مؤتمر الأديان لأجل السلام العالمي

نقله إلى العربية: شادي مخّول

 

إن كان بالإمكان اختصار الجو الروحي في منتصف القرن العشرين بجملة واحدة، فقد تكون التالية: الناس يريدون ثمارًا روحيةً من دون الأعمال الروحية اللازمة لِبُلوغِها. فالجو مليء بعبارات «دينية» مثل «السلام»، «الأخوّة» و«المحبة»، التي نادرًا ما تكون أكثر من كلمات فارغة، إمّا بسبب الجهل المُنتَشِر أو رفض الحياة الروحية الصحيحة.

أحد نماذج الظواهر «الدينية» في هذه الأزمنة كان «مؤتمر الأديان لأجل السلام العالمي» الذي انعقد في 27 حزيران 1965 في سان فرانسيسكو في إطار الذكرى العشرين لتأسيس الأمم المتّحدة. ناقش في هذا المؤتمر مُتَحَدِّثون هندوس وبوذيّين ومسلمين ويهود وبروتستانت وكاثوليك وللأسف أرثوذكس الأُسُسَ «الدينيّة» للسلام العالميّ، وتخلَّله تراتيل مشتركة بين كل الأديان أدّتها جوقةٌ مختلطةٌ تَضُمُّ ألفَي مرتّل. ترأّس هذا المؤتمر رئيس أساقفة سان فرانسيسكو الكاثوليكيّ، وقد حضره أكثر من عشرة آلاف شخص.

أشاد كلّ المحاضرين بالمُثُل الأعلى للسلام، وكانوا كلّهم تابعين القول المأثور المستَخدّم في الأوساط المسكونيَّة «شَدِّدوا على ما يُوَحِّد لا على ما يُفَرِّق». لكن، ما هو بالتحديد الذي يُوَحِّد والذي يُفَرِّق؟

بحسب ما قاله رئيس الأساقفة الكاثوليكيّ، إنّ ما يوحِّد هو «توق البشريّة جمعاء إلى ديمومة العدل والسلام». هذا ليس بالأمر المسيحيّ على وجه التحديد، بل هو شيء «عالميّ» ودنيويّ، شيء يؤمن به حتى الملحدون المضطَهِدون المُنضَوون إلى الاتحاد السوفياتي، الذين لهم علاقة بكلّ مشروعٍ مسكونيّ (تمّت دعوة السفير السوفياتي لدى الأمم المتَّحدة إلى الغداء من قِبَل قادة الكنيسة المشيخيَّة، إلا أنه لم يُلَبِّ الدعوة). ما يُفَرِّق البشر بالدرجة الأولى، هنا كما في كلّ أنحاء العالم، هي المسيحيّة نفسها.

تُحَرِّم الكنيسة الأرثوذكسيَّة الصلاة والشّركة مع الهراطقة والمنشقّين، فكم بالحريّ تُحَرِّمُها مع أتباع الديانات الغريبة كالذين لا يؤمنون بوجود الله (كالبوذيَّة)، هم الذين وُضِعوا على رأس قائمة الحرومات في سينوذيكون أحد الأرثوذكسيَّة. تقف الأرثوذكسيَّة بوجه كلّ هذه الديانات العالميَّة وتُعارضها، فالكنيسة الأرثوذكسيَّة وحدها تُبشِّر بالحقيقة الكاملة لقصد الله للإنسان وتُتيح كلّ الوسائل الضروريَّة لإحرازه. إنّ التألّه والحياة الأبديَّة مع الله يتحقّقان فقط في الكنيسة الأرثوذكسيَّة ومن خلالها. إن تجاهل هذه الحقيقة أو رفضها ليس مسألة تهاون، إنَّما هي مسألة حياةٍ روحيَّة أو موت روحيّ، خلاص أو دينونة.

يرفض العالمُ ودياناتُه هذا الحق الحصريّ للكنيسة الأرثوذكسيَّة. كيف يُعقَل إذًا أن يقف المسيحيّ الأرثوذكسيّ مع قادة هذه الديانات، متناسيًا كل ما يميّز كنيسة المسيح عن كلّ الديانات الأخرى، وموافقًا على أهدافٍ دينيَّة مشترَكَة لا علاقة لها بالخلاص؟

كانت ديانة هذا الاجتماع «ديانة عموميَّة»، ديانةٌ بشريَّة تُعنى فقط بالأمور البشريَّة الأرضيَّة. تلك الاهتمامات الدنيويَّة، مهما كانت ساميَة ومرغوبة، لا علاقة لها بالمسيحيَّة وبالحياة الروحيَّة المسيحيَّة. من ينقطع، ولو لبرهةٍ، عن البشارة بالخلاص الذي بيسوع المسيح، بغاية دعم أهداف هذه «الديانة العالميَّة»، يكفّ في تلك اللَّحظة عن كونه مختلفًا عن العالم وأديانه، بمعنى آخَر، يتوقَّف عن كونه مسيحيًّا.

هذه دلالةٌ أخرى على أنّ المسكونيَّة المعاصرة، بممثّليها الأرثوذكس كما بممثّليها الآخرين، تمضي بعيدًا تاركةً كنيسة المسيح خلفها.

 

المصدر:

Rose, Seraphim. “The Convocation of Religion for World Peace.” The Orthodox Word, May-June 1965, pp. 119-120.