الخدم الإلهيّة الأرثوذكسيّة

الخدم الإلهيّة الأرثوذكسيّة

الميتروبوليت إيلاريون ألفييف

نقلها إلى العربية: الشماس باييسيوس مخول

 

الخدم الإلهيّة الأرثوذكسيّة هي كنزٌ لا يُقدَّر، وعلينا أن نحفظه بعناية. سواء كان في القداس الإلهيّ والغروب والسّحَر والساعات ونصف اللّيل أو في صلاة النوم، منذ الإعلان الأوَّل تغوص النّفس في مبدئها الأوَّل، في الصلاة غير المنقطعة. من المزامير والطلبات والاستيشيرات والطروباريّات، والأفاشين والإعلانات التي يقولها الكاهن: كلُّ الخدمة تتحرَّك كسرٍّ واحدٍ منتظِم ينكشف للحاضرين، بنفَسٍ واحدٍ وإيقاعٍ متفِّق، ما من شيءٍ يشتّت عن الصلاة.

تتناوب النصوص اللّيتورجيّة البيزنطيّة، المليئة بالمعاني اللّاهوتيّة والمستيكيّة العميقة، مع المزامير المرتَّلة، فتلقَى كلّ كلمة تجاوبًل في قلبِ الإنسان المصلّي. حتى الحركات اللّيتورجيّة في الخدم الإلهيّة الأرثوذكسيّة؛ كالزيّاحات والسّجدات والتبخير، لا تبتغي تشتيت المؤمنين، بل أن تضعهم في جوٍّ من الصلاة، أن تجذبهم إلى الخدمة التي، بحسب تعليم الكنيسة، لا يشترك فيها البشر وحسب بل الملائكة أيضًا.

إنّ نصوص الخدم الإلهيّة، بالنسبة للمسيحيّين الأرثوذكسيّين، لها سلطة لاهوتيّة وتعليميّة غير قابلة للجدل. وهي، من بعد الكتاب المقدَّس مباشرةً، منزّهة عن الخطأ من الناحية العقائديّة.

أودّ أن أقول إنّ نصوص الخدم الإلهيّة ليست مؤلَّفات للاهوتيّين وناظمي تسابيح وحسب، إنّما هي نتاج خبرةٍ في الصلاة لأناسٍ بلغوا القداسة والتألّه، وهي تشغلُ مكانةً أسمى من تلك التي لكتابات آباء الكنيسة، من ناحية السلطة اللّاهوتيّة. فليست كتابات الآباء كلّها ذات قيمةٍ متساوية، ولم تنَل كلّها قبول الكنيسة بأسرها.

بالمقابل، نالت نصوص الخدم الإلهيّة اعترافًا من الكنيسة بأسرها كأسسٍ للإيمان، وقُرأت هذه النصوص ورُتِّلَت على مرّ العصور في كلّ الكنائس الأرثوذكسيّة. كلّ خطأ دخل عليها بسبب سوء فهمٍ أو إهمال، قد تمّ تصحيحه من خلال تقليد الكنيسة. وما بقي هو نقيّ، لاهوتًا منزَّهًا بحلَّة تراتيل ليتورجيّة.

إنّ نصوص الخدمة الإلهيّة، بالنسبة للمسحيّين الأرثوذكسيّين، لها أهميّة فريدة. وبفضلها، صار الاشتراك في الخدم الأرثوذكسيّة مدرسةً في اللاهوت وليس فقط في الصلاة، مدرسةً في ارتقاء الذهن نحو معاينة الله، وفي الثبات تحت تدبير الله.

 

المصدر:

https://orthochristian.com/155179.html