، وإرضاء الفَكَّين. لهذا الثعبان عدّة ألسنة وأسنان، وغالبًا ما تكون خفيّة جدًا وغير واضحة. كلّ أشكال الإهتمام بالجسد، أي إشباع الذات، تُعتبَر من ألسنة هذا الثعبان السّام. ولكنّ الأكثر أهميّةً فيما بينها هو حُبّ الذات، عندما يُفكِّر الإنسان ويهتمّ كثيرًا بذاته، وبراحته الشخصيّة.

الثعبان الثاني هو شهوة الجسد. بالنسبة للرسول، إنّ ذِكْرُهَا أَيْضًا قَبِيحٌ (أفسس 5 :12) عندما يتمّ التكلّم عن أنياب هذا الثعبان، لكن من واجبي الرعائي، سأُسمّي وأُظهر لكم هذه الأنياب الرّهيبة: واحدٌ منها هو الفُجور [الزِّنى قبل الزواج]، أو عدم حفظ العفّة؛ أمّا الثاني فهو الزنى [بعد الزواج]. هذه النّابُ يُدمِّر عقد الزواج. عندما يَنتهكُ الزّوجُ إخلاصَه لإمرأته، والعكس صحيح، حينئذٍ إعلموا أنّه عملُ نابٍ من أنياب هذا الثعبان الثاني. ولكن، لهذا الثعبان أنياب أُخرى أيضًا—الرذائل الخارِجة عن الطبيعة. لن نتكلّم عنها، فهذا مُعيبٌ. جميع أنياب هذا الثعبان هي مُقَزِّزة. ولجميع الذين استسلموا لسُلطتها، يستخدم الرسول هذه الكلمات: "أَمْ لَسْتُمْ تَعْلَمُونَ أنّكم للمسيح، وأَنَّ جَسَدَكُمْ هُوَ هَيْكَلٌ للهِ" (1 كورنثوس 6: 19). كلّ مَن يُسلِّم نفسه لسُلطة هذا الثعبان الثاني يُدمِّر ويُدنِّس هذا الهيكل. لهذا الثعبان الثاني المزيد من الأنياب الدقيقة، وقد تكلَّم المسيح قائلًا: "إِنَّ كُلَّ مَنْ يَنْظُرُ إِلَى امْرَأَةٍ لِيَشْتَهِيَهَا، فَقَدْ زَنَى بِهَا فِي قَلْبِهِ (متى 5: 28). هذه هي مدى صرامة المسيح فيما يتعلّق بالطهارة، ولا يوجد جهاد أصعب من الصِّراع ضدّ الأنياب الصغيرة لهذا الثعبان الرّهيب. في هذا الجهاد، يجب علينا طلب المعونة من الفائقة الطهارة مريم العذراء، التي هي أكرم من الشاروبيم، وأرفع مجدًا بغير قياسٍ من السارافيم، وأكثر طهارةً من شعاع الشمس.

الثعبان الثالث هو الجَشَع، محبّة المال، وشهوة الربح. المُقيَّدُ بهذا الهوى لا يملك مكانًا للمسيح داخل نفسه، لا يملك وقتًا للتفكير بخلاصه، لأنّه دائمًا في حالةٍ من الهَلَع، في حالة من القلق لكي لا يفوت عليه بعضٌ من الثّروات. لهذا الثعبان نابٌ واحدٌ حادّ، كثيرًا ما يَقرُصُ في أيّامنا: عندما تستحوذ علينا الاهتمامات. ماذا سأفعل في السنة المُقبلة؟ كيف سأعيش؟ كيف سأعيش عندما أُصبح طاعِنًا في السّن؟ فالناس لا يُفكِّرون بأنّ الله يعلم ما نحن بحاجة إليه قبل تَوَسُّلِنا إليه.

الثعبان الرابع، وهو مُرتبط بالثعبان الثالث: الغضب. لهذا الثعبان عدّة أنياب. الأول هو الانفعال. فعندما لا يوافقنا الناس الرأي نغضب، ونبدأ بالصراخ، ونُعاتِب، ونُزداد هَيَجانًا، وهذا ما يُجبرنا على الشَّتم، وغالبًا ما نستخدم كلمات آثِمة، وقبيحة؛ وحينذاك ننسى أنّه يتوجّب علينا أن نُعطي جوابًا في يوم الدينونة عن كلّ كلمةٍ فاسدةٍ. أحيانًا يكون الأمر أسوأ: فنحن لا نكتفي بتوبيخ أخينا، بل أيضًا نقتله، إمّا بِكلمة أو بِنَظرة. نعم، يا رفاقي، بإمكاننا أن نقتل إنسانًا بِنَظرة. الأمر صعبٌ عندما يَغرُز نابُ هذا الثعبان في النفس؛ فالنفس تُصبح كئيبة، وتستولي عليها البرودة؛ ويغادِرُ الفرحُ نفسَ الإنسان الغاضب.

الثعبان الخامس هو الحزن. يُوجد حزنٌ إلهيٌّ، وهو الحزن الذي يجعلنا نحزن ونبكي على خطايانا، هذا حزن القدّيسين؛ ولكن يُوجد حزنٌ آخر، حزنٌ على أشياء هذا العالم. لهذا الثعبان نابان حادّان: التذمُّر والكآبة. الجميع عائشون بِهناءٍ، إلّا أنا، فإنا أُعاني، وهذا هو التذّمر والحزن. أحقًّا لا تعلَم لماذا تعيش هكذا؟ أمّا أنياب الكآبة فهي أكثر فظاعة، فهي تؤدّي إلى اليأس من رحمة الرب وقوّته. اليأس هو خطيئة يهوذا الإسخريوطي.

الثعبان السادس هو اليأس، ويُمكن تسميته شلل الروح. عندما يكون الجسم مشلولًا، تفقد الأعضاءُ الفرديّة قُدرتَها على الفعل: الأعيُن لا تُبصر، الأذان لا تسمع، الأرجُلُ لا تتحرّك، الأيدي لا تعمل؛ وبكلمة واحدة، للإختصار، الحياة تتوقَّف عَمَلِيًّا. هذا ما يحدث في حالة شلل النفس: تتلاشى جميع قِواها الحيويّة، الصلاة تُصبح مُشتَّتَة، لا يعود الإنسان يسعى للعمل على ذاته، والنفس تبدو وكأنّها ساقطةٌ في سُبات عميق.

الثعبان السابع العظيم، مع أولاده الكثيرين وبأنيابه الخفيَّة المُدهِشة هو المجد الباطل. لا يكاد يوجد أي إنسان على وجه الأرض باستطاعته أن يقول عن نفسه: "أنا لستُ مغرورًا، لأنني أعلم أنني أسوأ من الجميع". المجد الباطل هو مجد فارغ، ولا أساس له. الإنسان مغرورٌ بذكائه، بموهبته، بوجهه الوسيم، بِغِنى ملابسه ومفروشاته، بعقله، بمعرفته، وبِسِعَةِ إطِّلاعه. الشيء الأكثر فظاعة هو أن كِبار النُّسّاك عانوا من هذا الناب، لأنّه يُمكن للمرء أيضًا أن يتفاخر بِنُسْكِهِ. فجأةً، خلال صلاته، يقول في نفسه: "يستطيع الناس أن يَروا كيف أنّني رَجُلَ صلاةٍ"، ويكون هكذا قد تعالى وقُرِصَ من قِبَلِ ثعبان المجد الباطل. أعيد وأُكرِّر، حتّى عظماء النُّسّاك لم يَخْلُوا من الأفكار؛ على الرغم من أنّه صحيح، ليست سوى أفكار، مثلما كانت الحال مع القدّيس سيرافيم [ساروف]. عندما رفض تَرك دير ساروف وقبول رتبة رئيس دير، وعاد إلى قِلايته القَذِرة في الصحراء، شَعَرَ بأفكار المجد الباطل تتصاعد في نفسه. عاقب الشيخُ العظيمُ، المملوءُ تواضعًا، نفسَه بسبب هذا الفكر: بقي لألف يوم وألف ليلة يترجّى الله أن يُسامحَه عن هذا الفكر. الرَجُل المغرور ينسى أنّ كلّ ما هو ليس له، بل هو للخالق. الشخص المغرور غالبًا ما يُعامِل الآخرين بازدراء، ويُقابل مَن يواجهُه بانفعالٍ. فَٱنْظُرُوا كَيْفَ تَسْلُكُونَ بِٱلتَّدْقِيقِ (أفسس 5: 15) [بالسلافية: "انظروا، لأنكم تسلكون بشكل خطير." (المُحَرِّر)]

الثعبان الثامن هو الكبرياء. هذه هي خطيئة الشيطان بذاته. الكبرياء تؤدّي إلى الكثير من الخطايا، والأكثر فظاعةً فيما بينها هي الكُفر، الذي يؤدّي إلى موت النفس.

لقد تفحَّصْنا ثعابين أنفسنا الثمانية؛ وهي خطايا مُميتة، لأنّ النفس المُقيَّدة بها تموت موتًا بطيئًا...

إن كان في نفسك ثعابين، غير أن أزهار الفردوس ستنمو هناكَ أيضًا، وهي تُخيف الثعابين.

الثعبان الأول، الشراهة، يخشى زهرة الإمساك.

شهوة الجسد لا تستطيع أن تتحمّل حتّى قطرة ندى صغيرة من زهرة العفّة والطهارة.

الجشع يخشى الإحسان.

الغضب يُقتَلَع بِزهرة الوداعة الباهرة.

الحزن، بفرح الروح القدس الذي لا يُوصَف.

اليأس، بزهور الصَّبر.

المجد الباطل لا يستطيع أن يتحمَّل الجمال السماوي لزهرة التواضع.

الزهرة السماويّة الأخيرة تقتل الكبرياءَ وجميعَ صغارها بأصغر قطرة ندى، مثل سمٍّ رهيب. اسم هذه الزهرة الرائعة هو المحبة. محبة المسيح هي الأكثر روعةً، أجمل زهرات نفوسنا. مَن كان له هذه الزهرة، تتفتَّح في داخله فرحًا أبديًّا. يُجاهد النُّسّاك للعثور على هذه الزهرة، ويتخَلّون عن كل النِّعَم الدنيوية؛ لقد أهرق الشهداء القدّيسون دماءهم لأجل هذه الزهرة. مَن يعرف مدى جمال هذه الزهرة لن يدَّخِر شيئًا للحصول عليها، وسيقدّم كل قوَّة نفسه.

توسّل أحدُ النُّسّاك المسيحَ لمدّة ثلاثين عامًا قائلاً: "أعطِني قطرةً من المحبة." وبعد ثلاثين عامًا من الصلاة، استمع له الرب. مَرِضَ الشيخُ بشدّة، وخلال أصعب تجاربه، نزلت قطرةٌ نقيّةٌ من زهرةٍ سماويةٍ إلى قلبه، وهذه البَرَكةُ استولت على روحه لدرجة أنّه باركَ آلامه.

يا ربّ، إنّنا نتوسَّل إليكَ، أرسِل قطرَة محبة إلى نفوسنا أيضًا؛ أضرِمْ نارًا فيها من زهرتكَ الإلهيّة.

لكُلّ واحد منّا قلعته المُقدّسة، قلعة نفوسنا التي شيّدتْها القوّة الإلهيّة. نحن بحاجةٍ إلى هذه القلعة لحماية نفسنا الداخليّة من الأعداء. ومثل أي شخصٍ آخر، تحتوي قلعتنا أيضًا على أربعة أسوار.

السّور الأول، يواجه العالم الخارجي بشكلٍ مُباشَر، إنه الأكبر، الأكثر أهميّةً، وهو معروفٌ بالتواضع.

السّور الثاني هو تأنيب الذات. إذا كان السّور الأول يُعلِّمنا ألّا نتعالى، وأن نعتبر أنفسنا أسوأ من كل الآخَرين، فالثاني يقول: "مهما حصل لكَ، تذكَّر أنَّكَ أنتَ وحدكَ المسؤول عن كلّ شيء."

السّور الثالث هو مخافة الله. كُلُّ مَن أقام هذا السّور يتجنَّب الخطيئة، لكي لا يُسيء إلى الربّ.

السّور الرابع هو ذِكر الله. عندما يُوجَد هذا السّور، لا ينسى الإنسان حتّى لدقيقةٍ واحدةٍ أنّه يسير أمام وجه الله، الذي لا يرى أفعاله فقط، بل أفكاره أيضًا.

ولكن إلى جانب الأسوار، فالقلعة الإلهيّة محمِيّةٌ بأربعة حُرّاس، حارسٌ لكلّ سورٍ.

حارس السّور الأول هو اليَقَظة. هذا الحارس يراقِب مَن يدخُل، ويسمح لمن يمتلكون تذكرة الفضائل بالدخول، أمّا الباقون فلا يسمح لهم بالدّخول.

حارس السّور الثاني، الذي مهمّته تطهير القلعة إذا تمكَّن الأعداء من دخولها، هو التوبة.

الحارس المُنتصب عند السّور الثالث هو الغيرة لله. هذا الحارس الجَبّار يَضرُب الأعداء الذين استطاعوا، إلى الآن، اختراقَ القلعة.

والحارس الرابع يستخدم سوطًا ليطرد ويهزم أعداءه الذين تمكّنوا من إخفاء ذواتهم عن الحرّاس الثلاثة الأوائل. إسم الحارس الرابع هو صلاة يسوع.

عندما يتمّ تعزيز القلعة، لن يخترقها إذ ذاك الأعداءُ، لأنّ الحرّاس لن يسمحوا لهم بذلك. وكلُّ واحدٍ منّا سيتأكَّد: هل أسْواري ثابتة؟ هل انهارت في مكانٍ ما؟ هل الحرّاس في مكانهم؟ إذا كان الأمر كذلك، فكُن هادئًا بشأن بيت نفسك، فالقلعة تحميها. عندها سيُصبح هذا البيت مسكِنًا لله نفسه، وستكون القلعة مثل منزلٍ مبنيٍّ على الصخر، فلن تُسقطه عواصف ولا أمواج الحياة اليومية.

أريد أن أُعطيكَ هديّةً، سلسلةً ثمينةً من الخواتم الذهبيّة، ويُمكن إرتداؤها حول قلبكَ، أو حتّى أفضل من ذلك، إجعَل هذه السلسلة الثمينة في قلبكَ دائمًا.

لهذه السلسلة سبعة خواتم، سبعة خواتم ذهبيّة جميلة. هذه هي، تذكَّرْها جيّدًا!

الخاتم الأول هو ذِكر الله. مَن يملك هذا الخاتم يذكر الله باستمرار في كل لحظة، ويراه أمامه.

الخاتم الثاني مُرتبط بشكلٍ وثيقٍ بالأول، وهو مخافة الله. كلُّ مَن يذكر الله لن يقوم بعملٍ خاطئ، لأنّه سيكون خائفًا، غير راغبٍ في الإساءة إلى الرب، الذي يراه أمامه.

وإذا وُجدت مخافة الله، فحتمًا يكون الخاتم الثالث موجودًا بالفعل: التوبة، لأنّ مخافة الله تُريكَ كلَّ أخطاء ضميرك.

الخاتم الرّابع هو ضبط النفس، وهو يرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتوبة: مراقبة النفس هي الحلقة الرابعة من هذه السلسلة الذهبيّة.

مَن يتوب بصدقٍ عن خطاياه سيراقب نفسه دائمًا، مُتجنِّبًا كلّ ما يُمكن أن يُسيء إلى المسيح.

الخاتم الخامس، وهو الأثمن، مُرصَّع بالألماس، هو خاتم التواضع. مَن كان له الخواتم الأربعة الأولى فله الخامس أيضًا، لأنّ مثل هذا لا يتكبَّر أبدًا على غيره، وليس له ما يتفاخر به، وهو مُنشَغل فقط بخطاياه. إنّه يراقب نفسَه وأفعالَه بعنايةٍ فقط. ومَن ذَكَر الله، وكانت له مخافة الله، يتوب عن خطاياه ويراقب ويضبط نفسه؛ إنه يملك التواضع، وقد وجد راحة الضمير، سلام الروح، وهذا هو الخاتم السادس.

بإمكانك ربّما أن تُخبرني عن الخاتم السابع بنفسك: مَن له روحٌ نيِّرة وسلاميّة لن يُغضِب أو يُهين أحدًا، لأنّه يملك الخاتم السابع، السلام مع الآخرين. مثل هذا الإنسان يُحبّ الآخرين.

أكُرّر مرّة أُخرى: ذِكر الله، مخافة الله، التوبة، ضبط النفس، التواضع، راحة الضمير والسلام مع الآخرين.

احصل على هذه الهديّة، احفظها، وخُذْها معك إلى المنزل.
 

https://orthochristian.com/149238.html