الأرشمندريت أثناسيوس ميتيليناوس
نقلته إلى العربية: رولا الحاج
نأتي إلى سؤالٍ آخر هو: هل الصّوم فضيلةٌ؟
نعم، بالتّأكيد. إضافةً إلى ذلك، إنّ الصّوم، هو الفضيلة الأولى بين الفضائل، كما سنرى. ستسألون: «كيف لها أن تكون الفضيلة الأولى؟» نعم، إنّها الأولى، وسأوضح ذلك لكم.
كيف لنا أن نعرف أنّ الصّوم فضيلة؟ ماذا تعني «فضيلة»؟ اِسمحوا لي، أن أقدّم لكم تحديد «الفضيلة»؛ لكي تعرفوه دائمًا.
لكي تصنّف أمرًا ما، على أنّه فضيلة أم لا، سنأخذ بعين الاعتبار الإجابة، الّتي يقدّمها القدّيس يوحنّا السلّميّ، عن السّؤال التّالي: «ما الفضيلة»؟
يجيب القدّيس: «إنّها عملٌ موجّهٌ إلى الله، باختيار الإنسان». هذا هو تحديد «الفضيلة».
ماذا يعني هذا؟ يعني ثلاثة أمور.
أن تكون الفضيلة عملاً، يعني أنّها تتطلّب جهدًا؛ جهدًا شخصيًّا. وهذا العمل يجب أن يكون موجّهًا نحو الله، وأن يحدث طوعيًّا. فهذه الأمور الثّلاثة، تكوّن الفضيلة. فلنتناول موضوع الصّوم. هل هو عملٌ؟ إنّه عملٌ بلا شكّ؛ لأنّك عندما لا تأكل ما تتمَّناه، إنّما تأكل طعامًا بسيطًا، وعاديًّا، ألا يكون ذلك «عملاً»؟ هل تقوم به طوعيًّا؟ هذا هو العنصر الثّاني.
وما تقوم به طوعًا، هل تقوم به من أجل الله؟ هو ذا العنصر الثّالث. إذن، هذه فضيلةٌ.
إن كان أحد هذه العناصر الثّلاثة ناقصًا، عندئذٍ لا تكون الفضيلة متوفّرةً عندنا. حتّى لو كان العنصران الآخران، موجودَين.
لنأخذ مثالاً. إذا كنت أتّبع نظامًا غذائيًّا: أنا أصوم، وهو عملٌ يتطلّب جهدًا، وأقوم به طوعيًّا، ولكنّه ليس موجّهًا نحو الله؛ إنّما أصوم لكيما أُنقِصَ وزني، من أجل مظهري. هل هذه فضيلة؟ كلّا. سأعطيكم مثالاً آخر. إذا صمتُ من أجل الله، وهو عملٌ يتطلّب جهدًا، لكنّه ليس طوعيًّا، ومع ذلك تأفّفتُ. وبما أنّني أتكلّم مع شبابٍ، خذوا هذا المثال. إذا كانت عائلتكَ صائمةً، وأنتَ لا ترغب مشاركتَهم الصّيام طوعيًّا، وتتأفّف قائلاً: «أوف! الصّيام مرّة أخرى». إذن، أيّها الأبناء، ليست هذه فضيلةً؛ لأنّها لا تُعمَل طوعيًّا. من هنا، ترَون أنّه إذا نقص أحدُ هذه الأسباب المذكورة آنفًا، فلا تتوفّر عندنا فضيلة. فالصّوم، هو حقًّا فضيلةٌ؛ لأنّه يتطلّب اجتماع العناصر الثّلاثة.
لنلقِ نظرةً على أمر آخر. لا تنسَوا أنّه إلى جانب فضيلتين أُخريين، توجد الفضائل الثّلاث الأولى، الّتي أعطاها الله لآدم وحوّاء. أعطى الله ثلاثَ فضائل لآدم وحوّاء. أيّ منها الأولى؟ الأولى أن يَعمَلا في الجنّة. والثّانية أن يحرُسا الجنّة (تكوين ١٥: ٢). والثّالثة أن يصوما، أي ألّا يأكلا من ثمرة الشّجرة المحرّمة (تكوين 2: 16-17). إذن، هي ثلاث فضائل. يقول القدّيس باسيليوس، إنّ الصّوم «عمرُه من عمر الإنسان». لاحظوا أنّ هذه الوصيّة قديمةٌ حقًّا، وذات أهميّةٍ بالغة. اِسمعوا، «أوليس التّواضع، والمحبّة، والإيمان كذلك». اِسمحوا لي، من فضلكم ثانيةً.
هل تعلمون، ما الخطايا المميتة؟ إنّ عددَها سبعة. هل تعلمون الأولى بينها؟ إنّها الشّراهة. وهل تعلمون لماذا هي الأولى؟ لأنّ الشّراهة تفتح الباب؛ باب الخطايا السّت المميتة، للدّخول. تُسمّى هذه الخطايا «مميتةً» لأنّها تقود النّفس إلى الموت. إذا لم يتب المرء، فمن الممكن أن يُقال إنّه خسر نفسه. وما الشّراهة؟ إنّها الشّهوة، الّتي تجعلني أرغب أمرين: المبالغة في إرضاء الشّبع، الّتي تسمّى الشّراهة (باليونانيّة gastrimargia) والحلق من جهة الطّعام اللّذيذ (أي لذّة التذوّق) وهذا يسمّى النَّهم (λαιμαργία في اليونانيّة). عندما أصبح عبدًا لهذا الهوى – ويا له من هوىً رهيب - بعده تأتي مباشرة، الخطايا الجسديّة.
تشمل الخطيئة الثّانية المميتة، الخطايا الجسديّة وما إلى ذلك. إذن، ما الّذي يؤلّف «المدخل إلى الخطايا المميتة»؟ إنّها الشراهة. وما باب الفضائل؟ نقيض الشّراهة، وهو الصّوم. ولهذا فإنّ الصّوم، هو باب الفضائل. وهذا ما تقوله أيضًا ترانيمنا. لهذا السّبب؛ نتكلّم خلال الصّوم الكبير على الصّيام وما إلى ذلك. يدخل الصّوم لكي نتمكّن من تنمية بقيّة الفضائل.
لكن ما جوهر فضيلة الصّوم؟ فضيلة الصّيام لها وجوهٌ متعدّدة. لها عدّة جوانب قيّمة. طبعًا، أنا لا أُحلّل معنى الصّيام في الوقت الحاليّ، ولكنّني أُجيب ببساطةٍ عن سؤالٍ. حتّى لو افترضنا أنّ الصّوم، ليس له أيّ قيمةٍ ليُقدّمها على الإطلاق... تبقى لديه خاصيّةٌ عظيمةٌ، ألا وهي الطّاعة، أي أنّ الله أوصى بها. وانتهى الأمر. إذا سُئلتَ: لماذا تصوم؟ تُجيب: لأنّ الله قال هذا. هذا ما قاله آدم وحوّاء للشّيطان. قال الله لنا ألّا نأكل. لقد فشلوا في احترام الوصيّة وحسب.
لا بدَّ من أن تعرفوا هذا، أيّها الأبناء. إذا سُئلتُ: «لماذا نصوم؟ من أين جئتَ بهذا الأمر؟ وأين كُتِبَ؟» وهذا ما يسأله أصحاب الكسل الرّوحيّ، البُلَداءُ غيرُ الرّاغبين بالقيام بأيّ عمل روحيّ. فيسألون: «أين تجد هذا مكتوبًا وما إلى ذلك؟» الله قال ذلك، يا أبنائي. وبما أنّ الله قال هذا، فالمسألة محسومة. الله، من خلال الكنيسة، يقول هذا. زيادةً على ذلك، الكتاب المقدّس مليءٌ بالشّواهد، عن الصّوم، إنّه مفعمٌ بها. لكن حتّى وإن لم تتوفّر الشّواهد في الكتاب المقدّس، فما دامت الكنيسة تُنادي بالصّوم، فإنّ الطّاعة للكنيسة هي الطّاعة لله. هذا هو الجواب عن هذا السّؤال.
المرجع:
Audio source: “Answers to Sunday school questions”, no. 124, March 22, 1987 (in Greek)