المسكونية، أيضًا وأيضًا

يا للأسف، تتميّز أيّامنا بميل شديد لوضع العقيدة جانبًا، والاستخفاف بأهميّة تعاليم الإيمان. ويشمل هذا الأمر بعض القادة المسيحيّين الأرثوذكسيّين، حيث أنّ مَن كان يُفترض بهم أن يصونوا عقائدنا هم الّذين يضعونها جانبًا. هذا أمر مقيت، وخيانة حقيقيّة للمسيحيّة. والعجب الأغرب هو الموقف الذي يستخفّ بالفروقات العقيديّة والإيمانيّة تحت اسم الوحدة المسيحيّة. 

يقولون: «أبروتستانتيّ أنت؟ أأُرثوذكسيّ أنا؟ أكاثوليكيّ أنت؟ إسمعوا، هيّا ننسَ فروقاتنا، ونضعها جانبًا. هيّا ننسَ تاريخنا وما أدّى بنا إلى هنا. المهمّ هو الحاضر والمستقبل السلاميّ. ما يهمّ هو الحبّ، الأولويّة هي للمحبّة». هذا هو حديث الحركة المسكونيّة المعاصرة، وقد انتشرت هذه الروح في كلّ مكان. هذه هي الروح التي يُكرز بها في مجتمعنا: في مدارس الأحد، وبرامج مخيّمات الشباب، ومن منابر الوعظ لا سيّما في الأبرشيّات الأرثوذكسيّة في الغرب. عندما يتمّ تقليص العقائد وإهمالها، والاستخفاف بها، لا تكون النتيجة فترة زمنيّة من دون قِيَمٍ فحسب، بل أيضًا ارتفاعًا مفاجئًا في الفساد الخلقيّ، بما أنّ التهاون في العقائد يؤدّي إلى التفلّت في الأخلاق. إنّ العقائد الخاطئة تولّد خُلُقيّات فاسدة1.

لعلّكم تذكرون شرحنا هذه الموضوعات ذاتها منذ حوالى عشر سنوات. حينئذٍ، حدّثتكم عن الحركة المسكونيّة، التي بلغَت أوجَها في أواخر السّبعينات. قلت لكم ما أكرّره الآن: ستكون النتيجة تفاقمًا كبيرًا في الانحلال الخلقيّ بين المسيحيّين، وانزلاقًا كبيرًا في الأخلاق. ألم أخبركم بهذا كلّه عام 1971؟ وها نحن الآن عام 1980، أي بعد مرور عشر سنوات، نواجه فسادًا كبيرًا في الأخلاق. والأسوأ من ذلك أنّ شعبنا لا يستطيع أن يرى ذلك. تحاول أن ترشد أحدهم قائلاً: «يا بنيّ، هذا الأمر ليس صحيحًا، إنّه سيّئ». فيُجيب «ولم هو سيّئ؟ أين الخطأ فيه؟» لقد فقدنا إدراكنا لما هو صالح وما هو مضرّ. لما ينافي الأخلاق، وما هو بغيض. لم يعد الناس يدركون الاختلافات، وهذه ثمار المسكونيّة. 

ولا ننسَ أبدًا أنّ العقيدة والأخلاق، كما العقيدة والحياة الروحيّة، مرتبطان ارتباطًا وثيقًا. ومتى انقطعت أواصر هذه الصلة بين العقيدة والأخلاق، فلا بدّ أن تتأثّر التقوى المسيحيّة، والروحانيّة الحقيقيّة. وسيظهر أمرٌ مشابه في كنيسة أفسس. لقد بذل أسقف أفسس جهودًا عظيمة للدفاع ضدّ الكذب، لدرجة أنّه تغاضى عن أمر آخر- في جوهر الحياة الروحانيّة-، وهو المحبّة، محبّة المسيح وعبادته، أوّلاً وآخرًا. 

 

المصدر:

ميتيليناوس، الأرشمندريت أثناسيوس. سفر الرؤيا: الأبواق السبعة والمسيح الدجال. نقلته إلى العربية رولا الحاج، بيروت، 2020.

 

1. إنّ ما نجم من انحلال خُلُقيّ لدى «البابليّين الجدد» من الشعوب البروتستانتيّة العلمانيّة، كتشريع الإجهاض، والموت الرحيم، والزواج المثليّ، هو أمرٌ فَرضَهُ النظام العالميّ الجديد على سائر الشعوب الأخرى.