إجاباتٌ عن أسئلةٍ

القديس نيقولاي فيليميروفيتش

نقلتها إلى العربيّة: يولا يعقوب

 

«أنتَ بُستانيٌّ ذو خبرةٍ، وتعرف مقدار الجُهدِ الذي تتطلّبه زراعة الخُضراوات، فأنتَ لا تترك نبتةً واحدة من دون أن تعتني بها. كيف لا يَسَعُنا إذن أن نجتهد من أجل نفسنا، التي هي كنزنا الوحيد، والتي لا يستطيع القبر نفسه إهلاكها؟»

 

السؤال الأول

إلى راهبة تسأل عن المَثَل التالي: يشبه ملكوت السّماوات خميرةً... قال الرّبّ: «يُشْبِهُ مَلَكُوتُ السَّمَاوَاتِ خَمِيرَةً أَخَذَتْهَا امْرَأَةٌ وَخَبَّأَتْهَا فِي ثَلاَثَةِ أَكْيَالِ دَقِيق حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ». (متّى 13: 33).

تريدين التَّعَمُّقَ في سرّ هذه الكلمات أيّتها الأخت المُحِبَّة للّه. بالحقيقة، يوجد سرٌّ روحيٌّ عظيمٌ مُستَتِرٌ في هذه الكلمات. بالنّسبة للذهن الجسديّ، يبدو هذا المَثَلُ بسيطًا للغاية. بَيْدَ أنّ هذا الفهم الّذي ينبع من الرّوح القدس، يتعذّر على الذّهن الجسديّ بُلوغَه، فعلى المرء التَّعَمُّق روحيًّا في معنى هذه الكلمات. وإذا تعمّق المرءُ به روحيًّا، كما فعل الآباء القدّيسون، فإنّه يظهر على النّحو التّالي:

الخميرة تشير إلى الرّوح القدس؛ والمرأة تشير إلى النّفس البشريّة؛ فعل الأخذ والتّخبئة يعني أن نأخذ من الله، ونضعَ ما ننال في أنفسنا؛ الأكيال الثّلاثة، ترمز إلى قوى النّفس الثّلاث: الذّهن والقلب والإرادة؛ أمّا الدّقيق فيرمز إلى هذه الثّلاث في حالتهم الطّبيعيّة؛ «حَتَّى اخْتَمَرَ الْجَمِيعُ» تشير إلى أنّه يجب على الجميع أن يختمر، أيّ أن يسكن فيه الرّوح القدس.

وبكلماتٍ أخرى، عندما تصبح نفس الإنسان مستحقّة، فهي تأخذ من خالقِها روحَه القدوس. وبعد أن تنال النفس الروح القدس، تحتفظ به في الذّهن إلى أن يصبح الذّهن متألِّهًا، ومن ثمّ تحتفظ به في القلب إلى أن يصبح القلب متألِّهًا؛ تحتفظ به، إلى أن تصبح الإرادة متألّهةً. تحتفظ به في هذه «الأكيال» الثّلاثة في آنٍ معًا، حتّى تصبح النّفس بِجُملَتِها متألّهةً. إذ ذاك، حين يتألّه الكلّ (أي الذهن والقلب والإرادة)، تستنير النّفس وترتفع مثل العجينة المختمرة. وبذلك، تغتني النفس روحيًّا وتتقدّس، وتكون عندئذٍ قادرةً على إحياء الجسد أيضًا، ومنحِه ولادةً جديدةً، وتقديسِه. أليسَ هذا هو ملكوت السّماوات؟ أليسَ هذا مَثَلًا رائعًا؟

سلامٌ، ونعمةٌ لكِ من الرّبّ!

 

 

السؤال الثاني

إلى الرّاهب سمعان بشأن استخدام كلمتَي «اليوم» و«اللّيلة» في إنجيل لوقا 17: 30 – 34.

في عظته حول نهاية العالم ومجيئه الثّاني، يستخدم الرّبّ يسوع المسيح كلمتَي «اليوم» و«اللّيلة» مُتَرادِفَتَين. إنّه يقارن مجيئه الثّاني المُباغِت بسرعة البرق: هكذا سيكون اليوم الذي يتمّ فيه إعلان ابن الانسان. ويقول لِسامِعيه: فِي ذلِكَ الْيَوْمِ مَنْ كَانَ عَلَى السَّطْحِ وَأَمْتِعَتُهُ فِي الْبَيْتِ فَلاَ يَنْزِلْ لِيَأْخُذَهَا. وفيما بعد: فِي تِلْكَ اللَّيْلَةِ يَكُونُ اثْنَانِ عَلَى فِرَاشٍ وَاحِدٍ، فَيُؤْخَذُ الْوَاحِدُ وَيُتْرَكُ الآخَرُ...

إنّه يتحدّث عن الوقت عينه، ولكنّه أحيانًا يقول «في ذلك اليوم»، وأحيانًا أخرى، «في تلك اللّيلة». أنت تسأل، كيف يمكن تفسير ذلك؟ كلّ الكلمات التي تخرج من فم المسيح معصومة من الخطأ؛ بِالتالي، لذا، كلماتُه هذه، هي أيضًا معصومةٌ من الخطأ.

في الحديث عن «ذلك اليوم»، يتكلّم عن مجيئه الثاني، في حين أنّ عبارة «تلك اللّيلة» تشير إلى نهاية العالم ونهاية الأزمنة. يحدث هذا في الوقت عينه: هو الحد الفاصل بين الزّمن والأبديّة، بين انتهاء الزمان وبداية الحياة الأبديّة. عندما تظلم الشّمس، إذ لا تعود تشرق من بعد، وعندما تظهر علامة ابن الإنسان السّاطعة كي تشرق إلى الأبد، عندئذٍ لن يكون هناك المزيد من الوقت. سيختفي الزّمن (أي الوقت)، وهناك سَيُبشَّر بيوم الرّبّ الأبديّ، إذ تَنْحَلُّ الْعَنَاصِرُ مُحْتَرِقَةً، وَتَحْتَرِقُ الأَرْضُ وَالْمَصْنُوعَاتُ الَّتِي فِيهَا (2 بطرس 3 : 10).

سيكون هذا آخرَ لقاءٍ بين اللّيل والنّهار، وانفصالهما النّهائيّ إلى الأبد. على هذا، عند الحديث عن اللقاء الأخير للّيل والنّهار وانفصالهما النّهائيّ، لا فرق بين «ذلك اليوم» أو «تلك اللّيلة».

هذا التّعبير الذي يبدو لنا الآن متناقضًا أو غير مفهومٍ، فيما مسار الزّمن لا يزال يشير الآن بشكل ثابت إلى الفرق بين النهار والليل، يفقد تناقضه على عتبة ذلك المفصل المُحَتَّم بين مَسار الزّمن والأبديّة.

سلامٌ لكَ من الله وبركةٌ!

 

السؤال الثالث

من خادزي جوفانو، الذي يسأل: «ما الأهمّ لخلاص النّفس؟»

سأطرح عليك سؤالًا مُماثِلاً يا رفيقي العزيز، وستكون الإجابةُ التي تعطيني إيّاها الإجابةَ على سؤالك أيضًا.

ما الأهمّ بالنّسبة لطفلٍ حديث الولادة؟ ربّما الطّعام، أو الدّفء، أو الاستحمام، أو الرّعاية؟ ربّما ستجيب، أنّه يحتاجها كلّها. في الواقع، سيكون عليك التَّسليم، أنّ هذه الأمور كُلَّها، ضروريّة لنموّ الطّفل السّليم.

هكذا أيضًا، فإنّ نفس الإنسان، الّتي تستيقظ من سُبات الخطيئة، وتتوب، تشبه طفلاً حديث الولادة. دعونا نذكر ما قاله المسيح لِنيقوديموس: يَنْبَغِي أَنْ تُولَدُوا مِنْ فَوْقُ (يوحنّا 3: 7). تحتاج النّفس المولودة حديثًا، أن تغتذي من تعاليم المسيح؛ تحتاج أن تتطهّر بالصّوم، وبالصّلاة؛ تحتاج دفء المحبّة تجاه خالقِها، وتحتاج أن تحفظ أفكارها، ورغباتِها من سهام الهلاك. أَلَمْ يوصينا المخلّص من خلال رُسُلِهِ: إِنْ كُنْتُمْ تُحِبُّونَنِي، فَٱحْفَظُوا وَصَايَايَ؟ وهو لم يقل أن نتمّم وصيّةً واحدةً فقط؛ بل أن نتمّم الوصايا، أي جميعها. ليست وصايا المسيح، مجرّد فعلٍ واحدٍ، أو عملٍ واحدٍ؛ بل أعمالٌ متعدّدةٌ.

أنتَ بُستانيٌّ ذو خبرةٍ، وتعرف مقدار الجُهدِ الذي تتطلّبه زراعة الخُضراوات. فأنتَ لا تترك نبتةً واحدةً، من دون أن تعتنيَ بها. كيف لا يَسَعُنا إذن أن نجتهد من أجل نفسنا، الّتي هي كنزنا الوحيد، والّتي لا يستطيع القبرُ نفسُه إهلاكَها؟

لقد اقتنيتَ حديقةً في أورشليم. ليست هذه إحدى وصايا الله، ومع ذلك، فقد قمتَ بهذا العمل، بدافع محبّتكَ لله، ومن أجل خلاص نفسكَ. كيف يمكننا إذن، أن نزدري حتّى لو واحدةً من وصايا مخلِّصنا، على أنّها غيرُ مهمّة؟ سلامٌ، وفرحٌ لكَ من الرّبّ!

 

https://stvladimirs.ca/answers-to-questions-by-bishop-nikolai-velimirovich/