استعداد البشريّة لاستقبال المخلّص

استعداد البشريّة لاستقبال المخلّص

نقلها إلى العربيّة: شادي مخّول

 

«لكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ، أَرْسَلَ اللهُ ابْنَهُ مَوْلُودًا مِنِ امْرَأَةٍ، مَوْلُودًا تَحْتَ النَّامُوسِ، لِيَفْتَدِيَ الَّذِينَ تَحْتَ النَّامُوسِ، لِنَنَالَ التَّبَنِّيَ» (غلاطية 4: 4-5).

على ماذا يرتكز «مِلْءُ الزَّمان» الّذي حُدِّدَ للعمل الخلاصيّ؟ يتكلَّم بولس الرَّسول، في الآية الّتي تسبق الكلام المُستشهَد به، من رسالته إلى أهل غلاطية، عن الوقت الّذي يسبق مجيء المخلّص، قائلًا: «لَمَّا كُنَّا قَاصِرِينَ» (غلاطية 4: 3). إذن، هو يسمّي العهد القديم بـ «مرحلة الطّفولة»، والتّنشئة، وإرشاد القاصرين الّذين تحت شريعة موسى، بينما مجيء المخلِّص، هو نهاية مرحلة الطّفولة.

بِوِسعِنا أن نفهم المغزى من هذه المرحلة التّحضيريّة، على ضوء مَثَل الابن الضّالّ. حَزِنَ الأب؛ بسبب مغادرة ابنه المحبوب المنزل. إلَّا أنّه، دون أن يَقمَع حريّةَ وكرامةَ ابنه، انتظر إلى أن اختبرَ الابنُ مرارةَ الشرّير، وتذكَّر حُسنَ الحياة في بيت أبيه، فتاق إلى المسكن الأبويّ، واقتبلَ روحيًّا المحبّةَ الأبويّة. هذا كان حال الجنس البشريّ أيضًا. فكان بإمكان البشرِيّة، في أفضل أحوالها، أن تصرخ قائلةً: «بَسَطْتُ إِلَيْكَ يَدَيَّ، ونَفْسِي لكَ كَأَرْضٍ لا تُمْطَرُ» (مزمور 142: 6)، لقد صارت أرضًا يابسةً، بتذوّقها مرارةَ التّغرُّب عن الله.

لم يهجر الرَّبُّ الإنسانَ، ولم يصرف وجهَه عنه نهائيًّا؛ بل منذ لحظة سقوطه في الخطيئة، قادَهُ نحو الخلاص الآتي.

  1. بعد استئصاله جُنوح البشريّة الأولى، عبر الطّوفان، اختار الرّبُّ أولًّا المنحدرين من نسل نوح، الّذين نجوا من الطّوفان، جنسًا واحدًا لحفظ التّقوى، والإيمانِ بالإله الواحد الحقيقيّ، الإيمانِ بالمخلّص الآتي. هذا كان نسل إبراهيم، وإسحق، ويعقوب، والشّعب العِبريّ بكامله. قاد اللهُ بعنايته شعبَه المختار، وأخرجهم من العبوديّة، وحفظهم في الصّحراء، وأسكنهم في أرضٍ تفيض لبنًا وعسلًا، وأقام عهودًا، كعهد الخِتان، وعهد شريعة سيناء. وأرسل إليهم قضاةً، وأنبياء وأنذرَهُم، وعاقبهم، وعاد فَرَحَمَهُم وأخرجهم من السّبي البابليّ. وأخيرًا هيّأ من بينهم شخصًا مختارًا: مَن صارت أمًّا لابن الله.

ثبّتَ الرَّبُّ يسوع المسيح اختيار الشّعب العبريّ، عندما قال للمرأة السّامريّة إنَّ «الْخَلاَصَ هُوَ مِنَ الْيَهُودِ» (يوحنّا 4: 22). أيضًا، تشهد كتابات الرّسل بوفرةٍ للأمر عينه، كعظات إستفانوس أوَّل الشّهداء وبطرس الرَّسول، في سفر أعمال الرّسل، ورسائل بولس الرّسول إلى أهل رومية وغلاطية، ومقاطع أخرى من الكتاب المقدَّس.

  1. إنّ الاستعداد لاستقبال المخلِّص يتشكَّل من: وعود الله المُعَزِّية، ونبوءات الأنبياء عن مجيئه.

 

أ. وعود الله: ابتدأت وعود الله في الفردوس: فالكلمات المتعلّقة بنسل المرأة، الّتي وَجَّهَها الرَّبّ للحيَّة، تحتوي على معنىً خفيٍّ «وَأَضَعُ عَدَاوَةً بَيْنَكِ وَبَيْنَ الْمَرْأَةِ، وَبَيْنَ نَسْلِكِ وَنَسْلِهَا. هُوَ يَسْحَقُ رَأْسَكِ، وَأَنْتِ تَسْحَقِينَ عَقِبَهُ» (تكوين 3: 15). إنَّ الوعدَ المُعطى هنا، المتعلّق بنسل المرأة، أصبح أكثر وضوحًا للمؤمنين المُختارين، مع ازدياد النّبوءات عن المخلِّص الّذي سيحتمل بنفسه المعاناة، بسبب كَراهية الشّيطان (مزمور 21) وسيسحقه «فَطُرِحَ التِّنِّينُ الْعَظِيمُ، الْحَيَّةُ الْقَدِيمَةُ الْمَدْعُوُّ إِبْلِيسَ وَالشَّيْطَانَ، الَّذِي يُضِلُّ الْعَالَمَ كُلَّهُ، طُرِحَ إِلَى الأَرْضِ، وَطُرِحَتْ مَعَهُ مَلاَئِكَتُهُ» (رؤيا 12: 9).

أيضًا، هناك وعد الله لإبراهيم: «وَيَتَبَارَكُ فِي نَسْلِكَ جَمِيعُ أُمَمِ الأَرْضِ» (تكوين 22: 18). وهو وعدٌ تكرّرَ مع إسحق ويعقوب (تك 26: 4، 28: 14). انكشف المعنى الحقيقيّ لهذا الوعد لليهود تدريجيًّا، خلال السَّبي، ومصائب أخرى أيضًا، وهو الوعد بمخلّص العالم.

ب. النّبوءات: بركة يهوذا. بينما كان البطريرك يعقوب يبارك أحد أبنائه مباشرةً قبل موته، نطق بنبوءةٍ أكثر وضوحًا عن المخلّص: «لاَ يَزُولُ قَضِيبٌ مِنْ يَهُوذَا وَمُشْتَرِعٌ مِنْ بَيْنِ رِجْلَيْهِ حَتَّى يَأْتِيَ شِيلُونُ وَلَهُ يَكُونُ خُضُوعُ شُعُوبٍ» (تكوين 49: 10). بعبارةٍ أخرى، إنَّ سلطان سبط يهوذا لن ينقطع إلى حين مجيء المخلّص، رجاء كلّ الأمم. على هذا، فإنَّ بُطلان سلطان سبط يهوذا، يكون علامةً واضحةً لمجيء المخلّص. رأى الدّارسون اليهود في «المخلِّص»، «المسِيَّا» المنتَظَر، وأطلقوا عليه بالعبريّة اسمَ «شيلون».

نبوءةٌ أخرى تُشكّلها كلمات موسى لشعبه: «يُقِيمُ لَكَ الرَّبُّ إِلهُكَ نَبِيًّا مِنْ وَسَطِكَ مِنْ إِخْوَتِكَ مِثْلِي. لَهُ تَسْمَعُونَ» (تثنية 18: 15). وخرج من العبرانيّين عدَّة أنبياء عظماء بعد موسى، إلَّا أنَّ كلمات موسى لم تكن عن أيٍّ منهم. وسفر تثنية الاشتراع نفسه، يشهد لوقتٍ قريبٍ من موسى «وَلَمْ يَقُمْ بَعْدُ نَبِيٌّ فِي إِسْرَائِيلَ مِثْلُ مُوسَى» (تث 34: 10). الرَّبّ يسوع المسيح نفسه، أشار بكلام موسى إلى نفسه «لأَنَّكُمْ لَوْ كُنْتُمْ تُصَدِّقُونَ مُوسَى لَكُنْتُمْ تُصَدِّقُونَنِي، لأَنَّهُ هُوَ كَتَبَ عَنِّي» (يوحنّا 5: 46).

ثمّ تأتي عدّة نبوءاتٍ في سفر المزامير على شكل صُوَرٍ، والمزمور 21 هو الأكثر تعبيرًا عنها، وقد عَدَّه مُعَلِّمو اليهود الأوائل تسبيحةَ «المسِيَّا». يصوّر هذا المزمور الآلامَ الشّديدة والمُبرِحة الّتي تكبدَّها المخلِّص على الصّليب «إلهي، إلهي، اُنظر إليَّ. لماذا تركتني؟ ...كلُّ الّذينَ شاهدوني استهزَئوا بي، تكلَّموا بشفاههم، وهزّوا رؤوسهم قائلين: اِتَّكلَ على الرَّبِّ، فليُنجّهِ ويُخلِّصْهُ ...كالماءِ انسكبتُ، وتبعثرَتْ جميعُ عظامي ...اِقتسَموا ثيابي بينهُم وعلى لباسي اقترعوا...». وتَرِدُ في نهاية هذا المزمور، كلماتٌ تُشير إلى انتصار الكنيسة «في الكنيسة العظيمة أعترفُ لكَ ...يأكلُ البائسون ويشبعون ...فتحيا قلوبُهُم إلى الأبد».

هناك عدَّة مزامير أيضًا تحتوي على نبوءاتٍ وصورٍ كهذه، بعضها يُعلن عن آلام المخلِّص (المزامير 39، 68، 108، 40، 15، 8)، وأخرى تُعلن عن مجده (المزامير 2، 109، 44، 67، 117، 96، 94).

نهايةً، تَظهر قُبيلَ نهاية مرحلة العهد القديم، عدّة نبوءاتٍ في كتب الأنبياء الصّغار والكبار، كُما يُسَمَّون، وهي تُظهِرُ جَلِيًّا مجيءَ ابن الله القريب. تتحدّث هذه النّبوءات عن سابق الرَّبِّ، وعن زمان، ومكان، وأحوال ميلاد المخلِّص، وعن صورته الرّوحيّة-الجسديّة (وداعته، وتواضعه، وصفاتٍ أخرى)، وعن الأحداث الّتي تسبق خيانة الرَّبّ، وعن آلامه وقيامته، وعن انحدار الرُّوح القدس، وخاصيَّة العهد الجديد، وعن جوانب عديدة لمجيء الرَّبّ.

من بين هذه النبوءات، يشغل الإصحاح 53 من سفر إشعياء النبيّ مكانةً خاصَّة؛ فهو يُعطي صورةً عن آلام المسيح على الصّليب. إليكم كيف يُجسِّدُ إشعياء آلام «المسِيَّا» (المسيح) الخلاصيَّة: «مَنْ صَدَّقَ خَبَرَنَا، وَلِمَنِ اسْتُعْلِنَتْ ذِرَاعُ الرَّبِّ؟ نَبَتَ قُدَّامَهُ كَفَرْخٍ وَكَعِرْق مِنْ أَرْضٍ يَابِسَةٍ، لاَ صُورَةَ لَهُ وَلاَ جَمَالَ فَنَنْظُرَ إِلَيْهِ، وَلاَ مَنْظَرَ فَنَشْتَهِيَهُ. مُحْتَقَرٌ وَمَخْذُولٌ مِنَ النَّاسِ، رَجُلُ أَوْجَاعٍ وَمُخْتَبِرُ الْحَزَنِ، وَكَمُسَتَّرٍ عَنْهُ وُجُوهُنَا، مُحْتَقَرٌ فَلَمْ نَعْتَدَّ بِهِ. لكِنَّ أَحْزَانَنَا حَمَلَهَا، وَأَوْجَاعَنَا تَحَمَّلَهَا. وَنَحْنُ حَسِبْنَاهُ مُصَابًا مَضْرُوبًا مِنَ اللهِ وَمَذْلُولاً. وَهُوَ مَجْرُوحٌ لأَجْلِ مَعَاصِينَا، مَسْحُوقٌ لأَجْلِ آثَامِنَا. تَأْدِيبُ سَلاَمِنَا عَلَيْهِ، وَبِحُبُرِهِ شُفِينَا. كُلُّنَا كَغَنَمٍ ضَلَلْنَا. مِلْنَا كُلُّ وَاحِدٍ إِلَى طَرِيقِهِ، وَالرَّبُّ وَضَعَ عَلَيْهِ إِثْمَ جَمِيعِنَا. ظُلِمَ أَمَّا هُوَ فَتَذَلَّلَ وَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. كَشَاةٍ تُسَاقُ إِلَى الذَّبْحِ، وَكَنَعْجَةٍ صَامِتَةٍ أَمَامَ جَازِّيهَا فَلَمْ يَفْتَحْ فَاهُ. مِنَ الضُّغْطَةِ وَمِنَ الدَّيْنُونَةِ أُخِذَ. وَفِي جِيلِهِ مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنَّهُ قُطِعَ مِنْ أَرْضِ الأَحْيَاءِ، أَنَّهُ ضُرِبَ مِنْ أَجْلِ ذَنْبِ شَعْبِي؟ ... لِذلِكَ أَقْسِمُ لَهُ بَيْنَ الأَعِزَّاءِ وَمَعَ الْعُظَمَاءِ يَقْسِمُ غَنِيمَةً، مِنْ أَجْلِ أَنَّهُ سَكَبَ لِلْمَوْتِ نَفْسَهُ وَأُحْصِيَ مَعَ أَثَمَةٍ، وَهُوَ حَمَلَ خَطِيَّةَ كَثِيرِينَ وَشَفَعَ فِي الْمُذْنِبِينَ» (إشعياء 53: 1-8، 12).

نقرأ في سفر دانيال النبيّ، عن الكشف المعطى له من رئيس الملائكة جبرائيل بما يختصّ بالأسابيع السّبعين (490 سنة)؛ المرحلة الزّمنيّة من صُدور الأمر بتجديد أورشليم قبل المسيح، إلى حين موته وانقضاء، العهد القديم، أي إبطال تقديم الذّبائح في هيكل أورشليم (دانيال 9: 24-27).

أعطت هذه النّبوءات والوعود، قبل كلّ شيءٍ، سَنَدًا للمختارين، خاصَّةً خلال المراحل الصّعبة من حياتهم؛ أعطتهم سندًا لصمودهم، وإيمانهم، ورجائهم. وثانيًا، هيّأت البشر ليتمكّنوا من معرفة أنّ يوم الوعد اقتربَ، ومن معرفة المخلِّص نفسه، حسب ما نطق به الأنبياء.

بفضل هذه النّبوءات، ومع اقتراب مجيء المخلِّص، كان اليهود الأتقياء ينتظرونه بِتَيَقُّظٍ. نرى هذا في الأناجيل، وينكشف في ترقّب سمعان الحامل الإله، الّذي استُعلِنَ له أنَّه لن يرى الموت إلى أن يرى مسيح الرَّبّ (لوقا 2: 26). يظهر هذا، في جواب المرأة السّامريّة للرّبّ: «أَنَا أَعْلَمُ أَنَّ مَسِيَّا، الَّذِي يُقَالُ لَهُ الْمَسِيحُ، يَأْتِي. فَمَتَى جَاءَ ذَاكَ يُخْبِرُنَا بِكُلِّ شَيْءٍ» (يوحنّا 4: 25). كما في سؤال اليهود، الّذين أقبلوا إلى يوحنّا المعمدان ليسألوه إن كان هو المسيح (يوحنّا 1: 20-25)، وفي كلمات أندراوس، المدعو أوّلًا، إلى أخيه سمعان، بعد لقائه الأوّل بالمسيح: «قَدْ وَجَدْنَا مَسِيَّا» (يوحنّا 1: 41). كذلك الأمر في الكلام المشابه الّذي وجّهه فيليبس لنثنائيل، في المقطع الإنجيليّ الّذي يُخبرنا عن دعوتهما إلى الرّسوليّة (يوحنّا 1: 44-45). شهادة أخرى لذلك، هو سلوك الجموع عند استقبال الرَّبّ، وهو داخلٌ إلى أورشليم.

  1. نزيد على ما وردَ سابقًا، حقيقةَ أنّ ليس اليهودُ وحدَهم، هم مَن استعدّوا لاستقبال المخلّص؛ بل العالم بِرُمَّتِه، حتّى ولو بدرجةٍ أقلّ.

حتى في العالم الوثنيّ أيضًا، فقد حُفظَت تقاليدُ تتناول موضوع أصل الجنس البشريّ المبارك (العصر الذّهبيّ)، حتّى ولو بشكل مُحَرَّف، وعن سقطة الجدَّين الأوَّلَين من الفردوس، وعن الطّوفان الّذي هو نتيجة فساد الإنسان، وأهمّها التّقليد الّذي يُخبر عن مجيء مخلّص الجنس البشريّ، وتَرَقُّب مجيئه. هذا نراه في أعمال أفلاطون، وبلوتارخوس (Plutarch) وفيرجيليوس (Virgil) وأوفيديوس (Ovid) وسترافو (Strabo)، وفي تاريخ أديان العالم القديم (مثالٌ على ذلك، تكهُّنات السّيبيلس 1sibyls الّذي نقرأ عنها في كتابات شيشرون (Cicero) وفيرجيليوس).

وجد الوثنيّون أنفسهم على علاقةٍ بالشّعب المختار، وذلك من خلال الزّيارات المشترَكة، والسَّفَر بَحرًا، والحروب وسبي اليهود (خاصَّةً السّبيَ الأشوريَّ، والسّبيَ البابليّ) والتّجارة، وبفضل انتشار الشّعب اليهوديّ، في بلدانٍ مختلفة في جهات العالم القديم الثّلاث، قُبَيل نهاية مرحلة العهد القديم. أصبح ممكنًا، في ظلّ تلك الظّروف، أن ينتشر نور الإيمان بالإله الواحد، والرَّجاء بالمخلِّص، لشعوبٍ أُخرى أيضًا.

تُرجِمَت أسفارُ العهد القديم، من العبريَّة إلى اليونانيّة، خلال القرنَين السّابقَين لميلاد المسيح، وقد استخدم العديد من الدّارسين، والكتّاب، والمثقّفين الوثنيّين بشكلٍ عامٍّ هذه التّرجمة. وهناك عدَّة شهاداتٍ عن ذلك، لا سيَّما بين الكُتّاب المسيحيّين القدماء.

نعرف من خلال الكتاب المقدَّس أنّه، إلى جانب الشّعب المختار، هناك شعوبٌ أخرى آمنَت بالإله الواحد، وكانت على طريق اقتبال العبادة. نجد ذلك، في الحديث عن ملكيصادق في سفر التّكوين (تكوين 14: 18)، وفي حكاية أيّوب، وفي الحديث عن حَمي موسى يِثرون كاهن مِدْيَان (خروج 18). كما نجده أيضًا، في رواية بَلْعام الّذي تنبّأ عن «المسِيَّا»، قائلًا: «أَرَاهُ لكِنْ لَيْسَ الآنَ. أُبْصِرُهُ لكِنْ لَيْسَ قَرِيبًا» (عدد 24: 17)، وفي توبة أهل نينوى، بعد أن بشَّرَهُم يونان. إنَّ استعدادَ الكثيرين من نخبة الشّعب الوثنيّ، لاستقبال بشرى المخلِّص السارَّة، مشهودٌ له بحقيقة أنّ كنيسة المسيح زُرعَت بسرعةٍ في بلاد العالم الوثنيّ كلّها، عبر بشارة الرُّسل، حتّى أنّ المسيح نفسه وَجَدَ بينهم، أحيانًا، إيمانًا لم يَجِدْ نظيرًا له بين اليهود.

«لكِنْ لَمَّا جَاءَ مِلْءُ الزَّمَانِ» (غلاطية 4: 4)، أو، بعبارةٍ أخرى:

لمـَّا ذاقَ الإنسانُ المتحدِّرُ من آدم، من شجرة معرفة الخير والشَّر روحيًّا، واختبر حلاوة عمل الخير ومرارة فعل الشَّر؛

لمـَّا وصل مُعظم البشر، إلى حالةٍ قصوى من عدم التّقوى والفساد؛

لمـَّا كان لِخيرة الجنس البشريّ، حتّى ولو كانت الأقليَّة، عطشًا كبيرًا، وشوقًا، ورغبةً برؤية الفادي، والمُصْلِح، والمخلِّص و«المسِيَّا» المنتَظَر؛

لمـَّا كانت الأوضاعُ السّياسيّة، بمشيئة الله، جاهزةً، إذ صار العالم المتحضّر متّحِّدًا، وتحت سلطة روما؛ مِمّا خدم انتشار الإيمان وكنيسة المسيح؛

حينها، أقبل ابن الله المنتَظَر إلى الأرض.

المصدر:

Pomazansky, Protopresbyter Michael. Orthodox Dogmatic Theology. Translated by Hieromonk Seraphim Rose. Saint Herman of Alaska brotherhood, 2009. Print. Pages 171-177.

1. السّيبلس كُنَّ عَرّافات، وكانت تكهُّناتهنَّ ذائعة الصّيت في روما الوثنيّة. كانت هذه التكهّنات تُشير بشكل خاصّ إلى مصير الشّعوب، والمملكات والحُكّام، وبعضها لمّح لمجيء المسيح.