القديس فوتيوس الكبير كنموذج لحياتنا

 القديس فوتيوس الكبير كنموذج لحياتنا

المتقدِّم في الكهنة جورج بابافرنافاس

نقلها إلى العربيَّة نديم سلُّوم

 

كان شخصيَّة عظيمة من القرن التاسع، آتيًا من عائلة مَرموقة ولكن تقيَّة من القسطنطينيَّة. وفقًا للسنكسار المقدَّس، كان والده يتميّز بإيمانه القويم وكانت والدته مُحبَّةً لله وللفضيلة. والقديس نفسه، في رسالته ال 145، يمدح والدَيه قائلاً عنهما إنَّهما رَقَدا كمعترفَين. وقدَّم الكثير للكنيسة والتعليم بعد دراسته الأدب اليوناني والبلاغة والطب. أصبح معلِّمًا مشهورًا وطبيبًا متفوِّقًا قادرًا على تصنيع الأدوية المفيدة. «لم يكن فقط معلِّمًا متفوِّقًا فحسب، بل أيضًا مُصغِيًا لآراء الآخرين، وكان يُبدي الامتنان الواجِب لمن يقدِّم رأيًا أفضل من رأيه. في الوقت نفسه قدَّم خبرته الطبِّيَّة لمختلف المرضى وكان يُعِدُّ الأدوية الفعَّالة بنفسه. لهذا قارنه مُعاصِروه بجالينوس1 وأبقراط2

لا تُظهِر عناصرُ السيرة الذاتيَّة لقديس ما الكثير من الاهتمام عادةً، إن لم تكن مرتبطة بشخصيَّة القديس بكاملها وحياته الداخليَّة المخفيَّة بعنايةٍ عن العالم. من الولادة إلى الرقاد لا يوجد عادةً أمرٌ مثيرٌ للإعجاب خصوصًا لأولئك الذين يتأثّرون بالأمور السطحيَّة ولم يتعلَّموا الغَوصَ عن عمق الأحداث وأسبابها. بالطبع، لدى الشخص الذي نكتب عنه هنا العديد من المواهب الخارجيَّة ولكن ما جعله عظيمًا كان محبَّته وطاعته للمسيح وكنيسته اللتَين كانتا المبادئ الأساسيَّة لأعماله وأفعاله.

سطع نور القديس فوتيوس عندما اعتلى عرش البطريركيَّة القسطنطينيَّة في فترة حسَّاسة للإمبراطوريَّة البيزنطيَّة3. خلال هذه الفترة، برزت حَذاقتُه وإبداعه وعظمته الفكريَّة. كان الصراع والتعصُّب مُستَولِيَين على الكنيسة. حاول أنصار البطريرك المخلوع أغناطيوس إعادته إلى العرش عبر التصدّي لفوتيوس. لم يعترف بابا روما نيقولاوس الإفرنجي به كبطريرك قانونيّ ليس لأنَّه أراد إغناطيوس أو كان مهتمًّا بالشؤون الداخلية لكنيسة القسطنطينيَّة، بل ما سعى إليه هو إعادة مسألة "الأوليَّة"، أي أنَّ البابا له الأوليَّة ليس بالشرف بل بالسلطة على الكنائس الأخرى كخليفة لبطرس الرسول. كما أنه طمِعَ بمنطقة إيليريا. أراد إخضاع البلغار، ولهذا السبب أرسل المبشِّرين الإفرنج. لكنَّ هذه المنطقة تنتمي قانونيًّا إلى القسطنطينيَّة. كما هو مُتَوَقَّع، تصرَّف فوتيوس مثل البرق بشأن هذه التّعدّيات. قام بتنظيم بعثات أرثوذكسيَّة إلى السلاف بقيادة تلميذه كيرلّس وأخيه ميثوديوس. أُجبِرَ الإفرنج على المغادرة، وعندها غضب نيقولاوس وحاربه بشراسة. وكما سنرى أدناه، حاربه الإفرنج سنوات عديدة بعد وفاته، وأستطيع القول إنهم ما يزالون يحاربونه حتَّى اليوم.

عرف فوتيوس كيفيَّة معالجة المشاكل بهدوء، بمنهجيّة واستراتيجيَّة. كان يعرف جيِّدًا ما يريد وأيضًا كيفيَّة تحقيقه. كان متقدِّمًا على الأحداث بما أنه قائدٌ حقيقيٌّ. لم يسمح لأي أحداث أن تحصل فيما هو يزحف وراء مُجرياتها ببطءٍ. علاوة على ذلك، القائد الحقيقي هو الذي لديه القدرة على الرؤية من بعيد وتوقُّع الأحداث غير السارّة التي، في كثير من الأحيان، يمكن أن تكون لها تأثير خطير ويمكن أن تغيّر التاريخ. فمن دون فوتيوس، ربما أضحت دول السلاف اليوم تحت تأثير البابا. لهذا السبب وحده نحن مدينون له بالكثير.

وصل إلى ذروة الظروف الحَرِجة وساهم بشكلٍ كبيرٍ في وحدة الكنيسة، إذ لا توجد خطيئة أعظم من كسر وحدة أعضاء الكنيسة. إنَّ اختراع طوائف من قبل أناس جسدانيين غير حكماء يُضِرُّ بالوحدة ويمزِّق رداء المسيح غير المنسوج بِيَدٍ.

إنَّ مكانته الروحيَّة العظيمة التي امتدحها حتى أعداؤه وخصومه، لم تُكرَّم كما تستحق وهي مجهولة تمامًا بالنسبة للكثيرين. الكنائس المقدَّسة لا تكرِّم اسمه. ربما توجد كنيسة أو إثنتان في كلِّ اليونان. الخدمة غير موجودة في يوم تذكاره في كتاب الميناون4، لكنها واردة في آخر الكتاب كملحق. هذه هي الحال بالتأكيد أيضًا مع اللاهوتيين والواعظين والمُعترفين الآخرين بالإيمان الأرثوذكسي، مثل القديس غريغوريوس بالاماس والقديس مرقس إفجينيكوس، للأسباب نفسها. لا ينبغي أن ننسى أنَّه أثناء الحكم العثماني كانت كُتُبُنا الكنسيَّة المتداولة في اليونان تُطبَع في البندقيَّة وأنَّ البابويين فعلوا كل ما في وسعهم لعدم تَضمين هذه الخِدَم في الميناون، وقد فعلوا ذلك لأنهم لم "يستوعبوهم" أبدًا، لأنَّ كلَّ واحدٍ منهم أفسد خططهم خلال زمنه وبطريقته الخاصَّة.

وفقًا للاعتراف الشائع، كان القديس فوتيوس بطريركًا عظيمًا ومعلِّمًا شاملاً. كان حاملاً للتقليد والتعليم الأرثوذكسيّ اليونانيّ واللذَين لا يهدفان فقط في نقل بعض المعرفة ولكن يتوجّهان شخصيًّا للإنسان بكامله ككيان نفسيّ ويقدّمان ما بِوِسعهما من أجل مساعدته وإعطائه حلاًّ لمشاكله وأبحاثه الوجوديَّة. يمتلك حامل هذا التقليد شهامةً وشجاعةً روحيَّةً ولكنَّه أيضًا حسَّاسًا للغاية. وكما لاحظ أحد الكُتّاب المعروفين في القرن العشرين على نحوٍ ملائمٍ، أنَّ حامل هذا التقليد "يغوص في أعماق الروح في بَني جنسه، ويرفعهم تدريجيًّا إلى مستوى إنسانيتهم".

https://www.johnsanidopoulos.com/2014/02/saint-photios-great-as-model-for-our.html

 

1 هو طبيب إغريقي ولد في بيرغامون سنة 129 وتوفي سنة 216. مارس الطب في أنحاء الإمبراطورية الرومانية وعالج العديد من الأباطرة الرومان. كان أكبر أطباء اليونان وأحد أعظم أطباء العصور القديمة أثر بشكل كبير في العديد من الاختصاصات الطبية كعلم التشريح، الفسيولوجيا، علم الأمراض وطب الجهاز العصبي، كما تنسب له العديد من الإسهامات في الفلسفة والمنطق.

2 ولد حوالي 460 ق م - توفي حوالي 370 ق. هو طبيب يوناني عاش في العصر الكلاسيكي اليوناني. يُعدُّ من أبرز الشخصيات في تاريخ الطب عبر التاريخ، وهو سابع الأطباء العظام في تاريخ اليونان.

3 المصطلح الأدقّ هو الأمبراطوريَّة الرومانيَّة الشرقيَّة (المعرِّب)

4 هو الكتاب الليتورجي الذي يحوي على خِدم الأعياد اليوميَّة الثابتة على مدار السنة.