مصادر الاختلاف مع الكنائس الشرقية المنشقَّة

مصادر الاختلاف مع الكنائس الشرقية المنشقَّة

الأستاذ جان-كلود لارشيه

نقله إلى العربية: شادي مخّول


 

هناك نوعان من الكنائس الشرقيَّة المنشقَّة عن الكنيسة الأرثوذكسيَّة:

  1. الكنائس المنحدرة من أصلٍ نسطوريّ، أي المدعوة «لا أفسسيّة» لعدم اعترافها بمجمع أفسس (431)، أو «كنائس المجمعَين» لأنَّها لا تعترف سوى بأوَّل مجمعَين مسكونيَين. تضمّ هذه الفئة: أ) الكنيسة الرسوليَّة الشرقيَّة الآشوريَّة؛ التي وُجدَت أساسًا في منطقة هكاري (تركيا الشرقيَّة)، إلَّا أنّها شهدت اغتيال عدد كبير من أبنائها خلال المجازر الكُبرى التي حدثت في الحرب العالميَّة الأولى. يوزَّع الباقون في مختلف أنحاء العالم. ب) كنيسة الشرق القديمة؛ التي انشقَّت عن الكنيسة الآشوريَّة سنة 1964. الكنيسة الكلدانيَّة الانضماميَّة، أي التي انضمَّت إلى الكنيسة الكاثوليكيَّة في القرن السادس عشر. قطن الكلدانيّون في شمال العراق (حيث تعرضوا في السنوات الأخيرة للاضطهاد من قبل المسلمين الأصوليين) وفي بلاد الانتشار.

  2. الكنائس المنحدرة من أصلٍ مونوفيسيتيّ، المدعوَّة أيضًا «السابقة لخلقيدونية» أو « اللّاخلقيدونيَّة» لعدم اعترافها بمجمع خلقيدونية المسكونيّ (451)، بل تعترف فقط بالمجامع المسكونيَّة السابقة له. تضمّ هذه الفئة الكنائس القبطيَّة والأثيوبيَّة والسريانيَّة اليعقوبيَّة (الموجودة في سوريا والهند) والأرمنيَّة.

ليس هناك من حوارٍ رسميّ بين الكنيسة الأرثوذكسيَّة والجماعات التي ذكرناها ضمن المجموعة الأولى. وما يُفسّر ذلك هو أنَّ أحد فروعها انضمَّ منذ زمنٍ بعيدٍ إلى كنيسة روما الكاثوليكيَّة، وأنَّ فروعها الأخرى هم أقليَّة.

من ناحيةٍ أخرى، لطالما كان للكنيسة الأرثوذكسيَّة حوارات مع الكنائس اللَّاخلقيدونيَّة منذ الانشقاق.

يعود أصل الخلاف إلى زمن مجمع خلقيدونية. فبينما كانت الكنيسة تتصدَّى لتعليم أفتيخيوس المونوفيسيتيّ المتطرّف ولمونوفيسيتيَّة ديوسقوروس الأكثر اعتدالًا، كتبت اعترافًا إيمانيًّا ومن خلاله تعترف بأنّ المسيح، الكلمة المتجسّد، هو بطبيعتَين (إلهيَّة وبشريَّة) وبأقنومٍ واحدٍ (إلهيّ)، وبالتالي بإرادتَين وفعلَين متوافقَين مع طبيعتَيه. اعتمدت الكنائس اللَّاخلقيدونيَّة خريستولوجيا تعترف بأن للمسيح طبيعةً واحدة (الطبيعة الإلهيَّة)، واعتبروا أن العنصر الإلهيّ في المسيح هو الذي يسود فيفقد بذلك العنصر البشريّ (طبيعةً وإرادةً وفعلًا) جزءًا كبيرًا من حقيقته وانسجامه. كان من الممكن أن يُعتَبَر التعليم الخريستولوجيّ، الذي يستخدم تعبيرًا ميافيسيتيًّا (حيث يتماهى مصطلح «طبيعة» مع مصطلح «أقنوم»، بما يسمح بالحديث عن طبيعة واحدة)، استمرارًا للخريستولوجيا بحسب القديس كيرلّس، لو لم تنحرف تطويرات اللَّاهوتيّين التابعين للتيار المونوفيسيتيّ (على الرَّغم من كونها مونوفيسيتيَّة أكثر اعتدالًا من التي لإفتيخيوس) كديوسقوروس ويعقوب السروجي ويوحنا برقورسوس وفيلوكسينيوس أسقف هيرابوليس ويعقوب البرادعي وساويروس الأنطاكي وتيموثاوس الإسكندري ويوليانوس هاليكارناسوس، عن فكر كيرلّس (رغم محافظتهم على تعابيره شكليًّا) بشكلٍ غير أرثوذكسيّ ولا يُعتبَر ضمن إطار الاعتراف الإيمانيّ الخلقيدونيّ ولا ضمن إطار المجامع المسكونيَّة اللَّاحقة. بحسب الكنيسة الأرثوذكسيَّة، إنَّ الترجمة المونوفيزيتيَّة للإيمان الخريستولوجيّ النيقاويّ الأفسسيّ ولتعابيره الكيرلّسيَّة، هي بعيدةٌ كلّ البُعد من أن تُدرجَ ضمن التقليد، إذ هي تُشكّل ابتداعًا فعليًّا لا ينسجم معه.

صار الحوار بين الكنيسة الأرثوذكسيَّة والكنائس اللَّاخلقيدونيَّة أكثر كثافةً خلال العقود الأخيرة، وذلك من خلال انعقاد عشرات اللّقاءات الرَّسميَّة. يُشكِّل البيان النهائيّ الصادر عن لقاء شامبيزي سنة 1989 (الجلسة العامة الثانية للجنة المشتركة للحوار) النموذج المكتَمِل لـ«الاعتراف الأوَّل للإيمان المشتَرَك». استُعيدَ الاعتراف الأوَّل في لقاء شامبيزي 1990 في «الاعتراف الثاني المشتَرَك» وتم تحديده، وأكَّد هذا اللّقاء وجود شركة إيمانيَّة، وحدَّد المعايير التطبيقيَّة التي ستُتَّخَذ لاستعادة الشركة الكاملة بين الكنيستين.

رغمَ توقيع مندوبي الكنائس الأرثوذكسيَّة المحليَّة على بيان الإيمان المشتَرَك، إلَّا أنَّه لم يؤدِّ إلى اتفاقٍ سوى من بطريركيَّة القسطنطينيَّة وبطريركيَّة أنطاكية وكنيسة رومانيا، ولم يكن موضوع قبول أرثوذكسيّ مسكونيّ.

كُتبَ الاعتراف الإيمانيّ المشتَرَك عبر استخدام عباراتٍ من قَبل مجمع خلقيدونية، مُستعارة من فكر القديس كيرلّس الإسكندريّ، تُبقي غموضًا كبيرًا وبالتالي تتيح إمكانيَّة وجود تفسيرات ضمنيَّة متشعّبة. هذا ما أكَّده عدَّة اختصاصيّين ينتمون لكنائس أرثوذكسيَّة محليَّة مختلفة.

هذا لا يسمح باعتبار أنَّ الكنائس اللَّاخلقيدونيَّة قد نبذوا الترجمة المونوفيزيتيَّة للعقيدة الخريستولوجيَّة. وما يؤكّد على ذلك هو منشورات لعدَّة لاهوتيّين كالبابا شنودة الثالث.

لذلك، يجب في المستقبَل أن تُستَكمَل النقاشات للوصول إلى اتفاقٍ لاهوتيّ لا يكون، تسويةً سيئة، كالاتفاقات السابقة التي تمَّت في شامبيزي، بل تعبيرًا عن شركةٍ إيمانيَّةٍ حقيقيَّة.

يجب أن تتعلَّق هذه النقاشات أيضًا ببعض الصيَغ والممارسات اللّيتورجيَّة للكنائس اللَّاخلقيدونيَّة وفقًا لإيمانهم الحاليّ، وكذلك بطريقة اعتبار اللَّاهوتيّين السابقين، في كنيستهم، الذين يتمّ تكريمهم كقدّيسين، بينما تفرض الكنيسة عليهم الحرومات.


 

المصدر:

Larchet, Jean-Claude. L’Église corps du Christ II “Les relations entre les Églises”. Les Éditions de Cerf. Paris, 2012. P. 150-153.